Menu Close
kanisati160624

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد (6) بعد الفصح (آباء المجمع المَسكونيّ الأوّل)

العدد 24

الأحد 16 حزيران 2024

اللّحن 6- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع: *16: أحد آباء المجمع المـَسكونيّ الأوّل أي الآباء ال318 المتوشّحين بالله المـُجتمعين في نيقية، تذكار القدّيس تيخن أسقُف أماثوس *17: الشّهداء إيسفروس ورفقته، الشّهداء مانوئيل وصابل وإسماعيل *18: الشّهداء لاونديوس ورفقته *19: الرّسول يهوذا نسيب الرّبّ، البارّ بايسيوس الكبير *20: القدّيس ميثوديوس أسقف بتارُن، الأب نيقولاوس كباسيلاس *21: وداع الصّعود، الشّهيد يوليانوس الطَّرسوسيّ *22: سبت الأموات، الشّهيد أفسافيوس أسقف سميساط، البارّ إيسيخيوس رئيس دير العلّيقة في سيناء.

كلمة الرّاعي

من الآباء القدِّيسين إلى المؤمنين المعاصرين

"لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ." (1 كو 4: 15)

من هم الآباء في الكنيسة؟ وهل انتهى زمنهم؟ ألم تعد الكنيسة تنتج آباءً قدِّيسين؟ ما هي صفات الرُّعاة في الكنيسة اليوم، وهل هي مختلفة عن صفاتهم قبلًا؟

من ندعوهم آباءً قدِّيسين هم الَّذين جاهدوا وحفظوا الإيمان القويم ودخلوا في سرّ الشَّركة مع الله وتكلّموا عن السّرّ الإلهيّ بما خَبِروه من حياة النّعمة وفِعْلِها فيهم إذ استناروا بنور الألوهة وعرفوا الله وكانوا ”قادرين على تجسيد خبرة الكنيسة“ (الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس، https://www.orthodoxlegacy.org/?p=1539). الكنيسة تلد الآباء الَّذين هم ”حاملون حقيقيّون لحقيقة الإعلان المحفوظ في الكنيسة“ (المرجع نفسه).

الكنيسة تلدهم بالرُّوح القدس في المسيح الَّذي هو الكلّ في الكلّ وهم شهود له. الرُّوح القدس لم يتوقّف ولن يتوقّف عن تقديس المؤمنين وعن منح الكنيسة والعالم آباء يحملون خبرة سُكناه فيهم ومعاينتهم لله في النّور غير المخلوق. الرُّوح القدس هو حافظ الكنيسة في العالم وهو الَّذي يُنشئ آباء مستنيرين مختَبَرين قادرين على تأوين الإيمان لأناء كلّ زمان.

*        *        *

يعلّمنا الرّبّ في إنجيله: بأنّه ”لا يجعلون خمرًا جديدة في زقاق عتيقة … بل يجعلون خمرًا جديدة في زقاق جديدة“ (مت 9: 17). هذا يعني بأنّنا لا نستطيع أن نعرض تعليم الآباء بلغة عصرهم لإنسان من عصر مختلف، وبلغة بيئتهم وحضارتهم لإنسان حضارة وبيئة مختلفتين. الخبرة الرّوحيّة واحدة لأن ”الكرمة“ (راجع يو 15: 1—5) واحدة والرّوح واحد، لكنّ أهميّة الآباء تكمن في أنّهم نقلوا هذه الخبرة الرّوحيّة ومعرفة الكشف الإلهيّ لأبناء عصرهم بلغتهم. ألم يعلّمنا الرّبّ يسوع هذا حين تكلّم مع أبناء جيله بأمثلة من حياتهم اليوميّة؟!...

دور آباء الكنيسة هو أن ينقلوا خبرة معرفتهم لله ليس بالكلمة فقط بل بالعمل أوَّلًا، ولهذا فكلمتهم ذات سلطان لأنّها من ”الكلمة“ منطوقة بـ ”الرُّوح القدس“. هكذا، تصير كلمتهم كلمة الله الّتي إذا ما سقطت في أرض صالحة أثمرت ثلاثين وستّين ومئة ضعف.

ما يميِّز آباء الكنيسة أنّهم يسيرون وراء الرّبّ حاملين صليبهم مميتين إنسانهم العتيق وصالبينه مع العالم ولأجل العالم، فيموتون مع المسيح فيحيون معه وفيه وبه وله. إنّهم لهذا يعيشون ما قاله الرّسول بولس: ”مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لَا أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي“ (غل 2: 20).

*        *        *

لا شكّ أنَّ الآباء بالمعنى العميق للكلمة (كما ذكرنا أعلاه، راجع أيضًا: 1 كو 4: 15 وغل 4: 19)، هم حاملو كنز المعرفة الإلهيَّة وموهبة ترجمته حياةً وتعليمًا في خطّ العقيدة الإلهيّة الّتي حدّدتها الكنيسة المقدَّسة في مجامعها المسكونيّة بشكلٍ أساسيّ. بناءً عليه، كلّ من يعلّم في الكنيسة يجب أن يتشرَّب هذه الرّوح الآبائيّة أي أن يكون مجاهدًا لحفظ استقامة الرّأي في حياته وتعليمه وأن يكون إنسان صلاةٍ وتوبة وأن يكون قدوةً في الإيمان والعمل.

لا شكّ أنّ الآباء، بهذا المعنى قليلون، ولكنّهم فاعلون لأنّ روح الرّبّ الظّاهر في وجوههم وحياتهم هو الَّذي يشهد للرّبّ ”الكلمة“ بهم إذ هم يستشهدون يوميًّا في إنسانهم الدّاخليّ في حرب التّنقيّة ليبقوا أُمناء للمعلِّم الَّذي ينيرهم ليصيروا نورًا للعالم يستقطب العائشين في ”الظّلمة وظلال الموت“ (لو 1: 79). وهم إذ يستغرقون في الدَّهَش يحملون إلى الكنيسة ثمار معاينتهم الإلهيَّة تعزية وفرحًا وقوَّةً مسكوبةً في أقوالهم وأفعالهم ذخيرة ًللمؤمنين ليواجهوا بها العالم وما في العالم في سرّ الرّجاء الَّذي فيهم.

*        *        *

أيّها الأحبّاء، المطلوب من كلّ المؤمنين واحد، لكن ”مَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ“ (لو 12: 48). لذلك، كان على الإكليروس والرُّهبان والرّاهبات والمُكَرَّسين والمُكَرَّسات أن يلتصقوا أكثر بعِشرة الكلمة الإلهيّة وعيشها وأن يكونوا قُدوة في محبّة الله ومحبّة الآخَر وخدمته، منزَّهين عن حبّ اللَّذّات متحرِّرين من الشّهوات معتَقين من محبّة المال سالكين في التّقوى والفضيلة ظاهرة في حياتهم وأعمالهم. هذا لا يمكن أن يتحقَّق إن لم يكونوا مصلِّين حارِّين بالرُّوح مجروحين بمحبّة الله.

لا يحقُّ لهؤلاء أن يطلبوا أن يعيشوا كباقي النّاس، بل يجب أن يكونوا أيقونةً تُجسِّدُ تعليم الرّبّ يسوع وحياته لا سيّما في نقاوة السّيرة والوداعة والتّواضع والمحبّة الباذلة وغير المشروطة.

الكنيسة دومًا مخصبة وتلد لنا آباء قدِّيسين وأمّهات قدّيسات لأنّ الرُّوح القدس لا يتوقّف عمله وهو يقودها، رغم ضعف البشر، لتكون دومًا أيقونة الدَّهر الآتي ونوره وفرحه هنا والآن في هذا العالم ...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

 

طروباريّة القيامة (بِاللَّحْنِ السّادِس)

إِنَّ القُوَّاتِ الـمَلائِكِيَّة ظَهَرُوا عَلَى قَبْرِكَ الـمُوَقَّر، وَالحُرَّاسَ صَارُوا كَالأَمْوَات، وَمَرْيَمَ وَقَفَتْ عِنْدَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر. فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ وَلَـمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وَصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة. فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ الـمَجْدُ لَك.

طروباريّة أحد الآباء (بِاللَّحْنِ الثّامِن)

أنت أيّها المسيح إلهنا الفائق التّسبيح، يا مَن أسّست آباءنا القدّيسين على الأرض كواكب لامعة، وبهم هديتنا جميعًا إلى الإيمان الحقيقيّ، يا جزيل الرّحمة المجد لك.

طروباريّة عيد الصُّعود (بِاللَّحْنِ الرّابِع)

صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرُّوح القُدُس، إذ أَيْقَنُوا بالبَرَكة أنَّك أنْتَ ابنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.

قنداق عيد الصُّعود(باللّحن السَّادس)

لـمّا أكمَلْتَ التَّدبير الَّذي من أجلنا، وجعلت الَّذين على الأرض متّحِدين بالسّماويّين، صعدتَ بمجدٍ أيّها المسيح إلهنا، غير منفصل من مكان، لكن ثابتًا بغير افتراق وهاتفًا بأحبّائك، أنا معكم وليس أحدٌ عليكم.

الرّسالة (أع 20: 16-18، 28- 36)

في تلكَ الأيّامِ ارتأى بولسُ أن يتجاوزَ أفَسُسَ في البحرِ لئلَّا يعرضَ له أنَ يُبطئ في آسية، لأنّه كان يعجَلُ حتّى يكونَ في أورشليم يوم العنصرة إن أمكنه. فمن ميليتس بعث إلى أفسس فاستدعى قسوس الكنيسة. فلمّا وصلوا إليه قال لهم:إحذروا لأنفسكم ولجميع الرّعيّة الّتي أقامكم الرُّوح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله الَّتي اقتناها بدمه. فإنّي أعلم هذا، أنّه سيدخل بينكم بعد ذهابي ذئاب خاطفة لا تشفق على الرّعيّة، ومنكم أنفسكم سيقوم رجال يتكلّمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التّلاميذ وراءَهم. لذلك اسهروا متذكّرين أنّي مدّة ثلاث سنين لم أكفف ليلًا ونهارًا أن أنصح كلّ واحد بدموع. والآن أستودعكم، يا إخوتي، الله وكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتمنحكم مع جميع القديسين ميراثًا. إنّي لم أشتهِ فضّة أو ذهب أو لباس أحد. وأنتم تعلمون أنّ حاجاتي وحاجات الَّذين معي خدمتها هاتان اليدان. في كلّ شيء بيّنت لكم أنّه هكذا ينبغي أن نتعب لنساعد الضّعفاء وأن نتذكّر كلام الرّبّ يسوع، فإنّه قال: إنّ العطاء مغبوط أكثر من الأخذ. ولـمّا قال هذا جثا على ركبتيه مع جميعهم وصلَّى.

الإنجيل (يو 17: 1- 13)

في ذلكَ الزَّمانِ رَفَعَ يسوعُ عينيِهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أبتِ قد أتتِ السَّاعَة. مجّدِ ابنَك ليُمَجّدَكَ ابنُكَ أيضًا، كما أعطيتَهُ سُلطانًا على كلِّ بَشَرٍ ليُعطيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرفوكَ أنتَ الإله الحقيقيَّ، والّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدتُكَ على الأرض. قد أتممتُ العملَ الَّذي أعطَيتَني لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أبتِ عندَكَ بالمجدِ الَّذي كان لي عندك من قبل كونِ العالَم. قد أعلنتُ اسمَكَ للنّاس الَّذينَ أعطيتَهم لي منَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهم لي وقد حفِظوا كلامَك. والآنَ قد علِموا أنَّ كُلَّ ما أعطيتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الّذي أعطيتَهُ لي أعطيتُهُ لهم. وهُم قبلوا وعَلِموا حقًّا أنّي منكَ خَرجْتُ وآمنوا أنَّك أرسلتني. أنا من أجلهم أسأل. لا أسأل من أجل العالم بل من أجل الَّذينَ أعطيتَهم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ احفظهم باسمك الّذينَ أعطيتَهم لي ليكونوا واحدًا كما نحن. حينَ كُنتُ معهم في العالم كُنتُ أحفَظُهم باسمك. إنَّ الّذينَ أعطيتَهم لي قد حَفِظتُهم ولم يَهلِكْ منهم أحدٌ إلَّا ابنُ الهلاك لِيتمَّ الكتاب. أمَّا الآنَ فإنّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ ليكونَ فرَحي كاملًا فيهم.

حول الإنجيل

الأب بيار سليمان

تقرأ الكنيسة المقدّسة هذه القراءة الإنجيليَّة، في الأحد السَّادس بعد الفصح، المخُصَّص للآباء القدِّيسين، الَّذين اجتمعوا في المجمع المسكونيّ الأوَّل "نيقية" لِدَحْضِ هرطقة "آريوس"، الَّذي رفض ألوهة الرَّبِّ يسوع وبُنُوّتَه لله، وبالتّالي مشروعه الخلاصيّ.

هذه الصَّلاة الوَداعِيَّة الَّتي تُعرَف بصلاة "الكاهن العظيم" يَرفعها الرَّبُّ يسوع لله الآب مِنْ أجلنا أوّلًا، ومن أجل نفسه ثانيًا، وهو في طريقه لمواجهة الموت، وقبل تسليمه للصَّلب. حيث يُعلّمنا ربُّنا يسوع أنَّه في وقت الشِّدَّة، علينا ترك كلّ شيء واللُّجوء إلى الله بالصَّلاة.

تُظهِر هذه الصَّلاة، أنَّ يسوع أتى إلى الصَّلْب طوْعًا باختياره. لذلك يدعوه مجدًا. فالصَّلب مجدٌ ليسوع، كما هو مجدٌ للآب أيضًا، وكذلك الإنسان الَّذي له نصيب التَّمتُّع به على حسب قامة وجهاد كلٍّ منّا "إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ" (رو 8: 17)، فلا يجوز أن نحرم أنفسنا من هذه الخيرات الكثيرة.

"رَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: "أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا" (يو17: 1). واضحٌ من هذا الكلام. أنَّه قبل تكوين الكَوْن، كان المسيح مَوْجُودًا وله المجد نفسه الَّذي للآب. كلُّ الإيمان المسيحيّ مُرتكز على أن يسوع كان موجودًا قبل كون العالم (بلا جسد) حتّى جاء الزَّمان لِيُكّون له الرُّوح القدس جسدًا من مريم العذراء، فصار له عندئذٍ طبيعتان: إلهيَّة (الَّتي كانت دائمًا) وبشريَّة عندما حان ملء الزَّمان.

إنَّ معرفتنا للإله الحقيقيّ وليسوع المسيح معًا تُعطينا حياةً أبديَّة "والْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذي أَرْسَلْتَهُ" (يو 17: 3).

صلّى يسوع لنفسه، ثم صلّى لتلاميذه الَّذين أظهر لهم اسمه بالأقوال والأعمال، وعلّمَهم كلَّ الوصايا والتَّعاليم، مُوضّحًا لهم أنَّ مشيئة الآب هي أن يؤمنوا بالابن "أَظْهَرْتُ اسْمَكَ لِلنَّاسِ... وَقَدْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ" (يو 17: 6).

إنَّ اتّباع تعاليم الرَّبِّ بثباتٍ وإيمان يحفظ نفوسنا من الهلاك فنرث الحياة الأبديَّة "وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا ابْنُ الْهَلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ" (يو17: 12).

في تيبيكون الزَّواج

الأب سيرافيم مخّول

نقرأ في الكتاب المقدّس ومنذ سفر التَّكوين أنّ المرأة وُجِدَت لتكون عَوْنًا للرَّجُل، فيرتبط بها ارتباطًا وَثيقًا وأبديًّا وينموان سويّةً ويكثران ويملآن وجه الأرض. من هذا الاجتماع الأوَّل بين الرَّجُل والمرأة، يتبيّن لنا أنّ الزَّواج مقدّسٌ وهو من صنع الله؛ "ورأَى الله جميع الَّذي صنعه فإِذًا هو حسن جدًّا" (تك 1: 31)، ومن هذه الدَّعوة الإلهيَّة للاتّحاد "يترك الرَّجُل أباه وأمّه ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسدًا واحِدًا" (تك 2: 24)، وبالتّالي نستنتج أنّ الزَّواج لا يقبل انفصالًا أو انقسامًا لأنّ الجسد الواحد لا يتجزّأ!

في العهد الجديد رفع الرَّبُّ يسوع الزَّواج إلى درجة سرٍّ مقدَّسٍ ومُقَدِّسٍ، أي أظهر لنا الزَّواج مقدّسًا بقوّة نعمة السِّرّ الخاصَّة الَّتي يمنحها الله للمتزوِّجين للتّغلُّب على صعوبات الحياة والبلوغ إلى ملء قامة المسيح، مُظهِرًا الغاية الأسمى منه ألا وهي القداسة. إذًا، في المسيحيّة، الزَّواج ليس مجرّد عقد اقتران بين رجل وامرأة بل هو سرّ ارتباط مُؤبَّد لرَجُلٍ واحد وامرأة واحدة يسعيان جاهدين بنعمة الثّالوث القدُّوس إلى بلوغ القداسة.

أمّا شرط الزَّواج الأساسيّ فهو الحبّ، وهذا يتطلَّب ما هو أكثر من العاطفة الجنسيّة والحبّ العشقيّ ويفترض الالتزام الأخلاقيّ والانضباط الأهوائيّ، إضافةً إلى التّضحية والصّبر والبذل... وقد عبّر بولس الرَّسول عن طبيعة العلاقة بين الرَّجُل والمرأة عبر تشبيهها بعلاقة المسيح بالكنيسة، وهي علاقة مبنيّة على المحبّة الكاملة المتأصِّلَة بالصَّليب، أي بنُكران الذّات والتَّواضع والخضوع وغيرها من الفضائل الإنجيليّة وُصولًا إلى البذل حتّى الموت تعبيرًا عن هذه المحبّة الأصيلة الَّتي هي رباط الكمال المقدّس.

من هنا فهمت الكنيسة محوريّة المسيح في سرّ الزَّواج وعبّرت في قوانينها عن أهميّة ألَّا يفصلنا شيءٌ عنه، مهما كان، فجاءت القوانين الكنسيّة تشدِّد على ضرورة احترام كافَّة الأصوام والأعياد السَّيِّديَّة، والمناسبات الكنسيّة الأساسيّة، وأيّام التَّهيئة للإفخارستيّة المقدّسة، وتمنع الزّيجات فيها، وذلك لحثّ المؤمنين على الجهاد والصَّبر وعدم التَّهاون والمساومة على أولويّات حياتهم وغايتها. هكذا مَنَعَتْ الكنيسة الأكاليل في الأيّام التّالية:

  1. يوم عيد رفع الصَّليب الكريم المـُحيي (14 أيلول).
  2. مِنْ 20 إلى 25 كانون الأوَّل ضمنًا.
  3. أيّام الصَّوم الأربعينيّ المقدَّس، ابتداءً من يوم الإثنين أوَّل أيّام الصَّوْم، وطيلة فترة الصَّوْم، وأسبوع التَّجديدات. ويسمح بالأكاليل مجدّدًا ابتداءً من أحد توما (الأحد الجديد).
  4. أيّام صوم السَّيّدة.
  5. أحد العنصرة.
  6. يوم عيد قطع رأس القدّيس يوحنّا المعمدان (29 آب).
  7. كما يُحبَّذ عدم إقامة الأكاليل كلّ أيَّام السُّبوت على مدار السَّنة، باعتبارها تهيئة ليوم الأحد، فيها نتحضّر حَصْرًا للمناولة المقدَّسة.

في الختام، يبقى للمؤمن أن يتواضع ويقبل ما وضعته الكنيسة من ضوابط وتوجيهات، إثر خبرتها المـُعاشَة من الرُّسُل مع السَّيِّد وُصولًا إلى يومنا هذا، وتعبيرًا منها عن الحقّ الَّذي إنْ عَرَفْنَاه فهو يحرِّرُنا ويقدّسنا ويسمو بنا إلى الملكوت السّماويّ حيث الفرح الحقيقيّ والسُّرور لجميع الَّذين يحبّون الله!