Menu Close

نشرة كنيستي- أحد الشّعانين- العدد 17

22 نيسان 2024

كلمة الرّاعي 

الشَّعانين… ملك الملوك يدْخل إلى أورشليم… دخولنا معه ودخوله معنا…

معلّم-رابّي، ونبيّ صانع عجائب، وإنسان بسيط فقير “لَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ” (مت 8: 20)، يأتي إلى عاصمة المملكة اليهوديَّة فيخضّها ويقضّ مضاجع رؤسائها المدنيّين والدينيّين… إنّه الَّذي أقام الميت ذي أربعة أيّام، ذاك الَّذي أنتن!… ها إنّ الجموع تتهافت للُقْيَاه، الأطفال مع الشُّيوخ يفرشون ثيابهم على الطَّريق لِيَسير عليها (علامةً لخضوعهم له) وآخَرُون يحملون سعف النَّخيل علامة غلبته وانتصاره ملكًا، ومعهم من يحملون أغصان الزَّيتون دلالةً على أنّه يجلب السَّلام…

مشهد مَهيب، جموع وهتافات وصراخ “هُوشَعْنَا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! هُوشَعْنَا فِي الأَعَالِي!” (مت 21: 9)، “مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ! هُوشَعْنَا فِي الأَعَالِي!” (مر 11: 10)، ” هُوشَعْنَا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!” (يو 12: 13)، ويسوع يجلس بهدوء على جحش ابن أتان، وديعًا متواضعًا مسالمـًا وفي نفس الوقت مصمِّمًا على إنجاز مخطّط الله بدمه الكريم… “اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ” (زك 9: 9)…

*         *         *

الجموع نفسها الّتي استقبلته كـ “المسّيّا” المنتظَر هتفتْ أيضًا “اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!” (يو 19: 6). هو كان يعرف كلّ شيء، يعرف من يحبّه ويعرف من سيخونه، يعرف من سيضعف ويتوب ويعرف من سينكره وييأس!… هذه هي حقيقة البشريّة السَّاقطة، إنّها متذبذبة في الحقّ غير ثابتة، تطلب مصلحتها ولا تطلب الحقّ الإلهيّ… الحقّ في العالم نسبيّ وهو دائمًا بحسب رأي القويّ والمسيطِر والمتسلِّط… في العالم لا يرتبط الحقّ بالحبّ، ولذلك ليس الحقّ العالميّ حقًّا بل هو نسبيّ بحسب مصلحة صاحب السُّلطة… الحقّ الإلهيّ لا ينفصل عن الحبّ الإلهيّ وهو ثابت غير متغيِّر أو متحوّل، لا نسبيّة فيه، إنّه الحقيقة المـُطلَقَة الّتي بحسب الله وليس بحسب البشر…

حقّ الله في العالم يُحارَب، لأنّ الضّمير مات عند أصحاب المصالح. لكن، عند المؤمنين الحقّ هو الحياة الحُرّة بالمسيح الَّذي حرّرنا من كلّ عبوديّة بصليبه وقيامته… المسيح يدخل أورشليم ليُحرِّرها من عبوديّة العالم والنَّاموس العتيق، إنّه هو النّاموس الجديد، ناموس حرِّيَّة أبناء الله فيه… هو الحياة الجديدة الآتية والّتي ستَخْلُقُ كلّ الّذين يقبلونها جُدُدًا على صورة “ملك الملوك وربُّ الأرباب” (1 تي 6: 15 ورؤ 19: 16).

*         *         *

“هوشعنا”، الرَّبُّ ينتصر في السَّماء وعلى الأرض، والَّذين معه به وفيه يغلبون. السُّؤال الَّذي يطرح نفسه هو لماذا ما زلنا نرى أنفسنا مغلوبون من العالم وغير قادرين على قبول يسوع ملكًا لحياتنا؟!… لأنّنا لم نتخلَّ عن أنفسنا، لم نسلّم حياتنا له، لم نثق به ثقة تامّة، لم نقبل كلمته جوهرًا لأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا وكياننا كلّه ولم نحبّه من كلّ القلب والنَّفس والقدرة والفكر ولا نقبل أن نحبّ القريب كأنفسنا (راجع لو 1: 27). دائمًا الآخَر موضع انتقادنا ودينونتنا، لا نرى فيه خيرًا، وإن رأينا نحسده عليه ونكرهه بسببه. لا نستطيع أن نحبّ الله لأنّ قلوبنا مملوءة خبثًا ونجاسة ومكرًا ورياءً… فـ “اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟” (إر 17: 9)…

ما معنى تعييدنا الشَّعانين إن لم ينتصر فينا يسوع ملكًا للحبّ والسَّلام في قلوبنا. كيف لنا أن نستقبله بسعف النَّخيل إن لم يكن فينا غالبًا، إن لم نختره “مسّيّا” حياتنا. ما مغزى حملنا أغصان الزَّيتون إن كانت قلوبنا مملوءة حسدًا وحقدًا ونميمة ودينونة وقتلًا للآخَر؟!… لا!… ليست الشَّعانين موسمًا اجتماعيًّا بل هي خبرة روحيّة عميقة وثمرة لمسيرة صيامنا الأربعينيّ المقدَّس الَّذي ينتهي في سبت لعازر حيث في الشَّعانين نبدأ صوم الفصح والأسبوع العظيم المقدَّس. لا نستطيع أن ندخل إلى أورشليم إلّا ونحن ذاهبون وراء المعلّم إلى الصّليب… الشَّعانين هي افتتاح نصر الرّبّ على الصّليب بالحبّ والسَّلام على الحسد والتّنابُذ، وبالتّواضع الأقصى والمغفرة على الكبرياء والإدانة، وبالتَّضحية والعطاء على الإلغاء والأنانيّة…

*         *         *

أيّها الأحبّاء، من كان متقاعسًا إلى الآن فهوذا وقت مقبول لشدّ الهمم، ومن كان سالكًا في الضّعف فليتقوَّى، ومن كان غير تائب فليدخل مخدعه ويقرّ بخطاياه أمام أبيه السّماوي وليذرف الدّموع ومن ثمّ فليذهب إلى قسوس الكنيسة ويتب ويعترف أمام الله بشهادتهم لينال غفران خطاياه، ومن كان مقصِّرًا في صلواته فلينهض من كسله ويشارك في الصَّلوات الآتية كلّها… لنستقبل يسوع ملكًا على حياتنا فلنحرِّك أنفسنا ولنكسِّر قيود العادة والإهمال والتّراخي ولننهض من عتاقتنا لأنّ المخلِّص واقف على باب قلوبنا يقرع فهل نفتح له ليطرد منها باعة الحمام والصّيارفة وكلّ عبوديَّة وزغل؟!…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة