نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (14) بعد العنصرة
العدد 39
الأحد 29 أيلول 2024
اللّحن 5- الإيوثينا 3
أعياد الأسبوع: *29: القدّيس كرياكُس السَّائح *30: الشَّهيد غريغوريوس أسقف أرمينية العظمى، الشَّهيد ستراتونيكس *1: الرُّسول حنانيا أحد السَّبعين، القدّيس رومانوس المرنّم *2: الشّهيد في الكهنة كبريانوس، الشّهيدة يوستينا *3: الشّهيد في الكهنة ديونيسيوس الأريوباغيّ أسقف أثينا *4: القدّيس إيروثيوس أسقف أثينا، البارّ عمُّون المصريّ *5: الشّهيدة خاريتيني، البارّة ماثوذيَّة، البارّ أفذوكيموس.
كلمة الرّاعي
شهادتنا المسيحيّة في الأزمات والحروب
يُعاني بلدنا اليوم من حرب عاتية مُجرِمَة لا تُوَفِّر أحدًا من خَرابها والموت الَّذي تُخَلِّفه. كما أنَّ غَزَّة تُبَاد ولا من يَسأل. أين حقوق الإنسان وحقوق الأطفال والأبرياء؟ "باطل الأباطيل. الكُلّ باطل" (سفر الجامعة 1: 2). عبثًا يبحث الإنسان عن عدل في هذا العالم، شريعة العالم هي شريعة الغاب، وهذا صار جَلِيًّا، والباقي كَذِب ومصدره أبو الكذب أي إبليس. الخوف يتحكَّم بالبشر، وهناك مَنْ يَستفيد مِنْ هذا ويُغذّي الحقد والكراهية ورفض الآخَر.
لا حلّ للعالم بالعنف والقتل والحروب، هذه مأساة البشريّة إذ يظنّ النَّاس أنَّهم يَأْمَنُون بالقوّة. التّاريخ واضح، لا قوّة دائمة لأحد، تزول امبراطوريّات وتأتي غيرها، ولن يثبت أحد إلى المنتهى، الله وحده سيّد التَّاريخ وهو الغالب أبدًا. العنف لا يُغَلب بالعنف والشّرُّ لا يُقهَرُ بالشّرّ، بل بالمحبَّة والمحبّة فقط...
دوْرنا كمسيحيّين في هذه الأيَّام أن نكون شهودًا للسَّلام الأبديّ الَّذي منبعه المحبَّة الإلهيَّة، وأنْ نحمل عَزاء المسيح للمَضنُوكين والمتألِّمين والحَزانى والمهجَّرين... لأجل تثبيت الإنسانيّة الحقّانيّة وبثِّها بالعمل والفعل في النُّفوس والقلوب والعقول... هكذا يتغيَّر العالم إلى عالمٍ أفضل...
* * *
مُدننا وقُرانا مليئة بأبناء الوطن الَّذين هربوا من الموت والدَّمار، من الحقد والكراهية. إلى أين يَهربون؟!... إن لم يكن إلى وَجْهِ الرَّبّ فلا راحة ولا سلام لهم. نحن علينا أن نكون وجه يسوع إله الرَّحمة والمحبّة والحنان والحَقّ...
لا يُمكننا أن نغلق أحشاءنا عن حاجات إخوتنا في الوطن والإنسانيّة، وعلينا بكلّ ما نقدر عليه وضمن إمكانيّاتنا المحدودة أن نشاركهم ونشترك معهم لكي نخفّف عنهم الحزن والأسى، هذه هي الإنسانيّة الحقيقيّة، إنّها المشاركة والاهتمام. طبعًا، ليس من السَّهل على الإنسان أن يقوم بهذا العمل لأنّه يتطلَّب تضحية وحرمانًا للذّات لكي لا يكون محروم وبائس من قلّة المحبّة. الآن هو زمن العمل والتَّعاضُد والتَّعاطُف، مع الاحترام والتَّقدير، لكي لا يكون إنسان مُهمَلًا متروكًا غريبًا... يسوع المسيح هو اليوم في كلّ وجهٍ خائفٍ وقلق مِنَ الغَد، الغَد بيد الله، أمّا "الآن" فالله يُعطينا أن نجعله مطرحًا لتَجَلِّي حبّه ومجده في من نخدم ونوقِّر لأنّه هو هناك في "إخوته الصِّغار".
* * *
أيُّها الأحبّاء، أنتم أهل الخير والهمّة والكرم، علينا أن نتعاون جميعًا مع من نستطيع خاصّةً من الجمعيّات المـَحَلِّيَة والعالميّة لأجل مساعدة إخوتنا في الوطن والمحافظة على كرامتهم وإنسانيّتهم، لكي يرى العالم حقيقة الشَّهادة المسيحيّة في هذا الوطن المبارَك ومن خلاله في العالم أجمع، ويعرفوا أنّ خلاص العالم هو بِعَيْش سِرّ الأخُوَّة الَّتي علَّمنا إيّاها يسوع المسيح الإله-الإنسان حين أتى ليخلّص العالم من الموت والشّرّ والخطيئة، والَّتي أوكل إلى الكنيسة والمؤمنين به أن يجسّدوها في العالم، بالمحبّة والعطاء بسرور في سرّ الكِبَر الرُّوحيّ بالاتِّضاع والوداعة، لكي يتحقَّق السَّلام الدَّاخليّ والخارجيّ بنعمة الله في الَّذين يؤمنون.
رسالتنا اليوم إلى العالم أجمع، القريب والبعيد، أنّ هذا الوطن هو أيقونة الحقيقة الإنسانيّة الَّتي أبْدَعَها الله وكَشَفَها في سِرِّ ابنه الوحيد بواسطة كنيسته المقدَّسة وفيها. "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل" (مت 5: 14)، ولا يُمكن أن يَخفى بلدٌ موضوع على المنارة ليُنير في العالم كلّه سِرَّ المسيح بالمحبَّة والعَطاء والتَّضحية والمسامحة والمصالحة والخدمة الصّالحة ليكون مكَرَّمًا الإنسان في كلّ حال فيتمجَّد الله في الجميع...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ الـمُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. الـمُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. الـمَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ الـمَوْت. ويُنهِضَ الـمَوْتى بقيامتِهِ الـمَجيدة.
طروباريّة القدّيس كرياكوس السّائح (اللَّحن الأوّل)
ظهرت في البَرِّيَّة مُستوطنًا، وبالجسم ملاكًا، وللعجائب صانعًا، وبالأصوام والأسهار والصَّلوات تقبّلتَ المواهب السَّماويَّة، فأنتَ تشفي السُّقماء ونفوس المبادرين إليكَ بإيمانٍ، يا أبانا المتوشِّح بالله كرياكُس. فالمجد لمن وَهَبكَ القوَّة، المجدُ للَّذي تَوَّجَكَ، المجدُ للفاعِلِ بكَ الأشفية للجميع.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالقِ غيْرَ المرْدودة، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحة، نَحْنُ الصّارخينَ إليكِ بإيمانٍ: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطِّلْبَةِ، يا والدةَ الإلهِ المتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (2 كور 1: 21- 24)
أَنْتَ يَا رَبُّ تَحْفَظُنَا وَتَسْتُرُنَا مِنْ هَذَا الجِيلِ.
خَلِّصْنِي يَا رَبُّ فَإِنَّ البَارَّ قَدْ فَنِيَ.
يا إخوةُ، إنَّ الذي يُثبِّتُنا مَعَكم في المسيح وقد مسحَنَا هوَ الله الَّذي خَتَمنا أيضًا وأعطى عُربونَ الرُّوحِ في قلوبِنا. وإنّي أستَشهِدُ اللهَ على نَفسي أنّي لإشفاقي عليكم لم آتِ أيضًا إلى كورنثُوس. لا لأنَّا نسودُ على إيمانِكم بل نحنُ أعوانُ سُرورِكم لأنّكم ثابِتون على الإيمان وقد جَزمتُ بهذا في نفسي أنْ لا آتيَكم أيضًا في غمٍّ لأنّي، إن كنتُ أُغِمُّكُم، فمن الَّذي يَسُرُّني غَيرُ مَن أُسبِّبُ لهُ الغمَّ؟ وإنَّما كتَبتُ إليكم هذا بِعَينهِ لئلّا يَنَالَني، عندَ قدومي، غَمٌّ ممَّن كان يَنبَغي أن أفرَحَ بِهم. وإنّي لواثِقٌ بِجَمِيعكم أنَّ فرَحي هو فَرَحُ جميعِكم. فإنّي من شدَّةِ كآبةٍ وكَرْبِ قَلبٍ كتبتُ إليكم بِدُموعٍ كثيرةٍ، لا لتَغتَمُّوا، بل لتعرِفوا ما عِندي من المحبَّةِ بالأكثَرِ لكم.
الإنجيل (لو ٣١:٦-٣٦) (لوقا ٢)
قال الرّبُّ: كما تريدونَ أنْ يفْعَلَ النَّاسُ بكم كذلكَ افعلوا أنتم بهم. فإنَّكم، إنْ أحببتُم الَّذين يُحبّونكم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا يُحبُّون الَّذين يحبُّونهم. وإذا أحْسنتم إلى الَّذين يُحسِنون إليكم فأيَّةُ منَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا هكذا يصنعون. وإن أَقرضْتم الَّذينَ تَرْجُونَ أن تستَوفُوا منهم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأة أيضًا يُقرضونَ الخطأة لكي يستَوفُوا منهم المِثلَ. ولكن، أَحبُّوا أَعداءَكم وأَحسِنوا وأَقرِضوا غيرَ مؤَمِّلين شيئًا فيكونَ أجرُكم كثيرًا وتكونوا بَني العليّ. فإنَّهُ منعمٌ على غير الشّاكرينَ والأشرار. فكونوا رُحماءَ كما أنّ أباكم هو رحيمٌ.
حول الإنجيل
إنَّ الـمـؤمن المسيحيّ خاضعٌ لنـامـوس الـمحبـَّة، والـمحبـَّة مجّانيّـة غير مشروطـة، هي فَيْض يَطـال الجميع دون استثنـاء، قوامُها المبادرة ولا تنتظر المبادَلَة. يردّ المؤمن بالخير على القبـاحة، والخير روحٌ وفعـلٌ وليسَ ردَّة فعـل. هي أساس السُّلـوك الـمَـسيحيّ الَّذي تتَّضح بعـض جوانبـه في نصّ إنجيـل اليـوم.
"كما تريـدون أن يفعـل النَّاسُ بكم كذلك افعـلوا أنتم بهم". تلخّص هذه الآيـة كامـل التَّعـليـم في العهد القديم: "لأنْ هذا هـو النَّاموس والأنبياء" (متّى 7: 12). هي تتضمَّـن الـمــعنى الآتي أيضًا: "ما لا تريـدون أن يفعـل النَّـاس بكـم لا تفعــلوه أنتـم أيضًا بهـم" (أنظر طوبيا 4: 15). لا يعـني هـذا الكلام أنّ الـمـسيحيّ يخدم أهـواء النّاس وشهـواتهم وخطاياهـم تبـريـرًا لتتـميمـها لنفسـه، بل يَعني أنّ الـمـسيحيّ يَرتَضي للآخَرين الصَّالح الَّذي يرتضيـه لنفسـه. أنتَ بمسيحيَّتـكَ ترى الآخَر بمنـزلـةِ نفسك. يجد الـمـسيحيّ في الآخَـر مـلء كيانـه ويجد نفسـه امتدادًا للآخَـرين. هذا إحساس وحـدة الجماعـة الـمـؤمنـة بالرَّبِّ يسوع والَّتي تشكِّـل الكنيسـة.
"إن أحبَـْبتُـم الَّذين يحبـُّونَكـم فأيَّـةِ مِنَّـةٍ لكـم". لا ينتظـر الـمَـسيحيّ الـمُـبادَرَة ليـفعـل بالـمـثـل، هو الـمـبادِر والسَّبّاق دائمًا في الـمحبـَّة. تناول الـرَّبُّ يسوع في سياق حديثه عن المحبَّة موضوع العطاء، ويؤكِّد بذلك أنَّ العَطـاء هو من أبرز دلائل الـمحبـَّة. العطـاء بادرة الـمحبـَّة، والـمحبـَّة تتجلّى بـه. البشر متعـلّقـون بالـمـال حتّى التَّنـفُّس، هذا بسبـب الخطيئـة أو الخـوف من العوز ومحبَّـة السُّلطان. إذا أعطيتَ مِنْ مَالِـكَ بقنـاعةٍ تـامَّة وتواضُعٍ جِدِّيّ تُجاري الرَّبَّ يسـوع في محبَّتـه وتَسمو على الـمـال مُحطِّمًا القَيْدَ الَّذي يفرضه عليـك بسبب ضعـفك.
"أحِبُّوا أعداءكم وأحسِنـوا وأقْرِضوا غير مؤملّـين شيئًا". يبـذل المسيحيّ مجّانًا ولا يتوقَّع استرداد شيء من الآخَرين، ولا يميّز بين النّاس، ويبادر حتّى إلى سَدِّ عَوَزِ مَنْ يعادونه الَّذين حُكمًا لن يبادلونه المثل. نتعلّم مجّانيّة البَذل من الرَّبِّ يسوع نفسه، ونتوخّى منها تحريك القلوب إلى المجّانيّة نفسها. يضع المسيحيّ رَجاءَهُ في الله، وكلّ ما يعود عليه من البشر حسنـًا كان أم سيِّئًـا، لا يُغـنـيـه عن افتقـاد الـرَّبِّ يسـوع لـه، وهـذا هـو الأجـر الَّذي لا يفوقـه أجرٌ. يكـون أجرُنـا كثيرًا عنـدما تنسكـب علينـا نِعَـُم الله الَّتي تُنـيـر العقـول وتُطَهِّـر القـلـوب رافعـةً إيّانا إلى مُستـوى الـمُـعـاينـة الإلهيَّـة، عنـدها نصبـح أولاد الله لأنَّنـا نكـون سلكنـا كما سلـك الـرَّبّ يسوع (1 يوحنـّا 2: 6) وسننـال أجرنا عند مجيئـه إذ نصبـح مثلـه نورانيّين (أنظر 1 يوحنَّا 3 : 1 - 2).
إنَّ الله "مُنعِم على الشَّاكِرين والأشرار"، "ويُشرق بِشَمْسه على الأشرار والصَّالحين ويمطر على الأبـرار والظَّالِـمـين" (متّى 5 : 5). الله لا يُفرِّق بين البشـر، نِعَـمُـهُ في مُتنـاوَل الجميع وهذا يَعـودُ لفـائِـقِ رَحْمَتِــه. كـلُّ مَنْ ذاقَ رحمة الله مَدْعُوّ لـلتَّمثُّـل بـه لذلـك يقـول الـرَّبُّ يسـوع "كونـوا رُحماء كما أنَّ أبـاكُم هو رحيـم". أنتَ تقبَـل البشر على ضعفاتهم، تـتأنَّى وتَرْفُـق بهـم عَلَّـهم يَعـونها، عندها تسمـو وإيّاهُم إلى رحمـة الله ومحبَّتـه اللَّامُتنـاهـيـة.
القدّيس كرياكُس السّائح
تُعَيِّد الكنيسة المقدَّسة في 29 أيلول، للقدِّيس البارّ كرياكوس السَّائح معنى اسمه "عبد الرَّبّ".
وُلد في مدينة كورنثوس عام 448 م. من أبٍ كاهن وأمّ تقيَّة. وكان أسقف المدينة خالَه فعَنِيَ بتربيته وتثقيفه، ولمـّا بلغ رشده رسمه شمّاسًا، غادر بعدها موطنه سرًّا إلى أورشليم لأنَّ روحه احتدَّتْ فيه ورغب في الحياة الملائكيّة.
وبعدما سجد لِعُودِ الصَّليب، جاء إلى القدّيس إفتيميوس الكبير، وسأله أن يقبله في عداد تلاميذه. فعرف إفتيميوس، بروحه، ما سيكون عليه كيرياكوس فألبسه الإسكيم الكبير وأرسله إلى القدّيس جيراسيموس الأردنيّ، بالقرب من البحر الميت، لأنَّه لم يشأ أن يُعثر الشّيوخ بقبوله فتى في عدادهم. بقي كيرياكوس في عهدة القدَّيس جيراسيموس تسع سنوات. ولمـّا رقد معلِّمه تنقّل بين عدد من الأديرة والكهوف كان أحبّها إلى قلبه كهف القدّيس خاريطُن في برّيّة تكوا، جنوبي شرقي بيت لحم، الَّذي كان عبارةً عن فجوةٍ هائلة فيها مغاور بشكلِ طبقات شديدة البرودة، كثيرة الرُّطوبة. كان يتناول وجبة واحدة بعد غروب الشَّمس. ثمَّ سيم كاهنًا وله من العمر أربعون سنة. فتفرّغ لخدمة كنائس الرُّهبان في دير سوقا القريب من الكهف.
ولما ناهز الثَّمانين، تاق إلى العزلة الكاملة فتوغَّل في البرِّيَّة مع تلميذٍ له اسمه يوحنّا، وسكن قفر ناتوفا طوال خمس سنوات يقتات البصل البرّيّ المرّ. ذاع صيت قداسته فأضحى القفر مزارًا تتقاطر إليه النَّاس، فخاف أن يخسر روح الاختلاء والاتّضاع فذهب إلى برِّيَّة روبان حيث بقي خمس سنوات، ولكثرة تقشُّفه أصبح هيكلًا عظميًّا. وأيضًا طلبته النّاس وتدفّقت إلى منسكه. فهرب من هناك أيضًا وجاء وحيدًا إلى قفر سوساكيم وهو في التِّسعين. وقد أرسل له الله أسدًا دجَّنهُ وجعلهُ حافظًا لحديقته.
وعاش في هذا القفر سبع سنوات أخرى. وحينما عرف الرُّهبان مقرَّهُ، قصدوهُ طالبين بركاته وإرشاداته. لذلك دعي بالسَّائح لكثرة تنقُّله.
منحه الله موهبة صنع العجائب فكان يَشفي المرضى ويطرد الشَّياطين بكلمة الله وإشارة الصَّليب.
تصدَّى لتعليم أوريجنوس الفاسد الَّذي كان قد تفشّى في صفوف الرُّهبان وهو في التِّسعينات.
أخيرًا رقد في الرَّبِّ بسلامٍ مُمتلئًا من نعمة الله عن عمر 107 سنوات.