نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (17) بعد العنصرة
العدد 42
الأحد 20 تشرين الأوّل 2024
اللّحن 8- الإيوثينا 6
أعياد الأسبوع: *20: الشَّهيد أرتاميوس، القدّيس جيراسيموس النّاسك الجديد *21: البارّ إيلاريُون الكبير، القدِّيسة مارينا الَّتي من رايثو *22: القدّيس إفيركيوس المُعادل الرُّسل، الفتية السَّبعة الَّذين في أفسس *23: القدّيس يعقوب الرَّسول أخو الرَّبّ وأوّل أساقفة أورشليم *24: الشَّهيد أريثا (الحارث) ورفقته *25: الشّهيدين مركيانوس ومرتيريوس، القدّيسة طابيثا الرَّحيمة الَّتي أقامها الرَّسول بطرس *26: العظيم في الشّهداء القدّيس ديمتريوس المُفيض الطِّيب، الزَّلزلة العظيمة.
كلمة الرّاعي
في الكبرياء والرِّياء
قد يظنُّ المرء أنّ الرِّياء من الخوف والضُّعف يأتي والكبرياء من قوّة، لكن ما يكشفه لنا الرَّبّ يسوع في مثل الفرّيسيّ والعشّار (لوقا 16) يوضح عكس ذلك. المسألة المطروحة هي لماذا على الإنسان أن يستكبر ظانًّا في نفسه أكثر ممّا هو، وأن يُرائي محاولة منه للمحافظة على وَهْم الصُّورة الَّتي يريد أن يُقنع ذاته والآخَرين بها.
* * *
أسباب الكبرياء الخارجيّة مُتعدِّدَة، ولكن يوجد وازِع داخليّ أساسيّ هو حبُّ الاستقلاليّة عن كلّ كائن انطلاقًا من الرّغبة باختصار كلّ الوجود في "الأنا" (Ego)، "استقلاليّة الاستهلاك" المـُستكبِر هو من لا يُريد أن يحتاج أحدًا بل أن يكون هو المـَطلوب والمـُرتَجى من الآخَرين إشباعًا لصرخة كيانه الطّالبة تأليه ذاته. هو يعرف أن يصير مهمًّا إذا كان له "مَوْنة" وسلطة على الآخَرين، إن كان بشكلٍ مباشَر أو غير مباشَر. ليس الكبرياء دوْمًا بَغيض الشَّكل والأسلوب، المـُراءاة تجعله جذّابًا في أحيانٍ كثيرة حتّى "يتنازل" المـُستكبر لمن يعتبرهم أدنى منه لإيهامهم بالتّواضع... فيَزداد غرورًا وانتفاخًا إذ ينغمس أكثر فأكثر في عبادة ذاته...
* * *
تمرّ بلادنا في زمنٍ صعبٍ ودقيق وجميل ومُبشِّر بنقلة نوعيّة إلى وَعي أكبر لقيمة الإنسان لذاته ولمجتمعه عبر تغليبه لحبّ الوطن على حبّ الذّات والزّعيم والطّائفة... ضمان النّهضة الثّبات في إنسانيّة الإنسان وليس الإنفعاليّة والتّشفّي والانتقام بل السُّلوك في نورِ الحقِّ المـُنبثق من الحبّ الصّادق لله وللإنسان الآخَر، لئَلَّا يُعيد التّاريخ نفسه إذ "لا جديد تحت الشّمس... ما كان فهو ما يكون" (سفر الجامعة 1: 9)، لأنّ الإنسان هو نفسه ما لم يتغيّر عن ذهنه وفكره بكلمة الحقّ وروحه... في حياةٍ جديدة أساسها بذل الذّات عَيْشًا للحبّ كغاية وطريق للوجود وليس استهلاكُ الآخَر أكان شخصًا أم جماعةً أم وطنًا لأجل الذّات!...
* * *
أيّها الأحبّاء نحن المسيحيّين مؤتَمنين على الشَّهادة الحقّ وتعليمه ونشره بالعمل أوّلًا ثمّ بالقَوْل. الرَّبُّ يطلب منّا أن نكون حامِلِي نورَه إلى العالم لتصيرَ الحياة "أفضل" (يوحنّا 10: 10). لنكُن مِصفاةً لكلّ فكرٍ مُضلِّل ولنَسْلُك بالرُّوح في حكمةٍ واستنارَةٍ بكلمةِ الرَّبّ يسوع في تواضعٍ يكشف رياء المـُستكبِرين وفي صدقٍ يُعَرِّي استكبار المـُرائين لنكون خميرة جديدة تُخمِّر فَطير العالم. ليست مُشكلة الإنسان الدّين بل الطّائفة الَّتي هي انغلاق واستكبار ورياء واستهلاك للإنسان والجماعة باسم الإيمان.
ليست المسيحيّة كذلك. الكنيسة ليست طائفة إنّها مطرح تجلّي ملكوت الله، من شهادة البِرّ والعدل والرَّحمة والمـُصالَحَة لِشفاء العالم من مواتيّة رفض الآخَر والخوف منه والدُّخول في شَرِّ الحياة الجديدة الَّتي بالحُبّ الَّذي لا يُفَرِّق بين إنسانٍ وإنسان بل يكون مَبذولًا من أجل الحقّ في كلّ بشر... هذا هو الحقّ، هذا هو التّواضع فلْنَنْبُذ كلّ كبرياء ورياء فنكون في المسيح ضمانةً لوطنٍ أفضل وعالم مِلؤهُ الإنسانيّة...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انْحَدَرْتَ مِنَ العُلوِّ يا مُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريّة للشّهيد أرتاميوس (باللّحن الرّابع)
شَهيدُكَ يا ربُّ بجِهادهِ نالَ منكَ الأكليل غيرَ البالِي يا إلهَنا، لأنَّهُ أحْرَزَ قوَّتَكَ، فَحَطَّمَ المـُغتَصِبين وسَحَقَ بأسَ الشّياطين الَّتي لا قُوَّة لها، فبتوسّلاتِهِ أيّها المسيح الإله خَلِّص نفوسنا.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (2 كو 6: 16- 18، 7: 1)
صَلُّوا وأَوْفُوا الرَّبَّ إلهَنا
اللهُ مَعْرُوفٌ في أرضِ يَهُوذا
يا إخوةُ، أنتمُ هيكَلُ اللهِ الحَيِّ كما قالَ اللهُ إنّي سأسكُنُ فيهم وأسيرُ فيما بينَهم وأكونُ لهم إلهًا وهم يكونونَ لي شعبًا. فلذلك اخرُجوا من بينِهم واعتزِلوا يقولُ الرَّبُّ ولا تَمَسُّوا نَجِسًا، فأقبَلَكم وأكونَ لكم أبًا وتكونوا أنتمُ لي بنينَ وبناتٍ يقولُ الرَّبُّ القدير. وإذ لنا هذه المواعِدُ أيُّها الأحبَّاءُ فلنُطهِّر أنفُسنا من كلّ أدناسِ الجسَدِ والرُّوحِ ونُكمِلِ القداسةَ بمخافةِ الله.
الإنجيل (لو 8: 27- 39)(لوقا 6)
في ذلك الزَّمان أتى يسوعُ إلى كورةِ الجُرْجُسِيّينَ فاستقبلهُ رجلٌ منَ المدينة بهِ شياطينُ منذ زمانٍ طويل ولم يكن يلبسُ ثوبًا ولا يأوي إلى بيتٍ بل إلى القبور، فلمَّا رأى يسوعَ صاحَ وخرَّ لهُ وقال بصوتٍ عظيمٍ ما لي ولك يا يسوعُ ابنُ الله العليّ. أطلبُ إليك ألَّا تُعِذّبني، فإنَّهُ أمر الرُّوح النَّجِسَ أنْ يَخرُجَ من الإنسان لانَّهُ كان قد اختطفهُ منذ زمانٍ طويل وكان يُربَط بسلاسل ويُحبسُ بقيودٍ فيقطعُ الرُّبُط ويُساق من الشَّيطان إلى البراري. فسألهُ يسوع قائلًا ما اسمك. فقال لَجيَونُ لأنَّ شياطينَ كثيرين كانوا قد دَخلوا فيهِ. وطلبوا إليهِ أن لا يأمُرهم بالذَّهاب إلى الهاوية. وكان هناك قطيعُ خنازير كثيرةٍ ترعى في الجبل، فطلبوا إليهِ أن يأذنَ لهم بالدُّخول فيها فأذنَ لهم. فخرجَ الشَّياطين منَ الإنسانِ ودخلوا في الخنازير فوثب القطيع عنِ الجُرفِ إلى البحيرةِ فاختنق. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حدث هربوا فأخبروا في المدينة وفي الحقول، فخرجوا ليرَوا ما حدث وأتوا إلى يسوعَ فوجدوا الإنسان الَّذي خرجتْ منهُ الشَّياطين جالسًا عند قدَمَيْ يسوعَ لابسًا صحيح العقل فخافوا، وأخبرهم النَّاظِرون أيضًا كيف أُبرِئَ المجنون. فسألهُ جميع جمهور كورة الجُرجُسِيّينَ أنْ ينصرفَ عنهم لأنَّهُ اعتراهم خوفٌ عظيم. فدخل السَّفينة ورجَعَ، فسألهُ الرَّجُل الَّذي خرجتْ منهُ الشَّياطين أنْ يكون معهُ. فصرفهُ يسوع قائلًا: اِرجع إلى بيتك وحدِّث بما صنع الله إليك. فذهب وهو ينادي في المدينة كلِّها بما صنع إليهِ يسوع.
حول الإنجيل
لقد أتى المسيح يا أحبّاء ليُحرِّر الإنسان من عبوديَّته للشَّيطان، ونُلاحِظ قَوْل الإنجيليّ عندما أمر الرَّبُّ يسوع الرُّوح النَّجِس بالخُروج منه. والمقصود بالإنسان هنا هو هذا المجنون. ولكنّ العبارة تُشير لما هو أبعد أي لخلاص كلِّ البَشَر من سلطان إبليس. ولكن الآن نجد أنَّ الشَّيطان لا سُلطان له على إنسانٍ إلَّا لمن يسلِّم نفسه للشَّيطان بإرادته، أي لمن يطلب الشَّيطان ويقبل من يده ملذّاته النَّجِسَة. وهذا معناه أنّ الشَّيطان عرض على المسيح أنْ يُعطيه كلّ ما في العالم، ولكن هناك ثمن "هو السُّجود للشَّيطان أي العبودِيَّة له". لذلك نُلاحظ أنّ الشَّيطان قال للسَّيِّد وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ. وهذا لأنّه وَجَد في هذه الكورة بَشَر يُريدونه. فأهل هذه الكورة يَحْيَون في نجاسةٍ يُشير لها وجود الخنازير. ولكن نلاحظ أيضًا أنَّهم لِنجاستهم يرفضون وجود المسيح النُّور الحقيقيّ، فالنُّور يكشف نجاستهم. فنجدهم يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ.
وماذا يريد الشَّيطان من تسهيل النَّجاسة للنَّاس؟ هدف الشَّيطان إلحاق أكبر أذى للبشر، هو لا يُريد أن يجعل الإنسان يتلذَّذ بالخطيئة، بل يُسقطه في الخطيئة ثم يستعبده ويعذّبه. الشَّيطان في شرِّه يتلذَّذ بعذاب البشر، وأنظر كيف كان يعذِّب هذا الإنسان الَّذي كان يجرح نفسه بالحجارة. ولمـَّا ألزمه المسيح بالخروج نجده يطلب إهلاك الخنازير مصدر الرِّزق لهؤلاء النَّاس ليُلْحِق بهم أكبر أذىً مُمكن وهذا هو هدفه. وقطعًا هناك سببٌ آخَر هو أن يكره النّاسُ المسيح. فالمسيح يؤدِّب ليَضمن خلاص النَّفس، ولكنَّ الشَّيطان الكذّاب (يو8 : 44) يُصوِّر للإنسان أنَّ التَّأديب ما هو إلَّا قسوةً من الله ليوقع بين الإنسان والله. هدف الله هو تحرير الإنسان الحرّيّة الحقيقيّة ليَخلُص ولا يعود مُستعبَدًا للشَّيطان.. لذلك يقول السَّيِّد "إنْ حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو8 : 36).
المرض الرُّوحيّ والمرض الجسديّ
قد يَتبادَر على ذِهن الإنسان عند قراءَتِه لعنوان الموضوع أنَّ هنالك فصلٌ في الكيان الإنسانيّ بين الرُّوح والجسد، وبالتّالي لا بُدَّ من التَّوْضيح أنَّ الإنسان شخصٌ ذو وحدة موحّدة في طبيعتين وكليهما معًا يؤلّفان شخصه الفريد والمخلوق على صورة الله ومثاله وإنّ التَّعابير "الجسديّ والرُّوحيّ" تنطبقان على خصائص كلّ طبيعة دون أن تلغي الوحدة القائمة بينهما والتّأثير المتبادَل لكليهما ولا تعكس بالضَّرورة صِحَّة أحدهما أو ضعفهما انعكاسًا متوازيًا.
المرض الجسديّ أصبح من خصائص الطَّبيعة البشريّة وهو من نِتاج السُّقوط، وهو صورة عن الانحلال وإطلالة إلى الموت. فكلّ كائنٍ مخلوق قد ازدوج به الضُّعف والتّبدّل والمرض والموت. وهذا الضُّعف النّاتج يؤثِّر على الكيان الإنسانيّ بمجمله، أكان سلبًا أو إيجابًا، بحسب من رؤية الإنسان إلى معنى الحياة.
أمّا المرض الرُّوحيّ، ونعني به تحديدًا الخطيئة، فهو الهمّ الأكبر بالنِّسبة للمؤمن المسيحيّ، بِغَضِّ النَّظَر عن حجم الخطيئة أو قِياسها السّكولاستيكيّ، فهي، أي الخطيئة، تحمل دمار الإنسان برمّته، وهي سبب فقدان الإنسان لكلِّ ما تميّز به أصلًا.
الرَّبُّ يسوع يكشف لنا من خلال حوادث الشِّفاء وإقامة الموْتى مدى تألُّم الله ممّا آل بالمخلوق بسبب بعد هذا الأخير عنه، وكيف أظهر بحضوره بين البشر محبّته اللّامتناهية تجاه خليقته بِغَضّ النَّظر عن مدى رغبتهم بالرُّجوع إلى الأحضان الأبويّة، وبَقِيَ يُشرق شمسه على الأبرار والأشرار، وأعطاهم رؤية أخرى للمرض والضُّعف أن تكون أداة لعبور نعمة الله عبرهما للشِّفاء ولِنَيْل الحياة الأبديّة. هذا ما اختبره بولس في ضعفه حينما سمع كلمة الرَّبّ إليه" تكفيك نعمتي... قوَّتي في الضُّعف تُكْمَل" (1 كو: 9:12). إنَّ الرَّبَّ ولِفَرْط محبَّته للبشر يستخدم كلّ ما هو متعلِّق بحياة الإنسان ليضمَّه إلى صدره وبِلُطْفِه يقتاده إلى التَّوْبة والحياة الَّتي ينتفي فيها كلّ وجع ولا ألم ولا مرض.
يقول القدِّيس باييسيوس الآثوسيّ أنَّ للصِّحَّة الجسديّة اعتبارٌ كبير، لكن ما يقدِّمه المرض لا تستطيع الصِّحَّة أن تقَدِّمُه، والمرض كالنَّار الَّذي يُنَقِّي الذَّهَب ويُبرز نقاءه، فالأمراض الجسديّة تعرّف الإنسان على محدوديَّتِه وتدفع به إلى التَّواضع أي الدَّواء الَّذي يَقضي على الأمراض الرُّوحيّة، ويجعل الوحدة القائمة بين الجسد والرُّوح على صورة آدم الجديد، يسوع المسيح الغالب والمتجَلّي.