Menu Close
kanisati09062024

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد (5) بعد الفصح (الأعمى)

العدد 23

الأحد 9 حزيران 2024

اللّحن 5- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *9: القدّيس كيرللُس رئيس أساقفة الإسكندريَّة *10: الشّهيدين ألكسندروس وأنطونينا *11: الرّسولين برثلماوس أحد الـ 12 وبرنابا أحد الـ 70، أيقونة بواجب الاستئهال *12: وداع الفصح، البارّين أنوفريوس المصريّ وبطرس الآثوسيّ *13: صعود ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح، الشّهيدة أكيلينا *14: النّبيّ أليشع، القدّيس ميثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة *15: النّبيّ عاموس، البارّ إيرونيمس.

كلمة الرّاعي 

عمل الله وشكوك البشر

"أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ" (يو 5: 17)

كثير من النّاس لا يَرَوْن عمل الله، ولأن الله لا يُرى إذ هو روح (راجع يو 4: 24 و14: 17) يعتبرون أنّ الله غير موجود. هؤلاء يُدعون ملحدين. لكن، يوجد من يُسَمّون أنفسهم مؤمنين ويعيشون وكأنّ الله غير موجود وميت!... لماذا؟! لأنّهم يتمسّكون بصورةٍ عن الله في أفكارهم يَحدُّونَه فيها، وتكون من نسج أهوائهم وضعفاتهم... أي هم يعبدون وثنًا صنعوه بأنفسهم وليس الإله الحيّ الَّذي هو الخالق وحده...

ما هو عمل الله الآب؟! ما عمله الابن، لأنّ الابن عمل ما يعمله الآب. عمل الله خلاص البشر... كيف بالاتّخاذ. يقول الآباء القدِّيسون "ما لا يُتَّخَذ لا يخلُص" (ce qui n’est pas assumé n’est pas sauvé). الله الآب اتّخذنا نحن البشر بابنه الوحيد ليُعيد الوَحدة بينه وبيننا، بعد أن فصل الإنسان نفسه عن الخالق بالمعصية. بالقيامة من بين الأموات حقَّق لنا المسيح الغلبة النِّهائيّة على الموت وعلى مصدره أي الخطيئة الَّتي هي في العمق عدم الطَّاعة... لأنّ الموت دخل حياتنا بعدم طاعة الوصيّة والغلبة على الموت صارت بمن "أطاع حتّى الموت موت الصَّليب" (في 2: 8). عمل الله أنْ يُحيينا ويَهَبنا الحياة الأبديَّة. هذه الحياة آتية، لكنّها في المسيح حاضرة ومُعاشة، أيضًا، الآن وهنا...

*         *         *

في هذه الأيّام الصَّعبة الَّتي يعيشها كوكبنا بسبب الحروب والقتل والدَّمار والظُّلم والفساد إلخ. يتساءل الكثيرون أين الله من كلّ هذا؟ أين هو لماذا لا يتدخّل؟ السُّؤال لنا نحن المؤمنين، هل نترك الله يتدخّل في حياتنا، أو بالأحرى، هل نحن نعيش أمناء له ولوصيّته ولعمله الَّذي يطلبه منّا؟!... هل نحن نعيش مع الله ونعمل رضاه؟!... هل الله هو محور حياتنا؟!... هل هو أولويّتنا؟!... هل نصنع حقَه؟!...

ربَّما يَستصعِب البعض هذه الأسئلة، لأنّ واقع الحياة قد يفرض علينا الأولويّات وأنماط المعيشة، ولكنّ المؤمن مجاهد ولا يستسلم للعالم أي لرُوح السُّقوط الَّتي تحكمه، بل يصارع مع الله للحَقّ والبِرّ والرَّحمة، ويكون شاهِدًا شهيدًا إلى آخر رَمَق من حياته. هذه هي قوّة الرَّجاء بالله في العالم الَّتي يكشفها الرَّبّ في المؤمنين به الَّذين يَصِيرون بالمسيح وفيه خلاصًا للعالم، لأنّ فيهم "الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا. الْحَقُّ مِنَ الأَرْضِ يَنْبُتُ، وَالْبِرُّ مِنَ السَّمَاءِ يَطَّلِعُ" (مز 85: 10 -11).

*         *         *

أيُّها الأحبّاء، يَشُكُّ النّاس في أنّ اللهَ حَيٌّ وفاعِلٌ لأنّ شهادتنا كمسيحيّين خَفُتَتْ، محبَّتُنا ضَمُرَت، وتاليًا جُرأتُنا في الحقّ تتلاشى. العالم يحتاج المسيح، والمسيح جعلنا له شهودًا من حيث انطلق في بشارته إلى أقصى المسكونة (راجع أع 1: 8). الله لا يترك نفسه دون شاهد، إن تقاعسنا فهو قادر أن يقيم من الحجارة أبناء وشهودًا له (راجع مت 3: 9 ولو 3: 8). كلّ من يطلب الله يجده، لأنّ الله حاضر دومًا للَّذين يُريدونه.

الرَّبّ لم يترك يومًا الإنسان وعالمه، بل منذ البدء كلّم الإنسان ورافقه وتابعه عبر مختاريه ومرسليه وأنبيائه حتّى كلّمنا أخيرًا في ابنه الوحيد صانعًا لنا به وفيه خلاصًا أبديًّا (راجع عب 1: 1 – 4). العالم لا يمكن أن يتغيَّر ما لم نتغيَّر نحن بواسطة طاعة المسيح لنصير فاعلين بقوّة الكلمة في الرُّوح القدس. روح الرّبّ الَّذي رفرف على وجه الغمر قديمًا (راجع تك 1: 2) الَّذي بقوّته وفعله بواسطة كلمة الله نظّم الكون بحسب مشيئة الآب، هو نفسه يُحقِّق فينا كلمة الله وحين ينتظم في الكون الدّاخليّ ينتظم بنا بقوّة الرُّوح وفعل الكلمة، الكون الخارجيّ بحسب إرادة الآب. الله فاعل متى شاء في الكون بكلمة منه فقط، لكنّه شاءنا كلمته بالمسيح في الرُّوح القدس لتجديد العالم، فخلاص المسيح ممدود بالكنيسة في الرُّوح إلى الأكوان والخلائق كلّها... حبًّا منه لنا وقبولًا لحرّيتنا الَّتي من دونها لا نكون على صورة الله... فمن حُفِظَتْ به صورةُ الله بدقّة ونقاوة في تسليمه ذاته للكلمة الإله يصير حاملًا لروح الحياة والتَّجديد بروح الرّبّ القدّوس الَّذي يفيض منه كأَنْهَارِ مَاءٍ حَيٍّ (يو 7: 38).

بسببنا يؤمن النّاس وبسببنا يشكّكون، "وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ" (مت 24: 12). لذلك، إن زاد البِرّ تضطرم المحبّة الإلهيّة في قلوب البشر ويزداد الإيمان في النّاس. هذا عملنا نحن المؤمنين بقيامة الرّبّ أن نجعل إيماننا ظاهِرًا في تَقْوَانا ومحبّتِنا وبِرِّنا الَّذين هم ثمرة روح الرّبّ القدُّوس فينا، هكذا نعمل عمل الله وبهذا نحارب الشّكّ عند ضعيفي الإيمان وغير المؤمنين حتّى يصل "الخبر الـمُـفرِحُ" (Εὐαγγέλιον) الخليقة كلّها...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

المسيحُ قامَ من بينِ الأموات، ووَطِئَ الموتَ بالموتِ، ووَهَبَ الحياةَ للَّذينَ في القُبُور.

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المـُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المـُساوي للآبِ والرُّوح في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المـَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المـَوْت. ويُنهِضَ الـمَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.

قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)

وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.

الرّسالة (أع 16: 16- 34)

ما أعظم أعمالك يا ربُّ، كلُّها بحكمةٍ صنعت

باركي يا نفسي الرَّبّ

في تلك الأيّام، فيما نحن الرسُّلَ منطلقون إلى الصَّلاةِ، استقبلَتْنا جاريةٌ بها روحُ عَرافةٍ، وكانت تُكسِبُ مواليَها كسبًا جزيلًا بعَرافتها. فطفقت تمشي في إثر بولس وإثرنا وتصيح قائلة: هؤلاء الرّجالُ هم عبيدُ الله العليِّ، وهم يبشِّرونكم بطريق الخلاص. وصنعت ذلك أيّامًا كثيرة. فتضجّر بولسُ والتفتَ إلى الرُّوح وقال: إنّي آمُرُكَ باسم يسوعَ المسيحِ أن تخرجَ منها، فخرج في تلك السّاعة. فلمّا رأى مواليها أنّه قد خرج رجاءُ مكسَبهم قبضوا على بولس وسيلا وجرُّوهما إلى السّوق عند الحُكّام، وقدّموهما إلى الوُلاةِ قائلين: إنّ هذين الرّجلين يبلبلان مدينتنا وهما يهوديّان، ويناديان بعاداتٍ لا يجوز لنا قَبولُها ولا العملُ بها إذ نحن رومانيّون. فقام عليهما الجمعُ معًا، ومزّق الوُلاةُ ثيابَهما، وأمروا أن يُضرَبا بالعِصِيّ. ولـمّا أثخنوهما بالجراح ألقَوهما في السّجن وأوصَوا السّجَّانَ بأن يحرسَهما بضبط. وهو، إذ أُوصِيَ بمثل تلك الوصيّة، ألقاهما في السّجن الدّاخليّ وضبط أرجُلهما في المِقطرة. وعند نصف اللّيل كان بولسُ وسيلا يصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما، فحدث بغتةً زلزلةٌ عظيمةٌ حتّى تزعزعت أُسُسُ السّجن، فانفتحت في الحال الأبوابُ كلُّها وانفكّت قيودُ الجميع. فلمّا استيقظ السّجّان ورأى أبوابَ السّجن أنّها مفتوحة، استلَّ السّيف وهمَّ أن يقتل نفسه لظنّه أنّ المحبوسين قد هربوا. فناداه بولس بصوتٍ عالٍ قائلًا: لا تعمل بنفسك سوءًا، فإنَّا جميعَنا ههنا. فطلب مصباحًا ووثب إلى داخل وخرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد، ثم خرج بهما وقال: يا سيديَّ، ماذا ينبغي لي أن أصنع لكي أخلص؟ فقالا: آمن بالرّبّ يسوع المسيح فتخلصَ أنت وأهل بيتك. وكلَّماه هو وجميعَ مَن في بيته بكلمة الرّبّ. فأخذهما في تلك السّاعة من اللّيل وغسل جراحهما، واعتمد من وقته هو وذووه أجمعون. ثم أصعدهما إلى بيته وقدَّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.

الإنجيل (يو 9: 1- 38)

في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مجتازٌ رأى إنسانًا أعمى منذ مولده، فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، مَن أخطأ أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أن أعمل أعمالَ الَّذي أرسلني ما دام نهار، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالِم فأنا نورٌ العالِم. قال هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع مِنْ تَفلته طينًا وطلى بالطِّين عَينَي الأعمى وقال له: اِذهب واغتسل في بركة سِلوام (الَّذي تفسيرهُ المرسَل)، فمضى واغتسل وعَاد بصيرًا. فالجيرانُ والَّذين كانوا يروَنه من قبلُ أنه أعمى قالوا: أليس هذا هو الَّذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضُهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنَّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحت عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطَلَى عَيْنَيّ وقال لي اِذهب إلى بركة سِلوامَ واغتسِلْ، فمضيت واغتسلت فأبصرت. فقالوا له: أين هو؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلًا أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان حين صنع يسوعُ الطِّينَ وفتح عينيه يومُ سبت. فسأله الفرّيسيّون أيضًا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيَّ طينًا ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قومٌ من الفرّيسيّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنّه لا يحفظ السَّبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسانٌ خاطىءٌ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شِقاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيث إنّه فتح عينَيك؟ فقال: إنّه نبيّ. ولم يصدّق اليهودُ عنه أنَّه كان أعمى فأبصر حتّى دعَوا أبوَي الَّذي أبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكُما الَّذي تقولان إنّه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا وَلَدُنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أبصَرَ الآن فلا نعلم، أو مَن فتح عينيه فنحن لا نعلم، هو كامل السِّنّ فاسألوه فهو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إن اعترف أحدٌ بأنّه المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السِّنّ فاسألوه. فدعَوا ثانية الإنسانَ الَّذي كان أعمى وقالوا له: أعطِ مَجْدًا لله فإنّا نعلمُ أنّ هذا الانسانَ خاطئ. فأجاب ذلك وقال: أخاطىءٌ هو لا أعلم، إنّما أعلم شيئًا واحدًا، أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أبصر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أخبرتُكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟ ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنّ الله قد كلّم موسى. فأمّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجاب الرَّجُلُ وقال لهم: إنّ في هذا عجبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينَيّ، ونحن نعلم أنّ الله لا يسمعُ للخطأة، ولكنْ إذا أحدٌ اتقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدَّهر لم يُسمع أنّ أحدًا فتح عيني مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إنّكَ في الخطايا قد وُلدتَ بجُملتك، أفأنتَ تعلِّمُنا؟ فأخرجوه خارجًا. وسمعَ يسوعُ أنّهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال: أتؤمن أنتَ بإبن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمَن هو يا سيّدُ لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والَّذي يتكلَّم معكَ هوَ هو. فقال: قد آمنتُ يا ربُّ، وسجد له.

حول الإنجيل

في الفترة الفصحيّة تركِّز الكنيسة بنصوصها الإنجيليّة على موضوعَيْن: نور القيامة ومياه المعموديّة، لأن في هذه الفترة كانت تتمّ معموديّة الموْعُوظين (ابتداءً من سبت النُّور) الَّذين كانوا قد تتلمذوا طيلة الصَّوْم الكبير. وقبل أن يتنهي هذا الموسم، تضع لنا إنجيل الأعمى (يوحنّا 9: 1-38) في الأحد الخامس بعد الفصح، لتُؤكِّد أنّ الإنسان بالمعموديّة يبصر نور القيامة.

يخبرنا الإنجيليّ يوحنّا عن رجلٍ أعمى منذ مولده، أي مولودٌ دون مُقلتَيْن، يلتَقي به الرَّبّ يسوع، فيسأله التَّلاميذ "يا ربُّ مَنْ أخطأ، أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟" وذلك بسبب اعتقاد اليهود أنّ العاهات والأمراض هي جزاء من الله بسبب الخطايا، وأنّ الله يفتقد ذنوب الآباء بالبَنِين (تثنية الاشتراع 5: 9 وخروج 20: 5). لكنَّ الرَّبّ يؤكِّد "لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه"؛ فالإنسان بالسُّقوط ابتعد عن الله باختياره وبذلك عطَّل عمل الله فيه فدخل عليه المرض والموت والفساد، والمسيح تجسَّد وأتى العالم ليُعيد إظهار عمل الله بالإنسان. وإذ هو نور العالم الَّذي مَحَقَ الظَّلام صنع للأعمى عينَيْن إذ تَفَلَ وصنع طينًا، أي جبل له من التُّراب عينَيْن وأحياها كما فعل يوم خلق آدم، ثمّ أرسله ليغتسل في بركة سلوام، وهنا رمزٌ للمعموديَّة أي الولادة الجديدة فاستِعادَةُ البصر كانت بمثابة إعادة ولادة.

بعد الشِّفاء أظهر أقرباء وجيران الأعمى استغرابًا، فذهبوا للفرّيسيّين الَّذين كعادتهم تكلَّموا على الرَّبّ حسدًا: "ليس من الله لأنّه لا يحفظ السَّبت"، فشهد أمامهم الأعمى وواجههم إذ قال: "لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئًا"، هذا الفقير الجاهل امتلك حكمةً كبيرةً وأظهر أنّ أصحاب العُيون الصّحيحة هم العميان الحقيقيُّون لذلك طردوه.

وبعد ذلك وجده الرَّبُّ يسوع، فالرَّبّ هو الَّذي يبحث عنّا دائمًا ليكشف لنا ذاته وهذا ما حصل مع الأعمى فبعدما وهبه نور الشَّمس الحسَّيَّة أظهر له ذاته أنَّه ابن الله الشَّمس الحقيقيَّة، الَّذي أتى إلى العالم.

فهَلُمَّ يا إخوة لنغسل أعيننا العقليَّة بسلوام دموع التّوبة، لنستحقّ أنْ نُعاين النُّور المنبعث من القبر، لكي يرفعنا المسيح الرّبّ معه ويجُلسنا عن يمين الآب بصعوده المجيد...

الغضب وَلَوم النَّفس

للمطران أفرام كرياكوس (متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما)

يقول إفغريوس: "من تغلّب على الغضب تغلّب على الشّياطين". الغضب يقود إلى الحقد. في البَدء نكون في جفاء ويُعالج الجفاء بالسّجدة والاِنسحاق مع طرح الأفكار المعادية.

كلمة مُهينة بسيطة تُدخِل الاضطراب في النَّفس ثم يأتي الهيجان، هيجان الأفكار في النَّفس. طبعًا يمكن للصَّلاة في البداية أن تتدارك الأمر فتطرد الأفكار المعادية وتهدّئ النَّفْس.

عندنا إذًا، في البَدء، الصَّمت، الصَّلاة، السَّجدات، هذه أوّل الأدوية. هيجان النَّفس يتقدّم الغضب كمن يرمي حطبًا في الموقد ليُضرِم النّار. بعدها يتحوّل الحطب إلى جمر: هذا هو الغضب. إن ألقينا الملامة على أنفسنا نعود إلى هدوئنا ونصير في سلام.

 الأمر الآخر الأهمّ هو أنّ الجمر يصبح، مع الوقت، فحمًا. هكذا يستمرّ الغضب ويصبح حقدًا.

الخلاصة: إن ألقينا الملامة على أنفسنا منذ البدء، واحتملنا بصبر، عندها ننجو من الاضطراب، من الهيجان، من الغضب والحقد. إنّ الأهواء تُقتلع عندما تكون بعدُ صغيرةً.

يمكن أيضًا أن نقابل الشَّرَّ بالشَّرّ، في عملٍ ما، في كلمةٍ أو في تصرّف. فينفر الإنسان من أخيه في قلبه. جُرح أحدٌ فضمد الجرح بسجدة، بملامة النّفس إلّا أنّ أثر الجرح لم يُمحَ بالكلّيّة. هنا الصّلاة المستمرّة من شأنها أن تُلغي أثر الجرح بالكلّيّة. ألاعيب الشّيطان كلّها يحطّمها التّواضع. قال شيخ: "من يُصَلّي من أجل أعدائه لا يعرفِ الحقد أبدًا".

* لَوْم النّفس[1]:

سمع أحدٌ كلمةً جارحة فاضطرب. راهبٌ آخَر أهانه الإخوة في الدّير فاحتمل كلّ شيءٍ بصبرٍ طويل على الآخرين، وفي وقت الشّتائم كان يتواضع وينسحق.

إذا كان هناك اضطراب فهذا يأتي دائمًا لأنّنا لا نلوم أنفسنا كما يقول الأب بيمين. عندما نلوم أنفسنا نعتبرها مستحقّةً للإهانة ونشعر بفرحٍ كبيرٍ وبراحةٍ في النّفس.

سؤال: كيف ألوم نفسي ولا يكون هناك مبرّر للإهانة؟ إنْ فَحَصْنا أنفسنا نجد أنّنا مسؤولون في كلّ الأحوال. عندما يتقدّم الواحد في الفضيلة ما يتعبه بات خفيف الحمل، لا سيّما أنْ لا شيء يحصل بدون العناية الإلهيّة.

كلّ شيءٍ حاصلٌ لإفادتنا. إن لم تكن هناك إفادة مباشرة فعلى الأقلّ نتعلّم الصّبر. لذلك علينا أن نشكر الله في كلّ شيء. إن حصل خيرٌ فيكون هذا تدبير الله وإن حصل شرّ فهذا يعود لخطايانا. آلامنا مصدرها خطايانا.

كلّ منّا يتّهم الآخر من دون أن يُلقي اللّوم على نفسه؛ هذا ما يحصل في الخلاف الزّوجيّ. كلٌّ يلقي الملامة على الآخر، كلٌّ يبرّر نفسه، همّه محاسبة أخيه.

تبقى نصيحة الشّيخ: "أن نلوم أنفسنا في كلّ شي".

(المرجع: نشرة الكرمة، الأحد الثّالث من الصّوم في 31 آذار 2019،  العدد 13) 

[1] راجع كتاب التّعاليم الرّوحيّة.