نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ۲٩ نيسان ۲٠١٨
العدد ١٧
أحد المُخلّع
اللّحن ٣- الإيوثينا ٥
كلمة الرّاعي
واجباتنا الوطنيّة
إليكم نصًّا من القرن الثاني مأخوذًا من "الرسالة إلى ذيوغنيتــس" يصف حياة المسيحيّين الأوَّلين: "(...) لا يختلف المسيحيّون عن سواهم من أبناء البشـر في الوطن أو اللغة أو العادات. فالواقع هو أنّهم (...) لا يؤيّدون كغيرهم عقيدة من صنع البشـر. (...) أسلوب معيشتهم يوجب الإعجاب والإقرار بأنّه غير متوَقّع. تراهم يسكنون البلدان ولكنّهم غرباء، يشتركون في كلّ شيء كمواطنين، ولكنّهم يحتملون ما يحتمله الغرباء. كلّ بلد أجنبيّ وطن لهم، وكلّ وطن لهم بلد غريب. يتزاوجون كغيرهم ويتوالدون ولكنّهم لا يهملون أولادهم ولا يعرّضونهم للموت. يفرشون طعامهم للجميع ولكنّهم لا يفرشون أسرّتهم. يجدون أنفسهم في الجسد ولكنّهم لا يعيشون للجسد. يقضون أيّامهم على الأرض ولكنّهم مرتبطون بوطن سماويّ. يطيعون القوانين المرعيّة ولكنّهم يتقيّدون بأكثر منها في حياتهم الخاصّة. يحبّون جميع النّاس لكنّ الجميع يضطهدونهم. بالاختصار فإنّ المسـيحـيّين للعالم كالروح للجسد. (...) فهكذا المسيحيّون فإنهّم يسكنون في العالم ولكنّهم يظلّون ليسوا منه. المسيحيّون يعيشون غرباء بين الأشياء الفانية منتظرين الخلود في السماء".
* * *
نحن المسيحيّين نلتزم عالمنا وبلادنا والبيئة الّتي نحيا فيها. مع ذلك، نعرف أنّه "ليس لنا ههنا مدينة باقية إنّما نطلب الآتية" (عب ١٣: ١٣). لكنّنا في التزامنا العالم وشؤون الوطن نتعاطاها بروح الحقّ والبِرّ والتّقوى. نحن شهود للمسيح في كلّ عمل وقول، فلا يجوز لنا أن نكون شهود زور لإيماننا. دورنا في العالم هو أن نرفع العالم إلى عند الله، أن نكون حضور ملكوت الله فيه، أن يشعّ من خلالنا نور الدَّهر الآتي في حياة الشـركة والوحدة بالمحبّة الّتي من فوق...
مسيحيّتنا هي حياة جديدة متنزّلة علينا من فوق من لدن أبي الأنوار، هي كلّ عطيّة صالحة يراها الناس فينا فيستغربون ويندهشون وكأنّهم يشاهدون من هو آتٍ من عالم مختلف، من مكان بعيد عن منطقِ العالم السّاقط حيث الأنا هو الأساس والكلّ في خدمة الواحد المُستَهلِك لكلّ آخَر...
نحن المسيحيين نعرف أنّنا "غرباء" في هذا العالم، لكنّ غربتنا هي عن التعلُّق به لأنّنا متعلّقون بالآتي الَّذي نعيش فيه منذ الآن بالروح القدس في وحدتنا مع المسيح في الكنيسة المقدَّسة.
نحن مثال المتمّمين للقوانين المدنيّة، طالما هي في خدمة الإنسان وقداسته، لكنَّنا ثوّار على كلّ ما يقيِّد حرّيّة الإنسان في الحقّ والبِرّ والتّقوى وما يشوه إنسانيّته ويحرِّف خليقة الله ويُبعدها عن حقيقتها الأنطولوجيّة.
* * *
ها نحن مقبلون على زمن انتخابات في بلادنا، فما هو موقف المؤمن يا ترى من هذا الأمر؟
إنّه واجب وطنيّ، واجب للمواطن وعليه في التعبير عن رأيه واختيار من يمثّله في الدولة لأجل دولة يسود فيها القانون والعدالة والرحمة والنّظام، لأجل دولة يُحتَرَم فيها الإنسان وتُقدَّر قيمته ويُخدَم فيها في الدراسة والطبابة والحياة الكريمة والحقّ في التوظيف والعمل والسكن، دولة يستطيع شبابها أن يبنوا فيها حياة دون أن يضطرّوا إلى الهجرة أو إلى التّزلّف لأحد، دولة يأخذ فيها كلّ إنسان فرصته في الحقّ ليساهم ببناء وطنه ومجتمعه على أساس قيمة الإنسان الحقيقيّة الّتي هي عطيّة الله له لمَّا خَلَقَه، دولة يعلو فيه القانون على الجميع ولا يُعلى عليه...
واجب الإنسان المؤمن أن يكون ابن الرّجاء والاتّكال على الله، أن يكون ابن النّقاوة في القلب والفكر واليد، أن يكون ابن الله!...
علينا جميعًا أن نعمل لبناء الإنسان، والإنسان هو على صورة الرب يسوع المسيح، هذا هو الإنسان الحقّ.
لا نيأسنّ من تجديد العالم، لأنّه حيث المسيح فهناك "جِدَّة الحياة"، ولكنَ التجدُّد يبدأ من القلب...
ومن له أذنان للسمع فليسمع!
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة للإيصوذون (باللّحن الخامس)
المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للَّذين في القبور.
طروباريّة القيامة (باللّحن الثّالث)
لتفرحِ السّماويّات ولتبتهج الأرضيّات، لأنّ الرّبّ صنعَ عزّاً بساعدهِ، ووطئَ الموتَ بالموت، وصارَ بكرَ الأموات، وأنقذنا من جوفِ الجحيم، ومنحَ العالمَ الرّحمةَ العظمى.
القنداق (باللّحن الثّامن)
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلاّ أنَّك درستَ قوَة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله، وللنسوةِ حاملاتِ الطيب قلتَ افرحنَ، ولِرُسُلِكَ وَهبتَ السلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.
الرّسالة (أعمال الرّسل 9: 32-42)
رتِّلُوا لإِلهِنا رتِّلُوا
يا جميعَ الأُممِ صَفِّقُوا بالأيادِي
في تلكَ الأيَّامِ، فيما كانَ بُطُرسُ يَطوفُ في جَميع الأماكِنِ، نَزَل أيضًا إلى القدِّيسينَ السَّاكِنينَ في لُدَّة، فوَجَدَ هناكَ إنسانًا اسمُهُ أَيْنِيَاسُ مُضَطجِعًا على سريرٍ مِنذُ ثماني سِنينَ وهُوَ مُخلَّع. فقالَ لهُ بطرُسُ: يا أينِياسُ يَشفِيكَ يسوعُ المسيحُ. قُمْ وافتَرِشْ لنفسِك. فقام لِلوقت. ورآه جميعُ السَّاكِنين في لُدَّةَ وسارُونَ فَرَجَعوا إلى الرَّبّ. وكانت في يافا تِلميذَةٌ اسمُها طابيِتَا الَّذي تفسيرُهُ ظَبْيَة. وكانت هذه مُمتَلِئةً أعمالاً صَالحةً وصَدَقاتٍ كانت تعمَلُها. فحدَثَ في تِلكَ الأيامِ أنَّها مَرِضَتْ وماتَتْ. فَغَسَلُوها ووضَعُوها في عُلِّيَّة. وإذ كانت لُدَّةُ بقُربِ يافا، وسَمعَ التَّلاميذُ أنَّ بطرُسَ فيها، أَرسَلُوا إليهِ رَجُلَيْن يسألانِهِ أنْ لا يُبطِئَ في القُدُومِ إليهم. فقام بطرُسُ وأتى مَعَهُمَا. فَلمَّا وَصَلَ صَعدوا بهِ إلى العُلِّيَّة. ووقَفت لديِه جميعُ الأرامِلِ يَبْكِينَ ويُرِينَهُ أَقْمِطَةً وثِيابًا كانت ظَبيَةُ تَصنَعُها معَهنَّ. فأخرَجَ بُطرُسُ الجميعَ خارِجًا، وجَثَا على رُكبَتَيْهِ وصَلَّى. ثمَّ التَفَتَ إلى الجَسَدِ وقالَ: يا طابيتا قُومي. فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. ولـمَّا أَبْصَرَتْ بُطرُسَ جَلَسَتْ، فناوَلَهَا يَدَهُ وأنهضَها. ثم دعا القدِّيسيِنَ والأرامِلَ وأقامَها لَديهم حيَّةً. فشاعَ هذا الخبرُ في يافا كلِّها. فآمَنَ كَثيرون بالرَّبّ.
الإنجيل (يوحنّا 5: 1-15)
في ذلك الزَّمان، صَعِدَ يسوعُ إلى أورشليم. وإنَّ في أورشليمَ عند باب الغَنَمِ بِرْكَةً تُسَمَّى بالعبرانيّة بيتَ حِسْدَا لها خمسةُ أَرْوِقَة، كان مُضطجعًا فيها جمهورٌ كثيرٌ من المرضى من عُمْيَانٍ وعُرْجٍ ويابِسِي الأعضاء ينتظرون تحريكَ الماء، لأنَّ ملاكًا كان يَنْـزِلُ أَحيانًا في البِرْكَةِ ويحرِّكُ الماء، والَّذي كان ينـزِلُ أوَّلاً من بعد تحريك الماء كان يَبْرَأُ من أَيِّ مرضٍ اعتَرَاه. وكان هناك إنسانٌ به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. هذا، إذ رآه يسوع مُلقًى وعلم أنَّ له زمانًا كثيرًا، قال له: أتريد أن تبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيِّدُ ليس لي إنسانٌ متى حُرِّك الماء يُلقِيني في البركة، بل بينما أكون آتِيًا ينـزلُ قَبْلِي آخَر. فقال له يسوع: قُمِ احْمِلْ سريرَك وامْشِ. فللوقت بَرِئَ الرَجُلُ وحمل سريره ومشى. وكان في ذلك اليوم سبتٌ. فقال اليهودُ للَّذي شُفِيَ: إنَّه سبتٌ، فلا يحِلُّ لكَ أن تحملَ السَّرير. فأجابهم: إنّ الَّذي أَبْرَأَنِي هو قال لي: احْمِلْ سريرَك وامشِ. فسـألوه: من هو الإنسان الَّذي قال لكَ احملْ سريرَك وامشِ؟ أمّا الَّذي شُفِيَ فلم يكن يعلم مَن هو، لأنَّ يسوعَ اعتزل إذ كان في الموضع جمعٌ. وبعد ذلك وَجَدَهُ يسوعُ في الهيكل فقال له: ها قد عُوفِيتَ فلا تَعُدْ تُخْطِئُ لِئَلَّا يُصِيبَكَ شرٌّ أعظم. فذهب ذلك الإنسانُ وأخبرَ اليهودَ أنَّ يسوعَ هو الَّذي أَبْرَأهُ.
حول الإنجيل
يتّضح من النصّ أمران. الأوّل هو الأنين البشريّ للإنسان الرازح اليوم تحت وهن الفساد، الإنسان الذي خُلِق في البدء بين الفساد وعدم الفساد، أي فاسداً بالطبيعة وغير فاسد بالنعمة. تمثّل صرخةُ المخلّع “يا سيّد” تنهُّدَ الإنسان الساقط في الحالة دون الطبيعيّة.
الأمر الثاني، الواضح في النصّ، هو استعراض الحلول المطروحة لرفع هذا الواقع الأليم ولإيقاف هذا التنهّد الإنسانيّ. وتظهر أمام هذا التحدّي ثلاثة أطراف، أوّلها الإنسان الآخَر، ولقد أجاب المخلّع على خبرته مع هذا الطرف بأنَّه “ليس لي إنسان….” وثانيها رجال الدين، الذين يفترض بهم أن يحملوا حلولاً دينيّة خـلاصـيـّة. وهؤلاء أيضاً أظهر النصّ عدم نجاحهم. أمَّا الطرف الأخير، الذي استطاع أن يقول للمخلّع “احملْ سريرك وامضِ…” صارت كلمته فعلاً وحياةً، فهو الله.
هناك فعل الإنسان الذي تزداد إمكانيّاته باطّراد. العقل البشريّ هديّة إلهيّة ثمينة. من صورة الله في الإنسان. يرى البعض أنَّ المحاولات الإنسانيّة تزداد نجاحاً في معالجة الألم والأمراض. بينما يفترض آخَرون رأياً مغايراً، أنَّ الإنسان بحضارته وتمدّنه قصّر من الحدّ الوسطيّ لحياته، وأدخل إليها أمراضاً جديدة فتّاكة فرضتها اختراعاته، ومهما يكن الأمر، فإنّ المحاولات الإنسانيّة، عندما تنجح أو تسيء، لا تلعب أكثر من دور تقصير أو إطالة المعدّل الوسطي لحياة الإنسان. عندما تنجح المحاولة الإنسانيّة في التصدي لظاهرة البلى فإنها تنجح بتأجيلها فقط. نجحت القدرات البشرية في نزع الكثير من الألم، لكنها فشلت أبداً في مواجهة الموت. أجّلت ومدّدت لكنها ما لغت ولا بدّدت.
نظرة سريعة إلى مجتمعاتنا المعقّدة اليوم، تُظهر كم يكون الإنسان فيها شريكاً للآخَر بكل نواحي حياته. المسكن لم يعد كما كان في الماضي منفصلاً، بل كلّ منّا هو “جارٌ” لكثيرين. وبناية اليوم تضمّ ما كانت تجمعه قرية بكاملها. في الأعمال أيضاً، لا توجد اليوم أعمال فرديّة ومهن خاصّة. أبسط الأعمال تقتضي تعاوناً بشريّاً. عالم الاختصاص والتخصُّص يفترض لإنجاز أيّ أمر تعاون أطراف عديدة. مع ذلك نلاحظ أنّه كلّما ازدادت الروابط بين الناس زادت الوحشة بينهم. في النهاية، تحقّ كلمة المخلّع “يا سيّدي، ليس لي إنسانٌ…”. إنَّ الحضارات البشريّة، والاختراعات، والمدنيات، هي رغبةٌ إلهيةٌ قبل أن تكون ضرورة بشرية، إلاَّ أنَّ كلّ ذلك لا يشكّل حلاًّ نهائيّاً بل آنيّاً. الكلمة الإنسانيّة أمام المسألة تبقى إنسانيّة، تُحرّك الموضوع، لكنّها لا تحلّ مشكلته.
وهناك فعلُ رجال الدين، فإنَّ الأمل يبدو لأوّل وهلة متعلّقاً بهم، ما دامت المدنيّات لم تُلبِّ الغاية. يكشف النصّ الإنجيليّ على الفور فشل هذا الطرف حين بقيَ بشريّاً أيضاً. الدِّين فاشل حين ينقلب حرفاً. توقّف رجال الدين أمام الأعجوبة، مخالفة الحرف في الناموس، ولم يلحظوا غلبة الحياة على الموت. لقد قلبوا الدّين إلى مجرد شروحات، وهو في الأساس قناة للحياة.
حين تنحصر الكلمة الدينيّة في حروف الكلمات تبقى بشريّة، لا بل خدَّاعة. لأنَّ الكلمة البشريّة المدنية فيها تعزية آنية أمام مسائل الآلام. أمَّا الكلمة الدينيّة في حالة كهذه فهي هدَّامة لأنَّها تصير فلسفة وهميّة كلاميّة فقط.
ليس الدّينُ فلسفةً تأمليّة في الحياة. ليس الدّين نَقْلَ معلومات أو فَرْضَ واجبات، الدّين حلٌّ للمعاناة البشريّة. على الدّين أن يكون حيَّاً أي أن يكون حياة. بخلاف ذلك يصبح الدّين فعلاً أفيوناً للشعوب. النتائج غير الدينيّة وغير الإنسانيّة للمتديّنين توضّح الحالات العديدة للكلمة الدينيّة حين تكون قاتلة بدل أن تكون محيية، وتفضحها حين تكون بالية بدل أن تشفي من البلى.
وهناك ثالثاً فعلُ الله. لقد قال كُنْ فكان. تكلَّم فدبَّت الحياة عوض الفساد. كلمة الله حين تلتقي بالإنسان تبدِّله وتحوله وهذا دليل الحياة التي فيها.
كلمة الله وفعله هي شيء من عدم الفساد منذ الآن، إنّها حياة وعربون الحياة الأبديّة. لذلك كلمة الله هدَّامة لكلّ من الطرفين الآخَرَين. الَّذين قاوموا المسيح ويقاومون الإيمان دهراً، هم إمّا جماعة الملحدين أو الفرّيسيّين من المتديّنين. هذه خلاصة التاريخ تجاه قيامة المسيح. وما ينطبق على تاريخ البشـريّة والمجتمعات عامةً ينطبق أيضاً على الحياة الشخصيّة، حيث كلمة الله المحيية هي أيضاً مُميتةٌ للعالم والإنسان القديمَين. عندما تلتقي الكلمة الإلهيّة مع الإرادة الإنسانيّة تخلقان على الفور حياةً.(من كتاب سفر الكلمة- الجزء الأول - للمطران بولس يازجي).
خطر العادة في العبادة
إذاً ما هو خَطَر، لا بل خَطَر عظيم، هو العادة. إن العادة لهي خطر عظيم ورهيب.
لا يمكننا أن نترك أنفسنا للعادة لا في الليتورجيا ولا في الترتيل ولا مع كأس الحياة.
يجب أن نحس بالخشية في كل مرة تُقام الليتورجيا، فنتابعها بعاطفة ووعي وامتنان. علينا أن نشترك في كل مرة وكأنها المرة الأولى.
إذاً، الخطر الأعظم هو العادة. العادة في التعاطي مع القانون، وفي الصلاة، وفي الليتورجيا، وفي غيرها…
عندما يحاول البعض أن يشعروا بالسيد قريباً منهم، وأن يعيشوا المثال الذي يتطلعون إليه، لا يتصـرفون كمَن له دالة. حتّى ولو كان الوقت ضيقاً لإتمام القانون (أي برنامج الصلاة اليوميّة) كاملاً، فإذا أتمّوه جزئياً إنّما كما يجب وبعناية ووضوح والكثير من الإدراك، فالله يتقبّله كمثل عشرة قوانين. فلتكن عقولنا وأفكارنا عند الله ولنحسّ به معنا. عندها هو يبارك ويقدّس.
ينبغي بحياتنا أن تبتعد عن الضعفات، وعن الانقسامات والتنازلات. فلنسعَ إلى حياة طاهرة، لا بلّ كليّة الطهارة وأسرارية، تعبق بالصلاة والعبادة والجهاد الروحي المقدّس، حتى يشهد الكلّ لرسوخنا في دعوتنا، ولتمسّكنا بقوة بميراث حياتنا المقدّس الذي هو جوهر إيماننا بالرب (الشيخ إفسابيوس ياناكاكيس).
قوّة الصّليب
(للقدّيس باييسيوس الآثوسيّ)
كان قدّيسنا يعرف ٱمرأة مسيحية مؤمنة وكانت هذه تعيسة لأنّ زوجها ٱنخرط مع السّحرة. وبما أنّه لم يكن يرغب في أن يرتدي صليبًا، فلكي تساعده قامت بخياطة صليب صغير في ياقة قميصه بشكل خفي.
وذات يوم كان زوجها مضطرًا لعبور أحد الأنهار. فلما وجد نفسه فوق الماء، سمع صوتًا يقول له: يا تاسوس! يا تاسوس! ٱخلع قميصك لكي نعبر الجسر سوية!
ولكن، بنعمة الله، كان الطقس شتاء، لهذا أجابه تاسوس:
- كيف أخلعه؟ إنني أشعر بالبرد!
- ٱخلعه، ٱخلعه كي نعبر سوية، تردّد الصوت ثانية!
كان ذاك هو الشيطان، أراد أن يُلقي بتاسوس في النّهر. لكنه لم يقدر لأنّه كان يرتدي صليبًا. في نهاية الأمر ٱستطاع أن يُلقي به في إحدى جنَبات الضفة بجانب الجسر. وقد عثر أقاربه عليه هناك مرميًا على الأرض، بعدما فتّشوا عليه الليل كلّه. لو كان قد خلع قميصه لكان الشيطان رماه في النهر. لقد حفِظَه الصّليبُ الّذي كان مخفيًا في ياقة القميص.