نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 19 تشرين الثّاني 2023
العدد 47
الأحد (24) بعد العنصرة
اللّحن 7- الإيوثينا 2
أعياد الأسبوع: *19: النّبيّ عوبديا، الشّهيد برلعام *20: تقدمة عيد الدُّخول، القدّيس غريغوريوس البانياسيّ، القدّيس بروكلّس بطريرك القسطنطينيّة *21: عيد دخول سيّدتنا والدة الإله إلى الهيكل *22: الرَّسول فيليمون ورفقته، الشّهيدة كيكيليّا ومَن معها *23: القدّيس أمفيلوخيوس أسقف إيقونيَّة، القدّيس غريغوريوس أسقف أكراغندينون *24: الشّهيدين كليمنضوس بابا رومية، القدّيس بطرس بطريرك الإسكندريّة *25: وداع عيد الدُّخول، القدّيسة كاترينا عروس المسيح، الشَّهيد مركوريوس.
كلمة الرّاعي
العَداوة والمُصالحة
”إنَّ المسيحَ هو سلامُنا، هو جعلَ الإثنينِ واحدًا،
ونقَضَ في جَسدِه حائطَ السِّيَاجِ الحاجزَ أَيِ العَداوَة...“
(أف 2: 14 - 15)
منذ سقط الإنسان مِنْ حَضرة الله، دخل في الانقسام الكَيانيّ الدّاخليّ على الصَّعيد الشَّخصيّ، وانقسم الجنسين على بعضهما البعض، ودخلت علاقة الإنسان بالكَوْن في الفوضى والمُقاوَمَة بعضهما لبعض، كما اختلّ نظام الطَّبيعة والكَوْن. هذا كلّه حصل لأنّ الإنسان صار عدوّ الله، اعتبر الله مُهدِّدًا لوجوده فرفض الله وصار يبحث عن آلهة ليخترعها، آلهة تخضع له ولا يخضع لها...
صار الإنسان عدوّ نفسه وعدوّ كلّ ما هو خارج عنه. والعَداوة مدمِّرة، أي تدفعك إلى تدمير عدوِّك لأنّه يشكّل تَهْديدًا لك. هل يستطيع الإنسان أن يدمّر الله؟!... حاشا!... في كلّ الأحوال هذا أمرٌ مُستحيل لأنّ الإنسان مخلوق والله هو الخالق... لكن، من الممكن تدمير صورة الله أي الإنسان نفسه والآخَر والخليقة الَّتي تَشهد لحكمة صانعها وجماله ولا محدوديّته... هذا ما حاول إبليس أن يحقِّقه إذ جرّب الإنسان وأسقطه مِنْ حَضْرَة الله وعِشرته... منذ السّقوط صار الإنسان مَبِيعًا للخطيئة والموت، لم يعد حُرًّا على صورة خالقه بل صار عبدًا لشهواته وأهوائه وملذّاته ومخاوفه وضعفاته لأنّه فقد الأمان والطّمأنينة والسَّلام الَّذين مَصدرهم الله....
* * *
الله المُحِبّ البشر لم ولن يترك خليقته، ورأس خليقته هو الإنسان، لذلك خطّط الله منذ الأزل للتّجسُّد، وأعلن هذا أوّل مرّة عندما قال للحَيَّة بعد السُّقوط مباشرةً: ”عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ“ (تك 3: 14 - 15). منذ هذه اللَّحْظَة نَشَأَ صِراعٌ بين إبليس والإنسان سَيَدُوم إلى يَوْمِ مَجيء الرَّبّ، لكنَّ الغَلَبَة فيه مَحْسُومَة بالَّذي يَسْحَقُ رأس الأفعوان...
هذا ما جاء ابن الله المُتَجَسِّد لِيُحَقِّقَه وقد أتَمَّهُ في ذاته ومنح المؤمنين به أن يشتركوا في الواقع الجديد والخليقة الجديدة الَّتي هو باكورتها كإنسان...
