نشرة كنيستي- أحد الفصح العظيم المقدَّس- العدد 16
16 نيسان 2023
كلمة الرَّاعي
أكون أو لا أكون
برهان القيامة وحقيقة الحياة الأبديَّة
هل من قيامة للأموات بالجسد؟ هل من حياة أبديَّة وخلود للإنسان؟ هل من غلبة نهائيَّة على الموت والمرض والضُّعف والظّلم والشّرّ؟ هل من انتصار لا رجعة فيه للحياة والخير على الموت والشّرّ؟ ما هو المصير الأخيريّ للبشريّة؟
هذه أسئلة يطرحها الإنسان بشكلٍ واعٍ أو غير واعٍ، وإجاباتها الَّتي يعيش بموجبها الشّخص تحدِّد منحى حياته ومبادئه وإيمانه.
”إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لَا يَقُومُونَ، فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ!“ (1 كو 15: 32). هذه نتيجة عدم الإيمان بقيامة المسيح، ”لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْتى لَا يَقُومُونَ، فَلَا يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ“ (1 كو 15: 16).
برهان قيامة المسيح هو أنّه حَيّ وظهر لتلاميذه ليس فقط الإثْنَي عــشــر ولكن لكثيرين غيرهم، بحسب الرَّسُول بولس الَّذي يشهد أنّ المسيح القائم من بين الأموات ظهر ”دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا.“ (1 كو 15: 6 – 8).
* * *
حقيقة القيامة هي أمرٌ مُثَبَّت بشهادة الشُّهود الَّذين عاشوا مع يسوع وعايَنوا ميتًا ومدفونًا وقائمًا من القبر المغلق بحجر.
إذا لم يكن من قيامة للبشريّة بالجسد من بين الأموات فما قيمة قيامة المسيح من بين الأموات إذًا؟ إذا لم تكن نتيجة قيامة يسوع قيامة كلّ بشر مؤمن به إلى الحياة الأبديّة، وإنْ لم يكن الموت قد غُلِبَ نهائيًّا في يسوع أي أنّ إبليس والشّـرّ قد أُبيدا أخرويًّا وإلى الأبد، فلا ثمرة آنيَّة وفعّالة للقيامة في حياتنا اليوم…
إذا لم يكن من قيامة، فلا رجاء في الحياة فيما بعد، لأنّ الأشرار هم المتحكّمون في العالم، والأقوياء يسودون الضُّعفاء، والباطل يحكم… إذًا، الله غير موجود…
إذا لم يكن من قيامة، فلا معنى للحياة سوى أنّنا بقدر ما نستهلك نوجد، وبقدر ما نتسلَّط نكون، وبقدر ما نتمحور حول أنفسنا نحقِّق سعادتنا ”الأبديَّة“، إذ تنحصر الأبديَّة حينها فقط في الآن واللَّحظة ولا امتداد حقيقيّ لها بعد انقضاء أوانها وأسبابها. وهنا تكمن تعاسة الوجود، لأنّه مُتغيِّر ومتحرِّك نحو الفَناء وليس نحو ترسيخ الحياة وامتدادها في الزّمان والمكان. إذا يصير الزَّمان والمكان مقبرة الحياة والإنسانيَّة إذ لا مبرِّر حينها لتفوِّق مبدأ الخير على الشّـرّ لأنّهما نسبيّان وليسا مُطْلَقَيْن.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، قام المسيح ووهَبَنا حياة جديدة فيه، وأدخلنا معه في سرّ الغلبة الأبديَّة على الموت بالانتصار بواسطة الحبّ الإلهيّ على أنفسنا أوَّلًا وعلى كلّ شرٍّ فينا وخارجنا من خلاله وفيه إذا ما أخلينا ذاتنا له لكي يسكن فينا بكلمته ونعمته.
المؤمن قياميّ يكون أو لا يكون. المسيحيّة ليست شعارات حول القيامة والخليقة الجديدة، هي تجسيد لها في كلّ مؤمن وفي الكنيسة جسد المسيح. من هنا، إنّ ”كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ“ (مت 22: 14)، لأنّ القيامة تلي الموت، والفرح بعد الحزن، والغلبة بعد الانكسار، أي أنّنا إن لم نُمِتِ الإنسان العتيق فينا فلن نصير ”خليقة جديدة“، أي إن لم نغلب خوف الموت عن العالم فلن نقتني قوَّة الغلبة على الموت بقبول ألم الولادة الجديدة في المسيح النّاهض من الرَّمس.
المسيح حرَّرنا، فلا نخف الخروج من قبور حياتنا الّتي اعتدناها دنيانا، فالظُّلمة ليست نورًا، ولكن ”إِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!“ (مت 6: 23). يسوع وهبنا نور الحياة، ”فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلَّا يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلَامِ لَا يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ“ (يو 12: 35). نحن نعرف أين نسير لأنّنا نتبع النّور، ونعرف إلى أين نذهب لأنّ النّور هو مبتغانا. ومن اقتنى النّور لا تسكن فيه ظلمة ولا يقبل أن يشهد إلَّا للنّور.
هذه هي قيامتنا أن نكون نورًا من النُّور ونشهد للنُّور في ظلمة هذا العالم “وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً” (يو 3: 19).
فلنحمل نور قيامة المسيح في حياتنا شهادة لا تهاب وجه إنسان، وكلمة حقٍّ تفضح زور العالم، وطاقة حبٍّ تُغيِّر وجه المسكونة…
أن أقوم في المسيح وأصير مخلوقًا جديدًا على صورته ومثاله هي بذرة التّغيير الكونيّ في كلّ إنسان…
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
المسيح قامّ! حقًّا قام!
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما