نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ١٥ نيسان ۲٠١٨
العدد ١٥
أحد القدّيس توما
اللّحن ١- الإيوثينا ١
كلمة الرّاعي
الإنسان بعد قيامة المسيح
بائــس هو الإنسان ولا معنى لحياته لولا القيامة. لكن، أيّة قيامة؟ تتحدث بعض الديان عن القيامة وتؤمن بها، ولكن القيامة في المسيحيّة شيء وفي الأديان شيء آخَر، لأنَّ قيامة الرّبّ يسوع المسيح بالجسد من بين الأموات هي أساس الإيمان المسيحيّ بقيامة الإنسان في آخر الأزمنة.
كثير من أبنائنا لا يفقهون ما هو إيمان كنيستهم في هذا الخصوص، إذ يظنّون أنّ القيامة هي قيامة الروح أو يعتبرون أنّ الجسد الحالي يفنى دون رجعة ولا مكان له في القيامة العامّة وكأن الله سيُلبِسُ الإنسان جسدًا جديدًا من العدم ليلتصق ويتَّحد مع روح هذا الأخير.
ما هو إيمان كنيستنا في موضوع موت وقيامة المسيح وموت وقيامة الإنسان يا تُرى؟
* * *
نقول في دستور الإيمان عن الرّبّ يسوع المسيح بأنّه ”تألَّمَ وقُبِر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب“. لماذا لا نذكر أنّه ”مات“؟
في صلاة الساعة التّاسعة، في زمن الصوم الأربعيني المقدَّس، نرتّل قائلين: يا من ذاق الموت بالجسد في السّاعة التاسعة من اجلنا أمت أهواء أجسادنا أيها المسيح الإله وخلّصنا“. الرّبّ يسوع المسيح اختبر الموت بجسده أي بطبيعته البشريّة، وهذا تمّ بمشيئته هو كإنسان. لكن، ليس للموت من سلطان عليه لأنَّ الموت يتسلّط على الإنسان بسبب الخطيئة، والمسيح لم يخطئ مطلقًا لأنّه ”أطاع“، في إنسانيّته، الله الآب بالكليّة وبذا لم يكن للخطيئة من مكان عنده. لذا، كإنسان ذاق الموت بمشيئته ليتحمَّل وزر خطايا البشريّة كلها في جسده فيطهِّر البشريّة في إنسانيّته من أهوائها الَّتي صارت هي المرض الخفيّ في النّفس الَّذي يؤدِّي إلى الخطيئة والموت.
وبما أنّ يسوع المسيح الإنسان لم يخطئ، فلا يستطيع الموت أن يقبض عليه كآدم الأوّل الَّذي سقط لأنّه هوى ”التألّه“ خارجًا عن الله. المسيح ”ذاق الموت بالجسد“ لأنّ جسده لم ينحلّ إذ ليس هو خاضِعًا للموت بسبب سقوطٍ بل بسبب نَسَبِهِ البشريّ لأنّ الموت هو ميراث آدم الأوّل للبشريّة. من هنا فموت المسيح يسوع ليس موت نهائيًّا كما يحصل مع البشر الخاضعين للخطيئة، بل هو موت إراديّ لتعبر البشريّة من خلاله بالموت إلى الحياة الأبديّة وتجدُّد الطبيعة الإنسانيّة إلى حالة ملكوتيّة غير خاضعة لمقاييس هذا الدَّهر.
* * *
المسيح يسوع قَبِلَ أن تنطفئ الحياة البيولوجيّة في جسد إنسانيّته لتعود وتشتعل بنعمة الألوهة حياةً بالروح القدس محوِّلة هذا الجسد من طبيعته المرتبطة بهذا العالم إلى طبيعة جديدة مرتبطة بملكوت السماوات. جسد الرّبّ يسوع المسيح القائم من بين الأموات هو نموذج جسد قيامتنا، إنّه جسد ”مُرَوْحَن“، إذا جاز التعبير غير خاضع لمقاييس هذا الدّهر من حيث الزمان والمكان إذ دخل الرب يسوع على تلاميذه والأبواب مُغلَقَة، فهو غير خاضع للشيخوخة والمرض والألم والحاجات البيولوجيّة. جسدنا نفسه الَّذي ينحلّ سوف يقيمه الرب جسدًا ممجَّدًا في اليوم الأخير، يوم القيامة. هذا هو إيماننا المسيحي الأرثوذكسيّ، هذا هو رجاء الحياة الأبديّة، لأنّ الموت قد أبيد بدون رجعة بموت المسيح وقيامته من بين الأموات مقيمًا معه كلّ المؤمنين به في ذاته وواهبًا لهم هذا الخلاص من خلال الكنيسة المقدّسة في الأسرار.
* * *
قيامة الرب يسوع هي غاية حياتنا، أي نقوم مثله من الموت وندخل في الخلود المملوء حبًّا وفرحًا ونورًا. لكن، هذ القيامة حاضرة وستأتي. هي حاضرة في الكنيسة وأسرارها، لا سيّما القداس الإلهيّ، وهي حاضرة في المؤمنين الَّذين يساهمون الأسرار الإلهيّة ويتقبّلون نعمة الروح القدس. هي تذوُّق مسبق للقيامة الأخيرة بعد موتنا وانتهاء الزمن، هذا التذوّق لله حياةً لنا نعيشه إذا ما تجدَّدنا بالتوبة. التوبة هي خبرة الموت عن إنساننا العتيق المستعبد للأهواء والخطايا والقيامة بالمسيح ومعه وفيه بنعمته الإلهيَّة الَّتي تجدِّدنا وتنقلنا إلى المدار الإلهيّ لحقيقتنا الإنسانيّة من خلال اتّحادنا بالرب يسوع المسيح في الأسرار، في الصلاة، في الصوم، في جهاد التنقية بالكلمة الإلهيّة وفي سرّ المحبّة الباذلة بالخدمة للآخَر...
بعد قيامة الرب يسوع المسيح من بين الأموات لم يعد لنا حقّ أن نبقى في سقوطنا، قوة القيامة منحت لنا بالروح القدس الَّذي انبثّ في المسكونة من خلال الكنيسة جسد الرب يسوع، وسكن فينا كوننا اعتمدنا على اسم الثالوث القدوس. الإنسان المسيحيّ قياميّ هو ويغلب الموت بغلبته الخطيئة والأهواء بقوّة الناهض من بين الأموات.
طوبى للذين آمنوا ولم يروا...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الخامس)
المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للَّذين في القبور
طروباريّة الرّسول توما (باللّحن السّابع)
إذ كان القبرُ مختوماً أشرقتَ منه أيّها الحياة، ولما كانتِ الأبوابُ مغلقة، وافيتَ التلاميذَ أيّها المسيحُ الإلهُ قيامةُ الكلّ. وجدّدتَ لنا بهم روحًا مستقيماً، بحسب عظيم رحمتك
القنداق (باللّحن الثّامن)
ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلاّ أنَّك درستَ قوَة الجحيم، وقمتَ غالباً أيُّها المسيحُ الإله، وللنسوةِ حاملاتِ الطيب قلتَ افرحنَ، ولِرسلِكَ وَهبتَ السلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام
الرّسالة (أعمال الرّسل 5: 12-20)
عظيم هو ربُّنا وعظيمة هي قوته
سبِّحوا الربَّ فإنَّه صالِحٌ
في تلكَ الأيّام جَرَتْ على أيدي الرُّسُل آياتٌ وعَجائبُ كثيرةٌ في الشَّعب. (وكانوا كلُّهُم بِنَفْسٍ واحِدَةٍ في رُواقِ سُليمان، ولم يكُنْ أحَدٌ من الآخَرينَ يَجترِئُ أنْ يُخالِطَهُمْ. لكنْ كانَ الشَّعبُ يُعظِّمُهمُ. وكانَ جماعاتٌ مِنْ رجال ونِساءٍ ينضَمُّونَ بِكَثَرَة مُؤمِنينَ بالربِّ) حتى إنَّ الناسَ كانوا يَخرُجونَ بالمرضى إلى الشَّوارِع ويضعونهُم على فرُشٍ وأَسِرَّةٍ ليَقَعَ ولَوْ ظِلُّ بطرسَ عنِدَ اجتيازهِ على بعْضٍ منهم. وكانِ يجْتمِعُ أيضاً إلى أورَشَليمَ جُمهورُ المدُنِ التي حوْلها يَحمِلون مرضىً ومعذْبينَ مِنْ أرواح نَجِسة. فكانوا يُشفونَ جَميعُهُم. فقامَ رئيسُ الكهَنةِ وكلُّ الذينَ معهُ وهُمْ مِن شيعَةِ الصدُّوقِيّينَ، وامتلأوا غَيرةً، فألقَوا أيدِيَهُم على الرُسُلِ وجَعَلوهُم في الحبسِ العامّ، ففَتَحَ ملاكُ الربِّ أبوابَ السِّجنِ ليلاً وأخرَجَهُم وقالَ امْضُوا وَقفِوا في الهيكلِ وكَلِّموا الشَّعبَ بِجميع كلِماتِ هذه الحياة.
الإنجيل (يوحنّا 20: 19-31)
لمّا كانت عَشيَّةُ ذلِكَ اليومِ، وَهُوَ أوَّلُ الأُسبوع، والأَبوابُ مُغلَقةٌ حيثُ كانَ التلاميذُ مجتمِعينَ خوفاً مِنَ اليهودِ، جاءَ يسوعُ ووقفَ في الوَسْط وقالَ لَهم: السلامُ لكم. فلمَّا قالَ هذا أراهم يَدَيهِ وجَنبَهُ. ففرِحَ التلاميذُ حينَ أبصَروا الربَّ. وقال لهم ثانية: السلامُ لكم. كما أرسَلني الآبُ كذلكَ أنَا أرسِلُكم. ولما قالَ هذا نَفَخَ فيهم وقالَ لهم خذوا الروحَ القُدُسِ، مَن غفرتُم خطاياهم تُغْفَرْ لهم، ومَن أمسكتم خطاياهم أُمسِكَتْ. أمَّا توما أحَدُ الاثنيَ عشَرَ الذي يقالُ لهُ التوأَمُ فلم يكنْ معَهم حينَ جاءَ يسوع. فقالَ لهُ التلاميذُ الآخَرونَ إنَّنا قد رأيْنا الربَّ. فقالَ لهُم إنْ لم أُعايِنْ أثرَ المساميرِ في يدَيْهِ وأضَعْ إصبَعي في أثرِ المساميرِ وأضَعْ يدي في جَنبِهِ لا أُومنِ. وبعدَ ثمانيةِ أيّامٍ كانَ تلاميذهُ أيضاً داخِلاً وتوما معَهم، فأتى يسوُعُ والأبوابُ مُغلقَة، ووقفَ في الوَسْطِ وقالَ السلامُ لكم. ثمَّ قالَ لتوما: هاتٍ إصبَعَكَ إلى ههنا وعَاينْ يَدَيَّ. وهاتِ يَدَكَ وضَعها في جَنبي ولا تَكُنْ غيرَ مُؤمنٍ بَل مؤمناً أجابَ توما وقالَ لهُ: رَبِّي وإلهيِ. قالَ لهُ يسوعُ لأنَّكَ رأيتني آمنت. طوبىَ للذينَ لَمْ يَرَوا وآمنَوا. وآياتٍ أُخَرَ كثيرةً صَنَعَ يسوعُ أمامَ تلاميذِهِ لم تُكتَبْ في هذا الكتاب، وأمَّا هذهِ فقد كتبَتْ لتُؤمِنوا بأنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله. ولكي تكونَ لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمِهِ
حول الإنجيل
أحد توما يسمّى الأحد الذي يلي الفصح في اللغة الكنسيّة والشعب يسمّيه الأحد الجديد. القراءة تحكي عن ظهورين للسيّد الأوّل يوم الفصح مساء والثاني أسبوعا بعد الفصح، وفي هذين الوقتين كان التلاميذ مجتمعين في مكان واحد. في هذين اليومين يحيّيهم المخلّص بقوله "السلام لكم" وهو الذي قال عنه قبل موته انه سلامه. وبولس يقول عن المسيح انه هو السلام (أف ١٤:٢).
عشيّة القيامة يقول لهم خذوا الروح القدس وذلك قبل أن تحلّ العنصرة، ثم يقول: "مَن غفرتم خطاياهم تُغفر لهم ومن أمسكتم خطاياهم أُمسكت". رأت الكنيسة أن هذا الكلام يؤسس سرّ التوبة (الاعتراف) من حيث أن غفران الخطايا ثمر القيامة. العمادة أيضاً تغفر الخطايا للبالغين المهتدين إلى المسيح. كذلك البشارة إذا قَبِلها الإنسان بصدق وتوبة.
عند الظهور الأول لم يكن توما مع التلاميذ وأطلقت تسمية الاثني عشر عليهم مع أن يهوذا كان قد مات. توما لم يكن إذ ذاك، فقال عند رجوعه إلى البيت: "إن لم أعاين أثر المسامير وطعنة الجنب لا أؤمن". في الظهور الثـاني كان تومـا معهم، وعنـدما تراءى لهـم السيّد قال لتوما: "هاتِ إصبعك إلى هنا وعاين". فلمّا عاين ما كان يريد أن يعاينه قال:"ربّي وإلهي" أي "أنت ربّي وإلهي".
في الأصل اليوناني الكلمتان معرّفتان وليس في النص التباس لأنّ اليهود ليس عندهم أرباب كثيرون وآلهة كثيرون. المعنى إذاً هو انك أنت هو الربّ والإله. ليس من إيمان بربوبيّة المسيح وألوهيّته أبلغ من هذا.
الأمر المهم الثاني أنّ أثر المسامير في اليدين وأثر طعنة الحربة في الجنب يدلاّن أن الذي ظهر هو إياه الذي عُلّق على الصليب، وليس هنا من احتمال تخيّل كما يقول بعض أعداء إيماننا في الغرب. أراد يسوع أن يقدّم برهانا قاطعًا على أنّ الذي ظهر للتلاميذ المجتمعين مع توما هو الذي صلبه اليهود وقام. الظهور يدلّ على أن هذا الذي مات ودفنوه هو إياه الذي خرج من القبر.
ليس في الإنجيل وصف لتحرّك جسد المسيح في القبر أو انتعاشه بالمعنى الطبي. الإنجيليون اكتفوا بحادثتَي الصلب والدفن وبحوادث الظهورات. الانتقال من الدفن إلى الظهورات هو القيامة. إن شهادة توما من أقوى الشهادات على القيامة الحقيقيّة الفعليّة، وعندي أنها أقوى شهادة لكونها مبنيّة على لمس التلميذ لجسد السيّد.
إن السيّد يطوّبنا نحن الذين لم نشاهد المسيح قائما، ولكننا أخذنا عن الشهود العيان، وأهميّة الإنجيل من حيث هو وثيقة أن الإنجيليّين كانوا شهودًا للحوادث. أهميّة الإنجيل للمؤمن ولغير المؤمن انه وثيقة دوّنت حوادث شوهدت، وكتابته انتهت قبل انصرام القرن الأوّل (يوحنا هو الأخير). لك الحق أن تؤمن بالعقيدة التي يحتويها الإنجيل وألاّ تؤمن، والإيمان نعمة من السماء وليست نتيجة العقل المحض. ولكنك لا تستطيع أن تنكر أن الشهود الذين كتبوا كانوا معاصرين للمسيح.
ويؤكّد يوحنا في آخر هذه القراءة أن غاية الأناجيل هي أن "تؤمنـوا بأنّ يسـوع هو المسيـح ابـن الله وأن تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه". الإيمان ينـزل عليك هبة مجانية، ولكنه مسنود إلى وقائع جرت ووصفها ناس عاشوا في زمن المسيح.
كيف عكست آلامُ المسيح سقوطَ آدم
– المسيح صام طوعياً وبنجاح أربعين يوماً في القفر وتخطّى تجارب الشيطان، لأن آدم طوعياً ولكن دون جدوى لم يحفظ الصوم الذي أمر به الله بالامتناع عن شجرة المعرفة بعد أن أغواه الشيطان.
– المسيح وبّخ بطرس على أنه متقبل لوحي شيطاني لأنه جرّب أن قنعه بعدم الذهب إلى أورشليم ليُصلَب، لأن آدم استسلم لإيحاء حواء التي أُوحي إليها من الشيطان بأكل ثمرة شجرة المعرفة المحرّمة.
– يسوع أخضع إرادته للآب في بستان الجسمانية لأن في بستان عدن آدم عصى إرادة الآب.
– المسيح صُلِب على خشبة الشجرة، لأن سقطة آدم صارت من خلال شجرة محرّمة.
– يدا يسوع ثُقِبَتا بالمسامير لأن آدم أمسك الثمرة المحرّمة.
– يسوع صُلِب خارج أسوار أورشليم أن آدم طُرِد من عدن.
– يسوع قبل العنة وصار ملعوناً ليُبطِل لعنة آدم.
– يسوع كان عرياناً على الصليب وتقاسك الجنود ثوبه لأن آدم خسر براءته في عدن ولبس جلداً حيوانياً عند طرده من الفردوس.
– أمّ يسوع كانت على قدمي الصليب لأن آدم تناول من الشجرة المحرّمة مع حواء أمّ الجنس البشري
– المسيح أُعطي خلاّ ممزوجاً بمرارة ليشرب لأن آدم أكل ثمرة شجرة المعرفة
– يسوع صُلب بين اثنين يمثّلان طريق الحياة وطريق الموت، لأن آدم في عدن تمثّل بشجرتين مثلتا الحياة والموت.
– يسوع فتح أبواب الفردوس للص التائب، لأن آدم كان قد أغلقها.
– يسوع طُعِن بجنبه بعد موته لأن آدم بعد حواء أُخِذَت من جنب آدم بعدما غرق في نوم عميق.
(جون سانيدوبولوس)
الكآبة
هناك أوقات نستسلم خلالها إلى ما يسمّى شيطان نصف النهار فنخضع للكآبة. هذا الاستسلام غالباً ما يتغذّى من عادة التذمّر المزمنة. نحن نتذمّر من صحتنا إلى درجة أن تتحوّل نقطة التركيز الأولى في حياتنا. الاهتمامات المادية تقودنا إلى التذمّر على ما ليس لدينا أو ما قد نخسره. قد نتحوّل بنظر الآخرين إلى “المتذمّر” ونجدهم يميلون نحو تلافينا. كون الإنسان متذمراً يقدّم العلف لشيطان نصف النهار ويقود إلى الاكتئاب.
بالطبع، الاكتئاب هو في بعض الأحيان شيءٌ من عدم التوازن الكيميائي الذي ينبغي التنبّه له وطلب اهتمام الطبيب. مع هذا، قد يكون حالة من تصوير الذات كصنم وعبادتها. نحن نتلافى العلاقة مع الله مركّزين على حاجاتنا الشخصية. بإهمالنا حاجات المحيطين بنا نبني جداراً حول مدينتنا الذاتية التي فيها معبد مكرّس للنفس. وكوننا وحدنا في مدينة الذات هذه، ننشغل بالتفكير بالسبب الذي يجعلنا نغرق نحو كآبة متزايدة العمق. لكن متى قدّمنا ذواتنا في خدمة الآخرين، يتبخّر التركيز على الذات. في خدمة الآخرين، نستطيع مجدداً أن نرى محبة الله التي لا يُسبَر غورها. مع هذه الرؤية السماوية للمحبة، لا يبقى مكان لقلة الرجاء واليأس والقنوط. لقد وحّد الربّ طبيعتنا بطبيعته الإلهية، ونحن نتغيّر إلى الأبد. نحن نصير أبناء العليّ وتُغسَل خطايانا بدمه. أحزان هذا العالم وأحماله، إذا ما احتملناها في هذه الحياة، تقود إلى فرح لا يوصَف ولا يُعَبَّر عنه في الحياة الآتية. عندما نضع ذواتنا جانباً ونرى جمال العالم من حولنا وصورة المسيح في قريبنا يمكننا أن نطرح اليأس والألم والكآبة ونُبيد شيطان نصف النهار. باستسلامنا للكآبة نمنح عدو نفوسنا القوة وحسْب، إذ ننسى أن قوة الظلام قد أبيدت عندما اقتحم ربنا الجحيم بنزوله إليه. الموت غُلب بالموت وقيامة السيد صارت قيامتنا.
(الشيخ تريفون رئيس دير المخلّص الجزيل الرحمة، واشنطن)