في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
✵القدّيس البارّ لاونديوس روستوف ✵أبونا الجليل في القدّيسين ميخائيل الـمُعتَرِف، أسقف سيناذه ✵أبونا الجليل في القدّيسين سينيسيوس، أسقف كارباسيا القبرصيّة ✵القدّيسة البارّة مريم حاملة الطّيب، زوجة كلاوبا ✵الشّهيد سالوناس الرّومانيّ ✵الشّهيد سلوخوس ✵القدّيسة البارّة أفروسيني بولوتسك الرّوسيّة ✵القدّيس البارّ باييسي غاليتش الرّوسيّ ✵الشّهيد ديسيداريوس جنوا ✵الشّهيد ديسيداريوس فيينّا الفرنسيّ.
* * *
✤ أبونا الجليل في القدّيسين ميخائيل الـمُعتَرِف، أسقف سيناذه ✤
أصله من سيناذه الفيرجيّة. ترك موطنه إلى القسطنطينيّة باكرًا. ربطته بالقدّيس ثيوفيلاكتس المُعيَّد له في 25 شباط صداقة روحيّة عميقة. وقد أبدى الشّابان وحدة فائقة في المشاعر حتّى بدا للرّائي أنّه بإزاء إنسانٍ واحدٍ جديد. فلمّا ارتقى القدّيس طراسيوس سدّة البطريركيّة القسطنطينيّة، بعدما ترهّب، صار الصّديقان، بدورهما، راهبَين في الدّير الّذي أسّسه على ضفّة البوسفور. وإذ تسابقا في النُّسك سباقًا مَبْرورًا، تقدّما في مراقي الفضيلة تقدّمًا سريعًا واتّشحا بحلّة التّواضع المجيدة والمَسرّة المتواترة.
لمّا بلغ طراسيوس خبر تلألئهما بالنّعمة ضمّهما إلى الكنيسة الكبرى، كنيسة الحكمة المقدّسة، ومن ثم، جعلهما، رغمًا عنهما، ثيوفيلاكتس، أسقفًا على نيقوميذيّة، وميخائيل أسقفًا على موطنه سيناذه. كان ذلك حوالي العام 784 م.
أذاع ميخائيل كلمة الحقّ باستقامة، سواء بالتَّعليم أو بالسّيرة، فاستبان على وداعة وصبر ورأفة ممتازة بعدما قوي، بنعمة الله، على الغضب فيه. وقد بنى الكنائس وشيَّد الأديرة وأسّس المضافات وأوجد مؤسّسات الإحسان. همّه كان أن يمدّ يد العون إلى المرضى والبائسين والغرباء. كما اشترك في المجمع النّيقاويّ الثّاني (787 م.) وساند الموقف الأرثوذكسيّ لجهة إكرام الإيقونات المقدّسة. وإذ عاد إلى أبرشيّته واصل عمله الرّعائيّ بهدوء وسلام.
في العام 806 م، وهي سنة تولّي القدّيس نيقيفوروس (2 حزيران) سدّة البطريركيّة خلفًا للقدّيس طراسيوس الرّاحل، عُيِّن ميخائيل رئيسًا لِسَفارة أوفدها الإمبراطور نيقيفوروس (802– 811 م.) إلى الخليفة هارون الرَّشيد. هناك في قصر الرَّشيد استبانت مزايا السّلام والمُصالحة لدى الرَّجل. في خريف العام 811 م. أُرسل إلى رومية ليقدّم لأسقفها عن البطريرك نيقيفوروس الرّسائل المجمعيّة وأن يضمن مؤازرته لإكرام الإيقونات المقدّسة. كذلك استقبله شارلمان في أكس لاشابّل وحظي منه بمعاهدة سلام.
ثم إنّ ميخائيل، في حدود العام 815 م.، بعدما كشف الإمبراطور لاون الخامس الأرمنيّ عن نواياه العدائيّة بشأن الإيقونات المقدّسة، أقول ساند المدافعين عن الإيمان القويم واجتمع إلى البطريرك نيقيفوروس نظير القدّيسين أفثيميوس، أسقف صرده، ويوسف التّسالونيكي، وأميليانوس أسقف كيزيكس، وثيوفيلاكتس أسقف نيقوميذيّة، وآخرين من الإكليروس والرّهبان والعامّة. هؤلاء جميعًا كانوا مُستعدّين لأن يبذلوا دمهم من أجل التّقوى. وقد التقوا الإمبراطور وحاولوا إقناعه بالعدول عن موقفه من غير جدوى. وقد أعمى الغيظُ الرَّجل حتّى ألقى القبض عليهم جميعًا ونفاهم، الواحد معزولًا عن الآخر مانِعًا التّواصل فيما بينهم. وقد كان نصيب ميخائيل الإبعاد إلى أفدوكيّا الفيرجيّة حيث أقام عشر سنوات وعانى المُعامَلَة السّيّئة فيما كان في شكرٍ دائمٍ لله وصلاة من أجل مضطهِديه. هذا ولم يحلّ التّضييق على رجل الله دون تمسّكه بالدّفاع عن الإيمان القويم ومدّ يد العون إلى المساكين. كما ثابر على قانونه النّسكيّ والصّلاة اللّيليّة. وهناك أيضًا جرت على يديه عجائب جمّة فشفى، بصلاته، النّاس والبهائم، ونجح بمعسول الكلام الإلهيّ الخارج منه في تلطيف وهداية سكّان تلك الأصقاع، وقد كانوا على قسوة وفظاظة كبيرة.
فلمّا بلغ الإمبراطور أنّ إبعاد قدّيس الله كان يزيده مجدًا نقله إلى منافي أخرى. وإذ هام رجل الله على وجهه، هنا وثمّة، بلغ ناحية أعاثت فيها الجرذان فسادًا في المحاصيل. وقد شرح ميخائيل للسّكان أنّ هذه الآفّة هي من الله، تأديبًا لهم على خطاياهم، كما أوعز إليهم بالصّيام ثلاثة أيّام وأن يتوبوا. إثر ذلك دعاهم إلى التّوجّه إلى الحقول معًا. وفيما كان الشّعب يصوّت: كيرياليصون، يا رب ارحم، ركع قدّيس الله وصلّى من أجلهم وعيناه ويداه إلى فوق. للحال اهتزّت الأرض وهلكت الجرذان.
ثمّ إنّ ميخائيل اجتاز إلى موضع آخر، هو أفرانتيسيا. هناك رجاه السكّان أن يصلّي إلى الله من أجل أن يتخلّصوا من الجراد، وكان بأعداد هائلة. كلّ مزروعاتهم وأشجارهم المثمرة كانت مهدّدة، وشبح الجوع لاح عليهم. فأمضى القدّيس ليلة بطولها في الصّلاة، وفي الصّباح الباكر، مشى على رأس مسيرةٍ اشترك فيها كلّ سكّان النّاحية وهم يرتّلون كيرياليصون، يا رب ارحم. فكانت النّتيجة أنّ الجراد أخذ يلتئم في شكل غيمةٍ كثيفةٍ مُظلمة، وما لبثت أن ارتفعت في الهواء واختفت.
وتابع القدّيس ترحاله، مبعدًا من مكان إلى آخر، فكان يشيّع رأفات الله على النّاس وعلى المحاصيل. أخيرًا بعدما قضى زمنًا في السّجن في القسطنطينيّة، تعرّض للنّفي من جديد إلى شواطئ بحيرة نيقوميذيّة حيث كان باقي المُعترفين ينتظرون إنعام الإمبراطور ميخائيل الألثغ عليهم بالعودة إلى أسقفيّاتهم وأديرتهم. أمّا القدّيس ميخائيل فإنّه رغم تثقّله بالعمر، وقد بلغ الثّمانين وأضنته الأتعاب، فلم يكفّ عن الصّلاة من أجل الإمبراطور وسلام الكنيسة وخلاص العالم وخصب الأرض بالثّمار.
وفي يوم اثنين العنصرة المجيدة من العام 826 م. بعدما اشترك في المائدة والقدّيس ثيودوروس السّتوديتيّ، الّذي كان صديقه من زمان ولم يكفّ عن مراسلته طيلة فترة نفيه، شعر القدّيس ميخائيل بتوعّك اضطرّ، على أثره، إلى ملازمة الفراش. في اليوم التّالي كدّته آلام قاسية، ثم في اليوم الثّالث، وهو الأربعاء من العنصرة، كفّ عن الكلام ولفظ أنفاسه الأخيرة بعد أسقفيّة جهاديّة دامت أربعين سنة. وقد كتب القدّيس ثيودوروس، فيما بعد، يقول عن القدّيس ميخائيل، إنّ جسده الممدّد بلا حياة كان له مظهر ملائكة وكان يتلألأ بالنّور الإلهيّ الّذي كانت سنوات من الصّلاة والتّأمّل قد انطبعت فيه.
هذا وأنّ جمجمة القدّيس الّتي سبق أن قدّمها الأمبراطور باسيليوس الثّاني وأخوه قسطنطين الثّامن، في أواخر القرن العاشر الميلاديّ، إلى دير اللّافرا الكبير، في جبل آثوس، لا زالت موضع إكرام هناك إلى اليوم، وهي تُجري عجائب عدّة، لا سيّما حفظًا للمزروعات من الحيوانات الضّارّة، سواء في محيط الدّير أو في المواضع الّتي تُرسَل إليها.