نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ١٨ تشرين الثّاني ۲٠١٨
العدد ٤٦
الأحد (25) بعد العنصرة
اللّحن ٨- الإيوثينا ٣
أعياد الأسبوع: *18: الشّهيدان بلاطن ورومانس *19: النّبي عوبديا، الشّهيد برلعام *20: تقدمة عيد الدّخول، غريغوريوس البانياسي، بروكلس بطريرك القسطنطينيّة *21: عيد دخول سيّدتنا والدة الإله إلى الهَيكل *22: الرّسول فيليمن ورفقته، الشّهيدة كيكيليا ومن معها *23: أمفيلوخيوس أسقف إيقونية، غريغوريوس أسقف أكراغندينون *24: الشّهيدان كليمنضوس بابا رومية وبطرس بطريرك الإسكندريّة.
كلمة الرّاعي
الخبث والرّياء
(صفات أبناء إبليس)
الخبث والرّياء هما أن يُظهر الإنسان عكس ما يُبطِّن، لا سيَّما أن يُظهر الصّلاح والبِرّ والتّقوى في حين يكون القلب مَملوءًا حِقدًا وكرهًا وكذبًا. الحقد والكره والكذب صفات إبليس عدوّ الإنسان. إذًا، الخبث والرّياء هما كذب في إظهار حقيقة موقف الإنسان من إنسان آخَر أو عمل ما، فيُظهر الإنسان الرّضى والمُوافقة والتّشجيع ويكون في الحقيقة يُضمر السُّخط والرّفض والعَرقلة. هكذا يعمل الشّيطان لأجل تدمير الإنسانيّة والكنيسة.
"مَنْ يُغَطِّي بُغْضَةً بِمَكْرٍ، يَكْشِفُ خُبْثَهُ بَيْـنَ الْجَمَاعَةِ" (أمثال 26: 26). هكذا يعمل الشّيطان وأتباعه، لكن لا يخفى خبثهم لأنه يُكشَف سريعًا للجماعة، لأنّ الرّياء لا يمكن أن يستمرّ بل يُعلِن عن نفسه من دون إرادة صاحبه، إذ "لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ..." (متّى 10: 26).
* * *
ما هو مصدر الخبث والرّياء يا ترى؟ يقول سفر الحــــكـــــمـــــــــة إنّ "الْخُــــــــــــبْـــــــــــثَ مُلاَزِمٌ لِـلْـــــــــــــــــجُــــــــــبْنِ" (الحكمة 17: 10)، لأنّ الخبيث يخاف من قول الحقيقة والإفصاح بها لئلّا تتشوّه صورته لأنّه ليس عنده القدرة على المواجهة إذ يعرف في قرارة نفسه أنّه يسلك في ما يحقِّق له مصلحته الخاصّة ويُشبِع أهواءه هو على حساب كلّ آخَر، فيحافظ على صورته أمام النّاس أمّا أمام الله وأخصّائه فصورته مكشوفة مفضوحة. كلّ موضوع الخبث والرّياء والنّفاق مرتبط بصورة الإنسان أمام الآخَرين وبالشَّرِّ الكامِن فيه المتأتّي من الأنانيّة وعدم تقبّله لروح الشّركة، ومن الكبرياء وعدم قدرته على قبول رأي آخَر مخالف. إنّه، كما يسمّيه الكتاب المقدَّس، "الملتوي" وهو "رَجْسٌ عِنْدَ الرَّبِّ، أَمَّا سِرُّهُ فَعِنْدَ الْمُسْتَقِيمِينَ" (أمثال 3: 32). لذلك، يقول الكتاب أيضًا: "مع البارِّ تكون بارًّا ومع الملتوي تُبدي تَبَرُّمًا" (مزامير 18: 26) أي أنّ الرّبّ لا يستطيع أن يحتمل الملتوي ولا يصبر عليه بل يتركه "للهوان" (أنظر: أمثال 12: 8) لأنّ طريقه مملوء بالشّوك والفخوخ (أنظر: أمثال 22: 5) وسيسقط عاجلًا أم آجلًا بشـرّ أفكاره ونواياه وأعماله.
* * *
أيُّها الأحبّاء، نحن أبناء المسيح ولا نستطيع إلّا أن نكون أنقياء من هذه الصّفات، "لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْــــــــــــــــمِ؟ وَأَيَّـــــــــــــةُ شَـــــــــــــــــرِكَــــةٍ لِلـــــــــــنُّــــــــورِ مَعَ الظُّـــــلْـــمَــةِ؟" (2 كورنثوس 6: 14). من كان من المسيح لا يستطيع إلّا أن يحارب ثمار إبليس في نفسه وفي البشر بقوة الرّوح القدس السّاكن فيه بالكلمة الإلهيّة بمشيئة الله الآب. من يطيع الله يطرد إبليس ومشيئته المدمِّرَة للإنسان بالخبث والرّياء والكذب، لأنّ الشّيطان يَمْكُرُ بنا عبر الجسد وأهوائه، لأنّ الإنسان السّاقط ما عاد قادرًا أن يميِّز حاجاته الحقيقيّة ومصدر فرحه بوضوح، فيختطفه الخصم بنقائصه وآلامه نحو إكمال ذاته في النّقص وإسكات أوجاعه بالمسكِّنات (الملذَّات والقوى الغضبيّة) الّتي تزيد آلامه لأنّها تزيد النّقص نقصًا والضّعف ضعفًا والوجع وجعًا كونها لا تعالج مصادر المرض وأسبابه.
أيّها الإنسان اعرف نفسك ولا تكن ملتويًا مع ذاتك، لأنّ الخبث والرّياء هما خداعك لنفسك، أوَّلًا، وطردك لنعمة الرّوح القدس وعبوديّتك للعدوّ. أطلب، أيّها الحبيب، "ملكوت الله وبرّه" ولا تخف من شيء ولا من وجه إنسان، كن شجاعًا وتمسَّك بالحقّ في طاعة كلمة الإنجيل تجاه نفسك، حينها تصير حرًّا من كلّ خداع العدوّ وسلطانه وتصير "ابنًا للنور" لأنّ الحقّ صار إليك وفيك هو الكلّ في الكلّ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الثّامن)
اِنحدَرْتَ من العُلوِّ يا مُتحنِّن، وقَبِلْتَ الدّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام لكي تُعتقَنا من الآلام. فيا حياتنا وقيامَتنا، يا ربُّ المجدُ لك.
قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللَّحن الرّابع)
إنّ الهيكل الكلّيَّ النَّقاوة، هيكلَ المخلّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لِمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوح الإلهيّ. فَلْتسِبِّحْها ملائكةُ الله، لأنّها هي المِظلَّةُ السَّماوية.
الرّسالة (أف 4: 1– 7)
صلُّوا وأَوفُوا الربَّ إلهنا
الله معروفٌ في أرضِ يهوذا
يا إخوةُ، أطلُبُ إليكم أنا الأسيرَ في الرّبِّ أن تسلُكُوا كما يَحِقُّ للدّعوةِ التي دُعيتُم بها، بِكُلِّ تواضُعٍ وودَاعةٍ، وبِطُولِ أناةٍ، محتَمِلينَ بعضُكم بعضًا بالمحبّة، ومجتَهدين في حِفظِ وَحدَةِ الرّوح برباطِ السّلام. فَإنَّكم جَسدٌ واحدٌ وروحٌ واحد كما دُعيتُم إلى رَجاءِ دعوتِكُمُ الواحِد. ربٌّ واحِدٌ وإيمانٌ واحِدٌ ومعموديَّةٌ واحدةٌ وإلهٌ أبٌ للجميع واحدٌ هوَ فوقَ الجميعِ وبالجميعِ وفي جميعِكم، ولكلِّ واحدٍ مِنَّا أُعطيتِ النعمةُ على مقدار موهِبَةِ المسيح.
الإنجيل ) لو 12: 16– 21 )لوقا 9))
قال الربُّ هذا المثل: إنسانٌ غَنيٌّ أخصبَتْ أرضُهُ فَفكَّر في نفّسِه قائلاً: ماذا أصنع؟ فإنَّه ليْسَ لي موضِعٌ أخزنُ فيه أثماري. ثمَّ قال هذا، أصنع هذا، أهدِمُ أهرائي وأبْني أكبَرَ منها، وأجْمَعُ هناكَ كلَّ غلاّتي وخيْراتي، وأقولُ لِنفسـي: يا نْفسُ، إنَّ لكِ خيراتٍ كثيرةً، موضوعةً لسنينَ كثيرةٍ فاستريحي وكُلي واشْربي وافرحي. فقال له الله: يا جاهِلُ، في هذه الليلةِ تُطلبُ نَفسُكَ منْكَ، فهذه التي أعدَدتها لِمن تَكون؟ فهكذا مَنْ يدَّخِر لنفسِهِ ولا يستغني بالله. ولمَّا قالَ هذا نادى: مَنْ لَهُ أُذنانِ للسمْع فَلْيسْمَع.
حول الإنجيل
أورد الرَّبُّ هذا المثل لكي يُشدِّد على عواقب الجشع. فالجشع، على أنواعه، يدفع الطَّمّاع ليكنزَ لنفسه. يذكر مَثَل اليوم أملاكًا، وإنتاجات، غير أنَّ مضمونه أوسع بكثير. فالطّمع مرضٌ روحيّ كثير الظّواهر، وميزته الأساسيّة أنّه يجعل حياة الإنسان مستندة إلى أشياء ماديّة، وقوى خارجة عن نطاق الله. وقد تستندُ حياته إلى المال، والممتلكات، أو إلى المعارف البشريّة والدّراسات، أو المناصب والكرامات. هكذا "من كنزَ لنفسه" يرتمي بنَهَمٍ على جمع الغنى، أو كسب المعارف. وهذا من شأنه أن يزوّدَه بنفوذ وشرف بين النّاس، أو أن يُكسبَه مناصبَ أرفع، وأشدّ نفوذًا، قدر الإمكان. من المفيد أن نشيرَ إلى أربع علامات فارقة تميّز تصرّف من يكنز لنفسه:
- أوّلًا، نشاطاته كلّها مرتكزة على ذاته، وعلى اقتناص المتعة الشّخصيّة أو المكانة الاجتماعيّة الأنانيّة.
- ثانيًّا، يجهل عناية الله، لذلك العالم بالنّسبة إليه صيدٌ حرٌّ لا يخصّ أحدًا.
- ثالثًا، يستند فقط إلى قواه الذّاتيّة، قوّة يديه أو قوّة ذكائه. ينظّم حياته كأنّه أبديٌّ على الأرض، ولا يترك مجالًا لتدخّل الله، ولا يسلّم نتيجة مساعيه لحكمة الله وقدرته. لذلك، عندما ينجح في تحقيق أحد أهدافه، يمتلئ من الكبرياء. يرى ذاتَه خالق نفسه، مّما يُحدِرُه إلى قعر سقوط الشّيطان.
- رابعًا، نتيجة ما سبق، يرى في غناه أو معرفته أو منصبه مكسَبًا خاصًّا، لا وسيلة ليُظهرَ عن طريقها محبّتَه، لأنَّ الجشِع لا يحبّ، أو بالأحرى لا يستطيع أن يحبّ، أعني أنّه أسير هواه.
أمّا من يغتني من عند الله يُصبح مسكنًا لنعمة الله. هو مَن وَصَلَ بالجهاد الشّرعيّ، وبقوّة الله إلى التّشبّه بالمسيح. هذا يتحرّك في كلّ عملٍ له بدعاء الله، بعد أن يتيقّن أوّلًا أنّ ما يهدف إليه لا يعاكس مشيئةَ الله. يُجاهدُ وسط المشاكل اليوميّة بقوّة المسيح، لكي ينجح بالتّشبّه به، وهذا لأنه يتمثّل بكلمة المسيح الصّريحة: "من دوني لا تستطيعون شيئًا" (يو 15: 5). من صفات هذا الإنسان التّواضع وعدم البحث في مصلحته الشّخصيّة. يحبّ النّاس، فيعاني مع المتألّمين ويفرح مع الفرحين، ويعطي طعامه للجائعين. يضع غنى محبّته في أكياس الفقراء، ويكتسب كنوزًا في السّماء. يجهّز لنفسه مكان الرّاحة الّذي سبق فتذوّقه في قلبه.
إنّ الغنيّ الجاهل فوجئ بالموت، لأنّ غِناه لن يعبر عتبةَ الموت، أمّا من يغتني عند الله، فمِن الآن "له الحياة الأبديّة". آمين.
الشّدّة والتّجارب الحياتيّة وكيفيّة مواجهتها
يتعرّض الإنسان في حياته لِشَتّى أنواع الشّدائد والتّجارب الّتي تجعله حزينًا أو غضوبًا، ومنها: الفقر، الجوع، الضّيق، الإضطهاد، الظّلم، الإفتراءات، الأوجاع الجسديّة، الآلام النّفسيّة والأمراض وغيرها... وهذا ما نسمّيه شدّة تحيق بها التّجربة كي تؤول بالنّفس البشريّة إلى ارتكاب الخطايا.
يبكي الإنسان عندما يخرج من رحم أمّه إلى هذا العالم، ويرافقه البكاء (يبكون عليه) عندما يخرج أيضًا من هذا العالم بالموت. عبّر ابن سيراخ الحكيم عن ذلك بقوله: " نير ثقيل وُضع على بني آدم من يوم خروجهم من أجواف أمّهاتهم إلى يوم عودتهم إلى أم جميع النّاس" (٤٠ : ١). وهكذا لا تقل إنّك تعرف فلانًا أنّه مسرور أو من دون مشكلة أو عنده مشكلة، لأنّ أي ألم تحمله كلّ نفسٍ بداخلها تعرفه هي فقط.
نرى بعض النّاس حينما تواجههم شدّة ما يغتاظون ويصل بهم الأمر إلى الانحراف والشّذوذ كالحقد على الله والتّجديف عليه، "ولَعْن حظّهم والسّاعة الّتي وُلِدوا فيها!". نعم لم يُدرك هؤلاء أنّهم بعدم صبرهم وتسـرّعهم في الغضب والسّخط والتّجديف، لن يغيروا شيئًا بل يؤذون أنفسهم حتّى الموت ويُحرمون الخير الأكبر وهو الملكوت السّماويّ. وكان حريٌّ بهم أن يهذّبوا نفوسهم ويتوبوا ويهدأوا ويصبروا لأنّ الرّبّ قال: "وبالصّبر تقتنون أنفسكم". خسارتهم لا بل خطيئتهم مُضاعفة، إذ بالإضافة إلى شدّتهم ومُعاناتهم الأرضيّة الّتي لم يستدركوا محبّة الله لهم من خلالها، بل بسببها تمرّدوا على الله، لهذا سيتعذّبون ويخسرون الحياة الأبديّة أيضًا. مثلهم مثل ذاك الشّرّير الّذي صُلب بجانب يسوع وجدّف عليه بالرّغم من الشّرور الّتي صنعها في حياته، فَسارَع زميله اللّصّ الثّاني وأنّبه أنهما بعدل يلقيان عقابهما بينما يسوع لم يرتكب سوءًا (راجع لوقا ٢٣ : ٣٩ - ٤٣). لذلك تعزَّ واحمل أحزانك ليس فقط بصبر بل بفرح أيضًا، لأنّ لا أسلوب آخر أكثر إفادة ولا طريق آخر لخلاص النّفس إلّا بالإقرار بالذّنوب كما فعل اللّص الصّالح. يقول الرَّبّ يسوع: "ما أضيق الباب وأكرب الطّريق الّذي يؤدّي إلى الحياة" (متّى ٧ : ١٤). وفهم بولس الرّسول هذه الآية: "إنّه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت السّماوات" (أعمال الرّسل ١٤: ١٢). لم يقدّم الرَّبُّ نظريّاتٍ في تحمّل شدائد هذه الحياة، بل أخزى المنطق البشـريّ متجسّدًا من مريم البتول، ليسلك طريق الآلام الّذي انتهى بالصّليب. من هنا وصيّة الرَّبّ لنا كمسيحيّين ومن خلالنا للبشريّة جمعاء "من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مرقس ٨ : ٣٤)، "ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني" (متّى ١٠: ٣٨).
نعم إنّ الرَّبّ يسوع مرَّ كإنسان بلحظات ضعفٍ، كما حصل معه في بستان الزّيتون حين طلب من أبيه السّماوي أن تعبر عنه هذه الكأس إن أمكن، ولكن "لتكن مشيئتك لا مشيئتي". قوّة هذه الحادثة عند يسوع الإنسان تكمن في طاعته لله أبيه حتّى المَوت موت الصّليب. هكذا علم يسوع الإنسان كي يكون في أمان وضمانة من الشّدائد والتّجارب، أن يعيش الطّاعة الّتي هي من أقوى الأسلحة الرّوحيّة لمواجهة الصّعوبات. جماعة الكنيسة مثلًا تعيش الطّاعة أوّلًا كي تتقدّس.
جميلٌ ما قاله بولس: "إنّي أحسب آلام الزّمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد" (رومية ٨: ١٨) إذًا لا تعتقد أنّك ستتقدّم في طريق الله، ولا تأمل أن ترث الفردوس، إلّا بعد أن تمرّ أوّلًا في نار الشّدائد والأحزان وتحمل صليب التّجارب والمحن الّذي حمله كلّ القدّيسين. واعلم أنّك لن تستطيع شيئًا بمفردك، كما قال الرّبّ: "من دوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئًا". وقال الرّسول بولس مفسّرًا قول الرّبّ: "أستطيع كلّ شيءٍ في المسيح الّذي يقوّيني" (فيليبي ٤: ١٣).
يقول الرّاهب أغابيوس لانذوس: "يجب أن نشكر أولئك الّذين يؤذوننا ويشتموننا أكثر من الّذين يُحسنون إلينا ويمدحوننا، لأنّهم يتسبّبون في طهارة قلوبنا ونموّ نفوسنا، ومغفرة خطايانا وخلاصنا. كما علينا أن نشكر الرَّبّ لأنّ الأحزان الّتي سمح الله بها هي علامات محبّته الأبويّة وهي أعظم من الخيرات المؤقّتة"، "لأنّ الّذي يحبّه الرَّبّ يؤدّبه ويجلد كلّ ابن يقْبله. إن كنتم تحتملون التّأديب يعاملكم الله كالبنين، فأيّ ابن لا يؤدّبه أبوه؟" (عبرانيين ١٢: ٦-٧).
يتعذّب الأتقياء والأبرار من الفقر والظّلم والعذابات والتّجارب الّتي يمارسها بسرور أصحاب الغنى والملذّات والمجد وهم الظّالمون والخطأة. "لا تتساءل عن سبب ذلك يا أخي، يقول الرّاهب أغابيوس، وقبل أيّ شيء لا تحسد سعادة الخطأة الباطلة". "لا تغَرْ من النّاس الأشرار، ولا تحسد عمّال الإثم، لأنهم سيذبلون مثل العشب" (مزمور ٣٧: ١-٢). في هذا الخصوص راجع مثل الغنيّ والعازر، لوقا ١٦: ١٩- ٣١، ومثل الغنيّ الجاهل، لوقا ١٢: ١٣- ٢١).
سبق أن تحدّثنا على الطّاعة والصّبر كرَكيزتين أساسيّتين لموضوعنا، نعود ونختم مع الصّبر الّذي يمثّله أيّوب الصّدّيق لدرجةٍ أنّ المثل أخذ يُضرب بأيّوب لشدّة صبره وثباته في الإيمان بالله والطّاعة له. بالرّغم من كلّ ما كابده أيّوب من ويلات وكوارث بقي يعترف ويُقرّ بفضل الله عليه قائلًا: "الرَّبّ أعطى والرَّبّ أخذ فليكن اسم الرَّبّ مباركًا" ( أيّوب ٢: ١٠).
اقتدِ أنت بأيّوب كإنسان حسن النيّة مدرك، ومجِّد الله في زمن الضّيقات والأفراح، أطلب مساعدته وقل في نفسك " إنّك تستحقّ هذه، أيّها الخاطئ! لا بل تستحقّ الأسوأ. مضطهدوك ومتّهموك على حق، فليكونوا مباركين!" اِقتدِ بالرَّبّ الصّالح وانتصر على عدوِّ تقدمّك الرّوحيّ المُخيف الّذي هو الكبرياء.
"أن تسلّم نفسك لله يعني أنّك من تلك النّقطة وصاعدًا قد كففتَ عن أن تكون فرّيسةً للقلق والخوف بشأن أيّ أمرٍ كان، ويعني أيضًا ألّا تعذّبك من بعد فكرة أنّه ليس لك من يهتمّ بك".
(القدّيس اسحق السّريانيّ)