نشرة كنيستي- الأحد (4) بعد الفصح (السّامريّة)- العدد 20
14 أيّار 2023
كلمة الرّاعي
الماء الحَيّ
“لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ
الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً
لاَ تَضْبُطُ مَاءً …” (إر 2: 13)
زمن جفاف في الإيمان وعودة إلى الوثنيَّة تعيشه البشريّة اليوم. باسم الحرّيّة تُنتَهَكُ الإنسانيّة، وباسم الحقّ يُصنَعُ الباطِل. الإنسانيّة إلى خراب جوهريّ بسبب امتداد روح الشِّرّير في ما يُسمَّى بالـ ”حضارة“ الّتي، في الظّاهر، تهدف إلى خير الإنسان وفي الباطِن تسعى إلى خرابه عبر استعباده للآلهة القديمة الّتي تُسَوَّق عبادتها بطرائق جديدة أكثر فعّاليّة من الأزمنة العتيقة…
كلّ خطيئة تبعثُ في الإنسان روح نشوة، وكلّ نشوة لا بدَّ أن تقوده إلى الجسد… لماذا؟ لأنّ الإنسان يؤمن بالمَلمُوس ويطلب النّتائج السّريعة ويهرب من التّعب ويميل إلى الكسل… وهذه كلّها تقوده إلى الجسد…
عالم اليوم هو عالم المادّيّة بامتياز، وإن تجلببت برداء ”الرّوحانيَّة“. هذه خدعة الشَّيطان للإنسان المُعاصِر، هو يقوده بكلّ الوسائل إلى عبادته!…
حقوق الإنسان هي ”حصان طروادة“ الَّذي يحمل في داخله أرواح الشّرّ المُفسِدة للإنسان لأنّها تُناقِض إنسانيّة يسوع المسيح… ومع أنّ حقوق الإنسان انبثقت من مبادئ إنجيليَّة، إلَّا أنَّ الشَّيطان استغلَّها وجعلها مركبةً له من خلال صورة الحرِّيَّة الكاذبة الَّتي روّج لها ليحارب بها ”حرِّيَّة أبناء الله“…
* * *
“كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى ينابيع الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ” (مز 42: 1). هذه حالة المؤمن في علاقته مع الله، فكم بالأحرى في زمن الجفاف والتّصحُّر هذا؟! … في عمقه، يعطش الإنسان إلى مياه الله الجوفيّة الّتي تجري في أعماق قلبه. في جهاده وفي سعيه إلى الله يشعر الإنسان بنسمات برودة هذه المياه في قلبه ليتوق إليها ويشرب منها. هذا يحصل عندما يدخل في علاقة ديناميكيّة مع الله من خلال الصَّلاة وعِشرة الكلمة الإلهيَّة. هذا الطَّريق يحتاج جهدًا وإرادة وتصميمًا ومثابرة. المعرفة لا تُعطى لمن لا يطلبها، ”اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ“ (مت 7: 7)، هي تُعطى للمتواضعين العطشى إليها…
حالة الخطيئة تجعل الإنسان متصحِّرًا في داخله، أي باحثًا عن المياة الحيّة الّتي تبرِّد حرارة الخطيئة وتطفئ نار الشَّهوات في قلبه. هذه الحاجة، قد يستعيض عنها الإنسان بمياهٍ زائفة تزيد من عطشه فيدخل دائرة مفرغة لا بل دوّامة تجعله أسير المخدِّر المدمِّر. فقط يسوع يستطيع أن يهبنا الماء الَّذي إذا شربنا منه لا نعود نعطش إلى الأبد!…
* * *
أيُّها الأحبّاء، خطيئة الإنسان مزدوجة، فهو يترك مصدر حياته ويبحث عن مصادر أخرى لينوجد. المرأة السَّامريّة كانت سالكة طريق الخطيئة، تاركةً الرَّبَّ وباحثةً عن وجودها في لذَّتِها وتسلُّطها بها على الَّذين تصطادهم. هكذا كانت تبحث عن ذاتها وعن وجودها. لكنّها لم ترتوِ يومًا، بل عطشها الكيانيّ كان لا نهاية له ولا حدود. بيئتها، أيضًا، لم تكن صالحة. هي كانت صورة عن شعبها. هي وشعبها آمنوا بالرَّبِّ، في حين رفض اليهود الرَّبَّ وصلبوه. لماذا؟!… لأنّ الَّذي يعيش في الخطيئة أو في إيمان لا يُشبع ولا يروي حاجات الرُّوح العميقة والجوفيّة، يكون أكثر استعدادًا لقبول الحقّ حين يُكشف له؛ بينما الَّذين يعيشون في البّرِّ الظّاهري عبر التّمسُّك بحرف النّاموس دون أن يلجوا إلى روح الشّريعة الإلهيّة، فهم يُخدَعون من بّرِّهم الذّاتيّ، ويتمسّكون بصنم الإله الَّذي صنعوه، وهذا ما حصل مع اليهود الَّذين رفضوا الرَّبَّ يسوع وصلبوه…
لِنَعُدْ إلى ذواتنا، ولندخُلَ إلى الأعماق، لنسمعَ هدير مياه النِّعمة الحَيَّة الّتي تجري في كياننا ونتمتّع بالارتواء ونفرح بعطيّة الله الأبديّة الَّتي وُهبتْ لنا يوم اعتمدنا في مياه المعموديّة الحيّة وأخذنا روح الحقّ المعزّي حياةً لنا والَّذي صار فينا ينبوعَ ماءٍ حيّ، لنصير ورثة ملكوت الله بالَّذي أعطى ذاته لنا طعامًا للحياة الأبديّة.
الرُّوحُ تئنّ فينا بالرُّوح الَّذي يعلّمنا الصَّلاة، طالبين إلى الَّذي أحبَّنا وبذل نفسه لأجلنا، ”تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ…“ (رؤ 22: 20).
ماران أثا…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما