في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*شهداء نيقوبوليس الخمسة والأربعون. *الشَّهيدان بيانور وسلوانس. *الشَّهيد أبولونيوس سارديس. *شهداء نيتريا. *القدّيسان البارّان برثانيوس وإيكومينيوس الكريتيَّان. *الشَّهيد يوسف الدّمشقيّ. *القدّيس البارّ أنطونيوس مؤسّس لافرا كهوف كييف. *الجديد في الشّهداء الرّوس بطرس زفيروف. *الشّهداء فيليسيتا الرّومية وأولادها السّبعة.
✤ القدّيس البارّ أنطونيوس مؤسّس لافرا كهوف كييف وأب الرَّهبنة الرُّوسيّة (+1073م)✤
وُلد الأب القدّيس أنطونيوس سنة 983 م في Lubetch، في مقاطعة تْشِرْنيكوف. أُعطي في المعمودية اسم أنتيباس. فلمّا شبّ رغب في تكريس نفسه لله فهجر موطنه وعبر بالقسطنطينية إلى أن وصل إلى الجبل المقدّس آثوس. وبعدما زار الأديرة وتوقّدت محبّته للربّ إثر وقوفه على سيرة الرهبان الملائكية ترهّب في دير أسفيغمانو حيث صار تلميذاً لثيوكتيستوس رئيس الدير. هذا كان رجل فضيلة بارزاً تعاطى أنطونيوس العنف مع نفسه حفظاً لوصايا الكمال الإنجيلي فكان عطيّة فرح لإخوته. وفي غضون بضع سنوات، إثر رؤيا إلهية، صرف ثيوكتيستوس تلميذه إلى الروسيا قائلاً له: “اذهب إلى الروسيا يا أنطونيوس لتصير مثالاً للناس ومرشداً. لتشملك بركة الجبل المقدّس!”عاد أنطونيوس إلى كييف سنة 1013 فزار أديرة المدينة فلم يجد الموضع الذي تاقت إليه نفسه. وجّه طرفه ناحية التلال المجاورة فاكتشف في Berestovo مغارة فأقام فيها ناسكاً مصلّياً. إثر وفاة القدّيس فلاديمير في السنة 1015م ارتقى ابنه الآثم سْفياتوبولك عرش كييف. فلكي يستأثر بالسلطة عمد إلى قتل أخويه القدّيسَين بوريس وغْلِبْ واضطهد رجال الله. لمّا بلغ أنطونيوس ما حصل انصرف إلى الجبل المقدّس. وإذ تسنّى له أن يذوق عسل السكون نال من ثيوكتيستوس بركة الاعتزال على مسافة من دير أسفيغمنو، على جبل السامرة. في تلك الأثناء تمكّن الأمير ياروسلاف المحبّ لله من دحر سْفياتوبولك سنة 1019م فبادر إلى جمع الرهبان الذين كانوا قد تفرّقوا وبنى العديد من الكنائس. وإنّ كاهناً من بيريستوفو، اسمه هيلاريون، معروفاً بسيرته النسكية ودرايته بالكتب المقدّسة، جاء، آنذاك وأقام على تلّة غضّة من نهر دْنِيَبْر حيث ينتصب اليوم دير المغاور. هناك حفر لنفسه مغارة صغيرة وخاض، سرّاً، غمار حرب روحية أمام الله إلى اليوم الذي رُفِّع فيه إلى العرش الأسقفي الكييفي سنة 1051م. في ذلك الوقت بالذات أخذ ثيوكتيستوس إعلاناً من الله أن يعود فيرسل أنطونيوس إلى الروسيا. وقد هدى الله قدمَي رجل الله فأتى إلى المغارة التي عاش هيلاريون فيها. أعجب أنطونيوس المكان الذي ذكّره بآثوس فصلّى أن تحلّ بركة الجبل المقدّس على هذا الموضع. هناك سلك قدّيسنا في نسك صارم وصلاة دائمة. لم يكن يتناول إلاّ الخبز والماء كل يومين أو ثلاثة. وإذ كانت المعاينات الإلهية تخطفه كان يبقى أسبوعاً كاملاً بلا طعام ولا شراب أحياناً. ثمّ ما لبث نمط حياته الملائكية أن ذاع سريعاً بين السكّان في الجوار فشرع عدد كبير من الأتقياء يأتيه للزيارة. بعض هؤلاء سأله أن يبقى لديه لينعم بتعليمه، أوّلهم نيقون الكاهن ثمّ القدّيس ثيودوسيوس الذي كان يومها في الثالثة والعشرين.
شهرة القدّيس أنطونيوس نمت إلى كل الروسيا فجاءه إيزياسلاف، أمير كييف، الذي خلف ياروسلاف، زائراً مستبركاً وكل حاشيته. هذا كان مؤثّراً وجعله أكثر شهرة. لذا أقبل عليه المزيد من طلاب الرهبنة، ومنهم برلعام المغبوط، ابن البويار يوحنّا وكذلك أفرام الخصيّ، ابن الأمير الكبير بالتبنّي. أما البويار يوحنّا فلمّا درى برهبنة ولده قدم إلى المغارة غاضباً فبدّد الرهبان وأمسك بابنه ومزّق ثوبه الرهباني واستاقه عنوة إلى قصره. أمّا الأمير الكبير إيزياسلاف فأمر بإيقاف القدّيس نيقون الذي اقتبل أفرام راهباً وهدّد بدكّ المغارة وإلقاء الآباء في سجن تحت الأرض. هذا حمل القدّيس أنطونيوس وتلاميذه إلى مغادرة المكان إلى موضع آخر. لكن زوجة الأمير إيزياسلاف رجته أن يوقف حملته لئلا يحلّ به غضب الله كما حصل لأبيها في وطنها الأم، بولونيا، لمّا عمد إلى طرد الرهبان. فعاد الأمير إلى صوابه وبعث بمرسَلين أعادوا أنطونيوس إلى موقعه. بعد ذلك بفترة قصيرة سمع الربّ الإله صلاة خادمه فجمع إليه تلاميذه المتفرّقين وضمّ إليهم المزيد حتى بلغوا اثني عشر نظير الرسل من السيّد. على هذا أمست المغارة ضيّقة فجرى توسيعها ورُتِّبت كنيسة صغيرة في الداخل وقلال في الجوار. أمّا القدّيس أنطونيوس الذي طالما اشتاقت نفسه إلى السكون فقد جمع تلامذته، يوماً، وقال لهم: “يا أولادي، أنتم تعلمون أنّ الربّ جمعنا ههنا كبواكير بركة لكل شعبنا. أنتم بركة الجبل المقدّس ووالدة الإله الكليّة القداسة. هذه البركة بالذات هي التي أتركها لكم ميراثاً. فاحيوا سويّة. سوف أترك لكم رئيساً لأنّه يوافق أن اعتزل في السكون. غير أنّي سألزم المكان وأبقى أباكم الروحي ما حييت”.
إثر ذلك عيّن قدّيسُنا برلعامَ رئيساً واعتزل على تلّة مجاورة حيث احتفر مغارة وأقام فيها. نمت الشركة سريعاً في عهدة القدّيس برلعام الحكيمة. وكان لازماً بناء كنيسة أوسع خارج المغارة. فبنى الإخوة، أول الأمر، كنيسة جعلوها لرقاد والدة الإله فوق مغارتهم الأولى. بعد ذلك، عيّن الأمير الكبير برلعام رئيساً لدير القدّيس ديمتريوس الذي أسّسه، فعيّن القدّيس أنطونيوس للإخوة رئيساً آخر لهم هو ثيودوسيوس الذي امتاز بطاعته ووداعته وتواضعه. في زمن هذا الأخير نمت الشركة عدداً من عشرين إلى مائة مما حتّم بناء دير لاحتوائهم. من أجل ذلك أوفد أنطونيوس أخاً إلى الأمير إيزياسلاف سائلاً إيّاه وهب التلّة كلّها ومدّ الشركة بالمال اللازم للبناء فأجابه إلى طلبه. وقد بنى الإخوة، بقيادة القدّيس ثيودوسيوس، كنيسة فسيحة من الخشب وعدداً كافياً من القلالي. وبفضل صلوات القدّيس أنطونيوس، تعرّف ثيودوسيوس إلى الراهب ميخائيل الستوديتي الذي جاء إلى الروسيا زائراً، فاستعلم عن الممارسات الليتورجية والرهبانية في دير ستوديون الشهير، وأخذ تيبيكون ستوديون للقدّيس افرام الذي اعتُمد، مذ ذاك، في كل الأديرة الروسية. خلال هذه الفترة، بلغ القدّيس أنطونيوس مراقي روحية سامية أكسبته موهبة التبصّر والأشفية. فكان يبارك النباتات السامة ويجعل منها جرعات تُعطى للمرضى المصابين بشتّى الأدواء فيُشفون. إثر وقوع اضطرابات عسكرية وسياسية صعبة غادر القدّيس إلى تْشرنيكوف حيث تابع سيرته في مغارة حفرها لنفسه، فأضحى الموقع، فيما بعد، مكاناً لدير جديد. أمّا هو فما لبث أن عاد إلى كييف بعدما سُوِّيت الأمور وعاش إلى سنّ التسعين أباً للرهبان في كل مكان في الروسيا نظير أنطونيوس الكبير لرهبان مصر. رقد بالرب في 10 تمّوز سنة 1073م. وقد أُودع جسده المغارة التي نسك فيها. بقي مخبوءاً هناك بناء لطلبه حتى إن كل مَن رغب في استخراجه كانت نار تخرج من الأرض وتمنعه من ذلك. رغم كل شيء بقيت رفاته مصدر أشفية وبركات لكل المقبلين إليه بإكرام والسائلين شفاعته.