Menu Close

نشرة كنيستي- أحد مرفع اللَّحم (الدَّينونة)- العدد 8

23 شباط 2025 

كلمة الرّاعي 

مَنْ يَدِين؟ مَنْ يَخْلُص؟!

“لأَنَّ اللهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَل إِلَى الدَّيْنُونَةِ، عَلَى كُلِّ خَفِيٍّ، إِنْ كَانَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا.” (جا 12: 14)

تُحضِّرنا الكنيسة المقدَّسة لدُخول الصَّوْم الكبير بِرَفْعِنا تَدْريجيًّا نحو الانتباه الرُّوحيّ واليَقَظَة أكثر فأكثر كلّ أحدٍ من الآحاد قبل بدء الصَّوْم. هذا الأحد المعروف بـ”أحد الدَّيْنونة” تضعنا الكنيسة أمام حقيقة قلوبنا وثمار إيماننا. مَنْ صار رَحيمًا تشبَّهَ بالله: “تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمُلْكَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ إِنشاءِ الْعَالَمِ”، ومَنْ تَخَلَّف عن الرَّحْمَة صار شبيهًا بإبليس: “اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ”. المعادَلَة بَسيطة، إذا رحمْتَ تُمجَّد وتَصير وارثًا لله، وإذا أغْلقْتَ قَلْبَك عن الرَّحمة صِرْتَ شَريكًا لإبليس وملائكته في الهلاك الأبديّ…

*             *             *

عمل الله في الدَّينونة “التَّمييز” بين الخراف والجداء. الحديث عن خراف وجداء هو ليذكّرنا بأنَّ الرَّبَّ هو الرَّاعي الصَّالِح (راجع يوحنّا 10: 11 – 16)، وهو الَّذي يُميِّز بسهولة بين الخراف أي المؤمنين وبين الجداء أي غير المؤمنين، فهو “راعي الخراف العظيم” (عبرانيين 13: 20) وراعي النُّفوس وأسقفها (راجع، 1 بطرس 2: 25). هذا التَّمييز يَصير على أساس عَيْشِ الرَّحمة أي خدمة الضَّعيف بمحبَّةٍ وحُنوّ بلطفٍ ووَداعَة… يسوع هو “ابن البشر”، وهذه صورة عن الله الدَّيَّان منذ العهد القديم كما نراها في سفر دانيال النّبيّ (دا 7: 13-14). ابن الإنسان يَدين أي الإله المتجسِّد الرَّبّ يسوع المسيح هو الَّذي يَدين. لم يسأل عن صلوات وأصوام وعن توبة، هو دان دون أن يسأل لأنّه يعرف خفايا القلوب. ليس أنَّ الصَّلاة والصَّوْم وطاعة الكلمة الإلهيَّة ليست مُهمَّة، بل بالعكس لأنّ نتيجة الصَّلاة والصَّوْم والتَّوْبة هي رحمةٌ تجاه الآخَر، وإن لم تُثمِر هذه كلّها رحمةً فهي أعمالٌ عَقيمة لأنَّها بدون روح أي يصنعها الإنسان خارجيًّا من دون أن تُقرَّبَه إلى الله بل تصير هي غايةٌ بِحَدِّ ذاتِها وتاليًا أصنامًا يعبدها الإنسان…

*             *             *

أيُّها الأحبّاء، الدَّينونة هي للرَّبِّ يسوع المسيح الإله والإنسان معًا. هو “يعرف ما في الإنسان” (يو 2: 25)، هو الَّذي شارك الإنسان طبيعته وعرف ضعفها ولكنَّه جعلها تغلب الإنسان العتيق بطاعة الآب الكاملة (راجع فيليبي (2: 5 – 11). من هنا ليس لأحدٌ أنْ يَدين لأن لا أحد لديه المعرفة الكاملة الَّتي لدى المسيح لكلّ إنسان. يحقّ للإنسان أن يَدين نفسه، وهذا ينفعه ليَتَّضِع ويَتوب، فلا يَعود ينظر إلى خطايا إخوته وضعفاتهم بل لمعرفته بحقيقته الدَّاخليَّة يتّجه إلى الله ليطلب غفرانًا ورحمةً، ويتّجه إلى الآخَرين بروح الرَّحمة الَّتي يطلبها إلى الله من أجله. من يَرحم يُرحم، ومن يتحنّن على الضَّعيف يتحنّن الله على ضعفاته، ومن يَستر عَراء خطيئة أخيه يستر له الله عُريه من البِرِّ أمام الملائكة، ومن تَلَطَّف بالمهشَّمين شفى الله تهشُّمَه بسبب سقطاته… الرَّبّ رحمته واسعة وعلى الإنسان أن يستمطرها مِنْ خلال تعهُّد المترُوكين والمنبوذين والمحتقَرين والمهانين والمدانين والمساكين بأعمال الرَّحمة، فيهبه الله نعمته ويغفر له خطيئته ويزيد عليه بركته لكي يزداد في عمل المحبَّة والخدمة والتَّضحية ناظرًا إلى المسيح الَّذي هو المخدوم في كلِّ بشرٍ مَألوم… وهكذا يُرحَم مَنْ يَرحم ويَخْلُص بحنان الله ونعمته ويُدان مَنْ يَدين فلا يَرحم المسكين…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة