في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* عيد جامع لوالدة الإله في ذكرى إظهار نشيد بواجب الإستئهال * القدّيسان الرّسولان برثولماوس وبرنابا * القدّيس البارّ برنابا القبرصيّ العجائبيّ* القدّيس البارّ برنابا Vetluga الرّوسيّ* الشّهيدان فيليكس وفرتوناتوس الإيطاليّان * الشّهداء الرّوس الجدد المائتان والإثنان والعشرون * القديس لوقا المعترف وطبيب جراح.
* * *
✤القدّيسان الرّسولان برثولماوس وبرنابا✤
برثولماوس، كما يظنّ البعض، هو إيّاه نثنائيل. إسرائيليّ لا غشّ فيه وأوّل مَن قال عن يسوع إنّه ابن الله (يو 1: 49). من قانا في الجليل. هو واحد من الإثني عشر الّذين تبعوا المسيح حتّى إلى آلامه وشهدوا لقيامته. قيل إنّه كرز بالإنجيل في مقاطعة العربيّة السّعيدة. بشّر، أوّل أمره، بمعيّة فيليبّس الرّسول وأخته مريامني، في آسيا الصّغرى. فلمّا قضى فيليبس بيد الوثنيّين انتقل إلى العربيّة وفارس وبلاد الهند. كابد الجوع والبرد والأخطار والاضطهادات والسّجون. نقل إلى العديد من الوثنيّين نور الحقّ. أخيرًا انتقل إلى أرمينيا حيث أكمل سعيه صلبًا، على غرار معلّمه، في ألبانوبوليس عن أمر الملك أستراغوس بعدما هدى ولدًا له إلى المسيح وحرّر ابنته من ربقة الشّيطان. ورد أنّ رفاته أُودعت صندوقًا من رصاص وأُلقيت في البحر، وبنعمة الله بلغت جزيرة ليباري، في صقليّة، حيث حصلت بها عجائب جمّة.
أمّا الرّسول برنابا فلعلّه تعلّم على غمالائيل المذكور في سفر أعمال الرّسل. كان يقيم في أورشليم يوم تشكّلت الجماعة المسيحيّة الأولى. يُحصى في عداد الرّسل السّبعين. أوّل معلومة بشأنه وردت في سفر أعمال الرّسل (أع 4: 36)، حيث قيل إنّه لمّا كان المسيحيّون الأوائل يبيعون ما لهم من حقول وبيوت ويأتون بأثمانها ليضعوها عند أرجل الرّسل لـ”يُوزَّع على كل واحد كما يكون له احتياج” فإنّ يوسف الّذي دُعي من الرّسل برنابا المترجَم ابن الوعظ، وهو لاوي قبرسيّ الجنس، إذ كان له حقل باعه وأتى بالدّراهم ووضعها عند أرجل الرّسل.
من جهة أخرى، بعد ثلاث سنوات انقضت على هداية بولس الرّسول، فرّ من دمشق وأتى إلى أورشليم حيث حاول الالتصاق بالتّلاميذ، لكنْ خشي الجميع جانبه لأنّه ظُنّ أنّه يتظاهر بالتّلمذة ليوقف المسيحيّين. أمّا برنابا فأخذه معه وأخبر كيف أنّ المسيح ظهر له وبأيّ ثقة كرز بالإنجيل في دمشق مخاطرًا بنفسه. فلمّا تيقّن الإخوة من صدقيّته صار يدخل ويخرج معهم في أورشليم مجاهرًا باسم الرَّبّ يسوع. وإذ حاول اليونانيّون أن يقتلوه أخذه الإخوة و”أحدروه إلى قيصريّة وأرسلوه إلى طرسوس” (أع 9: 30). في ذلك الحين لمّا بلغ أورشليم الخبرُ أنّ عددًا كبيرًا مِنَ الأمم اهتدى إلى المسيح في أنطاكيّة، أوفد الرّسل برنابا للاستطلاع والوقوف على ما جرى. فلمّا وصل إلى هناك ورأى نعمة الله “فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرَّبّ بعزم القلب لأنّه كان رجلًا صالِحًا ممتلئًا مِنَ الرُّوح القُدُس والإيمان. فانضمّ إلى الرَّبّ جمع غفير” (أع 11: 23 – 24). إثر ذلك خرج برنابا إلى طرسوس طالبّا بولس الّذي كان يُدعى شاوُلَ. فلمّا وجده جاء به إلى أنطاكية. “فحدث أنّهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلّما جمعًا غفيرًا. ودُعي التّلاميذ مسيحيّين في أنطاكية أوّلًا” (أع 11: 26). في تلك الأيّام انحدر أنبياء من أورشليم إلى أنطاكية. فلمّا قام واحدٌ منهم اسمه أغابوس وأشار بالرُّوح “أنّ جوعًا عظيمًا كان عَتيدًا أن يصير على جميع المسكونة” (أع 11: 28)– وهذا صار في أيّام كلوديوس قيصر– ارتأى التَّلاميذ حسبما تيسّر لكلٍّ منهم أن يرسلوا شيئًا خدمة إلى الإخوة السّاكِنين في اليهوديّة. “ففعلوا ذلك مرسِلين إلى المشايخ بيد برنابا وشاول” (أع 11: 30). وقد كمّل الرّفيقان الخدمة بمعيّة يوحنّا الملقّب مرقص (أع 12: 25) ورجعا إلى أنطاكية.
في أنطاكية، في ذلك الحين، كان هناك أنبياء ومعلّمون، برنابا وسمعان نيجر ولوكيوس القيروانيّ ومناين وشاول. فبينما هم يخدمون الرَّبّ ويصومون “قال الرُّوح القُدُس أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الّذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثمّ أطلقوهما” (أع 13: 2 – 3). إنطلقا برفقة يوحنّا مرقص خادِمًا. وبعدما حطّوا في سلوكيّة سافرا في البحر إلى قبرص. في سلاميس، المدينة الرّئيسيّة هناك، نادى برنابا شاول، بكلمة الله في مجامع اليهود. فلمّا أتيا إلى بافوس، في الطَّرَف الآخر من الجزيرة، حيث كان يقيم الوالي الرُّومانيّ، سرجيوس بولس، كلّماه عن طلب منه أن يسمع كلمة الله، فقاومهما مُشيرًا له، رجل ساحر نبيّ كذّاب يهوديّ اسمه “باريشوع”. هذا، على كلمة بولس، كانت يد الرَّبّ عليه فعمي ولم يعد يبصر الشّمس إلى حين إذ سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور مُلتمسًا مَن يقوده بيده. “فالوالي حينئذ لمّا رأى ما جرى آمن مندهشًا من تعليم الرَّبّ” (أع 13: 12).
من بافوس أقلع الرّفيقان إلى برجة بمفيلية فإلى أنطاكية بيسيديّة حيث بدا كأنّهما أثارا اهتمام المدينة برمّتها ممّا ملأ اليهود غيرة فجعلوا يقاومون ما قاله بولس مناقضين مجدّفين (أع 13: 45). إذ ذاك جاهر بولس وبرنابا وقالا: “كان يجب أن تُكلّموا أنتم أوّلًا بكلمة الله ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنّكم غير مُستحقّين للحياة الأبديّة هوذا نتوجّه إلى الأمم” (أع 13: 46). هذا وقد حرّك اليهودُ النّساء المُتعبِّدات الشَّريفات ووجوه المدينة وأثاروا اضطهادًا على بولس وبرنابا وأخرجوهما من تخومهم (أع 13: 50).
من أنطاكية بيسيدية أتى برنابا وبولس إلى إيقونيّة حيث آمن جمهور كثير من اليهود واليونانيّين. غير أنّ اليهود غير المؤمنين غرّوا وأفسدوا نفوس الأمم على الإخوة. أخيرًا حصل من الأمم واليهود مع رؤسائهم هجوم ليبغوا عليهما ويرجموهما فشعرا به وهربا إلى لسترة ودربة والكورة المحيطة. في لسترة شفى بولس رجلًا عاجز الرِّجلَيْن مقعدًا من بطن أمّه لم يمشِ قط. هذا جعل الجموع يعاملونهما وكأنّهما من الآلهة. فكانوا يدعون برنابا زفس وبولس هرمس. ولمّا أرادوا أن يذبحوا لهما مزّقا ثيابهما وهتفا بالجموع: “أيّها الرّجال لماذا تفعلون هذا. نحن أيضًا بشر تحت آلام مثلكم نبشّركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحيّ الّذي خلق السّماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها، الّذي في الأجيال الماضية ترك جميع الأمم يسلكون في طرقهم. مع أنّه لم يترك نفسه بلا شاهد وهو يفعل خيرًا يُعطينا من السّماء أمطارًا وأزمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعامًا وسرورًا” (أع 14: 15– 17). وبالنّتيجة رجم الجموع بولس بعدما أقنعهم يهود أتوا من أنطاكية وإيقونيّة. وفي الغد خرج بولس وبرنابا إلى دربة فبشّرا وتلمذا كثيرين. وإذ عادا إلى لسترة وإيقونيّة وأنطاكية بيسيدية شدّدا أنفس التّلاميذ ووعظاهم أن يثبتوا في الإيمان وانتخبا لهم قسوسًا في كلّ كنيسة وصلّيا بأصوام واستودعاهم للرَّبّ (أع 14).
من بيسيدية أتى الرَّسولان إلى بمفيلية وتكلّما بالكلمة في برجة ثمّ نزلا إلى أتالية ومن ثمّ سافرا في البحر إلى أنطاكية “حيث كانا قد أُسلما إلى نعمة الله للعمل الّذي أكملاه”.
بعد أنطاكية السّوريّة صعد برنابا وبولس إلى الرُّسُل والمشايخ في أورشليم. فإنّ منازعة ومباحثة ليست بقليلة حصلت لهما مع قوم من اليهوديّة قدموا إلى أنطاكية وجعلوا يعلّمون الإخوة “أنّه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا” (أع 15: 1). وإذ حضرا إلى أورشليم أخبرا بكلّ ما صنع الله معهما. فلمّا اجتمع الرُّسل والمشايخ ونظروا في الأمر حصلت مُباحَثَة كثيرة رأوا، مع كلّ الكنيسة، بنتيجتها أن يوفدوا برسابا وسيلا، وهما متقدّمان بين الإخوة، مع بولس وبرنابا مزوّدين برسالة موجّهة إلى الإخوة الّذين من الأمم في أنطاكية وسوريّة وكيليكية. في الرّسالة ورد ما يلي: “إذ قد سمعنا أنّ أناسًا خارجين مِنْ عندنا أزعجوكم بأقوال مقلّبين أنفسكم وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا النَّاموس، الّذين نحن لم نأمرهم، رأى الرّوح القُدُس ونحن (وقد صرنا بنفسٍ واحدةٍ) أن لا نضع عليكم ثقلًا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عمّا ذُبح للأصنام وعن الدّم والمخنوق والزّنا الّتي إن حفظتم أنفسكم منها فنعمّا تفعلون” (أع 15). فلمّا قرئت الرّسالة على الإخوة في أنطاكية فرحوا لسبب التّعزية. وفيما لبث سيلا هناك استمرّ بولس وبرنابا يعلّمان ويبشّران مع آخرين كثيرين بكلمة الرَّبّ. فلمّا عزما على السَّفَر لافتقاد الإخوة في كلّ مدينة سبق لهما أن ناديا فيها، وقع بينهما خلاف بسبب يوحنّا مرقص، وهو ابن أخت برنابا. برنابا كان يشاؤه أن يرافقهما وبولس لم يشأ لأنّ يوحنّا سبق له أن غادرهما في بمفيلية. وبالنّتيجة أخذ برنابا مرقص وسافر وإيّاه إلى قبرص فيما اختار بولس سيلا واجتاز في سوريّة وكيليكية.
أمّا برنابا، فقد ورد في التّراث أنّه اجتاز في سلاميس فكرز وهدى الكثيرين إلى أن حضر يهود من سوريّة أخذوا ينشرون بين الشّعب أنّ برنابا يكرز بأكاذيب. فلمّا درى برنابا بالأمر وعرف أنّ ساعته قد حانت أطلع مرقص على قرب مغادرته وعيّن له الموضع الّذي ينبغي له أن يواريه الثّرى فيه ثمّ يُطلع بولس على الأمر. وإذ دخل إلى المجمع جاهر بكلام ناريّ في شأن يسوع أنّه ابن الله الحيّ، صرّ اليهود السّوريّون على أسنانهم وهجموا عليه. وقيل رجموه كما رجموا القدّيس استفانوس، أوّل الشّهداء، وألقوه في جمر النّار، لكنّه انحفظ بنعمة الله. وقد أمكن مرقص أن يدفنه كما أوصى، ثمّ انتقل إلى أفسس حيث أطلع بولس على شهادة برنابا.
هذا وقد ظهر الرّسول برنابا لأسقف سلاميس، أنثيموس، سنة 488 م.، زمن الإمبراطور البيزنطيّ زينون ودلّه على الموضع الّذي كان جسده موارى فيه. فلمّا كُشف عن الجسد تبيّن أنّه لم يكن قد انحلّ. وكانت على صدره نسخة من إنجيل متّى باليونانيّة، قيل نسخها القدّيس بِخطّ يده. هذه كانت الأعجوبة الّتي استندت إليها كنيسة قبرص لتحظى من الأمبراطور بتثبيت استقلالها عن الكنيسة الأنطاكيّة بعدما نالته قانونيًّا في مجمع أفسس (431).