نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (9) بعد العنصرة
العدد 34
الأحد 25 آب 2024
اللّحن 8- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع:
كلمة الرّاعي
بين استقامة الرَّأي والانحراف عن الحَقِّ الإلهيّ
"وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ.
وَلكِنَّ النَّاسَ الأَشْرَارَ الْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ، مُضِلِّينَ وَمُضَلِّينَ." (2 تي 3: 12 -13)
كيف تعرف أنَّك سالِكٌ في استقامة الرَّأي أي الأرثوذكسيّة؟ حين تكون ممتَلئًا من روح الله. وكيف تعرف أنّك ممتلئ من الرُّوح القُدُس؟ حين تَحيا "ثمر الرُّوح" الَّذي هو "مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ" (غل 5: 22 و23). هذه ليست أخلاقيّات تعيشها، إنّها فضائل النِّعمة الإلهيَّة وصِفاتها، أي أنّها تفترض أنَّك صرْتَ "خليقةً جديدة" (2 كو 5: 17). هذا يعني أنّك لسْتَ بعد تحت النّاموس (راجع غل 5: 18) بل "تحت النِّعمة" (رو 6: 14). "فَمَاذَا إِذًا؟ أَنُخْطِئُ لأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ؟ حَاشَا!" (رو 6: 15) لكن، للأسف هذا ما نراه اليوم عن عَديدين يَعْتبرون أنفسهم أبناء النِّعمة لكنَّهم يَسْلُكون بِرُوح النَّاموس فيَدينون الآخَرين مُتَّهمين إيَّاهم بالضَّلال في حين أنّهم يسلكون في الضَّلال لأنّهم يأخذون دور الله وينَصّبون أنفسهم قضاة على أرواح النَّاس وخَلاصهم، وهؤلاء يقول لهم الرَّسُول بولس: "لِذلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا!" (رو 2: 1).
* * *
استقامة الإيمان تنبع من استقامة الحياة الدَّاخليّة أي من عَيْش التَّوبة. كيف يستطيع إنسان يريد أن يتوب أن تكون عينيه على الآخَرين وليس إلى داخل قلبه ليرى ما فيه من نَتانةٍ وقذارة لِيَعْمل بنعمة الله على تطهير ذهنه (νοῦς) وكيانه؟!... الفرق بين الشَّهادة لاستقامة الإيمان والانحراف عنها هي بطريقةِ مقاربة الاختلاف مع الآخَر. ليس لك أن تَدين أحدًا أو تحكم عليه لأنّ الدَّينونة لله، لكن من واجبك أن تُسلّط نور الكلمة على الأقوال والأعمال لتفحصها بروح الله وتُبيّن الحقّ من الباطل، وأن تكون منفتحًا على الآخَر لسماعه والحوار معه، لأنَّ غاية الشَّهادة للمسيح كشْفُ الحقّ لخلاص الإنسان وليس لاثباتٍ ذاتيّ أو إدانة الآخَر.
المسيحيّة مبنيّة على المحبّة، لكن أين المحبّة حين تُمْتَهَنُ كرامة الآخَرين وتسعى إلى تَشْويه صورتهم وإلى قتلهم معنويًّا، وهذه خطوة تسبق القتل الفعليّ، باسم الشَّهادة ليسوع؟!... إنَّك بالحقيقة تجعل كلماتك وأقوالك مكتوبةً بدم المسيح الَّذي تصلبه وتطعنه وتُهينه. إنَّك تشوِّه حقّ يسوع المسيح ووجهه إذ تجعله قاتلًا وهو الَّذي قُتِل ظُلمًا ليُحيينا، الدَّينونة هي سلوك بروح شيطانيّة، فالشَّيطان هو الخصم والمعاند والكذّاب وأبو الكذّاب ومصدر كلّ قتل وشرّ وتشويش... ألا تعلم أنّ حربك هي أوّلًا مع ذاتك مع أهوائك وخطاياك؟!... هل أنت طاهِر؟!... هل وصلت إلى اللَّاهوى؟!... هل عرفت نفسك؟!... تُبْ! وارجع إلى نفسك وإلى ربّك! كلّنا خطأة، كلّنا بحاجة أن نتوب "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رو 3: 23).
* * *
أيُّها الأحبَّاء، "إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، احْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ الأَرْدِيَاءِ، فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ" (2 بط 3: 17). احترسوا من "الذِّئَاب الخَاطِفَة" (أع 20: 29) الَّتي تأتيكم "بثياب حملان" (مت 7: 15). كثيرون هم ضالّين ويظنّون أنّهم في الحقّ، والَّذين في الحقّ يُحارَبون من الضَّالين. مسيحيّتنا ليست مبنيّة على قوانين بل على "كلمة الله الحيَّة" (1بط 1: 23 وعب 4: 12)، لأنّ القوانين والشَّرائع والنَّواميس لا تخلّص بل المسيح هو الَّذي يخلّصنا بنعمته ورحمته وحنانه كما خلَّص لصّ اليمين (لو 23: 43). كلّ قانون وضعيّ ومرتبط بالزَّمان والمكان والمخالفة، لذلك وإنْ بُنيتْ القوانين على كلمة الله إلَّا أنَّها لا تقوم مقام الكلمة أو تستبدلها، كلمة الله سرمديَّة بروحها وليس بحرفها "لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي" (2 كو 3: 6).
يا أحبّة، "إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ" (غل 5: 25) لأنّه "حَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ" (2 كو 3: 17) وحيث الرَّبّ فهناك السَّلام "لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ" (1 كو 14: 33)، والَّذين من الله يزرعون بِرًّا ويثمرون سلامًا بالرُّوح القدس...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انْحَدَرْتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريَّة للرَّسولين (باللَّحن الثَّالِث)
أيُّها الرَّسولان القدِّيسان برثلماوس وطيتُس، تَشَفَّعا إلى الإله الرَّحيم أن يُنْعِمَ بِغُفْران الزَّلات لنُفوسِنا.
قنداق ميلاد السَّيِّدَة (باللَّحن الرَّابِع)
إنَّ يُواكِيمَ وحنَّةَ من عارِ ﭐلعُقْر أُطلِقا، وآدمَ وحوَّاءَ من فسادِ ﭐلموتِ، بمولِدِكِ ﭐلمقَدَّس يا طاهِرَة، أُعتِقا. فلَهُ يُعَيِّدُ شعبُكِ إذ قد تَخلَّصَ من وَصْمَةِ الزَّلَّات. صارِخًا نحوكِ، العاقِرُ تَلِدُ والدةَ ﭐلإله ﭐلمغَذِّيَة حياتَنَا.
الرّسالة (1 كو 3: 9- 17)
صَلُّوا وَأَوْفُوا الرَّبَّ إِلَهَنَا.
اللهُ مَعْرُوفٌ فِي أَرْضِ يَهُوذَا.
يَا إِخْوَةُ، إِنَّا نَحْنُ عَامِلُونَ مَعَ اللهِ وَأَنْتُمْ حَرْثُ اللهِ وَبِنَاءُ اللهِ. أَنَا بِـحَسَبِ نِعْمَةِ اللهِ الـمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ وَضَعْتُ الأَسَاسَ، وَآخَرُ يَبْنِي عَلَيْهِ. فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ، إِذْ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا غَيْرَ الـمَوْضُوعِ وَهُوَ يَسُوعُ الـمَسِيحُ. فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَبْنِي عَلَى هَذَا الأَسَاسِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ حِجَارَةَ ثَـمِينَةً أَوْ خَشَبًا أَوْ حَشِيشًا أَوْ تِبْنًا، فَإِنَّ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَكُونُ بَيِّنًا لِأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ سَيُظْهِرُهُ لِأَنَّهُ يُعْلَنُ بِالنَّارِ. وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلٍ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ. فَمَنْ بَقِيَ عَمَلُهُ الَّذِي بَنَاهُ عَلَى الأَسَاسِ فَسَيَنَالُ أُجْرَةً، وَمَنِ احْتَرَقَ عَمَلُهُ فَسَيَخْسَرُ وَسَيَخْلُصُ هُوَ وَلَكِنْ كَمَنْ يَـمُرُّ فِي النَّارِ. أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَأَنَّ رُوحَ اللهِ سَاكِنٌ فِيكُمْ؟ مَنْ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ يُفْسِدُهُ اللهُ، لِأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ وَهُوَ أَنْتُمْ.
الإنجيل (متّى 14: 22- 34) (متّى 9)
فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ اضْطَرَّ يَسُوعُ تَلامِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى العِبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الجُمُوعَ. وَلَـمَّا صَرَفَ الجُمُوعَ صَعِدَ وَحْدَهُ إِلَى الجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَلَـمَّا كَانَ الـمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ، وَكَانَتِ السَّفِينَةُ فِي وَسَطِ البَحْرِ تَكُدُّهَا الأَمْوَاجُ لِأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً لَـهَا. وَعِنْدَ الهَجْعَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ مَاشِيًا عَلَى البَحْرِ. فَلَـمَّا رَآهُ التَّلامِيذُ مَاشِيًا عَلَى البَحْرِ اضْطَرَبُوا وَقَالُوا إِنَّهُ خَيَالٌ، وَمِنَ الخَوْفِ صَرَخُوا. فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ قَائِلًا: أَنَا هُوَ لا تَخَافُوا. فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ قَائِلًا: يَا رَبُّ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ فَمُرْنِي أَنْ آتِـيَ إِلَيْكَ عَلَى الـمِيَاهِ. فَقَالَ: تَعَالَ. فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَی عَلَى الـمِيَاهِ آتِيًا إِلَى يَسُوعَ. فَلَـمَّا رَأَى شِدَّةَ الرِّيحِ خَافَ. وَإِذْ بَدَأَ يَغْرَقُ صَاحَ قَائِلًا: يَا رَبُّ نَـجِّنِي. وَلِلْوَقْتِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهَ وَقَالَ لَهُ: يَا قَلِيلَ الإِيـمَانِ لِـمَاذَا شَكَكْتَ؟ وَلَـمَّا دَخَلا السَّفِينَةَ سَكَنَتِ الرِّيحُ. فَجَاءَ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: بِالحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللهِ. وَلَـمَّا عَبَرُوا جَاؤُوا إِلَى أَرْضِ جَنِيسَارَت.
حول الإنجيل
"السَّفينَةُ في وَسْطِ البحرِ تَكُدُّهَا الأمواجُ لأنَّ الرِّيحَ كانَتْ مُضَادَّةً".
تَعِي الكنيسةُ، في هذا العالم، أنَّها في صراعٍ دائمٍ ومَخاضٍ دائم لتَلِدَ بَنينَ وبناتٍ لملكوت السَّماوات. يَسْلُكُ أبناؤها عكس التَّيَّار العالميّ للوصول إلى الحياة الفُضْلَى.
في إنجيل اليوم دلالات على نمط الحياة الَّتي يحياها الشَّعب المؤمن بالمسيح. أوَّلًا، حياتهم حياة صلاة، فلا يمكن الفصل بين الحياة والصَّلاة عندهم، ولو اضطرَّهم الأمر أن يبتعِدُوا عن الجموع للخَلْوَة والاِختلاء بالله، من أجل نفوسهم ونفوس الآخَرِين. مهما جابَهَتْهُمُ الأهواء والأفكار والشَّهوات، مهما أَغْوَتْهُم حبائل الشِّرِّير لا يكون لليأس عندهم موطِن، فهم يبقون ثابتين أمام لَطَمَات الأمواج والرِّياح المعاكِسَة.
يَعْلَمُ المؤمن أنَّ طريقه للرَّبِّ ليست، دائمًا، مُعَبَّدَة ومُسْتَوِيَة ففيها صعود وهبوط، "نزل بطرس من السَّفينة"، نعمةٌ وإحساسٌ بالتَّخَلِّي، بَرَكَةٌ وشعورٌ بالخوف، فيها سقوط وقيام ... الحياة نحو المسيح محفوفة بالمخاطر تؤدِّي، أحيانًا، إلى الشَّكِّ والقُنُوط واليأسِ، لكنَّ آباء الكنيسة يعلِّمونَنَا قائِلِين: "أَسَقَطْتَ؟ فانْهَضْ. أَسَقَطْتَ ثانِيَةً؟ فانْهَضْ أيضًا، لكن لا تترُكِ الطَّبيب، وإلَّا فأنت شَرٌ من مُنْتَحِرٍ يخضَعُ لحكم اليأس. اِلْبَثْ بقربه فيرحمك إمّا عن طريق العودة، وإمّا عن طريق التَّجارب أو عن أيّ طريق أُخْرَى من طرق العناية، لا علم لك بها".
مَنْ يَحيا فِعْلِيًّا في رُبوعِ الكنيسة، بين أبنائها المؤمنين البُسَطَاء وبخّورها وترانيمها وليتورجيّتها، مَن يتذوَّق حلاوة الرَّبّ فيها وحضوره وحنانه، مَن يختبر خاصِّيَّتَه بالنِّسبة للمخلّص، يفهم حينها قول السّيّد أنَّ "ملكوت الله في داخلكم"، ويشعر حقيقة باستِكَانَةِ رياح العالم أمام سلام المسيح وفرحه.
سكّان السّفينة، بحَّارة كانوا أو ركّابًا أو ربابِنَةً، كلّهم معًا بقلبٍ واحدٍ وروحٍ واحد يحملون الرّجاء، يعبدون الله ويسجدون له بالرّوح والحقّ، فيما السّفينة تُبْحِرُ في عالم الله الفسيح تحمل بُشْرَى الخلاص وتنقل للعالم بأسره حضور الله بيننا بابنه يسوع ونداءه "ثِقُوا أنا هو فلا تخافوا".
(المرجع: نشرة الكرمة، العدد 31، 2 آب 2015)
بين الكهنوت الملوكيّ والكهنوت الأسراريّ
في الإيمان المسيحيّ، وخاصَّةً الأرثوذكسيّ نميِّز بين الكهنوت الملوكيّ والكهنوت الأسراريّ. كلُّ إنسانٍ اعتمد معموديَّةً قانونيَّةً، ونال الميرون المقَدَّس صار مُكَرَّسًا لله، أي صار مخصَّصًا لله. وتاليًا هو مسؤول عن كنيسة المسيح بصورةٍ كامِلَة. هذا الوضع التَّكريسيّ نسَمِّيه "الكهنوت الملوكيّ"، استنادًا لِقَوْلِ الرَّسول بطرس في رسالته: "أنتم كهنوتٌ مُلوكيّ، أمَّةً مقدَّسة" (1 بط 2: 9).
أمّا الكهنوت الأسراريّ فالمقصود به أنْ يَصير أحد المؤمنين كاهنًا للرَّبِّ العَليّ باقتباله سِرَّ الكهنوت، فيخدم الأسرار المقدَّسَة ويَلِدَ بالرُّوح أبناءً لله ويُنَمّيهم روحيًّا.
الكهنوت الملوكيّ يعني أنَّ كلَّ مسيحيّ هو كاهنٌ لله العَليّ، مَدعوٌّ إلى أن يعمل على تقديم العالم وما فيه لله. هذا يتمّ بِسَعيٍ دؤوب إلى جعل حياته مرضيَّةً للرَّبِّ ووفق وصاياه تعالى. كما أنَّه مدعوٌّ إلى بَثِّ روح الله وإنجيله في العالم حتّى يُساهِم مع إخوته بالإيمان في تطهير العالم وتقديسه، تمامًا كما يقدِّم الكاهن في الكنيسة الخبز والخمر لله لِيَصيرا مقدَّسَين وتاليًا جسد الرَّبِّ ودمه. إذًا المؤمن مُساهمٌ حقيقيّ في بناء الكنيسة ونموّها.
"العلمانيّين" ليست تسميَة أرثوذكسيّة. لأنَّها تجعل مَن لديهم نعمة الكهنوت الأسراريّ هم فقط كهنة. وبالتَّالي تُلغي هذه التَّسمية الكهنوت الملوكيّ المعطى مِنَ الله. الكنيسة تُطلق تسمية "مؤمنين" على مَن ليس لديهم الكهنوت الأسراريّ.
بعض الأحيان، هناك مشكلة صدام بين المؤمنين والإكليروس. مَنْ يتبع مَنْ؟ ومَنْ يُطيع مَنْ؟ ومَنْ يتعاون مع مَنْ؟ نقول في هذه العجالة إنَّ كلَّ مشكلةٍ من هذا النَّوْع تُعيق العمل الكنسيّ، وهي مِنْ عمل الشَّيطان والَّذين يفتحون صدورهم له. وهي ناجمة عن نقص التَّواضع أو غيابه جملةً وتَفصيلًا.
الكنيسة الأرثوذكسيَّة قائمة لا على القانون الحرفيّ وإنْ كان فيها قوانين رفيعة، وليست قائمة على فئةٍ حاكمة وفئةٍ محكومة، أو فئة معلِّمة وفئة متعلِّمة وإن كان لا بُدَّ من الحاكم والمرجع والمعلَّم. الكنيسة الأرثوذكسيَّة صورة الملكوت على الأرض بالتَّناغُم ما بين كلَّ شيءٍ وكلَّ شيءٍ آخَر فيها. التَّناغم بين المؤمنين والإكليروس، بين المرتّلين والشَّعب المصلّي، بين المعلِّمين والإداريّين، بين الرُّهبان والكهنة.
لا أحد يجب أن يلغي أحداً. بروح التواضع والانفتاح نتكامل ونكمل نقائص بعضنا البعض من أجل تمجيد الله في كنيسته. روحانية الكنسية ليست قائمة على مجرد تطبيق قانوني للتعليم الكنسي بل على السعي عبر هذا التطبيق إلى الوصول إلى النقاوة الداخلية التي تجعل لله محلاً في ذواتنا.
على رجال الإكليروس أن يكونوا آباء حاضنين… وعلى المؤمنين أن كونوا أبناءً روحيين لا جبهة مضادة. الخصومة ممنوعة في الكنيسة. الهرطقة هي الشيء الوحيد الذي يوصل إلى القطيعة لأنه لا مساومة على استقامة الإيمان.