نشرة كنيستي- الأحد (12) من لوقا (العشرة البرص)- العدد 3
21 كانون الثّاني 2024
كلمة الرّاعي
الغضب
”أمَّا الآن فأنتم أيضًا اطرحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُّخطَ والخُبثَ والتَّجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكم…“ (كولوسي 3: 8)
يعرَّف الغضب في علم النَّفس بأنّه شعورٌ يمرُّ فيه الإنسان يُظهِر فيه سلوكيّات وأفكارٍ عدائيّةٍ، واستثارةٍ فيزيولوجيّةٍ، وغالبًا ما ينجم عنه تصرُّفاتٌ غير لائقةٍ ومُهينةٍ، مِن الشَّخص الغاضب إلى الأشخاص الآَخرين، وترافقه عدَّة أعراضٍ جسديّةٍ مثل ارتفاع معدَّل نبضات القلب، والشُّعور بالصُّداع، وغيرها من التَّصرُّفات والتَّعابير اللّفظيّة مثل الصُّراخ والسّباب والتَّكسير، وأحيانًا لا يعبّر الإنسان عنه ويبقى شعورًا داخليًّا يُعاني منه فيسبب له قرفًا من الحياة والمحيط الَّذي يعيش فيه ورفضًا لهما.
لا شكّ أنّ للغضب على المستوى النّفسيِّ أسبابًا متعدِّدة منها بيئة الإنسان الَّتي تُحيط به، والأمور الَّتي يُواجهها فيها، مثل: الأوضاع العائليّة والاجتماعيّة الصَّعبة؛ الشُّعور بالإجهاد؛ الالتزامات الماليّة؛ التَّعرُّض للإساءة والعنف؛ المتطلِّبات والضَّغط الزّائد عن طاقة الشَّخص التّحمُّليَّة؛ الاضطرابات المختلفة مثل الإدمان على الكحول؛ العيش في أسرةٍ تعاني من مشاكل في السَّيطرة على الغضب؛ الوراثة؛ وقدرة الجسم على السَّيطرة والتَّعامل مع التغيّرات الكيميائيّة والهرمونات في الجسم؛ الشُّعور بالتَّهديد، أو الرَّفض، أو عند الخوف من التَّعرُّض للخسارة.
لكن، تبقى هذه الأسباب على الصّعيد النّفسيّ والخارجيّ ولذا يبقى السّؤال مطروحًا حول الأسباب الدَّاخليَّة العميقة للغضب؟!…
* * *
في البُعد الرُّوحيّ لفهم الغضب وأسبابه الجوهريَّة نرى أنّ هوى الغضب يتحرَّك ضدّ الآخَر. الآخَر هو حاجز يعترض طريقي، هكذا يرى الغَضوب. الآخَر هو موضوع محبّتي وموضوع كرهي أيضًا. من لا ينسجم معي بآرائه وتصرّفاته يصير عائقًا أمامي في حياتي. الغضوب لا يقبل واقع الآخَر وحقيقته بل يريد أن يُلزمه ويفرض عليه وجهة نظره بالقوّة والعنف.
ينتج الغضب عن موقف داخليّ هو رفض النّظر في اتّجاه آخَر غير اتّجاهي أنا. الغضوب يرى أنّ على الآخَر أن يحسب حسابًا لرأيه ولكنّه هو نفسه غير مستعدّ أن يحسب حسابًا للرَّأي المُقابل. لذلك، يغتذي الغضب من حبّ القنية على المستويين المعنويّ والماديّ. القنية المعنويّة هي أن أؤكِّد على تحقيق مشيئتي أو تثبيت رأيي بالحُسنى أوَّلًا وإذا لم تنفع الحُسنى فبالعنف ثانيًا. أمّا القنية المادّية فهي التّملُّك للذَّات ممّا يُشعرني بأنّي موجود ومهمّ وأحقِّق ذاتي، وهذا كلّه لا أسمح لأحد بأخذه منّي وأنا مستعدٌّ لكافّة أنواع العنف للحفاظ عليه. غضبي النّاتج عن وجهة نظر الآخَر سببه في العمق رفضي له كشخص أحيانًا كثيرة.
لكن، ما هو الحلّ أو العلاج للغضب؟
* * *
الإيمان هو أساس كلّ شفاء لأنّ التّسليم لمشيئة الله والسّعي لاكتشافها وقبولها هو طريق السّلام الدّاخليّ. بالإيمان أعرف أنّ الحقّ هو المسيح أي الله، وأنّني إن اتّبعت الحقّ وثبتُّ فيه اقتني الاطمئنان من ثقتي بالله الَّذي هو كلّ شيء بالنِّسبة لي، ولا معنى لأيّ شيء من دونه. إذًا، إيماني بأنّ الله خلّصني في المسيح من الموت وأسبابه ونتائجه ووهبني هذا الخلاص بسكبه الرّوح القدس عليّ فمنحني أن أصنع أعماله بقوّته عندما أَتعاون معه أي أفتح كياني لتقبّل مشيئته وصنعها.
إيماني هذا بالمسيح يجعلني أعرف نفسي خاطئًا ومحتاجًا للمسيح الَّذي يأتيني بروحه ويسكن فيّ كما يحبّني من خلال الآخَر الَّذي أعيش معه ويعيش معي وأخدمه ويخدمني.
سرّ غلبة الغضب والشّفاء منه يكمن في معرفتي لنفسي محتاجًا للشّفاء من خطاياي الكثيرة الّتي تقيّدني وتعيق محبّتي للآخَر، هذا من جهة، وفي قبولي للآخَر ومحبّتي له كما هو دون أن أسعى لتغييره على ما يناسبني، أي أن أكون منفتحًا عليه، وهذا لا استطيع أن أقوم به إلّا بتذكّري لخطيئتي وضعفي وحاجتي للشِّفاء والتّحرُّر فأتّضع.
طبعًا يوجد غضب مبارك وهو غضبي على خطيئتي وكرهي لها ممّا يساعدني في التَّوبة عنها وطلب الشّفاء. أيضًا الغضب لأجل الشَّهادة لحقّ الله مبارك على أن يكون موجّهًا ضدّ أفكار الشّرّ والباطل وليس ضدّ الإنسان وأن لا يكون ممزوجًا بكبرياء أو دينونة.
”اِغضبوا ولا تخطئوا…“ (أفسس 4: 26)
ومن استطاع أن يقبل فليقبل…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما