بسم الآب والابن والروح القدس، آمين.
المجد لله الآب والابن والروح القدس الثالوث المتساوي في الجوهر وغير المنقسم، الذي به نحيا ونتحرك ونوجد.
أما بعد،
نلتقي اليوم في لحظةٍ مليئة بالوقار والامتنان، لنرفع الشكر لله ونكرم ذكرى معالي الوزير عادل قرطاس، الذي رحل عن عالمنا قبل عامين (في 28 شباط 2023)، تاركًا وراءه إرثًا وطنيًا غنيًا في مجالات الزراعة والتنمية الريفية. كان الفقيد نموذجًا مشرِّفًا للعطاء والتفاني، حيث كرّس حياته لخدمة وطنه وشعبه بإخلاصٍ نادر، وترك بصمةً عميقةً من الإنجازات التي ستظلّ شاهدًا حيًا على عظمته وإسهاماته الجليلة.
نبذة عن معالي الوزير عادل قرطاس
معالي الوزير عادل قرطاس يُعدّ من أبرز الشخصيات التي كرّست حياتها لخدمة لبنان بإخلاصٍ نادر. تولّى منصب وزير الزراعة بين عامي 1992 و1995، في فترةٍ كانت تتطلّب جهودًا جبّارة لإعادة إحياء القطاع الزراعي وتعزيزه. وُلد في بلدة المعلقة بزحلة، وترعرع في بيئة زراعية غنيّة، مما منحه فهمًا عميقًا لاحتياجات المزارعين والتحديات التي تواجههم.
تلقّى تعليمه العالي في العلوم الزراعية، وتخصّص في إدارة الموارد الطبيعية، حيث تخرّج كمهندس زراعي من “غرينيون” في باريس بفرنسا، ثم حصل على تخصص في الاقتصاد الزراعي والتخطيط من جامعة “إيست لانسنج” في الولايات المتحدة الأمريكية وجامعة القديس يوسف في بيروت. أمضى 26 عامًا في خدمة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، حيث شغل مناصب رفيعة، منها ممثل المنظمة في المغرب ومساعد المدير العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتعليم. ترك بصمةً كبيرةً في المنابر الدولية، حيث عمل على إصدار قرارات مهمة لصالح لبنان.
عادل قرطاس ليس مجرد رجل دولة، بل هو إنسانٌ بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تميّز بتواضعه وإنسانيته العميقة، وإيمانه القوي بربه ووطنه. كان عالمًا ومهندسًا بفكرٍ متقدّ ورؤيةٍ ثاقبة للحاضر والمستقبل. أسس جمعية “Les amis de l’Eau”، التي ساهمت في تمويل مشاريع حيوية لصالح وزارة الطاقة والمياه، بما في ذلك إنشاء قاعدة بيانات للدراسات والمعلومات المتعلقة بهذه المشاريع.
كما يُذكر أنّه والد الدكتور جورج قرطاس، الذي عاد من الولايات المتحدة إلى لبنان، الوطن الذي يحبّه، ليعمل في مستشفى الروم. كان من بين المصابين في انفجار المرفأ، لكنّه واصل تقديم العون الطبي للمصابين قبل أن يلتفت إلى جراحه الخاصة، مما يعكس قيم التضحية والإنسانية التي تربّى عليها في كنف عائلة قرطاس.
باختصار، عادل قرطاس شخصيةٌ استثنائية، ترك إرثًا غنيًا من الإنجازات التي ستظلّ خالدة في ذاكرة لبنان والعالم.
إنجازاته كوزير للزراعة
1. تجهيز الوزارة: عمل على تزويد وزارة الزراعة بالآليات والمعدات اللازمة لتطوير القطاع الزراعي.
2. دعم المزارعين: جاب مختلف المناطق اللبنانية، من الشمال إلى الجنوب، وزار حتى المناطق النائية التي لم يسبق أن زارها أي مسؤول من قبل. التقى بالفعاليات المحلية لدراسة سبل دعم هذه المناطق وتطوير الزراعة فيها.
3. تحسين مشاريع الري: كرّس جهوده لتحسين مشاريع الري ودعم المزارعين، مما ساهم في تطوير القطاع الزراعي.
4. الطرق الزراعية والمشاتل: ترك بصمة واضحة في مجال الطرق الزراعية والمشاتل، حيث أولى اهتمامًا خاصًا بإنتاج الأغراس الحرجية.
5. المحميات الطبيعية: كان يزور المحميات الطبيعية بشكل دوري، مما يعكس اهتمامه بالبيئة والتنوع البيولوجي.
6. الثروة السمكية: اهتم بتطوير الثروة السمكية ودعم الصيادين، مما ساهم في تعزيز هذا القطاع.
7. السياسة الزراعية: سعى إلى وضع سياسة زراعية تهدف إلى حماية الإنتاج الزراعي اللبناني وتحديثه من خلال تبني التكنولوجيا الحديثة.
8. آليات “الروزنامة”: اعتمد آليات “الروزنامة” التي تهدف إلى حماية المزارعين من المضاربات الخارجية.
باختصار، كانت اهتمامات عادل قرطاس دائمًا منصبة على خدمة المزارعين وتطوير القطاع الزراعي، بعيدًا عن الأجواء السياسية، مما جعله شخصية محبوبة ومحترمة في قلوب الكثيرين.
التكريم والاعتراف بالجهود
الوزير عادل قرطاس وطنية بارزة، رحلت تاركةً وراءها إرثًا غنيًا بالعطاء والإنجازات. شغل مناصب رفيعة، بدءًا من رئاسة الهيئة اللبنانية للغذاء والتنمية (LAND)، مرورًا بكونه عضوًا في التجمّع الوطني للإصلاح الاقتصادي، وصولًا إلى منصب وزير الزراعة، ورئاسته لجمعية أصدقاء المياه في لبنان. سيظل محفورًا في ذاكرة الجميع كواحد من أبرز الرموز اللبنانية، بفضل إسهاماته الفكرية والعملية، وتميّزه كرجل دولة استثنائي. تاليًا، فإنّ تسمية شارع في معلقة زحلة باسم معالي الوزير عادل قرطاس هو تكريم مستحق لرجل أفنى سنوات من عمره في خدمة الوطن. هذا التكريم يأتي تقديرًا لجهوده الكبيرة وإنجازاته التي ساهمت في تنمية القطاع الزراعي وتحسين حياة المزارعين. إنه رمز للعطاء والتفاني، وشهادة على أن العمل الجاد والإخلاص لا يمران دون أن يتركا أثرًا طيبًا في قلوب الناس. كما أنّ التكريم هو للمعلقة ولزحلة من خلاله إذ رفع اسم المدينة عاليًا في خدمة المزارعين والوطن.
كلمة شكر
أعبر عن خالص امتناني وتقديري لبلدية زحلة، المعلقة وتعنايل، ولرئيس البلدية المهندس أسعد زغيب المحترم، على استجابتهم السريعة والكريمة لطلب تسمية شارع باسم الوزير عادل قرطاس. هذه المبادرة الطيبة تعبّر عن تقدير المجتمع العميق لجهود الوزير قرطاس وإنجازاته. كما أتوجه بجزيل الشكر لوزارة الزراعة، وخاصة لسعادة المدير العام المهندس لويس لحود، على حماسه ودعمه وتعاونه الفعّال في إنجاح هذه المبادرة التي تهدف إلى تكريم رجلٍ استحق بجدارة كل تقدير واحترام.
كلمة إلى عائلة الفقيد
بكلّ حبّ وإجلال، أتوجّه بتحية قلبية إلى عائلة الوزير عادل قرطاس العزيزة، بدءًا من عائلته الصغرى، أولاده وأحفاده وأقاربه الذين يحملون دمه وروحه، وصولًا إلى عائلته الكبرى، رعية القديس أنطونيوس الكبير في المعلقة، وأبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما، حيث كان رمزًا للإيمان والعطاء. أشاركهم فرحة تكريم هذا الرجل العظيم، الذي كان فخرًا لمدينته ووطنه وكنيسته وعائلته، وأرى في هذا التكريم دعوةً لكل إنسان لنسير على درب الاستقامة والبذل في خدمة المجتمع والوطن. ليفخروا دومًا بإرثه الخالد، الذي سيظلّ نابضًا بالحياة، مثمرًا في حقول وزارة الزراعة، ومرشدًا للأجيال القادمة.
كلمة ختامية
أرفع صلاتي إلى الرب الإله أن يرحم نفس معالي الوزير عادل قرطاس ويسكنه نور وجهه مع القديسين والأبرار. أسأله أن يمنح عائلته الاستمرار بحمل إرثه الإنساني والاجتماعي والعلمي، وأن يبارك فيهم ويحفظهم. كما أتمنى أن يكون هذا التكريم حافزًا للأجيال القادمة للسير على خطاه في خدمة الوطن والمواطن.
والسلام!…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما