نشرة كنيستي- الأحد (17) بعد العنصرة- العدد 42
20 تشرين الأوّل 2024
كلمة الرّاعي
في الكبرياء والرِّياء
قد يظنُّ المرء أنّ الرِّياء من الخوف والضُّعف يأتي والكبرياء من قوّة، لكن ما يكشفه لنا الرَّبّ يسوع في مثل الفرّيسيّ والعشّار (لوقا 16) يوضح عكس ذلك. المسألة المطروحة هي لماذا على الإنسان أن يستكبر ظانًّا في نفسه أكثر ممّا هو، وأن يُرائي محاولة منه للمحافظة على وَهْم الصُّورة الَّتي يريد أن يُقنع ذاته والآخَرين بها.
* * *
أسباب الكبرياء الخارجيّة مُتعدِّدَة، ولكن يوجد وازِع داخليّ أساسيّ هو حبُّ الاستقلاليّة عن كلّ كائن انطلاقًا من الرّغبة باختصار كلّ الوجود في “الأنا” (Ego)، “استقلاليّة الاستهلاك” المـُستكبِر هو من لا يُريد أن يحتاج أحدًا بل أن يكون هو المـَطلوب والمـُرتَجى من الآخَرين إشباعًا لصرخة كيانه الطّالبة تأليه ذاته. هو يعرف أن يصير مهمًّا إذا كان له “مَوْنة” وسلطة على الآخَرين، إن كان بشكلٍ مباشَر أو غير مباشَر. ليس الكبرياء دوْمًا بَغيض الشَّكل والأسلوب، المـُراءاة تجعله جذّابًا في أحيانٍ كثيرة حتّى “يتنازل” المـُستكبر لمن يعتبرهم أدنى منه لإيهامهم بالتّواضع… فيَزداد غرورًا وانتفاخًا إذ ينغمس أكثر فأكثر في عبادة ذاته…
* * *
تمرّ بلادنا في زمنٍ صعبٍ ودقيق وجميل ومُبشِّر بنقلة نوعيّة إلى وَعي أكبر لقيمة الإنسان لذاته ولمجتمعه عبر تغليبه لحبّ الوطن على حبّ الذّات والزّعيم والطّائفة… ضمان النّهضة الثّبات في إنسانيّة الإنسان وليس الإنفعاليّة والتّشفّي والانتقام بل السُّلوك في نورِ الحقِّ المـُنبثق من الحبّ الصّادق لله وللإنسان الآخَر، لئَلَّا يُعيد التّاريخ نفسه إذ “لا جديد تحت الشّمس… ما كان فهو ما يكون” (سفر الجامعة 1: 9)، لأنّ الإنسان هو نفسه ما لم يتغيّر عن ذهنه وفكره بكلمة الحقّ وروحه… في حياةٍ جديدة أساسها بذل الذّات عَيْشًا للحبّ كغاية وطريق للوجود وليس استهلاكُ الآخَر أكان شخصًا أم جماعةً أم وطنًا لأجل الذّات!…
* * *
أيّها الأحبّاء نحن المسيحيّين مؤتَمنين على الشَّهادة الحقّ وتعليمه ونشره بالعمل أوّلًا ثمّ بالقَوْل. الرَّبُّ يطلب منّا أن نكون حامِلِي نورَه إلى العالم لتصيرَ الحياة “أفضل” (يوحنّا 10: 10). لنكُن مِصفاةً لكلّ فكرٍ مُضلِّل ولنَسْلُك بالرُّوح في حكمةٍ واستنارَةٍ بكلمةِ الرَّبّ يسوع في تواضعٍ يكشف رياء المـُستكبِرين وفي صدقٍ يُعَرِّي استكبار المـُرائين لنكون خميرة جديدة تُخمِّر فَطير العالم. ليست مُشكلة الإنسان الدّين بل الطّائفة الَّتي هي انغلاق واستكبار ورياء واستهلاك للإنسان والجماعة باسم الإيمان.
ليست المسيحيّة كذلك. الكنيسة ليست طائفة إنّها مطرح تجلّي ملكوت الله، من شهادة البِرّ والعدل والرَّحمة والمـُصالَحَة لِشفاء العالم من مواتيّة رفض الآخَر والخوف منه والدُّخول في شَرِّ الحياة الجديدة الَّتي بالحُبّ الَّذي لا يُفَرِّق بين إنسانٍ وإنسان بل يكون مَبذولًا من أجل الحقّ في كلّ بشر… هذا هو الحقّ، هذا هو التّواضع فلْنَنْبُذ كلّ كبرياء ورياء فنكون في المسيح ضمانةً لوطنٍ أفضل وعالم مِلؤهُ الإنسانيّة…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما