في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* أبونا الجليل في القدّيسين أفستاتيوس الكبير، أسقف أنطاكية العظمى * القدّيس البارّ تيموثاوس الأولمبيّ* أبونا الجليل في القدّيسين يوحنّا الثّالث الأنطاكيّ* أبونا الجليل في القدّيسين زخريّا الأورشليميّ* أبونا الجليل في القدّيسين جاورجيوس، أسقف أماستريس * الشّهيد في الكهنة سويريانوس، أسقف بيسان.
* * *
✤أبونا الجليل في القدّيسين أفستاتيوس الكبير، أسقف أنطاكية العظمى✤
تصف خدمة هذا اليوم القدّيس أفستاتيوس بأنّه الرّاعي الصّالح والسّيف ذو الحدّين، حاسم الهرطقة وصاحب السّيرة السّماويّة الّذي كابد التّجارب والآلام لأجل الكرازة الإلهيّة فأذوى الضّلال وثبّت الحقيقة وصان القطيع الرّوحانيّ من الفساد الّذي أعاثه الذّئاب.
ولد في سيدا البمفيليّة في زمن لا نعرفه. ويبدو أنّه نشأ على التّمسّك بالإيمان القويم. من هنا ثباته البطوليّ واعترافه بالرَّبّ يسوع بإزاء رموز الاضطهاد الوثنيّ للمسيحيّين، على ما أورد القدّيس أثناسيوس الإسكندريّ. غير أنّنا لا نعرف متى كابد الآلام كمُعترِف، في زمن ذيوكلسيانوس (حوالي 304م) أم في زمن ليسينيوس (حوالي 313م). وقد جمع إلى حياة الفضيلة العلم الغزير وحسن البيان وغيرة شديدة على نقاوة الإيمان.
اختير أسقفًا لحلب فبرز كراع ولاهوتي كبير. راسله القدّيس الكسندروس الإسكندريّ. في رسالة أفستاتيوس الجوابيّة الّتي تمّ جمع نتفها منذ زمان غير بعيد، دحض قدّيسنا هرطقة جماعة عُرفت بالملكيصادقيّة ادّعت أنّ ملك ساليم أعظم من المسيح وهو إيّاه الرّوح القدس. ثم في العام 324، إثر وفاة القدّيس فيلوغونوس، أسقف أنطاكية العظمى، اتّجهت الأنظار صوب أفستاتيوس فأراده الأساقفة والشّعب خلفًا عليها فقاوم فأصرّوا فرضخ. هذا ما أكّده ثيودوريتوس. نقل الأساقفة من كرسيّ إلى آخر لم يكن مسموحًا به قانونيًّا ولا مستحبًّا من حيث كونه تجربة للأساقفة الطّامحين في الرّفعة والغنى. وهذه في كنيسة المسيح عثرة مفسدة. من هنا سعي أفستاتيوس وآخرين في المجمع المسكونيّ الأول، في نيقية، إلى إقفال باب الانتقال من أبرشيّة إلى أخرى باستصدار قانون يحول دون ذلك (القانون 15) تمشيًّا مع القانون الرّسوليّ.
ثم أنّه في أيّار من السّنة 325 م انعقد المجمع النّيقاويّ الأوّل. أفستاتيوس كان أحد أبرز وجوهه. دوره في دحض الآريوسيّة كان كبيرًا. كان أوّل المتكلّمين في المجمع. وعندما دخل قسطنطين الملك كان أفستاتيوس من رحّب به باسم الآباء المجتمعين. لم تصلنا أعمال المجمع ولا نعرف مساهمة قدّيسنا في ما دار من مناقشات. لكن يبدو أنّه لمع، الأمر الّذي جعل الآريوسيّين يحقدون عليه ويتآمرون ليتخلّصوا منه.
بعد ذلك عاد إلى أنطاكية وسعى إلى لمّ شملها بعدما عصفت بها سياسة المحاور. وقد أبدى حرصًا مبينًا في شأن تنقية الإكليروس والحؤول دون وصول المشتبه بهم إلى سدّة الرّعاية. أحد الّذين كانوا مصدر قلق لأفستاتيوس كان أفسافيوس القيصريّ صاحب التّاريخ الكنسيّ المعروف. قيصريّة فلسطين كانت، بشكلٍ من الأشكال، تابعة لأنطاكية. أفسافيوس كان مائلًا إلى الآريوسيّة وسعى إلى تمرير صيغة لدستور الإيمان غير الّتي أقرّها الآباء. من هنا إنّ علاقة أفستاتيوس بأفسافيوس كانت مشدودة، وقد كانت كذلك أيضًا بين أفستاتيوس وعدد من أساقفة سوريا وفلسطين كثيودوتوس اللّاذقيّ وبتروفيلوس البيسانيّ وإيتيوس اللّدّ وكيرس أسقف حلب. هذا الوضع استغلّه أفسافيوس النّيقوميذيّ، الآريوسيّ الحيّال، الّذي كثّف اتّصالاته بخصوم أفستاتيوس. ثم فجأة في السّنة 327 م طلب اجتماعًا أسقفيًّا في أنطاكية لمعالجة مسائل داخليّة. حضر أفستاتيوس وآخرون من أتباعه لكنّ الأكثريّة كانت آريوسيّة. في اللّقاء، وجّه الآريوسيّون وفقًا لسيناريو مُعدّ سلفًا اتّهامًا لأفستاتيوس بالفساد وطالبوا بإقالته. ثلاث تُهم سُجّلت ضده: انه من أتباع ساباليوس[1] وانه تكلّم بالسّوء على هيلانة الملكة، أمّ قسطنطين، وأنّه رجل زان. وإثباتًا لتهمة الزّنى جاؤوا بامرأة تحمل طفلًا ادّعت أنها حبلت به من أفستاتيوس. حاول رجل الله أن يدافع عن نفسه، لكنّ المرأة أقسمت أنّ ما تقوله هو الحقيقة. إزاء هذه المؤامرة المحاكة بإحكام بدا أفستاتيوس مغلوبًا على أمره. وبعد أخذ ورد حكم المجتمعون بإقالة أفستاتيوس. بُلِّغ قسطنطين الملك قرارُ المجتمعين فأبدى ارتياحه وعمد إلى نفي أفستاتيوس إلى ترايانوبوليس في تراقيا ثم بعد ذلك إلى فيليبّي حيث رقد في تاريخ لعلّه بين العامين 330 و 337 م. وقد ورد أنّ المرأة المفترية مرضت بعد حين واشتدّت وطأة المرض عليها فتحرّك ضميرها واعترفت بتلقّيها رشوة مقابل افترائها على رجل الله. كما ذكرتْ أنّ الطّفل الّذي أنجبته هو من أفستاتيوس آخر يعرف بأفستاتيوس النّحّاس. هذه المعلومة، فيما يبدو، انكشفت ولكن بعد فوات الأوان. كذلك ورد أنّ قدّيسنا جمع شعبه قبل خروجه إلى المنفى وحثّه على التّمسّك بالإيمان القويم. وقد كان لشخصه ووصيته أيّما تأثير على فريق من أهل أنطاكية حتّى أنّه بقي في وجدانهم رمزًا أوحد لاستقامة الرّأي في المدينة فتصلّبوا سنين طوالًا (راجع سيرة القدّيس ملاتيوس الانطاكيّ في 12 شباط).
هذا ولأفستاتيوس مصنّف في دحض الآريوسيّة. القدّيس إيرونيموس قال أنّ قدّيسنا كان أوّل من كتب ضدّها. كذلك دبّج رسائل في تفسير الأيّام السّتة والمزامير والنّفس. فقط رسالته في عرّافة عين دور (انظر 1 صم 28) بقيت، وفيها فنّد رأي أوريجنيس وانتقد طريقته الرّمزيّة. بعض النّتف من مقالته ضد الآريوسيّة موجود عند أفلوجيوس الإسكندريّ ويوحنّا الدّمشقيّ. قيل إنّه وضع ليتورجية مطوّلة (انظر كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى لأسد رستم. الجزء الأول ص 209). سوزومينوس المؤرِّخ يصف كتاباته بالعجيبة سواء بالنّسبة إلى صفاء أسلوبه أو سموّ أفكاره أو جمال تعبيره أو اختياره اللّافت لمادته.
القدّيس إيرونيموس يدعوه بوقًا صدّاحًا ويعجب لسِعَة معرفته الكنسية والعالمية. الذّهبي الفم يختصّه بمديحة كاملة. سوزومينوس يؤكد انه أثار اعجاب الجميع لقداسة سيرته وبلاغة خطابه. القدّيس أنسطاسيوس السّينائي يسمِّيه البطريرك الإلهي والرّاعي صاحب العلم الكامل في طرق الله، والخطيب الحكيم والشّهيد القدّيس والمعلم الّذي يتكلّم الله بفمه.
تمّ نقل رفاته إلى أنطاكية سنة 482 م.
يعيّد له اللّاتين في 17 تموز.