نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد 24 آذار 2024
العدد 12
الأحد (1) من الصَّوم (الأرثوذكسيّة)
اللّحن 1- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *24: الأحد الأوّل من الصَّوم (الأرثوذكسيّة)، تقدمة عيد البشارة، تذكار القدّيس أرتامن أسقف سلفكية *25: عيد بشارة والدة الإله الفائقة القداسة *26: عيد جامع لرئيس الملائكة جبرائيل، القدّيس استفانوس المعترف *27: الشهيدة مطرونة التَّسالونيكيّة، النبيّ حنانيا *28: البارّ إيلاريّون الجديد *29: المديح الثّاني، القدّيس مرقس أسقف أريثوسيون، القدّيس كيرلُّس الشمّاس والَّذين معه *30: البارّ يوحنّا السُّلَّميّ، النّبيّ يوئيل، القدّيسة آفڤولي والدة القدّيس بندلايمون.
كلمة الرّاعي
تحدّيات العائلة المسيحيَّة (6) – العائلة وعيش استقامة الإيمان والتّربية عليه
"السَّالِكُ بِالْحَقِّ وَالْمُتَكَلِّمُ بِالاسْتِقَامَةِ، الرَّاذِلُ مَكْسَبَ الْمَظَالِمِ، النَّافِضُ يَدَيْهِ مِنْ قَبْضِ الرَّشْوَةِ، الَّذِي يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمْعِ الدِّمَاءِ، وَيُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الشَّرِّ، هُوَ فِي الأَعَالِي يَسْكُنُ" (إشعياء 33: 15 و16)
نعيّد في هذا الأحد الأوّل من الصَّوم الأربعينيّ لانتصار استقامة الإيمان، أي لعقيدة التّجسُّد، مقرِّين أنّ ابن الله وكلمته اتَّخذ جسد طبيعتنا من الرُّوح القدس ومن مريم العذراء وقدَّس طبيعتنا وألَّهها في أقنومه الإلهيّ إذ ضمّها إليه باتّحادٍ لا تشوّش فيه ولا اختلاط، ولا انقسام أو انفصال. فصار غير المنظور منظورًا بالجسد، والَّذي لا بداءة له مبتدِءًا في الزَّمن كإنسان، والمنزّه عن الموت قابلًا للموت في طبيعة البشر لكي يحرّر البشريّة من سلطان الخطيئة والموت.
هذه العقيدة ترجمتها الكنيسة عبر مباركة الأيقونات الَّتي للرّبّ يسوع ووالدته وللقدِّيسين ووضعها في الكنائس والبيوت والسَّاحات العامَّة شهادةً لإيمانها بالتّجسُّد. قداسة الله تُعطى لنا في يسوع المسيح ابن المتجسِّد. الإنسان بيسوع صار مسكن الله ومطرح تجلّي مجده، وتاليًا الإنسان المسيحيّ صار أيقونة للمعلّم وعليه أن يكشف صورة الله النَّقيَّة في حياته عبر عيشه بالرُّوح القدس في الفضائل الإلهيَّة والتّشبّه بالرّبّ...
* * *
يتعلّم الإنسان إيمانه أوَّلًا في بيته، في العائلة. يتعلّمه بالخبرة حيث يتشرَّب ما يعيشه وما يقوله والدَيه، بشكلٍ خاصّ، عن الله. هو يعرف الله من خلال أبيه وأمّه. ما يعيشه الأهل من إيمانهم أمام أولادهم يتعلّمه هؤلاء منهم. إن كان الأهل يحبّون الله يعلّمون أبناءهم هذا، والعكس صحيح. الصُّورة الَّتي يكشفها الأهل عن الله يتعلّمها أبناؤهم، وما ينطبق على الأهل في علاقتهم بأولادهم يحدِّد نظرتهم إلى الله. إن كان الأهل مؤمنين ويعيشون الفضيلة فيما بينهم وفي بيتهم وحياتهم في الدَّاخل والخارج يُرسِّخون عيش الفضيلة في حياة أولادهم في كلّ مكان، أمّا إذا كانوا يعطون أولادهم مواعظ عن الايمان والفضيلة ولكنّهم لا يجسّدونها في حياتهم فهم يخلقون عند أبنائهم صورة ملتبسة حول الله، فيصير الله كأنه الَّذي يفرض على الناس ما لا يستطيعون أن يعيشوه أو يحملوه، كون الأهل لا تنسجم أقوالهم مع أفعالهم.
إلتزام الأهل عيش إيمانهم في مختلف وجوهه من الصَّلاة الشَّخصيّة إلى تطبيق الوصيّة الإلهيّة إلى المشاركة في الأسرار الكنسيّة ينطبع في حياة أبنائهم. المهمّ أن تكون استقامة الإيمان متجلّية في استقامة الحياة. إذا تطرّف الأهل يتطرّف الأبناء وإذا تساهل الأهل يتساهل الأبناء. التّطرُّف يأتي من نقص المحبَّة لله وللقريب، مع أنّ المتطرِّف يظنّ العكس. لماذا؟ لأنّ المتطرّف يدين غيره وبالتّالي يقارن نفسه بغيره فيرى نفسه أمينًا والآخَر خائنًا للأمانة. أمّا المنفلش، فهو أيضًا لديه نقص في محبّة الله والقريب، لأنّ أنانيته وشهواته أغلى عنده وأهمّ من الله والقريب. لا التّعصُّب والتّطرّف، ولا الانفلاش والتَّهاون يؤدِّيان إلى الخلاص لأّنهما يقدّمان معرفة مغلوطة عن الله...
* * *
أيّها الأحبّاء، استقامة الإيمان هي معرفة حقيقيّة لله من خلال الصَّلاة وعَيْش الوصيّة واتّباع مثال القدّيسين وحياتهم وتعاليمهم. استقامة الإيمان علم وخبرة: علم لأنّ الإنسان عليه أن يدرس الكلمة الإلهيّة والعقيدة، وخبرة لأنّه عليه أن يعيشهما. لذلك، لا يستطيع الأهل المؤمنين أن يكونوا أمّيّين في معرفة الإيمان، عليهم واجب أن يتعلّموا ويجتهدوا في هذه المسألة، والأفضل أن يكون هذا بمرافقة مرشد روحيّ هو عادة كاهن الرَّعيَّة، حتّى يستطيعوا أن يكونوا قدوة لأولادهم، هذا من جهة، ولكي يكشفوا صورة الله على قدر كبير من النَّقاوة والوُضوح لأولادهم على قدر نموّهم الرُّوحيّ ومعرفتهم بالله، هذا من جهة ثانية.
تربية أولادنا على استقامة الرّأي، هي أهمّ ميراث نسلّمه إليهم، لأنّه يقودهم إلى حياة التّقوى والبِرّ ومعرفة الله والقداسة والخلاص الأبديّ بالمسيح يسوع ربّنا. الأهل يهتمّون عادةً بما يقدّمون لأولادهم من ميراث مادّي من أموال وممتلكات وجاه وصيتٍ حَسَن، وهذا كلّه جيّد، لكنّ الأهم مع ما سبق أن نقدّم لهم ما يُفيد خلاصهم الأبديّ وقداستهم، لأنّ ما هو من هذا العالم يبقى في هذا العالم، أمّا ما هو مقدَّس فيدوم إلى الأبد...
حين يعيش الأهل في استقامة الإيمان والحياة يصيرون أيقونات واضحة عن الرّبّ ويكشفوه لأولادهم ويعرّفوهم عليه ويحبِّبُوهم به... أمّا حين تكون حياتهم بعيدة عن الإيمان القويم وعيشه فهم ينقلون لأولادهم صورة مشوّهة عن الله، وتاليًا يبعدونهم عنه أو ينفّروهم منه أو يخيفوهم به... وهذا كلّه يضعضع حياتهم ويدفعهم نحو مسالك تقودهم إلى خراب نفوسهم وخسارة حياتهم...
الأهل الَّذين يحرصون على خلاص أولادهم يحرصون أن يعفوا الإيمان القويم ويسلكوا فيه ليقودوا أولادهم به وإليه نحو خلاص نفوسهم بالرّب الغالب الخطيئة والموت والمجدِّد طبيعتنا بروحه القدّوس...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (بِاللَّحْنِ الأوّل)
إِنَّ الحَجَرَ لَـمَّا خُتِمَ مِنَ اليَهُود، وَجَسَدَكَ الطَّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُنْد، قُمْتَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ أَيُّهَا الـمُخَلِّص، مَانِحًا العَالَمَ الحَيَاة. لِذَلِك قُوَّاتُ السَّمَاوَات هَتَفُوا إِلَيْكَ يَا وَاهِبَ الحَيَاة: الـمَجْدُ لِقِيَامَتِكَ أَيُّهَا الـمَسِيح، الـمَجْدُ لِمُلْكِكَ، الـمَجْدُ لِتَدْبِيرِكَ يَا مُحِبَّ البَشَرِ وَحْدَك.
طروباريّة أحد الأرثوذكسيّة (باللّحن الثّاني)
لصورتك الطّاهرة نسجد أيّها الصّالح، طالبين غُفران الخطايا أيّها المسيح إلهنا. لأنّك قَبِلْتَ أَنْ تَرْتَفِعَ بالجسد على الصّليب طوْعًا لتنجّي الَّذين خلقت من عبوديّة العدوّ. لذلك نهتف إليك بشكرٍ: لقد ملأت الكلّ فرحًا يا مخلِّصنا، إذ أتيت لتخلِّصَ العالم.
قنداق تقدمة عيد البشارة (باللّحن الرّابع)
بحلول الرُّوح الكلّيّ قدسه، قد حَبلتِ بالمُعادِل للآب في الجلسة والمُساوي له في الجوهر، مع صوت رئيس الملائكة يا أُمَّ الإله استعادةَ آدم.
رسالة (عب 11: 24- 26، 32- 40)
يَا إِخْوَةُ، بِالإِيمَانِ مُوسَى لَـمَّا كَبُرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنًا لِابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُخْتَارًا الشَّقَاءَ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى التَّمَتُّعِ الوَقْتِيِّ بِالخَطِيئَةِ، وَمُعْتَبِرًا عَارَ الـمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ، لِأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى الثَّوَابِ. وَمَاذَا أَقُولُ أَيْضًا؟ إِنَّهُ يَضِيقُ بِيَ الوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعَوْنَ وَبَارَاقَ وَشَمْشُونَ وَيَفْتَاحَ وَدَاوُدَ وَصَمُوئِيلَ وَالأَنْبِيَاءِ الَّذينَ بِالإِيمَانِ قَهَرُوا الـمَمَالِكَ، وَعَمِلُوا البِرَّ، وَنَالُوا الـمَوَاعِدَ، وَسَدُّوا أَفْوَاهَ الأُسُودِ، وَأَطْفَأُوا حِدَّةَ النَّارِ، وَنَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، وَتَقَوَّوْا مِنْ ضُعْفٍ، وَصَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الحَرْبِ، وَكَسَرُوا مُعَسْكَرَاتِ الأَجَانِبِ، وَأَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِالقِيَامَةِ، وَعُذِبَ آخَرُونَ بِتَوْتِيرِ الأَعْضَاءِ وَالضَّرْبِ، وَلَـمْ يَقْبَلُوا بِالنَّجَاةِ لِيَحْصَلُوا عَلَى قِيَامَةٍ أَفْضَلَ. وَآخَرُونَ ذَاقُوا الهُـزْءَ والـجَلْدَ والقُيُودَ أَيْضًا وَالسِّجْنَ، وَرُجِمُوا وَنُشِرُوا وَامْتُحِنُوا وَمَاتُوا بِحَدِّ السَّيْفِ، وَسَاحُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَمَعِزٍ، وُهُمْ مُعْوَزُونَ مُضَايَقُون مَـجْهُدُونِ، وَلَـمْ يَكُنِ العَالَـمُ مُسْتَحِقًّا لَهُم. وَكَانُوا تَائِهِينَ فِي البَرَارِي وَالجِبَالِ وَالـمَغَاوِرِ وَكُهُوفِ الأَرْضِ. فَهَؤُلاءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُودًا لَـهُمْ بِالإِيمَانِ، لَـمْ يَنَالُوا الـمَوْعِدَ لِأَنَّ اللهَ سَبَقَ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئًا أَفْضَلَ أَنْ لا يَكْمُلُوا بِدُونِنَا.
الإنجيل (يو 1: 44- 52)
فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَرَادَ يَسُوعُ الخُرُوجَ إِلَى الجَلِيلِ، فَوَجَدَ فِيلِبُّسَ فَقَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي. وَكَانَ فِيلِبُّسُ مِنْ بَيْتَ صَيْدَا مِنْ مَدِينَةِ أَنْدَرَاوُسَ وَبُطْرُسَ. فَوَجَدَ فِيلِبُّسُ نَثَنَائِيلَ فَقَال لَهُ: إِنَّ الَّذي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ قَدْ وَجَدْنَاهُ، وَهُوَ يَسُوعُ بْنُ يُوسُفَ مِنَ النَّاصِرَةِ. فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: أَمِنَ النَّاصِرَةِ يَكُونُ شَيْءٌ صَالِحٌ؟ فَقَالَ لَهُ فِيلِبُّسُ: تَعَالَ وَانْظُرْ. وَرَأى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَال عَنْهُ: هَذَا فِي الحَقِيقَةِ إِسْرَائِيلِيٌّ لا غِشَّ فِيهِ. فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَكَ فِيلِبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ الَّتينَةِ رَأَيْتُكَ. أَجَابَ نَثَنَائِيلُ وَقَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ، أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ. أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: أَلِأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ الَّتينَةِ آمَنْتَ؟ إِنَّكَ سَتُعَايِنُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ لَهُ: الحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، سَتَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلائِكَةُ اللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ البَشَرِ.
حول الإنجيل
(من أرشيف نشرة الكرمة- أحد الأرثوذكسيّة 2010)
"قَبْلَ أَنْ يَدْعوَكَ فيليبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ الَّتينَةِ رَأَيْتُكَ".
في هذا الأحد المبارك الَّذي هو أوّل آحاد الصَّوم الكبير الأربعينيّ المقدّس، والَّذي يُعرف بأحد الأرثوذكسيّة (استقامة الرّأي)، أو أحد إكرام الأيقونات المقدّسة، نسمع من إنجيل يوحنّا هذا المقطع الَّذي يُدخلنا في صميم لاهوت هذا الأحد.
فالحوار الَّذي دار بين الرَّبّ يسوع ونثنائيل، من بَداءَته إلى نهايته، يعبّر عن البُعدَين الموضوعَين لهذا الأحد.
البُعد الأوّل الَّذي يتناول هذا اليوم كأوّل أحد في الصَّوم الأربعينيّ، هذا الصَّوم المنقّي لنفوسنا وأجسادنا، وقد عُبِّر عنه في بداية الحوار إثرَ استغراب نثنائيل معرفة يسوع به، فسأله: "من أين تعرفني؟"، وكان جواب الرَّبّ له: "قَبْلَ أَنْ يَدْعوَكَ فيليبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ الَّتينَةِ رَأَيْتُكَ". وهذا الجواب الَّذي يوضح أنّ الرَّبّ عالِمٌ بكلّ شيء كان يكفي نثنائيلَ لكي يتحوّل من إنسانٍ يشكّ بأن يخرج من النّاصرة شيءٌ صالح، إلى إنسان مؤمن وقد عبّر عن إيمانه باعترافه مباشرةً بأنّ يسوع "هو ابن الله...".
البُعد الثَّاني الَّذي يتناول هذا اليوم كأحد إكرام الأيقونات المقدّسة، وقد عُبّر عنه في نهاية الحوار. فإنّه إثر اعتراف نثنائيل بألوهة يسوع، وقول يسوع له: "لأنّي قلت لك إنّي رأيتُكَ تحتَ الَّتينةِ آمنت، إنّكَ ستعاين أعظم من هذا"، ختم يسوع كلامه: "الحقّ أقول لكم، إنّكم من الآنَ تَرَونَ السَّماء مفتوحة، وملائكةَ الله يصعدون وينزلون على ابن البشر". وبهذا أُعطي نثنائيل النِّعمة بأنّ سبب إيمانه (قول يسوع له أنّه رآه تحت الَّتينة) هو أمرٌ صغير أمام الأمور العظيمة الَّتي سيُعاينها بسب هذا الإيمان. فيسوع قد أعطاه، ومن خلاله جميع المؤمنين به، (أقول لكم)، أن يدخلوا في شركة القدّيسين أصحاب الأيقونات المكرّمة الَّذين يتمتّعون بمعاينة مجد الله الَّذي تحفّ به الملائكة ممجِّدين إيّاه على الدَّوام.
ولأنّ الرَّبّ يسوع قد هَدَفَ من جذب نثنائيل إلى الإيمان بألوهَتِهِ حتّى يُعايِن مجده، وقد علّمنا بوضوح أنّ أنقياء القلوب هم الَّذين يعاينون الله "طوبى لأنقياء القلوب فإنّهم لله يعاينون"، فَلْنُبادِرْ إذًا إلى تنقية قلوبنا بكشفها أمام الرَّبّ الَّذي يعرف مسبقًا "ما في القلوب والكلى"، من خلال عيش السرّ الَّذي غالبًا ما نهمله، أي سرّ الاعتراف الَّذي مُنح لنا في الكنيسة أفضلَ وسيلة لتنقية قلوبنا ونفوسنا وخصوصًا في موسم الصَّوم. إنّ ربّنا يرانا حيثما نكون، ويعلم كلّ ما نفعله، هو ليس بحاجة لأن نأتي إليه ونخبره ما نفعل، بل نحن هم الَّذين بحاجة ماسّة لكي نأتي إليه ونخبره بمكنونات قلوبنا لأنّنا نسعى إلى خلاص نفوسنا، واثقين بأنّه قد وعدنا بأن "إذا كانت خطاياكم كالقرمز فأنا أبيّضها كالثَّلج". وهذا هو أسمى هدف من أهداف هذا الصَّوم المبارك، لذلك تذكّرنا به الكنيسة في بَداءَته، فلنبادر إلى كشف نفوسنا ونوايانا في حوار صادق مع ربّنا، عسى أنّنا بذلك نتطهّر، ويُنعم علينا ربّنا بأن نكون شركاء الَّذين "يَرَونَ السّماءَ مَفْتُوحَةً وَمَلائِكَةُ اللهِ يَصْعَدونَ ويَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ البَشَر". آمين.
الإنسان إيقونة حيّة
"خلق الله الإنسان على صورته كمثاله" (تك ١: ٢٦). الله أنعم على الإنسان وحده بامتياز عظيم جدًّا، لم يُنعم به على أيَّ من المخلوقات الأخرى. فجعل في الإنسان عقلًا وإرادة وحرَّيّة وإبداعًا وقدرة على التَّخاطُب وحبًّا وكلّها صفات شبيهة بالصّفات الموجودة فيه. فمنح الله كلّ إنسان أن يكون حرًّا وخلّاقًا لأنَّه مخلوق على صورة الله الحرّ الخالق. يحمل الإنسان في طبيعته صورة الله النَّقيّة، إلَّا أنّ هذه الصُّورة تشوَّهَتْ وتهشَّمَتْ بعد السُّقوط. كان الإنسان مدعو إلى بلوغ كمال صورة الله فيه من خلال طاعته ومحبَّته لله، ولكن ما حصل هو العكس، بسقوطه تشوَّهَتْ إيقونة الله في الإنسان لتطغى عليه الأنانيّة والأهواء.
لكنَّ الله لفائق محبَّته للبشر "لمّا حان ملء الزَّمان أرسل الله ابنه الوحيد ليخلِّص العالم" (غلا ٤: ٤). أعاد الله بتجسُّدِهِ وقيامته ليس الصُّورة وحسب بل إمكانيَّة التّألّه، الَّتي كانت غاية الخلق. وما أصبحنا نراه في القدِّيسين هو صورة الله الحيّة. وهذا ما قاله القدّيس بولس الرَّسول: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1 كو 3: 16). ليصبح الإنسان هيكل الله لا بُدَّ من عمليّة شفاء من الأهواء وكلّ ما سبّبته لنا المعصية. إنّ هذا التَّعليم حول الشِّفاء الرُّوحيّ للإنسان من قِبَل الله يمرُّ في ثلاث مراحل وهي: التَّنقية والاستنارة والتّألُّه. وكمال الشّفاء الرّوحيّ للإنسان هو وصوله إلى الاتّحاد بالله، أي إلى حالة التّألُّه. عندها يصبح الإنسان أيقونة حَيَّة لله. وهكذا تتمّ الوحدة مع الله "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي" (يو 17: 21).
هذه هي غاية الحياة أن يصبح الإنسان إيقونة حيّة لتمجيد الله وليتمجَّد الله فيه. بقدر ما يتنقّى الإنسان من أهوائه بالنِّعمة، بقدر ما ترتسم صورة الله علينا. أعطنا يا ربّ أن ننقّي ذواتنا فنمحو دنس صورتنا وتزهو إيقونتك فينا، آمين.