نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (1) بعد الفصح (أحد توما)
العدد 19
الأحد 12 أيّار 2024
أعياد الأسبوع: *12: أحد توما الرَّسول، تجديد قيامة المسيح وتفتيش القدّيس توما الرَّسول، تذكار القدّيس إبيفانيوس أسقف قبرص، القدّيس جرمانوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة *13: الشّهيدة غليكاريّة ولاوذيسيوس *14: القدّيس إيسيذورس المستشهَد في خيو، القدّيس ثارابوندُس أسقف قبرص *15: القدّيس بخوميوس الكبير، القدّيس خلِّيوس العجائبيّ (لارسا) *16: البارّ ثيوذوروس المتقدِّس *17: الرَّسولين أندرونيكيوس ويونياس *18: الشّهداء بطرس ورفقته، القدّيسة كلافذيَّة.
كلمة الرّاعي
يا توما لا تكن غير مؤمن...
"إنْ لم أُعايِنْ أثرَ المساميرِ في يدَيْهِ وأضَعْ إصبَعي في أثرِ المساميرِ وأضَعْ يدي في جَنبِهِ لا أُومنِ" (يو 20: 25)
ظهر الرَّبُّ لتلاميذه بعد قيامته وهم يختبئون في العِلِّيَّة خوفًا من اليهود. جاء إليهم والأبواب مغلقة، وقد دحض اضطرابهم وأسبغ عليهم سلام حضوره الإلهيّ الَّذي لا يُسلب منهم. توما لم يكن معهم حينئذ، وعندما أخبروه بما حدث، رفض أن يصدِّقَهم إلَّا إذا تحقَّق بنفسه من الأدِلَّة. كان موقفه منطقيًّا، وقد نَجِدُ فيه اليوم شيئًا مُثيرًا للدَّهْشَة، نظرًا لوُجود أحد عشر شاهِدًا على الأقلّ على ما رووه. ولكن، هذه هي طبيعة الإنسان، أنَّ الشَّكَّ يغلب عليه. شكّ توما يعكس حقيقتنا نحن الَّذين ما زلنا نطلب اللَّمس لنؤمن... وكلَّما اقتربنا من حقيقة الله في حياتنا، نعتقد أنَّ إيماننا قد تعزَّز، لكنَّنا نجد أنفسنا نعود مجدَّدًا إلى الشَّكِّ ونسعى للَمْسَةٍ تؤكِّد إيماننا...
أهميَّة شكّ توما بالنِّسبة لنا هي أنّه منذ بدء إعلان القيامة تمّ التَّحَقُّق من واقعيّتها بواسطة توما الَّذي أراد أن يعاين أثر المسامير في يديّ المعلِّم وأن يضع إصبعه في اثر المسامير وأن يضع يده في جنبه... لدينا من خلال توما اليَقين بأنَّ جسد يسوع الممجَّد، الَّذي قام به من بين الأموات، هو حقًّا الجسد الأوَّل بعد أن تحوَّل بالقيامة إلى جسد ولكن مختلف عن القديم. هذا الجسد يتمتَّع بخصائص مختلفة عن الجسد الأرضيّ الأوَّل، فقد دخل الرَّبُّ إلى التَّلاميذ والأبواب مُغْلَقَة. إنَّه جسدٌ من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى يتمتَّع بخصائص روحيَّة، إذ لم يعد خاضعًا لقيود الطَّبيعة الأولى من حيث الكثافة والمكان والزَّمان والشَّكل...
* * *
إنّ شكّ توما، في قيامة المسيح قبل أن يشهد بنفسه حقيقة الجروح ويؤمن، يعلِّمنا عن أهميَّة الإيمان الَّذي يأتي من خلال التَّجربة الشَّخصيَّة والتَّأمُّل العميق، وكذلك عن رحمة المسيح الَّتي تتجاوز شكوك البشر وضعفاتهم... كلّ إنسان لا يستطيع أن يؤمن ما لم يدخل في خبرة علاقة شخصيّة وحَيَّة مع الله. الله حيّ وتاليًا لا يستطيع من ينظر إلى الله على أنّه فكرة أو قوّة أو كائن متسامي متعالي لا صلة مباشرة له مع البشر أن يعرفه وأن يؤمن به. صحيح انّ الإيمان هو تسليم بوجود الله، لكنّه أيضًا خبرة العيش مع الله واكتشافه أو بالأحرى تقبّل كشفه لنا عن ذاته... وما تجاوب الرَّبُّ يسوع مع شكوك توما وطلبه إليه أن يضع إصبعه في أثر المسامير ويده جنبه سوى تعبير عن رحمة الله اللّامتناهية لنا بإزاء ضعف إيماننا وقلّة ثقتنا به، لأنّه يريد في النِّهاية خلاص الخاطئ...
بناءً عليه، الشَّكّ ليس نقيض الإيمان بل قد يكون بداية الطَّريق نحو إيمانٍ أعمق وأثبت من خلال الَّتيقُّن من حضور الله وعلاقته الشّخصيّة بكلّ إنسان في خبرات يلمس فيها هذا الأخير محبّة الله له وتنازله إلى مستوى التَّحدّيات الوجوديّة والكيانيَّة الَّتي يواجهها من خلال حضوره معه فيها ليكشف له حبّه له. فالشَّكّ ليس دليلًا على رفض الإيمان بل هو برهان على صدق البحث عن الحقيقة وعن الله.
من هنا، توما لم يرفض الإيمان، بل طلب تجربة حقيقيَّة تؤكِّد إيمانه، وذلك لأنّ إيمانه لم يكن بعد مقدار "حبّة الخردل"، فشكّه كان بطريقة من الطُّرق طلبًا إلى الرّبّ أن يزيد إيمانه ويثبّته... لأنّه كان يتشوّق إلى أن يكون الرَّبُّ حقًّا قد قام ليتحرَّر من الخوف ويسلك في حرّيّة أبناء الله. من هنا نفهم أنّ رحمة المسيح تعلِّمُنا أنَّ الله يلتقي بنا في مستوى إيماننا ويقودنا نحو الحقيقة.
* * *
أيّها الأحبّاء، لا ينبغي أن يكون الإيمان مُجَرَّد تقليد للآخَرين بل يجب أن ينبع من تجربة شخصيَّة واقعيَّة. توما خاض تجربته الخاصَّة الَّتي أدَّتْ به إلى الإيمان الرَّاسِخ. وذلك لأنّ المسيح لم يدُنْ توما لِشَكِّهِ بل قدَّم له الدَّليل الَّذي احتاجه ليؤمن. والرَّبُّ يصنع هذا مع كلّ إنسان يطلب الحقيقة ويريد أن يؤمن بصدق. فالرَّبّ لا يبخل على أحد بالدَّليل عن وجوده وحقيقته، لكن في المقابل يجب أن يتمتّع الإنسان بالاتّضاع ليقبل الاعتراف بأدلّة الله له. كبرياء الإنسان يمنعه أن يؤمن، كما يقول الكتاب: "إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ" (لو 16: 31).
كلّ إنسان محبوب من الله، وللرَّبِّ به علاقة خاصَّة ووَحيدة، لأنّ محبّة الله للإنسان هي شموليّة للجماعة وخاصّة لكلّ شخص، وهي واحدة ومتساوية للكلّ ومميَّزَة لكلّ شخص في آن معًا، وهذا يعتمد على كيفيَّة وطريقة وعمق تجاوب كلّ إنسان مع هذه المحبّة الإلهيَّة.
توما أطاع نداء المسيح القلبيّ له فتجاوب بالاتّضاع والاعتراف إذ صرخ: "ربّي وإلهي"، مُقِرًّا بضعفه ومستغفرًا عنه وشاهدًا على إيمانه بشهادته لقيامة المسيح وربوبيّته وألوهيّته، وبطرده كلّ شكّ بيقين المُعاينة واللَّمس لمحبّة يسوع المسيح غير المُتناهية...
الله يحبِّنا ولا يترك أحدًا من طالبيه بصدق دون أن يقدِّم له البرهان ليتأكَّد من حقيقة الإيمان ونعمة الحياة الجديدة في المسيح يسوع، الَّذي غلب الموت وقام بالجسد من بين الأموات، رافعًا معه الإنسانيَّة الجديدة إلى ملكوت السَّماوات عن يمين الآب ومحقِّقًا في ذاته الخلاص الَّذي تمّ وصار مُتاحًا للبشرية جمعاء من خلال الإيمان به وبغلبته على الموت والخطيئة والشّرّير بالقيامة...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
المسيح قام! حقًّا قام!
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
المسيحُ قامَ من بينِ الأموات، ووَطِئَ الموتَ بالموتِ، ووَهَبَ الحياةَ للَّذينَ في القُبُور.
طروباريّة الأحد الجديد (بِاللَّحْنِ السّابع)
إذْ كان القبرُ مختومًا أشرقْتَ منهُ أيُّها الحياة. ولمَّا كانَتِ الأبوابُ مُغْلَقَة، وافيْتَ التلاميذَ أيّها المسيحُ الإلهُ قيامةُ الكلّ. وجدَّدْتَ لنا بهم روحًا مستقيماً، بحسبِ عظيمِ رحمتك.
قنداق العيد (باللَّحن الثّامن)
وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرّسالة (أع 5: 12-20)
عظيم هو ربُّنا وعظيمة هي قوَّته
سبِحوا الرَّبَّ فإنَّه صالِحٌ
في تلكَ الأيّام جَرَتْ على أيدي الرُّسُل آياتٌ وعَجائبُ كثيرةٌ في الشَّعب. (وكانوا كلُّهُم بِنَفْسٍ واحِدَةٍ في رِواقِ سُليمان، ولم يكُنْ أحَدٌ من الآخَرينَ يَجترِئُ أنْ يُخالِطَهُمْ. لكنْ كانَ الشَّعبُ يُعظِّمُهمُ. وكانَ جماعاتٌ مِنْ رجال ونِساء ينضَمُّونَ بِكَثَرَة مُؤمِنينَ بالرَّبِّ) حتّى إنَّ النّاسَ كانوا يَخرُجونَ بالمَرضى إلى الشَّوارِع ويضعونهُم على فرُشٍ وأَسِرَّةٍ ليَقَعَ ولَوْ ظِلُّ بطرسَ عنِدَ اجتيازِهِ على بعْضٍ منهم. وكانِ يجْتمِعُ أيضًا إلى أورَشَليمَ جُمهورُ المدُنِ الَّتي حَوْلَها يَحمِلون مرضى ومعذّْبينَ مِنْ أرواح نَجِسة. فكانوا يُشفونَ جَميعُهُم. فقامَ رئيسُ الكهَنةِ وكلُّ الَّذينَ معهُ وهُمْ مِن شيعَةِ الصّدُّوقِيّينَ، وامتلأوا غَيرةً، فألقوا أيدِيَهُم على الرُّسُلِ وجَعَلوهُم في الحبسِ العامّ، ففَتَحَ ملاكُ الرَّبِّ أبوابَ السِّجنِ ليلًا وأخرَجَهُم وقالَ امْضُوا وَقفِوا في الهيكلِ وكَلِّموا الشَّعبَ بِجميع كلِماتِ هذه الحياة.
الإنجيل (يو 20: 19-31)
لمّا كانت عَشيَّة ذلِكَ اليومِ، وَهُوَ أوَّلُ الأُسبوع، والأَبوابُ مُغلَقةٌ حيثُ كانَ التّلاميذُ مجتمِعينَ خوفًا مِنَ اليهودِ، جاءَ يسوعُ ووقفَ في الوَسْط وقالَ لَهم: السَّلامُ لكم. فلمَّا قالَ هذا أراهم يَدَيهِ وجَنبَهُ. ففرِحَ التّلاميذُ حينَ أبصَروا الرَّبَّ. وقال لهم ثانيةً: السَّلامُ لكم. كما أرسَلني الآبُ كذلكَ أنَا أرسِلُكم. ولمّا قالَ هذا نَفَخَ فيهم وقالَ لهم خذوا الرُّوحَ القُدُسِ، مَن غفرتُم خطاياهم تُغْفَرُ لهم، ومَن أمسكتم خطاياهم أُمسِكَتْ. أمَّا توما أحَدُ الاثنيَ عشرَ الَّذي يقالُ لهُ التَّوْأَمُ فلم يكنْ معَهم حينَ جاءَ يسوع. فقالَ لهُ التّلاميذُ الآخرونَ إنَّنا قد رأيْنا الرَّبَّ. فقالَ لهُم إنْ لم أُعايِنْ أثرَ المساميرِ في يدَيْهِ وأضَعْ إصبَعي في أثرِ المساميرِ وأضَعْ يدي في جَنبِهِ لا أُومنِ، وبعدَ ثمانيةِ أيّامٍ كانَ تلاميذهُ أيضًا داخِلًا وتوما معَهم، فأتى يسوُعُ والأبوابُ مُغلقَة، ووقفَ في الوَسْطِ وقالَ: السَّلامُ لكم. ثمَّ قالَ لتوما: هاتِ إصبَعَكَ إلى ههنا وعَاينْ يَدَيَّ. وهاتِ يَدَكَ وضَعها في جَنبي، ولا تَكُنْ غيرَ مُؤمنٍ بَل مؤمنًا.
أجابَ توما وقالَ لهُ رَبِّي وإلهيِ. قالَ لهُ يسوعُ لأنَّكَ رأيتني آمنت. طوبىَ للَّذينَ لَمْ يَرَوا وآمنَوا. وآياتٍ أُخرَ كثيرةً صَنَعَ يسوعُ أمامَ تلاميذِهِ لم تُكتَبْ في هذا الكتاب، وأمَّا هذهِ فقد كتبَتْ لتُؤمِنوا بأنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولكي تكونَ لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمِهِ.
حول الإنجيل
في مساء أحد القيامة، وسط توتُّر التَّلاميذ وخوفهم، حيث احتشدوا خلف أبوابٍ مُغلَقةٍ بإحكام، محاولين أن يحتموا من الخطر الَّذي كانوا يشعرون به، فجأةً وبلا مُقدِّمات، وقف الرَّبُّ يسوع المسيح في وسْطهم، ينثر عليهم سلامه الإلهيّ، وهذا اللِّقاء المُفاجئ أطلق سراح قلوبهم من قيود الخوف والشَّكّ. لقد جلب معه دليلًا قاطعًا على قيامته المجيدة، فكان جسده الممَجَّد يظهر بوضوح أمامهم، مُشيرًا إلى حقيقة أنَّه ليس مجرَّد روح أو خيال.
كانت هذه اللَّحظة تحوُّلًا في حياة التَّلاميذ، حيث شاهدوا الرَّبَّ وتأكدُّوا من قيامته، باستثناء توما، وهذا الفرح العظيم الَّذي ملأ قلوبهم لا يمكن وصفه بأيّة كلمات، ولا يوجد شيء في الوجود يعادل الفرح برؤية الرَّبّ.
هكذا نحن جميعًا... لدينا أبواب مغلقة وأسوار مرتفعة من مخاوف أو قلق... وكلّنا نطلب سلام وإشراق نور الرَّبّ الإلهيّ علينا، حتّى تطمئنّ قلوبنا ونطرح الخوف خارجًا.
والله أعطانا أن نراه بأعيُن الإيمان في حياتنا اليوميّة، وهي عطيَّة يحرم نفسه منها كلّ إنسان لا يعترف به، أو يحيا خارج كنيسته.
بعد هذه الطمأنينة والفرح، يرسل الرَّبُّ يسوع تلاميذه لنقل الإيمان والرُّوح القدس إلى العالم أجمع مؤسِّسًا لسرِّ التّوبة والاعتراف، الَّذي يقود بدوره إلى الفرح والملكوت، عالِمين "أنّ المغفرة تليق بطبيعة الله وحده، ولكن الَّذين وهبهم روحه القدّوس أعطاهم أن يحوزوا قوّة المغفرة، لأنَّه كيفما صنعوا، يكون الرُّوح القدس السَّاكِن فيهم -من خلال سرِّ الكهنوت- هو الَّذي يغفر أو يُمسك الخطايا".
مِنْ ثَمَّ يَعود ويظهر الرَّبُّ يسوع على تلاميذه، ولكنّ هذه المَرَّة بوجود توما معهم لكي يعاتبه بلطفٍ على شَكِّه، فما كان جديرًا بتلميذٍ عاش مع المسيح أكثر من ثلاث سنوات رأى فيها المعجزات وسمع التّعاليم، أن يكون موقفه هكذا مطالِبًا بالرُّؤية المادِّيَّة للمسيح القائم.
وهكذا نحن في كثيرٍ من الأحيان، ننسى أنّ الرَّبَّ يسوع هو حياتنا، نكون مثل توما، نشكُّ بوجوده أو محبَّتِه لنا بسبب ضعفنا وكسلنا وعدم توبتنا وكبريائنا، علّنا نأخذ من توما درسًا ونصرخ بإيمان "رَبِّي وَإِلهِي!" ونسمع من الرَّبّ يسوع طوبى لكم لأنَّكم آمنتم ووثقتم ولم ترَوْا، آمين.
الشَّكّ والإيمان – المطران جورج (خضر)
اليوم، في غمرة القيامة، نتذكّر لقاء السّيّد مع توما. بعد أن ظهر يسوع للتَّلاميذ في اليوم الأوّل من الأسبوع – ولم يكن توما معهم– ظهر في اليوم الثّامن، أي في مثل هذا اليوم، وكان توما مع التّلاميذ ولكنّه شكّ في حقيقة القيامة.
توما وجهٌ يمثّل الكثيرين منّا، ولعلّه يمثّل الكلّ، وكأنّ الإيمان والشَّكّ مترافقان في الحياة. ضدّ الإيمان جحود كائن أو إلحاد. الشَّكّ يصعد من شهواتنا إلينا ويجعلنا غير مؤمنين، غير مُقبلين إلى المسيح إقبالًا كلّيًّا. أن يكون الإنسان مؤمنًا هو أن يعتبر الله مأمنه. في الإنسانيّة حالات اضطراب، كلّ منّا يفتّش عن مأمن. ما دام الإنسان يخشى الموت فهو يصطنع قوّات أمن تحفظه من الموت المُداهِم، ولكنّ الموت الكبير هو الموت الرُّوحيّ، هو موت النَّفس بالخطيئة في سيّئاتها وهي تحاول النُّهوض ولا تنهض، فتسقط يومًا بعد يوم، وتجدّد العزم على المُضِيِّ مع السَّيّد، ولكنّها لا تمضي فتتخلّف عن مسايرة يسوع. النَّفْس تُسَلِّم ذاتها للسَّيِّد ولكنّ العاصفة تهبّ فيها، وهي تسمع النَّوْء فتغرق.
إنّه جهدٌ يَوميّ، جهاد مضنٍ، دائم، أن نكون دائمًا شاخِصِين إلى يسوع بحيث لا يتجاذبنا هوى، وبحيث لا نعود إلى الوراء بعد أن وضعنا يدينا على المِحراث.
توما كان صورة عن كلّ منّا، وقيمته في تاريخ الخلاص أنّ شكّه ثبّت قيامة المسيح، ثبّت إيماننا بهذه القيامة. وشكّه يضطرّنا إلى الرُّجوع إلى القيامة إذْ لا مَهْرَب لنا من خطيئتنا إلَّا إلى وجه السَّيّد المُضيء. مهما قمنا بمحاولات لننهض فلن نستطيع شيئًا، لا نستطيع إلّا أن نسلّم النَّفس إلى يسوع بصورة كاملة. عندئذ فقط يُنيرنا هو ويدخل إلى النَّفس ويطهّرها من وَيْلاتها ويرفعها من كبْوَتها. المسيح يجلس في قاع النَّفس، يمتدّ في النَّفس البشريّة، وإذا أخذ مكانه فلا يبقى مكان لآخر. وعندئذ نحن في النُّور ونحن متغلّبون على الشُّكوك.
هذا ما تؤكّده لنا الكنيسة في الصَّلاة: نرتّل في صلاة السَّحَر: "إنّ التّلاميذ لمّا كانوا مشكّكين، وافى المخلّص إلى حيث كانوا مجتمعين بعد ثمانية أيّام وأعطاهم سلامًا، وهتف بتوما: هلمّ أيّها الرَّسول فتّش الكفَّيْن اللَّتَيْن ثُقبتا بالمسامير. فيا لمستطرف عدم تصديق توما إذ أقبل بقلوب المؤمنين إلى المعرفة وهتف بخوف: ربّي وإلهي …". وأيضًا: "يا له من عجب معجز لأنّ عدم الإيمان صار تأكيدًا للإيمان لأنّ توما قال: إن لم أبصر فلا أصدّق. فلمّا فتّش الجنب نطق بلاهوت المتجسّد الَّذي هو ابن الله، وعرف أنّه تألّم بالبشرة، وهتف كارزًا بالإله النّاهض، وصرخ بنغمة جهيرة ربّي وإلهي المجد لك".
تقول لنا الكنيسة: نحن نؤمن بسبب شكّ توما ونؤمن بسبب عودته. هذا هو الأمر المهمّ وبسببه نحن نعيش. نعيش لأنّ واحدًا قام وتاليًا فنحن سنقوم معه. نحن قائمون الآن من الخطيئة ومن الفساد، قائمون بالحرّيّة في اليقين وفي الحبّ. هذه هي القيامة. نحن قائمون ونعلم أنّنا غالبون للخطيئة، للاضطراب، للفساد، للعزلة، نحن قائمون لأنّ جسد الرَّبّ ودمه ينغرسان فينا بالمُناوَلَة المُقَدَّسة. جسدنا المائت يُبعث حيًّا لأنّ جسد الله إذا وُضع فينا لا يفنى. نحن نقوم لأنّنا نتناول جسد الرَّبّ ودمه، وإذا وُضعت جثّتنا في القبر فجسد الرَّبّ الَّذي كان غذاءنا لا يفنى. جسد الرَّبّ الَّذي فينا هو يبعثنا من القبر، وبسببنا يقوم العالم بأسره لأنّنا نحن في العالم خميرة تخمّر العجين كلّه. فما أظرف عدم تصديق توما إذ أقبل بقلوب المؤمنين إلى المعرفة وهتف بخوف: "ربّي وإلهي…"، لأنّ عدم الإيمان صار تأكيدًا للإيمان.
(من أرشيف نشرة رعيّتي، 23 نيسان 2017)