نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ١٩ آب ۲٠١٨
العدد ٣٣
الأحد (١۲) بعد العنصرة
اللّحن ٣- الإيوثينا ١
أعياد الأسبوع: * 19: أندراوس قائد الجيش وال /2593/ المستشهدون معه. * 20: النبي صموئيل. * 21: الرسول تداوس، الشهيدة باسي وأولادها. * 22: الشهيد أغاثونيكس ورفقته. * 23: وداع عيد الرقاد، الشهيد لويس. * 24: الشهيد في الكهنة أفتيشيس، قزما الإيتولي. * 25: عودة جسد برثلماوس الرسول، الرسول تيطس.
كلمة الرّاعي
معرفة الله
اللّاهوتيّ هو الّذي يختبر الإلهيّات. وبحسب تفسير الكلمة، هو من يُخبِّر عمّا يختصّ بالله المثلَّث الأقانيم إنطلاقًا من خبرة الوحدة مع الله والإتّحاد به.
في هذا الإطار، يقول القدّيس إفاغريوس البنطيّ، من القرن 4-5 م.، إنّ اللّاهوتيّ هو الّذي يصلّي. وكان يقول أيضًا إنّ الّذي يصلّي فقط عندما يصلّي فهو لا يصلّي. فاللّاهوت هو خبرة حياة، خبرة عيش مع الله. الإنسان يغرف من هذه الخبرة، من هذه المعرفة، ويُخبر عمّا عاشه، هذا هو اللّاهوت.
أمّا الدّراسة في معاهد اللّاهوت وما شابه فما هي سوى باب لفتح شهيّة الإنسان على هذه المعرفة، معرفة الله على أنّه حبّ وجمال، كائن يتشوّق المخلوق ليتواصل معه. لهذا، يقول القدّيس إسحق السّريانيّ إنّه حتّى تعرف الله يجب أن تحبّه، ولكي تحبّه يجب أن تعرفه. ما يجعلنا نتحيّر من أين نبدأ هذه العلاقة. البداية بطلب المعرفة، لأنّ الإنسان إذا لم يعرف يسوع لن يستطيع أن يحبّه، مع أنّه يكون قد بدأ يحبّه قبل أن يعرفه من خلال الخليقة. لهذا، يفسّر بولس الرّسول في رسالته إلى أهل رومية (الإصحاح 2) كيف أنّ الله معروف في خليقته. ونصلّي في مزمور الغروب (103) "باركي يا نفســي الرّبّ... ما أعظم أعمالك يا ربّ، كلّها بحكمة صنعت".
لا بدَّ للإنسان أن يرغب بمعرفة الله لكي يذيقه الرّبّ شيئًا من حلاوته، ليتذوّق شيئًا من حضور الله في صلاته وحياته، ويكتشف أن الله محبّة، وأن يعيش هذه المحبّة من خلال علاقته مع الناس المختلفين عنه، الَّذين يعيش معهم وفي ما بينهم والَّذين يلتقيهم. محبَّة الله تدفعه لمحبّة الناس. "وما جمعه الله لا يفرقه انسان"، هذه المقولة لا تتعلّق فقط بالزواج، لأنّه حيثما يـكــون الله بـــيـــــــــــن البشر، فهو يجمعهم فيه ولا شيء يفرّقهم. السعي إلى معرفة الله هو بداية التذوّق للفرح الإلهي وهذا ما يجعل الإنسان يطلب منه أكثر فأكثر، فتتفتّح شهيّته على طلب الله، وكلّما أذاقه الرب شيئًا من حلاوته كلّما طلبه الإنسان أكثر فأكثر في حياته، وصلاته، بخدمته (بخبرته) في الكنيسة وفي العالم. هكذا يدخل الله إلى نفس الإنسان من خلال ما يتعلّمه بالعيش والخبرة، ويُدخِل اللهُ الإنسان في مدار حركة الحبّ الثالوثيّ للوجود الحقّ.
أوريجنس الّذي كان علاّمة من القرن الثالث يقول: "من يحبّ الارضيّات وشهواتها لا يفكّر في أن يكون مع المسيح بعد انتقاله، ولا يقدر أن يقول غريب أنا على الأرض، إذ هو مهتمّ بما للأرض – أما من يقول لا تُخْفِ عنّي وصاياك، فهو قدّيس. لهذا يطلب النبي من الله أن يكشف له عظائم وصاياه من الحياة السماوية". فالسعي للمعرفة من خلال الكتب المقدّسة وكتابات الآباء يعطينا أن نذوق شيئاً من حلاوة الله ومعرفته، ولكنّ معرفة الله بحدّ ذاتها هي كشف إلهي، لأنّ الله يُستَعلَن ويَستَعلِن ويُعلِن ذاته لمحبّيه. الله لا نستطيع أن ندركه بالعقل. أوغسطنيس المغبوط (القرن الخامس) فيما كان متحيِّرًا ومتفكِّرًا في عقيدة الثالوث، ذات يوم، كيف يكون الله ثالوثًا، كيف هو ثلاثة أقانيم في جوهر واحد، وبينما كان يتمشـى على شاطئ البحر، (وهو كان أسقف قرطاجة في افريقيا)، وجد ولدًا صغيرًا قد حفر حفرة على الشاطئ، وكان يأتي بمياه البحر ليضعها في هذه الحفرة. فلمّا رأى ما يصنعه الولد سأله المغبوط: ماذا تفعل؟ فأجابه الصبي أريد أن أضع البحر في هذه الحفرة. فضحك المغبوط وقال له كيف ستملأ البحر في حفرة؟! فنظر إليه الولد وقال له: وأنت كيف تريد أن تضع الله في عقلك وتحدّه؟ واختفى عنه الملاك. هذا ظهور إلهي كشف للمغبوط أن الله لا يمكن أن يُدرَك بالعقل. فمن يطلب معرفة قياسيّة عقليّة لله سيبقى في الجهل. لأن الله لا يُعرَف إلّا في القلب، فقط في القلب نعرف الله، خارج القلب لا نعرف شيئًا عنه، بل ندخل في دوامة لا مخرج منها. فالمعرفة كتابيًّا، إيمانيًا، هي الوحدة مع الله، هي الاتحاد مع الله. يبدأ الانسان يدرك أن المعرفة عن الله يجب أن تقوده إلى السعي لمعرفة الله من خلال العيش معه ومن خلال كلمته الإلهية، لأنّ الرب يسوع يقول: "من يحبّني يحفظ وصاياي، وأنا أحبّه وأكشف له ذاتي". الرب يسوع يكشف ذاته للذين يحبّونه. وكيف نعبّر له عن محبّتنا؟ عندما نحفظ وصاياه في عقلنا، لكي نعيشها في قلبنا، فتصير مقياسًا ومرجعًا لحياتنا وأفكارنا. لهذا يقول بولس الرسول: "أما نحن فلنا فكر المسيح" أي عقلنا وفكرنا نزعناهما ورميناهما وصار مكانهما فكر وعقل المسيح. في رأسنا لم يعد يوجد فكرنا نحن، هذه هي المعرفة الّتي يجب أن نعيشها والتي تأتي بنعمة الروح القدس. لهذا فالمعرفة هي صلاة، والروح القدس هو الَّذي ينيرنا لكي نتقبّل استعلان الله لنا، إذا طلبناه من كل القلب والقدرة.
معرفة الله صليب. نكتشف أنّ الانسان المؤمن مصلوب في هذا العالم إلى أن يأتي الرب ويرفعه. رفض هذا السر هروب من الحقيقة. غاية حياتنا، هي أن نتألّه، يقول القديس أثناسيوس الكبير "صار الإله انسانًا ليصير الانسان إلهًا". من يريد أن يعرف الله يلتزم حياة الصلاة في الكنيسة بالأسرار، بالاعتراف، بالتوبة، بمساهمة القدسات، بالسعي لمعرفة الذات، بالسعي إلى أن يفتح الانسان قلبه حتى يأتي الرب ويسكن فيه بنعمته. إذا لم يدرك الإنسان هذا الأمر، كلّ معرفة ستبقى عقليّة في حدود المنطق البشـري وسببًا لدينونته، لأنّ الرب يقول "من يعرف أكثر، يُدان (يُحاسَب) أكثر". فماذا تريدون: أن تعرفوا أكثر لتتقدّسوا أو لِتُدانوا؟!...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الثّالث)
لتَفْرَحِ السَّمَاوِيَّات، وَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضِيَّات، لِأَنَّ الرَّبَّ صَنَعَ عِزًّا بِسَاعِدِهِ، وَوَطِئَ الْمَوْتَ بالْمَوْتِ، وَصَارَ بِكْرَ الأَمْوَات، وَأَنْقَذَنَا مِنْ جَوْفِ الْجَحِيمِ، وَمَنَحَ العَالَمَ الرَّحْمَةَ العُظْمَى.
طروباريَّة رقاد السّيّدة (باللَّحن الأوّل)
في ميلادِكِ حَفِظْتِ البتوليَّة وصُنتِها. وفي رُقادِكِ ما أهْمَلْتِ العالم ولا ترَكتِهِ يا والدة الإله. لأنَّك انتقلتِ إلى الحياة بما أنّكِ أمُّ الحياة. فبِشفاعاتك أَنقذي من الموتِ نفوسَنا.
قنداق رقاد السّيّدة (باللَّحن السّادس)
إنّ والدةَ الإله التي لا تَغفلُ في الشَّفاعات، والرجاءَ غيرَ المردودِ في النجدات، لم يضبُطها قبرٌ ولا موتٌ. لكن، بما أنّها أمُّ الحياة، نقلها إلى الحياة الذي حلَّ في مستودعها الدائم البتوليّة.
الرّسالة (1 كو 15 : 1– 11)
رتِّلوا لإلهنا رتّلوا
يا جميعَ الأممِ صفِقّوا بالأيادي
يا إخوةُ، أعرِّفُكم بالإنجيلِ الذي بشرَّتُكم بهِ وقَبِلتُموهُ وأنتمُ قائمون فيهِ، وبهِ أيضاً تَخلُصون إن حافظتم على الكلام الذي بشَّرتُكم بهِ، إلّا أن تكونوا قد آمنتم باطلاً. فإنّي قد سلَّمتُ إليكم أوّلاً ما تَسلّمته، وهو أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا على ما في الكتب، وأنَّه قُبِرَ وأنَّهُ قامَ في اليومِ الثالثِ على ما في الكُتب، وأنَّهُ تراءَى لصَفا ثمَّ للاِثنَي عَشَر، ثمَّ تراءَى لأكثرَ من خمسمِائة أخٍ دفعَةً واحِدةً أكثَرُهم باقٍ إلى الآن وبعضُهم قد رقدوا. ثمَّ تَراءى ليعقوبَ ثمَّ لجميع الرسل، وآخِرَ الكُلِ تَراءى لي أنا أيضاً كأنَّهُ للسِّقط، لأنّي أنا أصغَرُ الرسُلِ ولستُ أهلاً لأنْ أُسمَّى رسولاً لأنّي اضطهدتُ كنيسةَ الله، لكنّي بنعمةِ الله أنا ما أنا. ونعمتُهُ المعطاةُ لي لم تكن باطِلةً، بل تعبتُ أكثرَ من جميعهم، ولكن لا أنا بل نعمةُ اللهِ التي معي. فسَواءٌ أَكنتُ أنا أم أولئكَ، هكذا نكرِزُ وهكذا آمنتُم.
الإنجيل (متّى 19: 16-26 (متَّى 12))
في ذلك الزمان دنا إلى يسوعَ شابٌّ وجثا له قائلاً: أيُّها المعلّمُ الصالحُ ماذا أعملُ مِنَ الصلاح لتكونَ لي الحياةُ الأبديَّة؟ فقال لهُ: لماذا تدعوني صالحاً وما صالحٌ إلَّا واحدٌ وهُوَ الله. ولكِنْ إنْ كنت تريد أن تدخُلَ الحياة فاحْفَظِ الوصايا. فقال لهُ: أيـــَّةَ وصايا. قال يسوع: لا تقتُلْ، لا تزنِ، لا تسرِقْ، لا تشَهدْ بالزور، أكرِمْ أباك وأمَّك، أحبِب قريبَك كنفسِك. قال لهُ الشابُّ: كلُّ هذا قد حفِظتُهُ منذ صبائي، فماذا يَنقُصُني بعدُ؟ قال لهُ يسوعُ: إنْ كنتَ تريد أنْ تكونَ كامِلاً فاذْهَبْ وبِعْ كلَّ شيءٍ لك وأعْطِهِ للمساكين فيكونَ لك كنزٌ في السماءِ وتعالَ اتبعني. فلَّما سمع الشابُّ هذا الكلامَ مضى حزيناً لأنَّه كان ذا مالٍ كثير. فقال يسوع لتلاميذهِ: الحقَّ أقول لكم إنَّهُ يعسُرُ على الغنيِّ دخولُ ملكوتِ السماوات. وأيضاً أقول لكم إنَّ مُرورَ الجَمَلِ من ثَقْبِ الإبرةِ لأسْهلُ من دخولِ غنيٍّ ملكوتَ السماوات. فلَّما سمع تلاميذهُ بُهتوا جدًّا وقالوا: مَن يستطيع إذَنْ أن يخلُصَ؟ فنظر يسوعُ إليهم وقال لهم: أمَّا عندَ الناسِ فلا يُستطاعُ هذا، وأمَّا عند اللهِ فكلُّ شيءٍ مُستطاعٌ.
حول الرّسالة
الغنى الحقيقيّ
"إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي. فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ" (متى 19: 21-22). يلخّص هذا المقطع الإنجيليّ صراعنا الداخليّ اليوم بين محبّة الله ومحبّة المال، فنرى العديد من الأغنياء مؤمنين وممارسين لإيمانهم من صلاة وصوم واشتراك في الأسرار وغيرها من الوصايا، ولكن حين نأتي على طلب المال منهم، نلاحظ أنّ عطاءهم إمّا قليل أم مشروط، الأمر الذي لا يخالف وصيّة الربّ يسوع فحسب، بل يجعل دخول الغنيّ ملكوت السماوات أمراً مستحيلاً، على حدّ قول السيّد: "إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!" (متى 19: 24).
ولكن هل هذا يعني أنّ ملكوت الله هو فقط للفقراء والمساكين؟ بالطبع لا! ملكوت الله هو للفقراء والمساكين بالرّوح، أي لكلّ الذين يوقنون أنّ ما لديهم، مهما كان قليلاً أو كثيراً، إنّما هو عطيّة من الله، فيتصرّفون بالآية القائلة: "التي لك ممّا هي لك، ونحن نقدّمها لك..." بعبارة أخرى، ملكوت الله هو للأحرار، المتحرّرين من قيود الاهتمامات الدّنيويّة، غير المتعبّدين للمادّة، غير المقيّدين بحبّ القنية والتجميع الباطل المودي الى الهلاك. لقد خُلقنا كلّنا بفعلٍ إلهيّ، بفعل محبّة إلهيّة، وُهبنا فرصة الاتّحاد بالله من دون استحقاق. كلّ ما نملك ليس لنا، نحن لا نملك سوى المحبّة، ولا نقتني شيئاً لأنفسنا، لأنّ كلّ ما نملك إنّما هو عطيّة من الله، تؤخَذ منّا في اللحظة التي نقول في أنفسنا "هذا مُلكي! هذا مالي! هذا لي أنا!" في تلك اللحظة الأنانيّة، الدنيويّة، يسقط الإنسان من حيث لا يدري، تماماً كما حصل مع الغني الذي أراد أن يبني لنفسه أهراءات أكبر، في تلك الساعة، أُخِذَت نفسُه منه وهلك...
لم تحارب الكنيسة يوماً الأغنياء، بل أحبّتهم وحاولت أن تحتضنهم، فَحَسِب البعضُ أنّها بحاجةٍ ماسّةٍ إليهم، لا بل ظنّ آخرون أنّها لا تستطيع المضيّ من دونهم، وأنّهم إنْ أعطوها من أموالهم يستطيعون أن يتحكّموا بها ويعزّزوا هيمنتهم عليها وعلى أبنائها. أمّا الكنيسة، فبقبولها عطيّة هذا أو هبة ذاك، إنّما هي تساعدهم على الإفلات من حكم الله على الأغنياء، لتفتح لهم من جديد فرصة دخول الملكوت، داعية إيّاهم الى الحريّة بالمسيح يسوع، الى الاغتناء الحقيقي بالمسيح يسوع، ومنبّهةً إيّاهم بلا كلل أنّ ما يكتنزونه في خزناتهم قد يكون طعاماً لجائع، كساءً لعريان، دواءً لمريض... احتضاناً ليسوع المسيح، الواهب العطايا الأرضيّة والسماويّة، ربّ الملكوت الآتي، له المجد الى أبد الآبدين، آمين!
الإتّكال على الله
"انظروا إلى الأجيال القديمة وتأمّلوا هل توكّل أحد على الرّبّ فَخَزِيَ؟! " (سفر يشوع بن سيراخ 11:2)
كثيرةٌ هي آيات الاتكال على الله في الكتاب المُقدّس. ولكن هل نحن فعلًا نتّكل على الله؟
عادةً نُواجِه الأمور مواجهة بشريّة، لذلك يَنتابنا القلق، نضع برنامجنا قبل برامج الله ولذلك نتعذّب.
يجب أن نثق بالله، ونتواضع في كلّ الأمور حينئذٍ نجد الحلول المُناسِبة.
يجب أن نقوم بما نستطيع القيام به، ونسلّم أمرنا ونفوسنا للعناية والإرادة الإلهيّتين، الرّجاء بالله هو الضّمانة الكبرى للإنسان.
يجب أن نأخذ من سِيَر القدّيسين أفضل عِبَر لاتكالنا على الله وليس على ذواتنا، في كتاب القدّيس باييسوس الآثوسيّ عن الأهواء والفضائل يُخبر القدّيس القصّة التّالية:
قبل ذهابي للانخراط في الجيش رَفَعتُ صلاة للقدّيسة بربارة – الّتي كنت أكنّ لها تقوى كبيرة – لكي تمدّ لي يد المساعدة. طلبت منها أن تُبعد عني تجربة قتل إنسان.
كيف دبّر الله الصّالح الأمور؟
عندما وُزّعَت المهمّات على الجنود كان نصيب المُتعلّمين حمل البنادق والأعتدة الحربيّة وكان نصيبي – خرّيج المرحلة الابتدائية – حمل جهاز اللّاسلكّي. اعتقد الآخرون أنّ واسطتي كبيرة، ولمّا اخبرتهم أنّني لا أعرف أحدًا سخروا منّي وأصرّوا على أنّ كبيرًا في القيادة العامّة هو الّذي دبّر الأمر. وعندما رأيت إصرارهم قلت: "لديّ المسيح في القيادة العامّة".
الرّجاء والثّقة بالله يمنحان الإنسان قوى كبيرة، علينا أن نضع ذواتنا بين يدي الله بِثِقَة مُطلَقة ونعتبر أنّ كلّ تجربة هي عطيّة مُرسَلَة مِن قِبَلِه. مَنْ يثق بالله يفرح حتّى لو كان جائعًا أو مريضًا أو مَظلومًا، يؤمن بأنّ ذلك يحدث بسماح من الله ويضع رجاءه عليه فيكون في أمان، "ألْقِ على الرّبّ همّك وهو يَعولك، لا يدع الصّدّيق يتزعزع إلى الأبد" (مزمور 54 : 22)، "كثيرةٌ هي أحزان الصّدّيقين ومنها جميعها ينجّيهم الرّبّ" (مزمور19:33).
ليس عَبَثًا، يا أحبّة، أن يوجد في القدّاس الإلهيّ ليوحنّا الذّهبيّ الفمّ ستّة مرّات "لِنُودِع ذواتنا وبعضنا بعضًا وكلّ حياتنا المسيح الإله"، انطلاقاً من ختم الطّلبة السّلاميّة الكبرى إلى الختم في طلبة الشّكر بعد مناولة جسد ودمّ السّيّد. في شرح القدّاس الإلهيّ للمطران بولس يازجي يقول على هذه الطّلبة:
"إنّنا نطلب مَعونَة والدة الإله و جَميع القِدّيسين، لكي نستطيع أن نُودِع حَياتنا و ذواتنا للرّبّ، و كما نذرت العذراء ذاتها، هكذا لنتمثّل نحن بها واضعين ذواتنا كعبيد للرّبّ "هاءنذا أمَة الرّبّ" وهنا تعليم فريد أن نُودِع بعضنا بعضًا، كلّ إنسان مؤمن مسؤول عن الآخر لأنّه علينا أن نطلب الخير للآخرين كما لأنفسنا بحسب ما تعلّمناه من المسيح". إن هذه الطّلبة تصف الإيمان المسيحيّ بشكلٍ صحيح. إنّها إيداعٌ كاملٌ واثقٌ بَنَويّ للذّات بين يدَيّ الله. إذا وثق المَسيحيّ بالله يكون مُستعدًّا لتقبّل أيّ شيء منه.
لأجل هذا أتى السّيّد المَسيح، "السّارق لا يأتي إلّا ليسرق وَيَذْبَح ويُهلِك، وأمّا أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يوحنّا 10:10).
صديقي، ثِقْ أنّ الرّبّ أحنّ عليك من نفسك، فإنْ طلبْتَه تجده.