Menu Close

نشرة كنيستي- أحد الفرّيسيّ والعشّار – العدد 6

09 شباط 2025  

كلمة الرّاعي 

الاستعداد للصَّوْم الكبير المقدَّس

لنهرب من الكبرياء ولنتعلَّم الاتِّضاع

في كلّ عام نكرِّر أزمنة ليتورجيّة أهمّها زمن الصَّوْم الكبير المقدَّس وأسابيع تحضيراته. تكرار هذه الأزمنة  ليس روتينًا واجترارًا لماضٍ بل هو خبرة جديدة مُشبَعة بروح الحنين إلى البركات الَّتي اختبرناها سابقًا في سعي لطلب نِعَمٍ جديدة وخبرات في الرُّوح القدس لحياة متحرِّكة نحو التَّشبُّه في المسيح يسوع الرَّبّ بالصَّلاة والصَّوْم …

الأحد الأوَّل في استعدادنا هو “أحد الفرّيسيّ والعشّار”، الّذي يدفعنا إلى التَّأمُّل في واقع الإنسان المؤمن والخاطئ، والتَّمييز بين الكبرياء والتَّواضُع، وبين التَّقوى الظّاهِريّة والتَّقوى القلبيّة الخَفيَّة، وبين الصَّلاة الخارجيَّة والصَّلاة القلبيَّة، بين البِّرّ الذَّاتيّ السَّطحيّ والوَهميِّ بالأعمال والبِرُّ بالتَّوبة العميقة الصَّادِقة…

هذه التَّحضيرات الَّتي جزءٌ منها هو زمن الصَّوْم الكبير بِحَدِّ ذاته غايتها الفصح أن نصل إلى القيامة والحياة الأبديَّة، هذا هو المبتغى الأخير والَّذي هو الاتّحاد بالله والعَيْش معه وفيه وله ومنه وإليه…

*             *             *

يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: “الكِبرياء هو أصلُ كلِّ خطِيئةٍ، بينما التَّواضُع هو أساسُ كلِّ فضيلة”. من الكبرياء ينبع الشَّرّ والسُّقوط مِنْ حضرة الله، وفي أصل كلّ خطيئة تجد الكبرياء رابضًا، لأنّ الكبرياء هو، كما يقول القدِّيس أنطونيوس الكبير: “العدوّ الأكبر للرُّوح، إذ يجعل الإنسان يعتقد أنَّه قادرٌ على كلِّ شيء بدون الله”. هذا هو بيت الدَّاء، أنّ الإنسان المتكبّر لا يُريد الله في حياته لأنّه لا يَحتاجه إذ يظنّ بأنّه قادرٌ أنْ يحقِّق حياته وأهدافه بدون الله وبقوّته ومشيئته الذّاتيّتَين. مِنْ هنا، يمكن للمتكبِّر أن يستخدم كلمة الله نفسها ليصنع مشيئته لا مشيئة الله، تمامًا كما في مَثَل الفرِّيسيّ والعَشَّار حيث يستغلُّ الفرِّيسيّ إتمامه لحرف الشَّريعة ليجعل نفسه بِحُكم ذاته بارًّا وديَّانًا على العَشَّار الخاطئ بحسب نظرة النَّاس إليه، لأنّ النَّاس يَحكُمون بحسب الظَّاهر! (راجع يوحنَّا 7: 24) وتاليًا لا يقدرون أنْ يحكموا حكمًا عادلًا لأنَّهم لا يملكون معرفة ما في الكلى والقُلوب (راجع إرمياء 17: 10)… مشكلة الفرِّيسيّ وكبرياؤه أنّه جعل نفسه مكان الله فقرَّر أنّه بارّ نفسه وأدان العَشَّار.

*             *             *

أيُّها الأحبَّاء، فلنَهرُب من الكبرياء ولنتعلَّم الاتِّضاع لأنّ “الكبرياء يُبْعِد الإنسان عن الله، بينما التَّواضع يقرِّبُه من السَّماء” (القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفَم). الكبرياء يُبعد الله عنك، إذْ يَقُول الكتاب صراحة: “مَكروه الرَّبّ كلّ متكبِّر القلب. يدًا بيد لا يتبرّأ” (أمثال 5: 16). بينما التَّواضع يُقَرِّبك من الله ويجعلك شبيهًا به لأنّ الرَّبَّ يسوع يطلب منّا أن نتعلَّم منه الوَداعة والتَّواضع أي أن نتمثَّل ونَقتدي به (راجع متّى 12: 38). وفي هذا الإطار يقول الذَّهبيّ الفمّ: “لا يوجد شيء أقوى من التَّواضع، إذْ يجعل الإنسان محبوبًا لدى الجميع” بينما الكبرياء يجعل الإنسان مَكرُوهًا ومَرفوضًا من الجميع رغم أنّهم، إذا كان ذو نفوذ وسلطة ومال، قد يَجتمعون حوله ويتملُّقونه طمعًا بالمصلحة، أمّا المتواضع فهو وإن كان فقيرًا فهو يغني كثيرين (راجع 1 كورنثوس 10: 6)، وإذا ظنّه النَّاس حزينًا لكنّه فرح بتوبته، وإن رأوا أنّ لا شيء له فهو يملك كلّ شيء، لأنّ من له الله قد اقتنى الكنز الأبديّ وهو يعيش منه وبه من الآن وإلى الدّهر. قمّة الغباء الكبرياء وكمال الحكمة التَّواضُع… التَّواضُع والمحَبَّة لا ينفصلان لأنّ المحَبَّة تنسكب تعزيةً ورحمةً وغفرانًا وتبريرًا أمّا الكبرياء فملؤه الأنانيّة والدَّيْنُونة والظُّلم …

ومن له أذنان للسَّمْع فليسمع…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة