نشرة كنيستي- الأحد (13) بعد العنصرة- العدد 36
03 أيلول 2023
كلمة الرّاعي
ميلاد والدة الإله
“اليوم تباشير الفرح لكلِّ العالم. اليوم نَفَحَتِ النَّسائم سابقة البشـرى بالخلاص. وانحلَّ عقر طبيعتنا” (الإيذيوميلا الخامسة من غروب عيد ميلاد السَّيِّدة).
يواكيم وحنّة والِدا مريم البتول كانا عاقرَيْن جسديًّا بسماح من الله لتظهر أعماله فيهما ويتمجّد اسمه بثمرة بطنهما الآتية بخصوبة النِّعْمَة الإلهيّة في جسدَيْن عَقيمَيْن وروحَيْن مُثمرتَيْن. لأنّه “حيث يشاء الإله يُغلَب نظام الطَّبيعة”، وفي يواكيم وحنّة أخصب حنان الله على البشريّة عقم كبيرَيْ السّنّ وجدَّد طبيعتهما بوعده وأنجز برّهما بميلاد مريم.
ليس موضوع العيد هو شفاء عقر جسدَيْ يواكيم وحنّة بل دخول البشريّة بميلاد مريم في مرحلة جديدة بانتظار تجديد الطّبيعة البشـريّة في المسيح. ميلاد مريم بُشـرى بدُنوّ زمن الخلاص في الَّذي سيأتي من ثمرة بطنها الإله المُتأنِّس الرّبّ يسوع المسيح. هذا عيد تجديد الطّبيعة بمَريم الَّتي كانت أوَّل كائن بشـريّ بعد السُّقوط اقتبل سُكنى الإله فيه بالنِّعْمَة والوَحيدة بين الأنس الَّتي حَلَّ في حشاها الإله بالأقنوم كونها صارت مَسكنًا لابن الله. فكما تقول خدمة العيد: “اليوم ابتدأَت النِّعْمَة تُثمِر مُظهرَةً للعالم أمّ الإله الَّتي بها تقترن الأرضيّات بالسّماويّات…” (الإيذيوميلا الرّابعة من غروب عيد ميلاد السَّيِّدة).
* * *
ترى الكنيسة المقدَّسة في مريم والدة الإله “عرش العَليّ المقدَّس على الأرض” و”سماء حيَّة” و”رجاء الَّذين لا رجاء لهم” (الإيذيوميلا الأولى وذوكصا غروب عيد ميلاد السَّيِّدة). سرّ مريم معروف مِنَ الله قَبْلَ الحَبَلِ بها، وهي ثمرة بِرّ مسيرة الله مع شعبه في كلّ تاريخ البَشريّة عبر الَّذين اختارهم ليأتي منهم. فليس العبرانيّون هم شعب الله وحدهم بل كلّ شعوب الأرض خليقته وصنع يديه. الخليقة الأولى الَّتي سقطت أتت من آدم القديم بِحَوّاء الأولى، والخَليقة الجديدة تأتي من آدم الجديد بحوّاء الثّانية في ابن الله المُتَجسِّد. مريم باكورة الخليقة الجديدة في المسيح القائم من بين الأموات، والمسيح باكورة الخليقة الجديدة الَّذي منه يأتي كلّ إنسان في ملكوت السَّماوات. مريم فتحت مدخل الفردوس للبشريَّة مِنْ جديد مِنْ خلال صيرورتها أمّ الإله (أنظر القطعة الثّالثة من ليتين غروب عيد ميلاد السَّيِّدة) لأنّها أوّل من دخل الفردوس المُغلَق بواسِطَة المَوْلود فيها إذْ سكن في أحشائها “شجرة الحياة”.
* * *
أهميّة مريم تأتي من كونها أم الإله. خارج هذا الدَّوْر ربّما كانت لتصير قدّيسة عظيمة، ولكن كونها والدة الإله (Théotokos) جعلها فريدة في كلّ الخليقة والوجود. من هنا فميلادها حَدَثْ نحتفل به ويُعنينا لأنّه “اليوم قد حدث بدء خلاصنا” (القطعة الأولى من ليتين غروب عيد ميلاد السَّيِّدة) كون “خدر النُّور وسِفر كلمة الحياةوَرَدَتْ مِنَ الحَشا” (القطعة الثّانية من غروب العيد).
حيثما وُجِد يسوع تكون مريم لأنّها مُلتصقة به، وحيثما تكون مريم نكون نحن أمام يسوع لأنّها تحملنا إليه بشفاعتها الحارّة. يسوع هو المخلّص ومريم بداية خلاصنا فيه وبداية تخليصه لنا من إنساننا العَتيق. هي قدوتنا إليه وشفيعتنا لديه وأمّنا أمام عينيه…
كما وُلِدت مريم لتصير مسكن الله وسماءه نحن كذلك مدعوّون أن نصير هيكله ومطرح تجلّي مجده إذا أطعناه …
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما