نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ١٧ حزيران ۲٠١٨
العدد ۲٤
الأحد (٣) بعد العنصرة
اللّحن ۲- الإيوثينا ٣
كلمة الرّاعي
دعوتنا الشّخصيّة
الرّبّ يدعو كلّ إنسان باسمه، لأنّه "الرّاعي الصّالح"، "والرّاعي الصّالح يعرف خرافه بأسمائها". لا يتعاطى اللّه مع البشر بالجملة، بل لكلّ شخص علاقة خاصّة معه، لأنّ المحبّة فيها تمايز في العلاقات وليس تمييز. هذا ما نراهُ في علاقة الرّبّ يسوع مع تلاميذه، إن كان في اختيارهم أو في التّواصل معهم. تَمايُز العلاقة في المحبّة يعتمد على الطّرفَيْن، لأنّ الإزائيَّة في المحبّة هي الأساس. اللّه بمحبته للإنسان لا يُلغيه ولا يُذيبه فيه، بل يطلب أن يوحِّدَه معه أو يتَّحِد به مع الحفاظ على كينونته واستقلاليّته. هذا يأتي من سرِّ الثّالوث، حيث تَمايُز الأقانيم لا يصنع انقسامًا ووَحدتهم لا تقوم على الذّوبان، ومن سِرّ التّجسّد حيث اتّحاد الطّبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة لا يصنع اختلاطًا، ولا تمايُزهما يقوم على الانفصال.
* * *
الرّبّ يدعونا جميعًا، أي كلّ البشر، إلى القداسة. منذ البدء أراد للإنسان أن يصيرَ شبيهًا به، لذلك خلقه على صورته مانحًا إيّاه كلّ الطّاقات الكامنة لِيَتشبّه به من خلال الطّريق الّذي أراه إيّاه، أي الحرّيّة في اتّباع اللّه بِطاعة الوَصِيّة حُبًّا وليس إكراهًا. اللّه خَلَقَنا للحياة الوافرة بِغِنى حنانه الإلهيّ الّذي لا ينضب ولا يُسبَر غوره. كل علاقة بين اللّه والبشر غايتها الدّخول في سِرِّ الحَنان الإلهيّ. هذا هو التّألّه. لكن لا يصل الإنسان إلى هذا المُبتغى إلّا عندما يدخل في علاقة حُبّ شخصيّة مع اللّه. معرفة اللّه هي محبّته الّتي تؤدّي إلى الوحدة معه والإتّحاد به. هو "أحبّنا أوّلًا".
* * *
"قد أخطأنا وأثِمنا وما صَنَعنْا ما أمَرْتنا به. لكن، لا تخذُلنا إلى الإنقضاء يا إله آبائنا".
مُشكلة الإنسان أنّه ما لَم يَعتَرِف مِن أعماق قلبه أنّه يرفض اللّه عندما يستسلم لِخَطاياه، فهو لن يستطيع أن يحبّ ذاته حُبًّا حقيقيًّا، لأنّ درب الخطيئة هو تدمير للذّات وللعلاقة مع اللّه ومع الوُجود بِرمّته. الإنسان بتكوينه مشدود نحو الحياة، لكن عندما ضاع محور حياته، الله، عن عينيه، صار مُتَمَحْوِرًا حول نفسه، يَقتاتُ ذاته، وذاته عَدَم من دون اللّه، فدخل في الخواء الكَيانيّ تائِهًا في العَدَميّة عن حقيقة دعوته عند خلقه.
* * *
أيّها الأحبّاء، ما لَم نَرجع إلى اللّه بالتّوبة، ما لَم نعرف أنّ اللّه هو إله شخصيّ، أي يبني مع كلّ إنسان علاقة خاصّة لأنّه محبّة، ما لَم نتبع يسوع المسيح الّذي عرَّفَنا باللّه الآب وكَشف لنا ذاته بالرّوح القدس، وما لَم نبحث عن حقيقتنا في أعماقنا بالتّوبة والصّلاة، فسَنَعبُر الوجود ونخسر وجودنا، وسنتعاطى الحياة ونحن في الموت، وسنعتقد بأنّنا فرحين ونحن في خواء الحُزن.
لا تستقيم حياتنا، ولا نربح وجودنا، ولا نحقّق إنسانيّتنا ما لَم نعرف المسيح، ونعُد إلى اللّه بالتّوبة في طاعة الكلمة الإلهيّة بنعمة الرّوح القدس.
ومن له أذنان للسّمع فليسمع.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الثّاني)
عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.
القنداق (باللّحن الثّاني)
يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعرِضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأسرَعي في الطّلبةِ يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.
الرّسالة (رو 5: 1-10)
قوَّتي وتسبحتي الربُّ أدبًا ادَّبني الربُّ
يا إخوةُ، إذ قد بُرّرنا بالإيمان فلنا سَلامٌ معَ اللهِ بربِّنا يسوعَ المسيح، الذي بهِ حصلَ أيضاً لنا الدُخولُ بالإيمان إلى هذه النعمةِ التي نحنُ فيها مُقيمون ومفتَخِرون في رجاءِ مجدِ الله. وليسَ هذا فقط بل أيضاً نفتَخِرُ بالشدائدِ عالِمينَ أنّ الشِّدَّةَ تُنشئُ الصبرَ والصبرَ يُنشئ الاِمتحانَ والاِمتحانَ الرجاءَ والرجاءَ لا يُخزي. لأنَّ محبَّة اللهِ قد أُفيضَت في قلوبِنا بالروحِ القدسِ الذي أُعطيَ لنا. لأنَّ المسيحَ، إذ كُنَّا بعدُ ضُعفاءَ، ماتَ في الأوانِ عنِ المنافقين ولا يكادُ أحدٌ يموتُ عن بارٍّ؛ فلعلَّ أحداً يُقدِمُ على أن يموتَ عن صالحٍ. أما الله فيَدُلُّ على محبّتهِ لنا بِأنَّه، إذ كنَّا خطأةً بعدُ، ماتَ المسيحُ عنَّا. فبالأحرى كثيراً إذ قد بُرّرنا بدمِه نخلُصُ بهِ من الغَضَب، لأنَّا، إذا كنَّا قد صُولِحنا معَ اللهِ بموتِ ابنِهِ ونحنُ أعداءٌ، فبالأحرى كثيراً نَخلُصُ بحياتِه ونحنُ مصالَحون.
الإنجيل (متّى 6: 22-33) (متّى 3))
قال الربُّ: سراجُ الجسدِ العينُ. فإنْ كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيِّرًا. وإن كانت عينُك شرّيرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظْلماً. وإذا كان النورُ الذي فيك ظلاماً فالظلامُ كم يكون! لا يستطيع أحدٌ أنْ يعبُدَ ربَّينِ، لأنُّهُ إمَّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ أو يلازِمَ الواحِدَ ويَرْذُلَ الآخَر. لا تقدرون أن تعبُدوا اللهَ والمالَ. فلهذا أقولُ لكم لا تهتمُّوا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادِكم بما تلبَسون. أليستِ النفسُ أفضلَ مِنَ الطعامِ والجسَدُ أفضَلَ من اللباس؟ أنظروا إلى طيور السماءِ فإنَّها لا تزرعُ ولا تحصِدُ ولا تخزُنُ في الأهْراءِ وأبوكم السماويُّ يَقوتُها. أفلستم أنتم أفضلَ منها؟ ومن منكم، إذا اهتمَّ، يقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامتهِ ذراعاً واحدة؟ ولماذا تهتمّونَ باللباس؟ اعتبِروا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو. إنَّها لا تتعبُ ولا تَغْزِل، وأنا أقولُ لكم إنَّ سليمانَ نفسَه، في كلِّ مجدِه، لم يلبَسْ كواحِدَةٍ منها. فاذا كان عشبُ الحقلِ الذي يُوجَدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التنُّورِ يُلبِسُهُ اللهُ هكذا أفلا يُلبِسُكم بالأحرى أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكلُ أو ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ، فإنَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأُمم. لأنَّ أباكُمُ السماويَّ يعلمُ أنَّكم تحتاجون إلى هذا كلِّهِ. فاطلُبوا أوّلاً ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم.
حول الإنجيل
إنّ هذا المقطع الإنجيليّ هو جزءٌ من العِظَة على الجبل، وفي هذه العِظَة كان الرّبّ يسوع يُخاطِب تلاميذه بأهمّ ما سوف يُواجِهون من تحدّيات في هذا العالم، ومع سيّد هذا العالم (إبليس). نحن نعرف أنّ الشّيطان يأخذ أشكال متعدّدة ليُبعد الإنسان عن عبادة الإله الحقيقيّ؛ ففي العُصور القديمة، كانت تتجلّى عبادة الشّيطان من خلال عبادة الأصنام، وما يتبع هذه العبادة من طقوس فاحشة وماجنة. وأمّا ما يُخاطبهم به الرّبّ في هذا المقطع الإنجيليّ هو أسلوب آخر لعبادة الشّيطان من خلال عبادة المال. فِعلًا إنّه لتحدٍ عظيم أن يُقاوم الإنسان شيطان المال، لأنّه يستتر في أكثر الأمور ضرورةً وحاجةً لإستمرار الحياة. فيَخلِق الخوف والرّعب في نفوس البشر مُستترًا بعدم القدرة على تأمين مُستلزمات الحياة. فهل من إنسانٍ يستطيع أن يبتعد كليًّا عن الطّعام؟ أو يستطيع أن يعيش من دون لباس؟ بالطّبع كلّا!!! "لأنّ أباكم السّماوي يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذا كلّه" (مت32:6). ثمّة فرق كبير بين السّعي لتأمين الحاجات الضروريّة، وبين الخوف والقلق من عدم القدرة على تأمينها. أين دور اللّه في حياتنا؟ فهو الّذي قال "شعرةٌ من رؤوسكم لا تسقط إلّا بِعلْم أبيكم الّذي في السّموات". لذا الخوف والقلق من الشّيطان، والإنجيليّ يوحنّا يؤكّد في رسالته أنَّ من يتملّكه الخوف لا يملك محبّة اللّه، "المحبّة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج" (1يو18:4). لهذا فإنّ عبادة المال وبالأحرى عبادة الشّيطان تتستّر تحت غطاء الحاجات الضّروريّة مُصطحِبَةً معها القلق والخوف. والكتاب المقدّس مَليء بالمحبّة، هل نسينا عهد اللّه لإبراهيم وكيف أخرجه من بيته ومن عشيرته وأغناه حتّى فاض عنه الكثير بعد أن ترك كلّ شيء لأجل محبّة اللّه؟.. وهل نسينا كيف أخرج اللّه العبرانيّين من مصر إلى صحراء خاوية من دون زادٍ ولا مزود، ولكنّه سار معهم 40 سنة في الصّحراء ولم يُنقص عنهم شيئاً، وعند عطشهم أشبعهم من صخرة صلدة (عدد11:20). وعندما جاعوا أشبعهم من المَنّ (خرو14:16)؟ ويُتابع الرّبّ في عظته على الجبل "أنظروا طيور السّماء فإنّها لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن في الأهراء وأبوكم السّماوي يقوتها، أفلستم أنتم أفضل منها ...".
إنّ عبادة المال تتجلّى اليوم ليس فقط في مُستلزمات الحياة، بل وأيضًا في كماليّاتها. فيكون العمل على جني المال على حساب العائلة والتّربية، لماذا؟؟ ليس ليؤمّنوا الضّروريّات بل الكماليّات وزيادة أيضًا!! من المؤسف اليوم أن ترى النّاس تجمع المال وتكدّسه، ولكن لا ترى سوى القلق والخوف والحزن على وجوههم. هذا كلُّه لأنّ محبّة اللّه ليست ثابتة في قلوبهم. لنتذكّر قول الرّبّ " لا تستطيعوا أن تخدموا ربَّين اللّه والمال". لذا وَجَبَ علينا ألاّ ننخدع بأنّنا نستطيع أن نخدم اللّه والمال، فإنّ عبد اللّه لا يرضى أبدًا أن يكون عبدًا للمال، وأيضًا، عبدُ المال لا يستطيع أن يكون عبدًا للّه. من يجد وقتًا للعمل في سبيل جمع المال ولكنّه لا يجد وقتًا لعبادة اللّه، والحضور للكنيسة والمشاركة في الخدم الإلهيّة، هو في خطر أن يكون عابدًا لوثن المال وهو لا يدري. فلنحرص على محبّة اللّه، فهو الّذي قال لنا إنّه يعلم كلّ شيء قبل أن نطلبه، بل بالأحرى "أطلبوا أوّلًا ملكوت السّموات وبِرَّه، وهذه كلّها تُزاد لكم" (مت33:6). آمين.
كيف نتخلّص من الإدانة؟
١- أُعذر غيرَكَ .
التمس عذرًا للآخرين عن أفعالهم الّتي قد تبدو خاطئة، بدلاً من أن تَدينهم. فمثلاً إذا رأيتَ إنسانًا جالسًا أثناء القدّاس الإلهيّ في الكنيسة، فلا تُسرع بإدانته، والحكم عليه بأنّه قليل الاحترام لبيتِ الله وللصّلاة، فربّما كان ذلك الإنسان مريضًا بمرض غير ظاهر، حتّى لو بدا من الخارج قويًّا صحيحًا. وإذا جاوبكَ صديق لك بجفاء في مرّة من المرّات، فقل في ذاتك: "قد يكون صديقي متعبًا أو متضايقًا من أمر ما، وما أكثر ضيقات الحياة". وإذا تقابلتَ مع إنسانٍ لأوّل مرّة وخاطبك بصوتٍ مرتفع، فلا تسرع بإدانته والحكم عليه بأنّه إنسان متكبّر، فقد يكون ارتفاع الصّوت راجعًا إلى طبيعة حنجرته وهو ما لا دخل له فيه...
٢- تأمّل فضائلَه.
حاول أن تجد شيئًا طيّبًا في الإنسان المُدان. فلا يوجد إنسان كاملاً قدّيسًا في كلّ جوانب حياته وتصرّفاته، كما لا يوجد إنسان ناقصًا شرّيرًا في كلّ أفعاله. ففي كلّ إنسان بذرة خير. وإذا حاربك الشّيطان بخطيئة الإدانة من جهة إنسان معيّن، تذكّر بعض فضائله، فتخفَّ عنك هذه الحرب، إن لم تتلاشَ بالكليّة.
٣- أحسن الظّنَّ دائمًا.
علّل كلّ أمرٍ تعليلاً حسنًا... وتوجد ثلاث مراحل لذلك:
أ - إذا كان فكر الإدانة ناتجًا عن رؤية أو سماع، فأوِّلْه تأويلاً حسنًا. ومثال ذلك الرّاهب الّذي حينما كان يدخل قلايّة راهب آخر ويجدها نظيفة مرتّبة، يقول في نفسه: "إنّ أخي هذا لا بدّ أن قلبه نظيف ومرتّب هكذا". وإذا دخل قلاية راهب آخر ووجدها غير مرتّبة، قال في نفسه: "لا بدّ أنّ أخي هذا مشغول بالعبادة والصّلاة عن ترتيب ونظافة قلايته". أو مثل أحد الآباء
الّذي كان إذا رأى أحدًا يرتدي ثياباً فقيرة يغبطه، وإذا رأى آخر يرتدي ثيابًا جيّدة يقول في نفسه: "إنّ هذا الإنسان أفضل منّي لأنّه يريد أن يُخفي فضيلته، إذ ربّما يلبس المسيح من الدّاخل، وهذه الثّياب من الخارج حتّى يُخفي فضيلته".
ب - إذا كان فكر الإدانة ناتجًا عن خطيئة ظاهرة أتاها أحد النّاس، ولا سبيل لتأويلها أو تبريرها، فحاول أن تقف على أسبابها – لا لكي تدينه كما توحي إليك أفكار الإدانة، بل في شعورٍ أخويٍّ. فربّما كان لذلك الإنسان فضائل، والله لم يسمح أن يسقط في المجد الباطل. فسمح أن يسقط في مثل هذه الخطيئة حتّى يشعر بضعفه فيصير أكثر قبولاً لدى الله، ويُصان ما له من فضائل بواسطة الاتّضاع. ولا تنسَ أن تصليَ من أجل هذا الإنسان بشعورٍ كلّه رحمة وشفقة، عالمًا أنّك أنت أيضًا "إنسانٌ تحت الآلام"، "ناظرًا إلى نفسكَ لئلاّ تجرّب أنت أيضًا" (غلا ٦: ١).
ت - وإذا كانت هذه الخطيئة الظّاهرة، كبيرة جدًا، ولا تصدر إلاّ عن قلبٍ قاسٍ غير تائب، فارفعْ قلبكَ أيضًا إلى الله بالصّلاة، واذكرْ أنّ بعضًا ممن وصلوا إلى درجاتٍ عالية في الرّوحانيّة والقداسة، بدأوا حياتهم أشرارًا جدًا. ومن ناحية أخرى فإنّ بعضًا ممن بدأوا حياتهم حسنًا وساروا في طريق القداسة، ووصلوا إلى درجات سامية فيها، سقطوا في منتصف الطّريق أو في أواخره، ثم تابوا وارتفعوا في توبتهم إلى درجات أعلى، وأَقرِنْ هذا الشّعور بالحرص لئلاّ يُصيبَكَ أنت أيضًا هكذا...
٤- إبتعدْ عن سماع كلامِ الإدانة.
لا تُفسح صدرك لسماع كلام الإدانة من إنسانٍ ضدّ آخر. إذا كان المتكلّم بكلام الإدانة من سنّكَ ومركزك، فراجعه في وداعة وأدب، وقُلْ له إنّ لك أخطاء كثيرة، أكثر من الّتي ذكرها، ولا تريد أن تسمع. وإذا كان المتكلّم أكبر منك سنًّا ومركزًا، وليس من اللّياقة أن توجّهه، فاصمُتْ، ولا تُجارِه في حديثه المُدين، فربّما شعر أنّك غير راضٍ عن كلامه فيكفُّ عنه... على أيّ حال بعد انتهاء أمثال هذه الجلسات، نظِّفْ أُذُنَيكَ من كلمات الإدانة...
٥- أُذكر أنّ اللّه سَتَر لك خطاياك.
حينما تصلّي صلاة الشّكر، وتأتي إلى العبارة الّتي تقول فيها "لأنّه سترنا"، انظر إلى نفسك وفَكِّرْ بكم صنع الرّبّ بك ورحمك وستر عيوبك، ولم يفضحها أمام الآخرين. تذكّر قول القدّيس إسحق السّريانيّ "استر على الخاطئ من غير أن تنفر منه، لكيما تحملك رحمة الرّبّ. اسند الضّعفاء، وعزِّ صغيري النّفوس كيما تسندك اليمين الّتي تحمل الكلّ".
٦- إحذر أخطاء التّعميم.
أحيانًا يكون فينا ميل للاندفاع أو ميل إلى التّعميم. فإذا رأينا صفة حسنة في شخص ما، نُسرع ونحكم عليه بأنّه حسن، وسرعان ما نقول إنّه حسن جدًا، وربّما قلنا بأنّه لا يوجد أحسن منه. وحينئذٍ – وهنا الخطر – نعتبر كلّ تصرّفات ذلك الإنسان – حتّى غير المرتبطة بهذه الصّفة الفريدة – أنّها لا بدّ أن تكون هي الأخرى سليمة وحسنة بالتّبعيّة (حتّى لو بدت كأنها خاطئة). والسّبب في ذلك يرجع إلى أنّنا لا نحبّ أن نتصوّر أنّ إنسانًا أعجبنا بإحدى صفاته، له نقيصة أو خطأ من الأخطاء. وعلى العكس من ذلك، فإن رأينا صفة رديئة في شخص، نسرع ونحكم عليه بأنّه رديء، وسرعان ما نقول إنّه رديء جدًا، وحينئذٍ – وهنا الخطر – لا نريد أن نتصوّر أنّ لهذا الإنسان تصرّفات أو صفات أخرى حسنة أو سليمة يمكن أن نقرّها أو نقبل بها.
هذه أحكام أشخاص يفقدون الاتّزان في أحكامهم، ويُخطئون بإدانة الآخرين عن تصرّفات ربّما كانت جيّدة، ويتعرّضون لهزّات عاطفيّة عنيفة، ومتاعب اجتماعيّة، كثيرًا ما تقودهم إلى العزلة والانطواء، أو إلى فقدان كلّ الأصدقاء، كما تحرم صاحبها الاستفادة من أخطاء الفضلاء، وفضائل الضّعفاء. وتشكّكه في نفسه وفي شخصيّته، فلا يعرف أهو صالح أم شرير، إذ يحسّ في نفسه بالأخطاء تحيا إلى جانب الفضائل. ولا يعلم أنّ هذه شيمة الإنسان العادي، وأنّ التّمييز يجب أن يكون في تغلّب الفضيلة أو الشّرّ، وميل الإنسان إلى أحدهما أكثر من الآخر، وجهاده المستمرّ في سبيل التّرقّي، والهدف نحو الكمال، وليس بلوغ الكمال ذاته. ولهذه الحكمة عينها، نرى الكتاب المقدّس قد سجّل أخطاء الأنبياء والقدّيسين.
المرجع:
نيافة الأنبا يؤانس (١٩٨٨)، بُستان الرّوح – الجزء الأوّل (الطّبعة السّادسة)، الأنبا رويس (الأوفست) العبّاسيّة – القاهرة – مصر.