Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (2) بعد الفصح (حاملات الطِّيب)- العدد 18

04 أيّار 2025

كلمة الرّاعي 

حاملات الطِّيب ودور المرأة في الكنيسة

“فاذهبن وقُلْنَ لتلاميذه ولبطرس إنّه يسبقُكم إلى الجليل، هناك تَرونه كما قال لكم…” (مر 16: 7)

لا رَيْبَ أنَّ النِّسوة حاملات الطِّيب كُنَّ أوّل مَن تَلَقّى بُشرى قيامة الرَّبّ يسوع وكُنَّ أوّل مَن عاينَّه حَيًّا بعد الصَّلب. هذا ليس أمرًا بسيطًا بل يَدُلُّ على أنّهنّ تَحَلَّيْنَ بشجاعةٍ أكثر من الرُّسُل الَّذين اختبأوا في عليّة صهيون. نقرأ في الأناجيل عدّة روايات عن ظهورات الرَّبّ القائم من بين الأموات على المريمات، وكيف عَرَفْنَ الرَّبَّ (راجع مت 28 ويو 20)، لكنَّ اللَّافِت في هذه الرِّوايات هو أنّ النِّسوة كَسَرْنَ حاجز الخوف من اليهود والرُّومان وذَهَبْنَ باكرًا جدًّا إلى القبر بسبب محبّتهنّ للرَّبّ وتعلُّقِهِنَّ به. نعم كانت حاملات الطِّيب جريئات خلال حياة الرَّبِّ على الأرض وبعد موته وقيامته، فهنّ رافقنه في بشارته ومنهنّ مَنْ كُنَّ “يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ” (لو 8: 3) وهُنَّ كثيرات…

في الحقيقة، جرأة الرَّبّ يسوع في إعطائه النِّسوة الفرصة لمرافقته في بشارته وقبوله منهُنَّ المساعدة الماليَّة لأجل إتمام رسالته هي الَّتي فتحت لهُنَّ باب الشَّجاعة لمرافقته، وهي مسألة تتحدّى تقاليد ومفاهيم ليس فقط ذاك الزَّمان وإنّما زمننا أيضًا. فالنَّاس منطقهم “حيثما اجتمع رجل وامرأة فالشَّيْطان ثالثهما”، لكن حيث يكون المسيح سيِّدًا على القلوب لا مكان للشَّيطان، لذلك في الكنيسة نَرْفُضُ منطق العالم في نظرته للعلاقة بين الرَّجُل والمرأة لأنّه “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (غل 3: 28). حيث يكون المسيح فهناك السَّلام والأمان والرَّاحَة والفرح لمن يؤمن به ويُحِبُّه…

*             *             *

دور المرأة في البشارة مهمّ وجوهريّ، فهي كأمّ تبشّر عائلتها من خلال سيرة حياتها وإيمانها، وهي في الكنيسة وعلى مَرِّ القرون كان لها الدَّوْر الكبير في إتمام عمل البشارة ومساعدة الرُّسُل وحتّى تأسيس كنائس. فمثلًا بولس الرَّسُول يحدِّثُنا عن أكيلّا وبريسكيلّا اللَّذَيْن كانت الكنيسة تجتمع في بيتهما، وعن ليديا بائعة الأرجوان وعن فيبي الشَّمّامسة وغيرهنَّ ممَّن كان لَهُنَّ الدَّوْر الكبير في نقل البشارة والشَّهادة للرَّبّ. أيضًا لدينا قدّيسات مُعادِلات للرُّسُل مثل مريم المجدليَّة الَّتي بشَّرَتْ بلاد الغال (فرنسا)، ونينا الَّتي بشَّرَتْ البلاد الكُرجيَّة، وهيلانة والدة الامبراطور قسطنطين الَّتي كان لها الدَّوْر الكبير في اعتناق ابنها المسيحيَّة وفي نشرها وغيرهُنَّ كُثُر… عَدا أمَّهات القدِّيسين في الكنيسة أمثال يوحنَّا الذَّهبيّ الفم وباسيليوس الكبير وغيرهم… هذا كُلُّه إنْ دَلَّ على شيء فهو يَدُلُّ على موقع المرأة في الكنيسة، وبالطَّبع لا يسعنا إلَّا أنْ نؤكِّد على موقع والدة الإله مريم الخاصّ في الكنيسة فهي أمُّ الرَّبّ والأرفع مِنْ كلِّ المخلوقات…

هذا هو واقع المرأة في الكنيسة الأولى وفي القرون اللَّاحِقَة. ما جعل حضور المرأة يتقهقر في الكنيسة في الشَّرْق هو أنظمة الحكم الَّتي توالت على المنطقة لا سِيَّما في زمن المماليك والعثمانيِّين. لكن، مع انتهاء هذه الاحتلالات بدأت المرأة بالعودة إلى أخذ دورها في العمل البشاريّ والاجتماعيّ والخدمة في الكنيسة. طبعًا، وللأسف، مازال بعض المسيحيّين متأثّرين بالنَّظرة الإسلاميَّة واليهوديَّة للمرأة والَّتي فيها إبخاس من قيمتها كإنسانٍ كامِلٍ وشريكةٍ في الخلاص بيسوع المسيح، ولكن هذا لا يُعبِّر عن تعليم الكنيسة والكتاب المقدَّس اللَّذَيْن يُساوِيان بالكُلِّيَّة بين الرَّجُل والمرأة في المسيح…

*             *             *

دور المرأة في البشارة، خاصَّةً في زمنِنَا، كبيرٌ ومُهمّ. فالمرأة اليوم شريكةٌ حقيقيّةٌ في كلّ العمل الكنسيّ من التَّعليم إلى التَّربية إلى الخدمة والتَّنظيم إلخ. فهي حاضرة في مجالس الرَّعايا والهيئات الكنسيّة المختلفة حيث لها دورٌ رئيسيّ في التَّربية الدِّينيّة واجتماعات الطُّفولة والشَّبيبة وفرق العائلات والسَّيِّدات والجمعيَّات والمؤسَّسات الكنسيّة المختلفة وفي الإعلام وفي التَّرتيل والجوقات والخدمة الاجتماعِيَّة وتنظيم النَّشاطات الكنسيّة وإدارتها إلخ. كما أنّها في الرَّهبنة حاضرة وفاعلة كما الرُّهبان. إذًا، اليوم وَلَّتْ أزمنة الجَهْل، والمرأة أخذت وتأخذ دورها في العمل الكنسيّ وهذا أساسيّ وجوهريّ في حياة الكنيسة، لأنّ الكنيسة عائلة وفي العائلة كلٌّ له دوره بحسب موقعه ومواهبه.

المرأة في الكنيسة لها دورٌ رئيسيّ وأساسيّ، كما رأينا، وهي دَوْمًا مَدْعُوَّة لتنقُل بشرى الخلاص وفرح القيامة بالخدمة الباذِلَة والعَطاء الحُرّ انطلاقًا من إيمانها بالرَّبِّ ومحبَّتها له وطاقة العَطاء المميَّزة الَّتي حَباها بها الرَّبّ. على المرأة اليوم أن تتحدَّى مجتمع الاستهلاك وترفض تسليعها منه من خلال إظهار حقيقتها الأموميَّة وإنسانيّتها الحقيقيّة عبر قوّة الحُبّ الَّتي حَباها الله بها لِيَسُودَ في العالم اللُّطف والسَّلام والحَقّ. هذه هي بشارة المرأة الكُبرى في زمنِنَا الحاضِر أنْ تُواجِه تشويه صورتها وحَصْرِها في إطار الجسد لتُظهِر حقيقتها الكيانيَّة والشَّخصيَّة بشهادتها للإيمان بالمسيح الغالب الموت والعالم وعبر اِلْتِصاقها به وعَيْشِها لوصيّته شهادةَ نورٍ ونار، نور يبيد ظلمة تشييئها من مجتمع الاستهلاك ونار حبٍّ لله تكشفها في حياة القداسة والنَّقاوَة والخدمة للرَّبِّ عبر الإنسان…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة