في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* أبونا الجليل في القدّيسين أرتامن السّلوقي * القدّيس البارّ زكريّا الإسقيطيّ* الشّهيد في الكهنة أرتامن اللّاذقيّ* شهداء قيصريّة فلسطين الخمسون * القدّيس البارّ مرتينوس الثّيبيّ* الجديد في الشّهداء برثانيوس القسطنطينيّ* القدّيس البارّ زكريّا الكييفيّ الصوّام * الشّهيدان استفانوس وبطرس القازانيّان الرّوسيّان.
* * *
✤القدّيس البارّ زكريّا الإسقيطيّ✤
فيما سَرَتْ حمّى الخروج إلى الصّحراء نسكًا في مصر وأخذ النّاس يتدفّقون على الصّحراء بالآلاف، خرج أيضًا شخص اسمه كاريون إلى برّية الإسقيط تاركًا زوجته وولديه. فلمّا حلّت بالبلاد مجاعة قاسية وبانت الزّوجة المسكينة معدمة، لا حول لها ولا قوّة إلّا بالله، جاءت إلى الإسقيط وولداها فوجدت كاريون بعد لأي فاستجارت فأجارها وأخذ أحد ولديه، زكريا، وضمّه إليه وصار يعلّمه أصول الرّهبانيّة. كبر الولد وكان الجميع يعرفون انه ابن كاريون. لكن عدو الخير أخذ يضع الشّبهة في أذهان الرّهبان بشأن سكنى الاثنين معًا. فقال الأب لابنه:”هلمّ بنا يا بنيّ نخرج من ههنا لأنّ الآباء يتهامسون في شأننا!” فأجابه زكريا:”يا أبي الكلّ في هذا الموضع يعرف، اني ابنك فلو مضينا إلى مكان آخر أفلن يشكّوا فينا بالأكثر؟” فأصرّ الأب فمضيا إلى صعيد مصر وأقاما في إحدى القلالي هناك. إلّا أنّ الوقت لم يطل حتّى سرى السّجس بين الرّهبان في شأنهما. فقاما من جديد وعادا إلى الإسقيط فعادت الإشاعات تسري. أخيرًا توجّه زكريا، دون أن يتلفّظ بكلمة، إلى غدير مياه معدنيّة كبريتيّة وخلع ملابسه وغطس في الماء إلى أنفه. وبعدما بقي كذلك ساعات تشوّه منظره وتبدّلت هيأته فلبس ثيابه وعاد إلى أبيه فلم يتمكّن أبوه من التّعرّف عليه إلّا بصعوبة لأنّ هيأته صارت كهيئة إنسان ضربه البرص. وإذ حدث ان خرج زكريا، بعد أيام، إلى الكنيسة للاشتراك في القدسات، عرفه إيسيدوروس الكاهن. فتعجّب منه وقال: لقد جاء زكريا الصّبي، الأحد الماضي، ليتناول الأسرار كإنسان، أمّا الآن فقد صار شبه ملاك!
من أخباره أنّه رأى رؤية، في الإسقيط، وكانت من الله فنهض إلى أبيه وأطلعه عليها، وكان كاريون، على ما قيل، شيخًا كاملًا. فلمّا سمع الشّيخ كلام زكريّا وبّخه وضربه وقال له:”هذه الرّؤية من الشّياطين!” فلزم زكريّا الصّمت وقتًا، لكنه بعدما فكّر في الأمر طويلًا انتابته الشّكوك في صوابية حكم أبيه. فمضى إلى بيمين الشّيخ وأعلمه بما جرى له وكيف ان أفكاره كانت تلتهب في قلبه. فعلم الشّيخ إنّ الأمر من الله فقال له: امضِ إلى ذاك الشّيخ وافعل ما يوصيك به، فمضى ولكن قبل أن يطرح على الشّيخ مسألته بادره هذا الأخير بالقول: الرّؤية من الله، ولكن إمضِ واخضع لأبيك!
ومن أخباره أيضًا أنّ مكاريوس الكبير سأله مرّة وهو في مقتبل العمر: قل لي يا زكريّا، من هو الرّاهب الحقيقيّ؟ فأجاب: أتسألني أنا يا أبي؟ فقال: نعم يا بنيّ فإن نفسي متيقّنة، بالرّوح القدس الّذي فيك، أن ثمّة ما ينقصني وأحتاج لأنّ أسألك عنه. فأجاب زكريّا:”الرّاهب هو ذاك الّذي يرذل نفسه ويجهد ذاته في كلّ أمر”.
مرّة أخرى أتى القدّيس موسى الأسود إلى الماء ليستقي فوجد زكريّا عند البئر يصلّي وكان ممتلئًا من روح الله، فقال له: قل لي يا أبتاه ماذا أصنع لأخلص؟ فانطرح زكريا عند قدميه وقال له: أتسألني أنا يا أبي؟! فأجاب: صدّقني يا ابني زكريا، لقد أبصرت روح الله عليك فوجدتني مسوقًا إلى سؤالك. فتناول زكريا قبعته ورماها أرضًا وأخذ يدوسها، ثم رفعها ولبسها من جديد وهو يقول: إن لم يصر الرّاهب منسحقًا على هذا النّحو فلا يمكنه ان يخلص!
وقد شهد كاريون الشّيخ لابنه بقوله: اني بذلت أتعابًا كثيرة فلم أصل إلى رتبة إبني زكريا في اتزان العقل والسّكون!
فلما حضرت زكريا ساعة الوفاة سأله الأنبا موسى: أية فضيلة هي الأعظم يا بنيّ؟ فأجابه: على ما أرى يا أبي لا شيء أفضل من السّكوت. فقال: بالصّواب أجبت يا بنيّ!
وقد ورد انه لما خرجت روحه كان إيسيدوروس الكاهن جالسًا فنظر إلى السّماء وقال: اخرج يا ابني زكريا فأن أبواب ملكوت السّموات مفتوحة لك!
القدّيس الشّهيد في الكهنة أرتامن اللّاذقي. أورده البطريرك مكاريوس الزعيم في كتابه “قدّيسون من بلادنا” اليوم، فيما ورد في تيبيكون الكنيسة العظمى، من القرن العاشر، يوم الثّاني عشر من نيسان. تجد سيرته هناك.