نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ۲١ تشرين الأوّل ۲٠١٨
العدد ٤۲
الأحد (۲١) بعد العنصرة
اللّحن ٤- الإيوثينا ١٠
أعياد الأسبوع: *21: البارّ إيلاريون الكبير، القدّيسة مارينا الّتي من رايثو *22: أفيركيوس المُعادِل للرّسل، الفتية السّبعة الّذين في أفسس *23: الرّسول يَعقوب أخو الرَّبّ وأوّل أساقفة أورشليم *24: الشّهيد أريثا (الحارث) ورفقته *25: الشّهداء مركيانوس ومرتيريوس، تابيثا الرّحيمة الّتي أقامها بطرس *26: العَظيم في الشّهداء ديمتريوس المُفيض الطّيب، الزّلزلة العَظيمة *27: الشّهيد نسطر، بروكلا امرأة بيلاطس.
كلمة الرّاعي
الحرب على الكنيسة
الشّيطان لم ولن يتوقَّف عن محاربة الإنسان أو بالأحرى مشروع الإنسان في البشر لأنّه يُحارِب الله. وحرب الشّرير خطيرة لأنّها ترتدي طابع الحضارة والرُّقيّ الإنسانيّ! ...
لماذا الحرب على الإنسان؟ لأنّه هو "كنيسة الله"، "هيكل الرَّبّ". الحرب هي ضدّ المسيح يسوع، الإنسان الحقيقيّ الوحيد.
ترتدي هذه الحرب أيضًا طابع إبادة البشر عبر الحروب والأمراض والعقم. لها وجهان، واحد إيجابيّ الظّاهر سلبيّ الجوهر وآخر سلبيّ المَظهر والفعل.
الشّيطان يعمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة. الطّريقة المُباشرة هي عبر بثّ أفكاره المُنحرفة في النّفوس الضّعيفة، وغير المباشرة هي عبر البشــر المسبيّين منه الّذين ينشـرون خبثه وكذبه ودماره عبر الوعود الزّائفة بالحرّيّة والعيش الكريم والسّعادة.
* * *
الحصن الوحيد في العالم ضدّ الشّيطان هي الكنيسة جسد المسيح، الكنيسة المُستقيمة الرّأي والحياة والتّقليد. يظنّ البعض أنفسهم مُستقيمين وهم مُنحرفون ويتّهمون غيرهم بالانحراف. هذه من أصعب الحروب لأنّ الشّيطان يوهم النّاس بأنّهم في الحقّ في حين هم في الباطل، ومن يكون في الحقّ يُظهرونه وكأنّه في الباطل. حرب الشّيطان في الكنيسة تمويهيّة لأنّه كما يقول الرّسول بولس، بعد خبرة مع الأرواح الشّرّيرة، بأنّ"الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!" (1كورنثوس 11: 14). مقياس الاستقامة في الإيمان هو المحبّة أي الحُنوّ ونبذ روح الدّينونة. لا يستطيع أحد أن يكون قائمًا في الحقّ من دون أن يكون رحيمًا. حرب الأصوليّة على الكنيسة وفيها هي من الشّرّير الّذي يخدع غير المختَبَرين موهِمًا إيّاهم بأنّهم روحيّون إذ يتمسّكون بحذافير الشّريعة الإلهيّة حرفًا من دون روح فيوقعهم في الفرّيسيّة البَغيضة وخداع الذّات فيما هم يكونون مُمتلئين عُقَدًا وأهواء. هذه حرب اليَمين.
مقياس السّلامة الرّوحيّة الاتِّزان، والاتِّزان عدل ورحمة، بذل وتأديب، دينونة للذّات وتبرير للخاطئ، طاعة كاملة للوصيّة الإلهيّة وحَمْلٌ لضعف الآخَر.
* * *
السّعادة في البَشَـرَة وَهْمٌ، لأنّ الجامعة يقول: "بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ ... الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ..." (1: 2 و8). السّعادة يطلبها الإنسان في الرّفاه، والرّفاه يرتبط بالتّطوّر والازدهار، والحضارة تزعم منح الإنسان الرّقيّ والفرح. لكن، ها إنّ الشّعوب المُسمَّاة مُتحضِّـرَة قد شوَّهَتِ الإنسانيّة، دمّرت العائلة ورباط المحبّة بين الإخوة بمزاعم الحرّيّة والإستقلاليّة.
الإستقلاليّة والفردانيّة هما وهم حرّيّة قاتلة، لأنّ الإنسان لا يقوم من دون رباط حبّ مع الآخَر، والحبّ ليس عواطف ومشاعر ودغدغة أحاسيس، المحبّة إخلاء للذّات وموت عن الأنا وفرح بالآخَر في الله. والحضارة اليوم تبني الإنسان على هذا الأساس أي أنّه قائم بذاته لذاته، وهذا ما يدفع البشـر والمجتمعات إلى مزيد من التّقوقع والانفلاش. التّقوقع بسبب محوريّة الأنا وإلغاء الآخَر والانفلاش بسبب تشيـيء الذّات والآخَر واستهلاكهما في سبيل لذّة ما. حرب العالم و"أمير هذا العالم" أي "إبليس" هي ضدّ بنيان الإنسان على "الصّخرة" أي المسيح. كلّ ما يُصنَع وكلّ ما يُقدَّم لإنسان اليوم هو لكي ينسـى المسيح. هذه حرب اليسار.
* * *
"لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ" (فيليبي 1: 21) هكذا أعلن بولس الرّسول وهكذا اختبر بعد حروب وجهادات واضطّهادات. هذه هي خلاصة الوجود: المسيح هو الحياة. من عرف المسيح وَجَدَ ضالّته وإجاباته عن كلّ أسئلته الوجوديّة ودخل سرّ الفرح السّرمديّ ومن رفضه دخل دوّامة ألم وضياع لا نهاية لها...
ومن له أذنان للسمع فليسمع.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة أبينا البارّ إيلاريون الكبير (باللَّحن الثّامن)
للبرّيّة غير المُثمرَة بمَجاري دموعِكَ أَمرَعْتَ، وبالتّنهُّدات الّتي من الأعماق أثمرتَ بأتعابك إلى مئة ضعفٍ، فَصرتَ كوكبًا للمسكونة متلألئًا بالعجائب، يا أبانا البار إيلاريون، فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلّص نفوسنا.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة ( تيطس 3: 8– 15)
مباركٌ أنت يا ربُّ إلهَ آبائنا،
لأنَّك عدلٌ في كل ما صنعتَ بنا.
يا ولدي تيطُسُ، صادقةٌ هي الكَلِمةُ، وإيَّاها أُريدُ أن تقرِّرَ حتَّى يهتمَّ الّذين آمنوا باللهِ في القيام بالأعمال الحسنة. فهذه هي الأعمالُ الحسنةُ والنّافعة. أمّا المُباحَثات الهذَيانيَّةُ والأنسابُ والخُصوُمَاتُ والمُماحكاتُ النّاموسيَّة فاجتنِبْها. فإنَّها غَيرُ نافعةٍ وباطلةٌ. ورجُلِ البدعَةِ، بعدَ الإنذار مرَّةً وأُخرى، أعرِض عنهُ، عالِمًا أنَّ مَن هو كذلك قدِ اعتَسفَ، وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أرتمِاسَ أو تِيخيكوسَ فبادِرْ أن تأتيَني إلى نيكوبولِس لأنّي قد عزمتُ أن أُشتّيَ هناك. أمّا زيناسُ معلِّمُ النّاموس وأبُلُّوسُ فاجتَهد في تشييعهما متأهّبين لئلّا يُعوِزَهما شيءٌ. وليتعلَّم ذوونا أن يقوموا بالأعمال الصّالِحةِ للحاجاتِ الضَّروريَّة حتَّى لا يكونوا غيرَ مُثمرين. يسلّمُ عليكَ جميعُ الّذين معي. سَلِّمْ على الّذين يُحبُّوننا في الإيمان. النّعمةُ معكم أجمعين. آمين.
الإنجيل (لو 8: 27—39 (لوقا 6))
في ذلك الزمان، دنا إلى يسوعَ إنسانٌ اسمه يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمجمع، وخرّ عند قدمي يسوع، وطلب اليه أن يدخل إلى بيته، لأنّ له ابنة وحيدة لها نحوُ اثنتي عشْرَة سنة قد أشرفت على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يزحمونه. وإنّ امرأةً بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرَة سنة، وكانت قد أنفقت معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ ان يشفيَها، دنت من خلفه ومسّت هُدبَ ثوبه، وللوقت وقف نزفُ دمِها. فقال يسوع: "من لمسني؟" وإذ أَنكَرَ جميعُهم قال بطرسُ والذين معه: يا معلِّم، إن الجموع يضايقونك ويزحمونك. وتقول من لمسني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لمسني واحدٌ، لأني علمت أن قوّة قد خرجت مني". فلمّا رأت المرأةُ أَنها لم تخْفَ جاءت مرتعدة وخرّت له وأخبرت أمام كلّ الشعب لأيّة علةٍ لمسته وكيف برئت للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، إيمانُك أبرأكِ فاذهبي بسلام". وفيما هو يتكلم جاء واحدٌ من ذوي رئيس المجمع وقال له: إنّ ابنتَك قد ماتت فلا تُتعبِ المعلّم. فسمع يسوع، فأجابه قائلاً: لا تَخَفْ، آمن فقط فتبرأَ هي. ولمّا دخل البيت لم يدَع أحداً يدخل إلاّ بطرسَ ويعقوبَ ويوحنّا وأبا الصبيّة وأمّها. وكان الجميع يبكون ويلطمون عليها، فقال لهم: لا تبكوا، إنّها لم تمت ولكنها نائمة. فضحكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلاً: يا صبيَّةُ قومي. فرجعت روحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لتأكل. فدهش أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.
حول الرّسالة
إنّ سِرَّ قيامتنا نحن مَعشر المؤمنين تكمن في فَهم سرّ المحبّة الإلهيّة النّازلة علينا عبر صليب الرّبّ يسوع المسيح. فالعلاقة مع الله ارتسمت مَعالمها بأنّنا أبناء النّعمة ولسنا أبناء النّاموس وبحسب الرّسول بولس: "بالنّعمة أنتم مُخلّصون".
إنّ الخلاص أُعطي لنا مجّانًا ليس لأعمال في البرّ عملناها بل إنّما بالإيمان بيسوع، أي أنّ النّاموس لا يمكن أن يخلّص، وفي الرّسالة اليوم يقول الرّسول "لأنّ الّذين يختتنون هم أنفسهم لا يحفظون النّاموس بل إنّما يريدون أن تختتنوا ليفتخروا بأجسادكم". هذا يُظهر أنّ المتمسّكين بالنّاموس هم حَرفيّون حيث يقول الرَّبّ يسوع: "الحرف يقتل أمّا الرّوح فيُحيي". فلو أنّ النّاموس له قوّة للخلاص لما كنّا بحاجة إلى تجسّد السّيّد له المجد، فالنّاموس فقط مؤدِّب أمّا الصّليب فهو قوة الله أي النّعمة الّتي أُعطيَت لنا مجّانًا للخلاص، لهذا يفتخر به الرّسول قائلًا: "أمّا أنا فحاشا ليأان أفتخر إلّا بصليب ربّنا يسوع المسيح الّذي به صُلب العالم لي وأنا صُلبت للعالم، لأنّه في المسيح يسوع ليس الختان بشيء ولا القلف بل الخليقة الجديدة".
لقد كان اليَهود يعتبرون أنّ الإنسان يكون بارًّا فقط بمجرّد اتّباعه الناموس، أمّا الأمميّ أي غير اليهوديّ فهو خاطىء لأنّه ببساطة ليس لديه ناموس اليهود وهذا المنطق كان مُنتشِراً بقوّة بينهم لذلك قال لهم النّبيّ يوحنّا المعمدان: "إنّ الله قادرٌ أن يصنع من الحجارة أبناءً لإبراهيم". وفي هذا المقام، فإنّ الرّسول بولس يوضح في رسالته إلى الغلاطيّين بأنّ اليهوديّ مع الأمميّ عليهما أن يؤمنا بيسوع المسيح لكي يحصلا على التّبرير ذلك أنّ الإنجيل هو البرّ الممنوح للإنسان من خلال إيمانه بالرّبّ يسوع المسيح له المجد الّذي بذل نفسه من أجلنا على الصّليب.
القضيّة إذًا كامنة بفعل المحبّة الإلهيّة فلا أحد من ذوي البشر يستحقّ أن يموت المسيح من أجله ذلك أنّنا خطأة وبحاجة إلى مجد الله "الكلّ أخطأوا وأعوزهم مجد الرّبّ" أي أنّ الرّبّ لم ينظر إلى مسألة موته على الصّليب لخلاص البشر بحسب مفهومنا البشريّ أي منطق من يستحقّ ومن لا يستحقّ، إنّما بحسب مفهومه الإلهيّ أي أنّه يُريدنا أن نكون خليقة جديدة نرتقي إلى ملء قامته الإلهيّة، آمين.
الصّلاة الرّبّيّة
تُسمّى هكذا لأنّ الرّبّ نفسه علّمنا إيّاها. هذه الصّلاة لو دخل المُصلّي إلى أعماقها لأمكنه أن يكتفي بها من دون أيّة صلاة أخرى. هذه الصّلاة تشتمل على سبع طلبات، الثّلاثة الأولى خاصّة بالله، والباقية خاصّة بنا.
تُعلّمنا هذه الصّلاة أنّ الله ينبغي أن يكون أوّلًا. وأنّه عندما نطلب علينا أن نطلب من الله وليس من البشر: "مَلْعون كلّ من يتّكل على ذراع بشر" ( إرميا 5:17 ). نحن نكلّم الله في هذه الصّلاة ليس كملك أو خالق، بل كأب. ليتقدّس اسمك: اسم الله قدّوس بطبيعته، وليس مُحتاجًا إلى تقديس من النّاس. إنّما هنا نطلب أن يكون مُقدّسًا في حياتنا، فنتعامل معه بِقُدسيّة ومَهابَة واحترام. وتعني أيضًا هذه العبارة عدم النّطق باسم الرّبّ باطلًا (تث 11:5) فلا يُستخدم في اللّهو والعَبَث. لِيَأتِ مَلكوتك: الله هو الملك الحقيقيّ ويَملك كلّ شيء لأنّه خالق كلّ شيء. بدأت تباشير الملكوت بميلاد المسيح واقترب الملكوت بكرازته وتمّ على الصّليب. المَلكوت هو مملكة الله حيث يملك هو فيها بالبرّ والسّلام. المَقصود بطلبة "ليأت ملكوتك" أوّلًا أن يملك الله على قلوبنا. وثانيًا بالمعنى الكرازيّ أي أن ينتشر ملكوته في الأرض كلّها أي الإيمان في كلّ الأمم والشّعوب. وثالثًا أن نستحقّ ملكوته السّماويّ بِنَيْلنا الحياة الأبديّة. لتكن مشيئتك: هي طلبة تعني حياة التّسليم للمشيئة الإلهيّة. أي أنّنا لا نفرض على الله وضعًا مُعيّنًا نحيا فيه. بل ما يريده الله لنا، هو ما نرضاه ونقبله: " ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت" ( متى 39:26). كما في السّماء كذلك على الأرض: أي لتكن مشيئتك يا ربّ منفّذة على الأرض، كما هي منفّذة من الملائكة وأرواح القدّيسين في السّماء. ولتصبح هذه الأرض كأنّها سماء، وسكّانها كأنّهم ملائكة. خبزنا الجوهريّ أعطِنا اليوم: المقصود هنا الخبز الرّوحيّ بالدّرجة الأولى: " أطلبوا أوّلًا ملكوت الله وبرّه، والباقي كلّه يُزاد لكم". هذا أمر طبيعيّ يتّفق مع تعاليم الرّبّ يسوع الّذي لمّا جاع أخيرًا بعد أن صام أربعين يومًا وقدّم له الشّيطان تجربة الخبز المادّي، رفضها وأجاب:" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمةٍ تخرج من فم الله" ( متى 4:4) ( تث 3:8). واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه: الواقع أنّ هذه الطّلبة تَحوي الكثير من التّأمّلات ومنها: تحوي اعترافًا بأنّنا خطأة: " إن قلنا أنّنا بلا خطيئة نضلّ أنفسنا وليس الحقّ فينا" ( 1يوحنا 8:1). أيضًا تعني أنّنا بحاجة إلى الخلاص كلّ يوم. الله يغفر ولكن بشروط: شرط التّوبة والإعتراف والمغفرة للمُسيئين إليك: " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " ( لوقا 5:13). ليست التّوبة هي مجرّد ترك الخطيئة بالفعل، ولا تركها تغصّبًا بالفكر، وإنّما كما يقول القدّيسون: كمال التّوبة هو كراهيّة الخطيئة. ولكن قد يقول إنسان إنّه تائب بينما تدلّ أفعاله على غير ذلك، لهذا فإنّ الكتاب المُقدّس يقول:" إصنعوا ثمارًا تليق بالتّوبة" (متى 8:3). وأيضًا لكي يغفر الله لنا علينا أن نغفر لغيرنا. المُلاحَظ أنّ هذه الطّلبة هي الوَحيدة من بين الطّلبات السّبع في الصّلاة الرّبانيّة الّتي علّق عليها الوَحي الإلهيّ من بعدها مباشرةً: " فإنّه إن غفرتم للنّاس زلّاتهم يغفر لكم أبوكم السّماويّ زلّاتكم وإن لم تغفروا للنّاس زلّاتهم لا يغفر لكم أبوكم السّماويّ زلّاتكم" (متى 6: 14-15 ). كيف تصطلح مع أخيك وتغفر له وتسلّم عليه من قلبك؟ يقول القدّيس أسحق السّوريّ: " إصطلح مع نفسك، تصطلح معك السّماء والأرض". ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجّنا من الشّرير: هذا تواضع في الصّلاة حيث يسأل المُصلّي الله وهو شاعر بضعفه أن يحفظه من الشّرير (إبليس) وتجاربه. هي طلبة إنسان مُتّضع يعرف أنّه مُعرّض للتّجربة والسّقوط، فيصرخ إلى الله ليَحميه وينجّيه. إنّه في تواضعه يعترف بقوّة الخطيئة الّتي قال عنها الكتاب أنّها: " طرحت كثيرين جرحى، وكلّ قتلاها أقوياء" (أمثال 26:7).