في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*أبونا الجليل في القدّيسين غريغوريوس أسقف أغريغنتية *أبونا الجليل في القدّيسين أمفيلوخيوس أسقف إيقونيّة *القدّيس سيسينيوس (ساسين) المعترف *أبونا الجليل في القدّيسين هلينوس الطّرسوسيّ*القدّيس الرّوسيّ الكسندر نفسكي *أبونا الجليل في القدّيسين متروفانس الرّوسيّ*أبونا الجليل في القدّيسين ديونيسيوس الأوّل، بطريرك القسطنطينيّة *القدّيس البار أنطونيوس يازار الرّومانيّ*أبونا الجليل في القدّيسين ألكسندر خاركوف *القدّيس البار أمفيلوخيوس الكييفيّ*الشّهداء الرّوس الجدد بوريس أسقف إيفانوفو ومن معه.
* * *
✤تذكار أبينا الجليل في القدّيسين غريغوريوس أسقف أغريغنتية (+ 603 م)
نشأ القدّيس غريغوريوس في إحدى مدن صقلّية الإيطاليّة. كان أبواه خاريطن وثيودوتي تقيَّين، وقد نذراه لله وهو في “مهد الأقمطة” وعهدا به إلى عرّابه بوطاميانوس الأسقف وهو في سنّ الثّامنة. وما أن بلغ الثّانية عشرة حتّى صار قارئًا. كان يومذاك قد حفظ كتاب المزامير غَيْبًا. وإذ كان الله قد مَنَّ عليه بصوتٍ عذبٍ فإنّ قراءته للكتاب المُقدّس كانت بهجة لنفوس سامعيه. غير أنّ اهتمامه الأوّل كان لا في تلاوة الكتاب المُقدّس بل في التّأمّل فيه ليل نهار. لذلك استعان بالصّوم والصّلاة. ولما بلغ الثّامنة عشرة من عمره استبدّ به شعور جامح دفعه لزيارة الأماكن المُقدّسة فغادر إليها متوخّيًا فهمًا أفضل لأسرار الكتاب المُقدّس.
من صقلّية إلى أورشليم
وبتدبير من الله التقى غريغوريوس في تونس، في طريقه إلى أورشليم ثلاثة رهبان كانوا متوجّهين إلى هناك فأخذوه معهم.
عبر المسافرون بطرابلس الغرب وبعض مدن مصر ولم يصلوا إلى القدس إلّا بعد أربعة أشهر من انطلاقهم لأنّ الرّحلة كانت على الأقدام. ويبدو أنّ غريغوريوس حافظ خلالها على نظام غذائيّ صارم فلم يكن يتناول الطّعام سوى مرّة واحدة كلّ يومين أو ثلاثة، كما استمرّ منشغلًا بتأمّلاته في الكتاب المُقدّس.
أقام غريغوريوس في الأرض المُقدّسة ستّ سنوات قضى أربعًا منها راهبًا في الصّحراء برعاية شيخ روحانيّ مُجرَّب. وقد كان قبلة الأنظار. كثيرون مجّدوا الله عليه لصرامته في النّسك وكماله المبكّر في فضائل الطّاعة والصّبر واليقظة واستنارته في فهم غوامض الكتاب المُقدّس. وقد نما غريغوريوس في النّعمة والقامة إلى حدّ جعل عارفيه يلقّبونه بـ “الذّهبيّ الفم” الثّاني.
وعرّج على أنطاكية
من القدس انتقل قدّيسنا إلى أنطاكية فالقسطنطينيّة حيث نزل ديرًا على اسم القدّيسَين سرجيوس وباخوس. هَمّ غريغوريوس في هذا الدّير كان الصّلاة والتّأمّل في مؤلّفات القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم. ويبدو أنّه اعتاد السّلوك يومذاك كغريب عن جسده حتّى لم يكن يتناول إلّا قليلًا من الخضار، ويومَيْ السّبت والأحد فقط.
اطّلاع القدّيس غريغوريوس على كتابات الآباء كان واسعًا ومدهشًا. أحضره بطريرك القسطنطينيّة مرّة لديه لامتحانه. وفيما بدأ البطريرك بتلاوة مقطع غامض للقدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ ليشرحه له أكمله قدّيسنا غيبًا وقدّم بشأنه تفسيرًا جليًّا.
هذا وقد كان للقدّيس غريغوريوس، أثناء إقامته في القسطنطينيّة، دور مهمّ في دحض هرطقة المشيئة الواحدة وردّ العديدين من الّذين تبنَّوها إلى الإيمان القويم.
بعد القسطنطينيّة توجّه قدّيسنا إلى رومية حيث أقام فترة من الزّمن إلى أن جرى اختيارُه أسقفًا على مدينة أغريغنتية القريبة من بريتاريوم، موطن قدّيسنا الأوّل في صقلّية. وقد منّ عليه الله منذ ذلك الحين بموهبة صنع العجائب.
إشاعة كاذبة بشأنه
كأسقف انصرف غريغوريوس بغيرة إلهيّة وهمّة لا تعرف الكلال إلى تنظيم أبرشيّته وسيامة الكهنة والشّمامسة وافتقاد رعاياه والسّهر على المساكين والاهتمام بالتّعليم الدّينيّ للصّغار، وغير ذلك من شؤون الرّعاية، فأحبّه النّاس وتعلّقوا به. وقد جرت على يده حوادث شفاء كثيرة كتطهير البرص وإبراء الصّم والبكم والمشلولين وطرد الأرواح الشّرّيرة. وإذ لم ترق نجاحاته لعدوّ الخير حرّك بعض ضعفاء النّفوس الحاسدة الّذين منهم كاهن يدعى سابينوس وشمّاس يدعى كريشنسيوس فبدأوا يثيرون ضدّه إشاعات مفادها أنّ فيه شيطانًا لأنّهم وجدوه لا يأكل ولا يشرب، وأنّ ما يأتيه من عجائب شفاء للمرضى إنّما هو من عمل السِّحْر والشّعوذة. وقد تمادى الحاسدون في تآمرهم عليه إلى حدّ دفعوا معه امرأة هوى إلى تمثيل دور قذر لتشويه صورته وسمعته. الرّواية، في هذا الشأن، تقول إنّ المرأة تسلّلت إلى داره يومًا فيما كان يُقيم الذّبيحة الإلهيّة في الكنيسة. وما إن عاد برفقة بعض النّاس الّذين كان منهم سابينوس الكاهن وكريشنسيوس الشّمّاس إلى دار المطرانيّة حتّى خرجت المرأة من غرفة نومه في حال مثيرة للشّبهات. وطبعًا صُعق الحاضرون، وأخذ الكاهن والشّمّاس المتآمران يعيّران الأسقف ويحرّكان الحاضرين ضدّه، فيما وقف غريغوريوس صامتًا هادئًا كأنّه مستعدّ أن يتحمّل نتائج شائنة لم يرتكبها. كحمل بريء من العيب سيق إلى الذّبح ولم يفتح فاه.
أُلقي غريغوريوس في السّجن، وبات النّاس كأنّهم مقتنعون بأنّه مذنب. ثمّ جرى نقله إلى رومية حيث بدا البابا هناك مقتنعًا هو أيضًا بثبات التّهمة عليه. لذلك حبسه سنتين كاملتين من دون محاكمة. أخيرًا تألّفت هيئة خاصّة للنّظر في قضيّته. وإذ حضرت المرأة الزّانية للشّهادة، استبدّ بها روح شرّير فأخذت ترغي وتزبد. ولما حارت المحكمة في أمرها صلّى القدّيس غريغوريوس من أجلها فخرج منها الرّوح الخبيث. إذ ذاك اعترفت، وبدموع، أنّها اتّهمت رجل الله زورًا وأنّها فعلت ذلك بدافع الرّشوة. ثمّ كشفت عمّن كانوا وراء المؤامرة فبانت الحقيقة وأُعيد لغريغوريوس الاعتبار فيما كان نصيب المفترين الخزي. تقول الرّواية في هذا الشّأن أنّ أكثر من مئة شخص وُجدت وجوههم سوداء كالفحم لذنبهم وجرى نفيهم.
بعد ذلك عاد القدّيس غريغوريوس إلى أبرشيّته وسط تهليل الشّعب المؤمن وقد استمرّ في خدمتها إلى أن رقد بسلام في الرَّبّ في أواخر القرن السّادس أو أوائل القرن السّابع للميلاد. والكنيسة تمدحه وتستجير به بالتّرنيمة التّالية:
“لما كنت نُذرت للرَّبّ منذ الطّفوليّة كمثل صموئيل المجيد قديمًا، سمعت المخلّص يدعوك ثلاثًا نظيره أيضًا. ولما كنت قد طهّرت نفسك بنعمة الفضائل، أُهِّلت لتلقي نعمة الكهنوت، فقُدتَ قطيعك إلى مراعي معرفة الله وتلألأتَ بالأشفية. فيا أبانا غريغوريوس تشفّع إلى المسيح الإله أن يمنح غفران الزّلّات للمؤمنين المقيمين، من كلّ القلب، تذكارك المقدّس“.