نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ١۲ آب ۲٠١٨
العدد ٣۲
الأحد (١١) بعد العنصرة
اللّحن ۲- الإيوثينا ١١
كلمة الرّاعي
والدة الإله مريم
(رقادها وانتقالها)
ابنة يواكيم وحنّة ”سبق الآب فاختارها، ثم كرز بها الأنبياء بالرّوح القدس. ثم زارتها فضيلة الرّوح المقدِّسة فطهَّرَتْهَا وقدَّسَتْهَا، ورَوَّت من ثَمَّ هذه الأرض“ (القديس يوحنّا الدمشقي).
يواكيم كان راعيًا للخراف واختبر رعاية الله له الَّذي ”أربضَه على ماء الرّاحة“ لمّا بشّره ملاك بأنّ زوجته العاقر ستحبل مزيلًا بذلك عار الشّريعة عنه وعن زوجته. حنّة ومعنى اسمها ”نعمة“ وهبها الله مريم نعمة من لدنه، ”فوضَعَت في العالم طفلةً لم تولد قبلها أخرى ولن تولد أبدًا“ (القديس يوحنّا الدمشقي) لتصير فتاة الـ “وعد“ إذ ”أتت والدة الإله في وقتها بقوّة وعد: ملاكٌ يعلن الحبل بتلك المزمعة أن تولد“ (القديس يوحنّا الدمشقي).
* * *
المختارون من الرّبّ، مَعروفون منه قبل الحبل بهم في بطون أمّهاتهم: ”قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ“ (ارمياء 1: 5). مريم الفتاة البكر لوالدَيها صارت بكرًا للخليقة الجديدة بابنها ووالدها إلى ملكوت السّماوات البكر الأوحد الابن الوحيد الجنس (Monogenis) الكلمة المتجسِّد الرّبّ يسوع المسيح.
ليست مريم كباقي الخليقة لأنّ الله الآب اصطفاها أمًّا لابنه منذ خلق العالم بسابق علمه وسرّ تدبيره. هي تربّت على عِشْرَةِ ”الكلمة“ في كلمة الكتب المقدَّسة (Scriptures) وصلوات المزامير وهيكل الرّبّ. تربّت في الهيكل على غذاء الملائكة حتّى صارت هي خبزًا حيًّا يغتذي منه الإله لمّا حلّ في حشاها جاعلًا إيَّاها هيكل الرّبّ وقدس أقداسه بعد أن عاشت في قدس الأقداس منذ عمر الثّلاث سنوات إلى حين اختار لها الرّبّ يسوع الشّيخ ليكون حارسًا لعذريّتها وطهارتها أمام شيوخ الهيكل وحافِظًا لِسِرّها الَّذي في ابنها يسوع المتجسِّد من الرّوح القدس ومنها في ”ملء الزّمان“ بدون أبٍ والمولود من الله الآب قبل كلّ الدَّهور بدون أمّ ولادة تفوق على كلّ العقول.
* * *
دور مريم ورسالتها، دومًا، أن ترشد النّاس إلى يسوع المسيح وتقودهم إليه. لا رسالة أخرى تقولها. هي تدعونا باستمرار قائلة لنا: ”مهما قال لكم فافعلوه“ (يوحنا 2: 5). كلّ ما عدا ذلك ممّا يخترعه الناس ويوهمون به ضعاف النّفوس والمشوَّشين هو من الشرير.
مريم تحملنا بشفاعتها إلى أمام عرش العليّ لأنّها عن يمين ابنها وإلهها: ”جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ“ (مزمور 45: 9). شفاعتها لا تُرَدّ، ومهما تطلب من ابنها يعطيها لأنّها ”الوسيطة لدى الخالق غير المردودة“ و“الشّفيعة الحارّة“. نطلب شفاعتها لأنّها الأقرب إلى المسيح والأقرب إلينا كأمّ. هي تحنو علينا وتحملنا في أحشائها في ابنها وسيِّدها، الإله المتجسِّد، إليه ليرفع عنّا أثقالنا وهمومنا وخطايانا بنعمته المطهِّرة والمنقّية للقلوب. هي تريد للكلّ أن يعرفوه، أن يتبعوه، أن يقتدوا به لأنّها عرفته كما لم ولن يعرفه ذو جسد.
* * *
والدة الإله رقدت لأنّها بشـر، وكلّ بشـر خاضع للموت، حتّى المسيح عبر بالموت. لكن ”بما أنّها أمّ الحياة نقلها إلى الحياة الذَّي حلَّ في مستودعها الدّائم البتوليّة“، في اليوم الثّالث بعد رقادها بالجسد. المسيح قام بذات سلطانه لأنّه إله، ومريم أقامها ابنها لأنّه هو الحياة الَّذي سكن فيها ليُحييها إلى الأبد. قامت مريم بجسدها في اليوم الثّالث، جسدها تحوّل، بعبوره في الرّقاد، إلى جسد شبيه بجسد المسيح القائم من بين الأموات. ”فتلك التي بقيت بتوليتها سليمة في الولادة، حُفظ جسدها بدون انحلال عند انطلاقها من هذه الحياة، ووُضع في مسكن أفضل وأكثر تألّهًا، في منجى من الموت، فيقدر على البقاء إلى الدّهور الّتي لا نهاية لها“ (القديس يوحنا الدمشقي).
مريم والدة الإله دخلت ملكوت السّماوات وهي خارج الدّينونة العامّة في اليوم الأخير. فلنطلب شفاعتها لأنّها هي ترافقنا إلى أمام عرش الثّالوث القدّوس لتشفع فينا...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الثّاني)
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرق لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوَك جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله معطي الحياةِ، المجدُ لك.
طروباريَّة التجلّي (باللَّحن السّابع)
لما تجلَّيت أيُّها المسيح الإله في الجبل أظهرتَ مجدَك للتلاميذ حسبما استطاعوا. فأَطلِعْ لنا نحنُ الخَطأة نورَك الأزليّ، بشفاعات والدة الإله، يا مانحَ النور المجدُ لك.
طروباريّة للقدّيس مكسيموس المُعترف (اللّحن الثّامن)
ظهرتَ أيّها اللّاهج باللّه مكسيموس، مُرشدًا إلى الإيمان المُستقيم ومُعلّمًا لحُسن العبادة والنّقاوة يا كوكب المسكونة، وجمال رؤساء الكهنة الحكيم. وبتعاليمك أنرت الكلّ يا معزفة الرّوح، فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلّص نفوسنا.
قنداق التجلّي (باللَّحن السّابع)
تجلَّيت أيّها المسيحُ الإله في الجبل، وحسبما وسعَ تلاميذَكَ شاهدوا مجدَك. حتّى، عندما يعاينونَكَ مصلوباً، يفطنوا أنّ آلامَكَ طوعًا باختيارك، ويكرزوا للعالم أنّك أنتَ بالحقيقةِ شعاعُ الآب.
الرّسالة (1 كو 9 : 2– 12)
قوّتي وتسبحتي الربُّ،
أدبًا أدَّبني الربُّ، وإلى الموتِ لم يُسَلِّمني.
يا إخوةُ، إنَّ خاتَمَ رسالتي هوَ أنتم في الرّبّ. وهذا هو احتجاجي عندَ الذينَ يفحصونَني. ألعلَّنا لا سلطانَ لنا أن نأكلَ ونَشَرب؟ ألعلَّنا لا سلطانَ لنا أن نجولَ بامرأةٍ أختٍ كسائر الرّسلِ وإخوةِ الرّبِّ وَصفا؟ أم أنا وبَرنابا وحدَنا لا سلطانَ لنا أن لا نشتَغِلَ؟ مَن يتجنَّدُ قطُّ والنّفقةُ على نَفسِه؟ مَن يغرِسُ كرمًا ولا يأكلُ من ثمرهِ؟ أو مَن يرعى قطيعًا ولا يأكُلُ من لَبَن القطيع؟ ألعلّي أتكلَّمُ بهذا بحسبِ البشريَّة، أم ليسَ الناموسُ أيضًا يقولُ هذا؟ فإنّهُ قد كُتبَ في ناموسِ موسى: لا تَكُمَّ ثورًا دارسًا. ألعلَّ اللهَ تَهمُّهُ الثِّيران، أم قالَ ذلك من أجلِنا، لا محالة؟ بل إنَّما كُتِبَ من أجلنا. لأنَّه ينبغي للحارثِ أن يحرُثَ على الرَّجاءِ، وللدّارسِ على الرَّجاءِ أن يكونَ شريكًا في الرَّجاءِ. إن كُنَّا نحنُ قد زَرَعنا لكم الرّوحيَّاتِ أفيكونُ عَظيمًا أن نحصُدَ مِنكُمُ الجسديَّات؟ إن كانَ آخَرونَ يشتركونَ في السُّلطان عليكم أفلَسنا نحنُ أَولى؟ لكنَّا لم نستعملْ هذا السُّلطانَ، بل نحتَمِلُ كلَّ شيءٍ لئلّا نُسبِّبَ تعويقًا ما لِبشارةِ المسيح.
الإنجيل (متّى 18: 23– 35 (متَّى 11))
قال الربُّ هذا المثَل: يُشبِه ملكوتُ السماوات إنساناً مَلِكاً أراد أن يحاسِبَ عبيدَهُ. فلمَّا بدأ بالمحاسبةِ أُحضِر إليهِ واحدٌ عليهِ عشَرَةُ آلافِ وزنةٍ. وإذْ لم يكنْ لهُ ما يوفي أَمَرَ سيِّدُهُ أن يُباعَ هو وامرأتُهُ وأولادُهُ وكلُّ ما لهُ ويُوفى عنهُ. فخرَّ ذلكَ العبدُ ساجداً لهُ قائلاً: تمهَّلْ عليَّ فأُوفيَكَ كلَّ ما لَك. فَرَقَّ سيّدُ ذلك العبدِ وأطلقَهُ وترك لهُ الدَّين. وبعدما خرج ذلك العبدُ وجدَ عبدًا من رُفَقائهِ مديوناً لهُ بمائةِ دينارٍ، فأمسَكَهُ وأخذ يَخْنُقُه قائلاً: أَوفِني ما لي عليك. فخرَّ ذلك العبدُ على قَدَميهِ وطلبَ إليهِ قائلاً: تمهَّلْ عليَّ فأُوفيَكَ كلَّ ما لَك. فأبى ومضى وطرَحهُ في السجنِ حتى يُوفيَ الدَّين. فلمَّا رأى رُفقاؤُهُ ما كان حَزِنوا جدًّا وجاؤُوا فأعْلَموا سيّدَهم بكلِّ ما كان. حينئذٍ دعاهُ سيّدُهُ وقال لهُ: أيُّها العبدُ الشرّيرُ، كلُّ ما كان عليك تركتُهُ لك لأنّك طلبتَ إليَّ، أفمَا كان ينبغي لك أنْ ترحَمَ أنتَ أيضاً رفيقَك كما رحِمْتُك أنا؟ وغضِبَ سيّدُهُ ودفعهُ إلى المعذِّبينَ حتى يوفيَ جميعَ ما لهُ عليهِ. فهكذا أبي السماويُّ يصنعُ بكم إنْ لم تَتركوا من قلوبِكم كلُّ واحدٍ لأخيهِ زلَّاتِهِ.
حول الرّسالة
في هذه الآيات من رسالة اليوم ، يُلفت الرّسول بولس نظر القارئ والسّامع معًا إلى خدمته كرسول بينهم مُبشّرًا بالكلمة، ولا مجال للشّكّ برسوليّته، لأنّ البُرهان على ذلك هم أنفسهم أهل كورنثوس بقوله لهم: "...فأنا رسولٌ عندكم لأنّ خاتم رسالتي هو أنتم، في الرّبّ "(١كو ٩ : ٢). وعاد وكرّر الآية في ٢ كو ٣ : ٢ بقوله: " أنتم رسالتنا ". وبنفس السّياق وبنَبرةٍ حازمة قال: " ... والويل لي إن لم أُبشّر ! " ( ١كو ٩ : ١٦).
وفي مطلع رسالته إلى أهل رومية (١ : ١٦) يقول:
" فأنا لا أستحي بالبشارة فهي قدرة الله لخلاص كلّ مُؤمِن ...". ممّا يَعني أنّ العمل الرّسوليّ كما حدّده القدّيس بولس له هدفٌ وهو الوصول بالمؤمنين بيسوع إلى الخَلاص.
مِن هذا المُنطَلَق يُدافِع الرّسول عن رسوليّته وسط تحزبّات، انشقاقات، التيّار اليهوديّ (ألشريعة والحرّيّة بالمسيح يسوع) والتيّار اليونانيّ (ألوثنيّة والحكمة)، عند أهل كورنثوس الّتي وردت في الإصحاحات الأربعة الأولى من الرّسالة . نُدرك ذلك بقوله : "هذا هو ردّي على الّذين يتّهمونني" ( ١كو٩ : ٣). أيّها الإخوة والأخوات، بولس لم يكن فصيحًا وبليغًا كزميله وحبيبه أبولّس الّذي - أي أبولّس- تجنّب العودة إلى أهل كورنثوس بسبب روح التّحزّب حين طلب منه بولس في أفسس. لكن كانت عند بولس المَعرِفة وكان يقتدي بالمسيح المخلّص إذ قال: "اقتدوا بي كما أنا أقتدي بالمَسيح" (١كو١١ : ١). وفي الرّسالة الثّانية إلى أهل كورنثوس الإصحاح السّابع الآية ٨ - ١٣ نرى موضوع إشكاليّة رسوليّة بولس قد آلت إلى المُصالَحَة.
لم يكن بولس يعمل بِمُفرده في البشارة وكانت لديه جماعة من المؤمنين والمؤمنات. لم يكن متزوّجًا كأغلبيّة الرّسل بل متبتّلًا. وكان أهل كورنثوس يأخذون عليه إصطحاب بعض المؤمنات في العمل البشاريّ. " أما لنا حقّ أن نستصحب امرأةً مؤمنة كسائر الرّسل..." ( ١كو٩ : ٥). نعم ، كان بولس بتولًا ولم يكن من رسل الرّبّ الإثني عشر، فكانت توجّه له بعض التّعييرات والإتّهامات من المُغرضين والخصوم ليواجهوه بها على أنّها نِقاط ضعفٍ. ولكنّ بولس لم يستحِ بهذا التّعيير لا بل كان يقول: " ذلك بأنّي أصغر الرّسل، ولست أهلًا لأن أُدعى رسولًا لأنّي اضطهدت كنيسة الله..." (١ كو ١٥ : ٩).
أمّا عن النّسوة كنّ معروفات بالخدمة إلى جانب الرّسول بولس، مِنهنّ كنّ مع أزواجهن؛ برسقلة وأقيلا زوجها ( أع١٨: ٢) و (رو١٦: ٣)، ومنهنّ كنّ شمّاسات كفيبة (رو١٦: ١)، ومنهنّ كنّ يتنبّأن كبنات فيلبّس المبشّر (أع٢١ : ٨ - ٩)...
ألعمل البشاريّ والصّلاة المُستمرّين اللّذين كان يقوم بهما بولس وجماعته بحاجة إلى تفرّغ. فمن كان يسدّ الحاجات اليوميّة ومصاريف التّنقّل والسّفر؟ خاطب الرّسول بولس جماعة كورنثوس وحمّلَهم مسؤوليّة هذا الموضوع من باب الحقّ له والواجب عليهم. فحدّثهم بالمنطق والحكمة بقوله: "من ذا الّذي يحارب يومًا والنّفقة عليه؟ من ذا الّذي يغرس كرمًا ولا يأكل من ثمره؟ من ذا الّذي يَرْعى قطيعًا ولا يغتذي من لبن القطيع؟"(١كو٩: ٧)، ويقول إذا كنتم ترون هذا الكلام بشريًّا؟ بمعنى أنّه يوجّهه لليونانيّين على الأرجح، ينتقل إلى الشّريعة الُموسَويّة ليوجّه كلامه إلى المسيحيّين من أصل يهوديّ فيقول: "لا تكمّ ثورًا وهو يدرس الحبوب" ( تث٢٥: ٤)، ثم يجذر كلامه بوضوح وشفافيّة مقتبسًا من كلام يسوع الكتابيّ: " أما تعلمون أنّ خدمَ الهيكل يأكلون ممّا هو للهيكل" (١كو٩: ١٣).
بوضوح يقولها بولس " أمّا أنا فلم أستعمل أيّ حقّ من هذه الحقوق، ولم أكتب هذا لأُعامَل هذه المعاملة. فالموت أفضل لي من أن... مفخرتي هذه لن ينتزعها أحد" (١كو٩: ١٥).
إنّ الرّسول بولس غير محبّ للمال، ولكنّه كان يبيّن عيوبهم كي يحجّم خطاياهم ومن بينها البخل والتّقطير. لأنّه أي بولس كان يهمّه مساعدة الكنائس وجمع التّبرّعات والمساعدات لها ومنها أورشليم.
من جهة بولس الشّخصيّة عبّر بوضوح حين كان في أفسس في سفر أعمال الرّسل (٢٠: ٣٣-٣٥) بقوله :"ما رغبت يومًا في فضةٍ ولا ذهبٍ ولا ثوبٍ عند أحد، وأنتم تعلمون أن يديّ هاتين سدّتا حاجتي وحاجات رُفقائي وقد بيّنت لكم بأجلى بَيان أنّه بمثل هذا الجهد يجب علينا أن نُسْعِف الضّعفاء، ذاكرين كلام الرّبّ يسوع وقدقال هو نفسه: " السّعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ ". وبالرّغم من أنّ عملَ بولس يقتضي أجرًا، لكنّه ينزّه نفسه عن المادّيّات مذكّرًا بشكلٍ غير مباشر بكلام الرّبّ يسوع: "مجّانًا أخذتم مجّانًا أعطوا".
الأبوّة والبنوّة الرّوحيّة!...
كلّ إبن مولودٍ من حشا حوّاء الجديدة «مريم» البتول، بإقتدار الآب وطاعة الإبن، لِحَمْلِ الصّليب، بإمكانه هو أَيضًا، أَنْ يصير أَبًا لكثيرين، إن إلتزم خطاياه وارتكض لدفنها مع توبته ودموعه المسكوبة، في حِضْنِ الآب، بواسطة حبِّ الإبن له!!...
"أَنا لا أَدعوكم عبيدًا، بعدُ... بل أَبناء للإله الآب تدعون"!!. هكذا يبدأ كلّ إبنٍ مسيرته رافعًا رأسه بإتّجاه أُورشليم العلويّة الّتي هي كنيسته في هذا العمر ليَحْرِقَ أَوساخ أَناهُ المعَرْبِشَةَ عليه، كلّ لحظة وهو يَسْمَع، ليتحرَّك طائعًا الكلمة!!...
ونُسائِل أَنفسنا... لماذا نحمِل نحن هكذا أَحمالًا قبل الوقوف أَمام الحضرة الإلهيّة، لنقول "النَّعَمْ" للإله متى يدعونا؟!...
الإنسانُ لا يعرف شيئًا!!. يولَدُ طفلًا مقمَّطًا ومُضْجَعًا، تُرْضِعُهُ أُمّه، إن عرفت هي، معنى ومغزى ولادته، لينمو بهذا الإرث البشريّ من أَهله، فيحيا إمّا حياةً في كنف عائلة تدلَّهُ على طريق الحياة الإلهيّة!!... أَو تتركه طُعْمًا وطعامًا لعابري السّبيل، فيجرّونه إليهم، ويعيدون خبزه وعجنه وشيّه على نارِ خطاياهم، ليُؤَكِلوه طعام الإدّعاءات والكبرياء والبحث عن أَناه لتنميتها، فيطال السّماوات، مدَّعيًا أَنه هو السّيّد والرّبّ والإله... مكوّنَ وصانع نفسه وعائلته ومجتمعه والعالم!!...
هذا، كان وما زال حتّى اليوم إرث الكون السّاقط...
لِنَصِلَ اليوم إلى حقيقة ومعنى وجودنا على هذه الأَرض!!. نحن أَولاد الرّبّ يسوع المسيح!!.. هو أَبانا... خالقنا... حياتنا... هو إسمنا ومعناه... هو أَنا الآب وهو إبنه ولِنَصيرَه نحن، علينا أَن نطلب منه المعرفة... ومعرفته هي حبّه والكون!!!... كما عاش هو!...
الأَب يولِد إبنه... يُعطيه خِصْبَ وجودِهِ... نَفَسَ حياته... وينتظر!!. ينتظر حتّى يحبو الطّفل وينمو ويكبر إلى قامة أَبيه، قربه... هذا هو التّبنّي الحقيقيّ!!. أَن يبقى الإبن في محيط حبِّ الأَبِ لِيَشْرَبَ من معين حبّه ذاك، فلا يتزعزع باحتيالات الحضارة، أَو العلم، أَوِ النّجاح للظّهور والتّملُّك في هذا العالم... يبقى الإبن قرب الأَب ليحياه أَبًا وإبنًا ليسوع!!...
ما يولِدُ الأَبُ هو يَدُ الإله... وما يولد الإبنُ هو فِعل طاعة الأَب للإله بحبّه وبسماعه، لإتمام وصاياه... وإذ يصيرُ الأَب لَهَثَ روح ِ كلمةِ الإله، يولِدُ إبنه...
"تكلَّم يا ربّ... إنّ عَبْدَكَ يَسْمَعْ"!!.
"عبوديّة" السّماع، تتفجَّر من لهف الحبّ، حتّى يَسْلُكَ الإنسان طريق الحقِّ... طريق الطّاعة... طاعة الحبّ الّذي ترفعنا إلى مستويات الحبّ والفهم واختراق حُجُبِ الكون المنظور وغير المنظور إن عرفنا الإله وارتضينا أَن نصيرَ خدّام كلمته وحياته على الأَرض...
الأَبُ والإبن هما واحد مُتَوْأَمْ!!.
ليفرح الإبن في جلسة السَّماع والقولِ، لإقتناصِ السّلام في هذا العالم الخَرِب، والحياة الأَبديّة المسكوبة على الكون شلّالات شعاع أَبديّ، من الإله عبر أَبيه... فيفرح الإبن بالأَب والأَب بالخالق!!...
لا أبُوَّة، بدون البنوَّة!!. ولا حياة، إلّا برباطِ الحبّ هذا!!.
هكذا ننمو ونتعَلَّم من علاقةِ الحبّ الّتي مِنَ الآب للإبن ولكلّ مَن يأتينا سائلنا... أَممكن لي أَن أَخلص؟!. نعم!!... إن أَنتَ طلبتَ المعرفة بالحبّ الإلهيّ وبالطّاعة والسَّماع لِتَعَلُّمْ دروب الملكوت... والطّريقُ ضيِّق، موحِلٌ ومقفِرٌ... لكنّه طريق الجلجلة والصّليب الّذي يعطيناه سيّدنا، عربونَ خلاصنا لنملك فيه، معه!!...
بهذا وهكذا تصير هذه الدّنيا فَرْدوسنا الّذي أَضعناهُ بعنادنا...واليوم إذ إلتقينا يسوع بالرّضى وقولة "النَّعَم" له!!... يجعلنا شركاء له في كلّ يوم من أَيّام حياتنا... أَبناءَ له وآباء لكلّ الآتين إلينا طالبين قطرة ماءٍ، في قحط محبّة هذا العالم لخالقه، ربّه وإلهه...