Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (23) بعد العنصرة– العدد 48

01 كانون الأوَّل 2024

كلمة الرّاعي 

القدِّيس بورفيريوس الرَّائي

حياته وتعليمه

وُلدَ القدِّيس بورفيريوس في اليوم السّابع من شباط 1906 في مقاطعة إيفيا. كان والداه من المزارعين الفقراء الأتقياء. أُعطي القدِّيس بورفيريوس في المعموديَّة اسم إيفانجيلوس. في طفولته لم يكمل تعليمه. عمل في رعاية الأغنام وقرأ في عمر الثَّماني سنوات سيرة القدِّيس يوحنَّا الكُوخيّ، ممّا أضْرَمَ في قلبه الشَّوْق إلى الحياة الرُّهبانيَّة. علَّمه والده الصَّلاة والتَّرتيل والإيمان، وكان صوته جميلًا. أرسله أهله للعمل في أثينا بسبب فقرهم. هناك وبعد سنين قليلة، وبدون علم أهله، ذهب إلى الجبل المقدَّس ودَبَّرَ لَهُ الرَّبّ أنْ يُصادف أبيه الرُّوحيّ على المركب، حيث عاش معه في منسكه كافسوكاليفيا. هناك، بدأ حياة جديدة: خِدَم، صلوات، صوم، سهرانيّات… لم يعرف الكَسَل ولم يُشْفِق على جسده. طاعته الكاملة لشيخَيْه كانت عن محبَّةٍ، رُغم أنّهما، لمنفعته، كانا يؤنِّبانه بطُرُق مختلفة وقاسية ولم يقولا له ولا مرَّةً “أَحْسَنت”!. نَفَعَتْهُ الطَّاعةُ كثيرًا إذ جَعَلَتْهُ ذكيًّا، يَقِظًا، وقويًّا، نَفْسًا وجسدًا، وهي الَّتي أهَّلَتْه لموْهَبَة الرُّؤية. أُلبِس الجبّة في سنّ الرّابعة عشرة من عمره. بعد عامين أو ثلاثة، أخذ الإسكيم الكبير باسم “نيكيتا” في دير اللَّافرا الكبير. بعد زيارة النِّعمة الإلهيَّة له من تلك اللَّحظة أخَذَتْ المواهب تتضاعَف عِنْدَه، ومِن ثَمَّ اقتنى موهبة الرُّؤية… أصبح إنسانًا جديدًا: يجعل كلّ ما يراه صلاة… اضطرّ إلى مغادرة الجبل المقدَّس بسبب اعتلال صحَّتِه. عند عودته إلى قريته رفضت أمُّه استقباله لأنّه ساءَها أن يكون ابنها راهبًا، فعاشَ عند عمَّته. لاحقًا رُسم كاهنًا باسم بورفيريوس، وبعد سنتَيْن صُيِّر أبًا رُوحيًّا. انتشر صِيتَهُ كأبٍ مُعَرِّف وعارف بمكنونات القلوب، وبموهبة الرُّؤية المـُعطاة له، ساعَدَ النُّفوس التَّائِهَة وقادَها إلى معرفة الحَقِّ والحياة مع المسيح. عام 1984 عاد إلى الجبل المقَدَّس ورَقَدَ هناك سنة 1991.

*       *       *

يتمحور تعليم القدِّيس بورفيريوس الرَّائي حول الحُبّ، التَّواضع، والإيمان العَميق بالله. فهو يشدِّد على أهميَّة المحبَّة كأساسٍ للعَلاقَة مع الآخَرين ومع الذَّات. يقول: “جابِهْ كلّ الأمور بمحبَّةٍ، بطيبَةٍ، بوداعَةٍ، بصَبْرٍ وتَواضُع”، فالمحبَّة، بالنِّسبة إليه، هي القوَّة الَّتي تُساعد الإنسان على مُواجهة تحدِّيات الحياة بثباتٍ وعدم تزعزع، هذا من جهة. كما يشدِّد على أهميَّة حُبِّ الآخَرين، حتَّى مَنْ يُسيئون إلينا: “أحْبِبْ الجميع وخاصَّةً أولئك الَّذين يُسَبِّبون لك المتاعب”، هذا من جهة أخرى.

بالنِّسبَة للقدِّيس بورفيريوس التَّواضع هو أساس الحياة الرُّوحيَّة: “إنْ لم نَملك التَّواضُع لا نَستطيع أنْ نُحِبَّ المسيح”. الحياة يجب أن تكون بَسيطة في سَعِيٍ لمعرفةِ الله والعَيْش مَعَهُ بالاتِّكال على نعمته. بدون النِّعْمَة الإلهيَّة لا يستطيع الإنسان أنْ يُحقّق أيّ تقدّم روحيّ، وبها نحقّق ما هو مستحيل علينا بقِوَانا البشريَّة. الإنسان يعيش مع الله بالتَّآزُر (Synergy)، مشيئته يجب أن تتوافَق مع المشيئة الإلهيَّة وقوَّتَه تُكْمَل بالنِّعمَة، وهذا ينمو في خبرة معرفة الله…

هذا العمل الرُّوحيّ أساسه الصَّلاة بالنِّسبَة للقدِّيس بورفيريوس، فالصَّلاة الحقيقيَّة تأتي من الرُّوح القُدُس: “الأستاذ الوَحيد للصَّلاة هو النِّعمَة الإلهيَّة. فقط الرُّوح القُدس هو الَّذي يعلِّم الصَّلاة”. كما يَحثّ على توجيه الذِّهن نحو المسيح باستمرار من خلال الصَّلاة القلبيَّة أو صلاة اسم يسوع. بهذه الطَّريقة يَصير الحُبُّ للمسيح محور الحياة: “وَجِّهوا أذهانَكم دوْمًا نحو العَلاء، نحو المسيح”. فالسَّعادة الحقيقيَّة تأتي من الحبِّ الحقيقيّ للمَسيح ومِنْ عَيْش الحياة وِفقًا لوصيَّته: “المسيح كلُّه فرح، كلُّه غِبْطَة”، ومحبّة المسيح لا تنفصل عن محبّة الآخَر حيث يختبر الإنسان سرّ الفرح بالله في الأخ. لذلك، الجهاد الرُّوحيّ، بالنِّسبة للقدِّيس بورفيريوس، مَبْنيّ على عَيْش محبَّة المسيح بمختلف الطُّرُق، وليس على التَّركيز السَّلبيّ على الأخطاء والأهواء: “وَجِّهوا كلّ قواكم الدَّاخليّة نحو عمل الصَّلاح، نحو المسيح، والأشواك سوف تنقلع من نفسها”. عنده أنّ جهاد الإنسان لِعَيْش المحبّة يُنَقِّيه من أهوائه ويطهّره من خطاياه والرَّبّ يغيّره بنعمته… جهاد التَّوبة هو جهاد عَيْش المحبَّة الإلهيَّة…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة