نشرة كنيستي- الأحد (2) بعد العنصرة-العدد 27
7 تمّوز 2024
كلمة الرّاعي
التَّذكار العام لجميع القدِّيسين الأنطاكيّين
للمرَّة الأولى في تاريخ كنيسة أنطاكية العظمى، نعيِّد للتَّذكار العام لجميع القدِّيسين الأنطاكيّين، بعد قرار المجمع الأنطاكيّ المقدَّس، بهذا الخصوص. وقد انعقد المجمع برئاسة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر (يازجي) في دورته العاديَّة الرَّابعة عشرة ودورته الاستثنائيَّة السَّابعة عشرة في البلمند ما بين 16 و21 تشرين الأوَّل 2023، حيث “عيَّن آباء المجمع المقدَّس الأحدَ الَّذي يَلي أحد جميع القدِّيسين (أي الأحد الثّاني بعد العنصرة) تذكارًا عامًّا لجميع القدِّيسين الأنطاكيّين”.
القداسة، لا شكّ، شاملة في الكنيسة ولا فرق فيها بين القدِّيسين من حيث انتمائهم إلى كنائس مَحَلِّيَّة مختلفة، لكن تكمن أهميّة التَّعييد للقدِّيسين المحلِّيّين في البركة الَّتي تعيشها هذه الكنيسة وفي الدّافع الرُّوحيّ إلى الاقتداء بالقدِّيسين المحلِّيّين الَّذي يُعطيه هذا التَّعييد لشعب الكنيسة المحلِّيَّة. أن تُثمر حياة الكنيسة قدِّيسين مَعروفين من شعبها هو أمرٌ فائق الأهميّة لأنّه يدُلُّ على أنّ هذه الكنيسة حَيَّة بالرُّوح القدس وهي تعطي ثمار قداسة يحتاجها المؤمنون في كلّ زمن لتشديدهم في جهادهم وعيشهم للإنجيل، كونهم يَرَوْن الإنجيل مجسَّدًا حياة في سِيَرِ أبناء كنيستهم.
* * *
الكنيسة، في الحقيقة، هي “مصنع” القدِّيسين. هذا هو عملها في العالم: أن تُقدِّس الخليقة كلّها بواسطة القدِّيسين الَّذين يُنْتِجُهُمُ الرُّوح القُدُس فيها شهادةً للخليقة الجديدة في المسيح (راجع 2 كو 5: 17). حكمة الله تختار من يتمّ إعلان قداستهم، لكن يبقى الكثير من القدِّيسين الَّذين لم تُعلن الكنيسة قداستهم فرديًّا لأنَّ الرَّبَّ لم يشأ أن يكشف قداستهم على الصَّعيد الشَّخصيّ. لذلك، وضعت الكنيسة أحد جميع القدِّيسين تاليًا لأحد العنصرة لأنّ الــمُقَدِّسَ في هذا العالم هو الرُّوح القُدُس في المسيح. ولتأكيد هذه القداسة المستترة الوجوه في كلّ كنيسة محليَّة تعيِّد هذه الكنائس لجميع القدِّيسين المحلِّيّين بعد أحد جميع القدِّيسين العُمومِيّ.
أهمية هذا العيد تكمن في دعوة الكنيسة لنا أن نتلقَّف القداسة حولنا وأن نبحث عنها في سِيَرِ من سبقونا والذين كانوا حولنا، ربّما، لكي نتعلّم منهم ونقتدي بهم. والأهمّ، على ما أعتقد، هو في أنّ هذا العيد هو لتذكيرنا أننا كلّنا مدعوون إلى القداسة، إلى أن نصير قديسين، سواء ظهرت قداستنا وأعلنتها الكنيسة شخصيًّا أم كانت مستترة واعترفت بها الكنيسة جماعيًّا ودون أسماء. كلّ مؤمن بالمسيح هو مشروع قدّيس، هذا هو هدف حياتنا. من اعتبر نفسه مسيحيًّا ولم يفقه أن انتماءه إلى المسيح يعني سعيه للتقدُّس يكون سالكًا في طريق آخر غير الَّذي قال عن نفسه: “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي” (يو 14: 6).
* * *
أيُّها الأحبَّاء، أتانا الله بابنه عندما تجسَّد الكلمة في “مِلْءِ الزَّمان” (غل 4: 4) لكي يقودنا ابن الإنسان إلى الله الآب بروحه القدُّوس. بالعنصرة سكب اللهُ الآب بابنه الرُّوحَ القدسَ علينا. نعم، نحن أعضاء جسد المسيح اليوم كنّا موجودين في العنصرة حين وُلدت الكنيسة في علية صهيون، لأنّنا امتدادها هنا والآن، ولأنّ العنصرة هي امتداد قُوَّة القيامة والخلق الجديد في المسيح في كلّ زمان. العنصرة حدثٌ مستمرّ وممدود إلى الدّهر، لأنّ الرُّوح القُدُس هو الَّذي يَلِدُنا إلى الحياة الأبديَّة في يسوع المسيح من جرن المعموديَّة وفي مسحة الميرون المقدَّس…
المسيحيّ هو حضور المسيح في العالم، هكذا ينبغي أن يكون، وهذا لا يمكن أنْ يَصير إلّا بالعنصرة أي بُسكنى الرُّوح القدس فينا وسكنانا في جسد المسيح-الكنيسة.
ليكن تعييدنا هذه السَّنة الأولى للتَّذكار العام لجميع القدِّيسين الأنطاكيّين مدعاة تأمّل لنا في حياتنا في تراثنا في غنى كنيستنا بالقداسة على مَرِّ القرون منذ بداية المسيحيّة إلى اليوم وإلى الغد لكي، ونحن مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، نستطيع أن ندرك مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَنَعْرِف مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ نمتلئ إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ (راجع أف 3: 18 و19)…
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما