في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس البارّ ألكسيوس رجل الله *الشّهيد مارينوس *المُعترف ثيوكتيريستوس البثينيّ*الشّهيد بولس الكريتيّ*القدّيس البارّ مكاريوس العجائبيّ الرّوسيّ*القدّيس البارّ باتريكيوس، أسقف إيرلندا ومبشّرها *شهداء الإسكندريّة.
* * *
✤القدّيس البار ألكسيوس رجل الله✤
وُلد القدّيس ألكسيوس في رومية ّ الإمبراطور أركاديوس (395- 408 م). كان أبوه، أوفيميانوس، عضوًا في مجلس الشّيوخ تقيًا، وكان اسم أمه أغلاييس. أبصر النّور بعد عقرٍ لازم أحد والديه طويلًا وكان مؤلمًا. تلقّى نصيبًا وافرًا من التّعليم. فلمّا بلغ الأشدّ رتّب والداه زواجه من إحدى البنات النّبيلات. وليلة عرسه، لما انفرد بعروسه، وقد ملأه الشّوق إلى البتوليّة، همس في أذنها بضع كلمات ثم ردّ لها خاتمه وتوارى. خرج على متن إحدى السّفن مُسلّمًا أمره للعناية الإلهيّة فبلغ لاودكية. هناك انضمّ إلى قافلة من التّجار كانت في طريقها إلى الرّها في بلاد ما بين النّهرين. وقد دخل، في المدينة، كنيسة مكرّسة لوالدة الإله وبقي في النّارثكس سبعة عشر عامًا. كانت ثيابه فقيرة ممزّقة وكان لا يأكل إلّا من حسنات المؤمنين القادمين إلى الكنيسة. في تلك الأثناء أرسل والد القدّيس خدّامًا، في كلّ اتجاه، يبحث عنه فيما لبست أمه المسح وأقامت ساجدة لا تتعزّى. بعض خدم أوفيميانوس بلغ الرّها ومرّ بقرب ألكسيوس فلمّا يلاحظْه أحد منهم لأنّ هيئته كانت قد تغيّرت بعدما قسى عليه النّسك وسوء المعاملة الّتي كابدها بصبرٍ عجيب حبًّا بالله.
أخيرًا، بعد تلك السّنوات الطّويلة العجاف، تراءت والدة الإله لخادم الكنيسة وطلبت منه أن يُدخل “رجل الله” إلى الدّاخل. فلمّا أدرك ألكسيوس أنّ أمره انفضح وبات، من الآن فصاعدًا، عرضة لكرامات النّاس، قام وهرب من جديد على ظهر إحدى السّفن المتّجهة إلى طرسوس. غير أنّ الأهوية أتت، بتدبير من الله، مخالفة لقصد الرّبّان، فاندفعت السّفينة في اتجاه ميناء رومية. عرف ألكسيوس، في روحه، قصد الله فتوجّه إلى منـزل العائلة. وما إن بلغه حتّى ألفى والده خارجًا. لم يتعرّف الأب ولده. فطلب ألكسيوس منه حسنة فرقّ له وقد أضحى منذ فقد ولده أكثر رفقًا بالمساكين والمرضى والضّعفاء والغرباء. أمر أوفيميانوس خدّامه أن يقدّموا للقادم الغريب مأوى وما شاءه من بقايا الموائد ما طاب له المقام عنده.
بقي رجل الله عند باب منـزل والديه سبعة عشر عامًا آخر يكابد سوء معاملة الخدّام وسخريتهم دونما تذمّر وحتّى بفرح لأنّه كان قد بلغ من حبّ الله مبلغًا عظيمًا. فلمّا درى بقرب ساعة فراقه طلب ورقًا وحبرًا وكتب سيرة حياته ثم أسلم الرّوح والرّيشة بعد في يده.
في ذلك اليوم عينه، فيما كان أسقف رومية يرأس الخدمة الإلهيّة في كنيسة القدّيس بطرس بحضور الأمبراطور أونوريوس (395 – 423) وحشد من النّاس، إذا بصوت يتردّد في الهيكل معلنًا:”ابحثوا عن رجل الله الّذي صلّى لأجل المدينة ولأجلكم جميعًا لأنّه ها هو قد فارق الحياة!” وإذ أخذ المؤمنون في الصّلاة، تردّد الصّوت من جديد أنّ رجل الله موجود في منـزل أوفيميانوس. فلمّا انتظم موكب ضمّ الأسقف والملك والنّاس وبلغ المنزل وجدوا خادمًا كان يعطف على القدّيس فسألوه عن رجل الله فأجابهم أنّه لا يعرف من يقصدون ولكن ثمّة فقيرًا قائم بالباب منذ سنين وهو يوزّع طعامه على من هم أفقر منه مكتفيًا أيّام الآحاد بقليل من الخبز والماء ويقبل، عن طيب خاطر، ما يسيء به إليه بقيّة الخدّام. فاتّجه الحاضرون ناحية الكوخ فوجدوا من فيه ميتًا وفي يده ورقة أخذوها وقرأوها على الملأ فساد المكان صمت مطبق واعترت الجميع دهشة للطّريقة العجيبة الّتي قاوم فيها رجل الله ما هو للنّاس التماسًا لما هو لله. وفيما اختلط الأمر على والدي القدّيس حزنًا وفرحًا أخذ الجمع يتدافع إلى حيث رقد القدّيس، فإذا بالعمي يستردون البصر والصّم السّمع والخرسُ النّطقَ ويسبّحون الله وتهرب الأرواح الخبيثة مذعورة.
وأخذوا القدّيس ليواروه الثّرى فزحم النّاس الموكب الّذي سار على رأسه الأسقف والأمبراطور. وقيل أنّ الملك أخذ يلقي القطع الذّهبيّة في هذا الاتجاه وذاك ليصرف النّاس عن جسد القدّيس فلم يأبه لفعله أحد. وقْعُ قداسة القدّيس في نفوسهم كان أشدّ من وقع الذّهب. أخيرًا أُودع كنيسة القدّيس بطرس أو لعلّها كنيسة القدّيس بونيفاتيوس، في ضريح مذهّب مرصّع بالحجارة الكريمة. ومن هذا الضّريح كانت تفوح رائحة الطّيب وتشفي الكثير من العلل والأمراض.