يسوع المسيح هدم سياج العداوة بين الإنسان والله في ذاته لأنّه كإنسان أحبّ الله وأسلم ذاته إليه في طاعةٍ كاملة إذ ”أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ“ (في 2: 7 - 8). ردّ يسوع للإنسان وحدته الدَّاخليّة الكيانيّة إذ فيه صار الإنسان يحيا بمشيئة الله، وجدَّد الطَّبيعة في جسده فعاد الانسجام والوحدة بين الإنسان والكون في طاعة الله.
في يسوع المسيح لم يَعُد يوجد صراعٌ داخليّ في الإنسان بين مشيئته ومشيئة الله، الإنسان أطاع الله طاعةً كامِلَةً ونِهائيَّة لأنّه يُحِبُّه وليس غصبًا أو جبرًا، وتمام هذه الطَّاعة كان في الصّليب حيث مات آدم العتيق مَوْتًا نهائيًّا إذ حمل يسوع على عاتقه خطايا البشريّة إذ تحمّل نتيجتها الّتي هي قبوله بموت الجسد ليغلب بالموت الموت الرُّوحيّ أي العصيان فيخلق في ذاته لله شعبًا جديدًا وخليقةً جديدةً على صورته، على صورة الله ومثاله.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، لن يجد الإنسان سلامًا ما لم يؤمن بيسوع المسيح الذّي هو إله السَّلام وسلامنا نفسه. سلام يسوع هو حقيقة الدَّهر الآتي، هو ليس من هذا العالم، وبالتَّالي لا يُعَكِّرُه شيء من العالم.
في الدُّنيا حروب وقتل ودمار ووحشيّة وحقد وانتقام وكراهية وفساد وإفساد وآلام وظلم وجشع وطمع ودنس، إلخ. هذا كلّه لأنّ البشر لم يعرفوا الحقّ، لم يعرفوا يسوع. لا خلاص للعالم من عداواته بين الشُّعوب إلَّا بيسوع المسيح، لذا وُضِعت علينا الضَّرُورة والحاجة أن نبشِّر بخلاص إلهنا وحقِّه ليصير العالم مكانًا أفضل.
لن يوجد سلام إذا لم يَسُدْ الحَقّ، والحَقّ في العالم مَرفُوض إذْ ”أَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً“ (يو 3: 19). عمل ”أبناء النُّور“ (يو 12: 36) هو اقتناء سلام الله في داخلهم ليغلبوا بقوَّةِ الرَّبّ وسلامه كلّ عَداوَة فيَصيروا بالمسيح باكورة الخليقة الجديدة في هذا العالم وبقعة من ملكوت الله في هذا الدّهر إلى أن يُستَعلنَ الملكوت أخيرًا في يوم الرّبّ...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)
حطمتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل(باللّحن الرّابع)
إنّ الهيكل الكُلّيّ النَّقاوة هيكل المُخلِّص. البتول الخدر الجزيل الثّمن. والكنز الطّاهر لمجد الله. اليوم تدخل إلى بيت الرّبّ. وتُدخِل معها النّعمة الّتّي بالرّوح الإلهيّ. فلتُسبّحها ملائكة الله. لأنّها هي المظلّة السّماويّة.
الرّسالة (أف 2: 14– 22)
الرَّبُّ يُعطي قوَّةً لشعبه
قَدِّموا للرَّبِّ يا أبناءَ الله
يا إخوةُ، إنَّ المسيحَ هو سلامُنا، هو جعلَ الإثنينِ واحدًا، ونقَضَ في جَسدِه حائطَ السِّيَاجِ الحاجزَ أَيِ العَداوَة، وأبطلَ ناموسَ الوصايا في فرائضِهِ، ليخلُقَ الإثنَينِ في نفسِهِ إنسانًا واحِدًا جَديدًا بإجرائه السَّلام، ويُصالِحَ كِلَيْهِما في جَسدٍ واحدٍ معَ الله في الصَّليب، بقَتلهِ العَداوةَ في نفسِه. فجاءَ وبشَّركم بالسَّلامِ، البَعيدينَ منكُم والقَرِيبين، لأنَّ بهِ لنا كِلَيْنا التّوصُّلَ إلى الآبِ في روحٍ واحد. فلستُم غرباءَ بعدُ ونُزلاءَ، بل مُواطِنو القدِّيسِينَ وأهلُ بيتِ الله. وقد بُنِيتُم على أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، وحجرُ الزّاويةِ هو يسوعُ المسيح نفسُهُ، الَّذي بهِ يُنسِّقُ البُنيانُ كُلُّهُ، فينمو هيكلًا مقدَّسًا في الرَّبّ. وفيهِ أنتم أيضًا تُبنَونَ معًا مَسِكنًا للهِ في الرُّوح.
الإنجيل(لو 12: 16-21)(لوقا 9)
قال الرَّبُّ هذا المثل: إنسانٌ غَنيٌّ أخصبَتْ أرضُهُ فَفكَّر في نفْسِه قائلًا: ماذا أصنع؟ فإنَّه ليْسَ لي موضِعٌ أخزنُ فيه أثماري. ثمَّ قال هذا: أصنع هذا، أهدِمُ أهرائي وأبْني أكبَرَ منها، وأجْمَعُ هناكَ كلَّ غلَّاتي وخيْراتي، وأقولُ لِنفسي: يا نْفسُ، إنَّ لكِ خيراتٍ كثيرةً، موضوعةً لسنينَ كثيرةٍ، فاستريحي وكُلي واشْربي وافرحي. فقال له الله: يا جاهِلُ، في هذه اللَّيلةِ تُطلَبُ نَفسُكَ منْكَ، فهذه الَّتي أعدَدْتَها لِمن تَكون؟ فهكذا مَنْ يدَّخِر لنفسِهِ ولا يستغني بالله. ولمَّا قالَ هذا نادى: مَنْ لَهُ أُذنانِ للسَّمْع فَلْيسْمَع.
حول الإنجيل
حياة الإنسان ليست في كثرة أمواله، بكلامٍ آخَر لا تتوقَّف الحياة على المُمتلكات ولا يُمْكِن للغِنى أنْ يُعطي حياةً أطْوَل وأكثر سلاميَّة .
الرَّبّ يسوع أعطى مثل الغنيّ لأنّ أخَوَيْن قد اختلفا على الإرث واشتكيا عند الرَّبِّ يسوع .يردّ الرَّبّ على شكوى الأخَوَيْن بِمَثَل مِنْ دُرَر الكتاب المُقَدَّس، فَيَصِف علاقة الغنيّ بالمال والامتلاك علاقة سالبة للعقل وللوقت لأنَّه مأخوذٌ بِبِناء المَخازِن الَّتي لم تَسَعْ فيأخذ اسم من الرَّبِّ (الجاهل). هذا ما أكَّد عليه يعقوب الرَّسول في رسالته (٥ : ١- ٣) حيث يقول: "أيُّها الأغنياء، ابكو مُوَلْوِلين على شقاوتكما القادمة، غناكم قد تهرَّأ ونباتكم قد أكَلَها العِثّ، ذهبكم وفضَّتكم قد صدأت وصدأهما يكون شهادةً عليكم ويأكل كلّ لحومكم كنار".
ربّنا لا يرفض الأغنياء بِحَدِّ ذاتهم، إنَّما يُعاتب الَّذين يُسيئون إلى غنائهم لأنَّ الغِنى إذا سَيْطَر على كيان الإنسان فيُصْبِح المال الهَدَف الوَحِيد والأخير للحَياة، فيَسْتَخدِم الإنسان أيّ وسيلةٍ لتحقيق هذا الهدف .فالغنى إذا كان هو الهدف من دون أن يعرف الإنسان ما خطره، إنَّما يضع نفسه أمام أنواعٍ كثيرةٍ مِنَ الخطايا والإثم بسبب ما يؤمِّن المال لخدمة الشَّهوات ومحبَّة الذّات، فلا يترك الإنسان أيّ شيءٍ يقف في طريقه ليُحقِّق غايته .هذا النَّوع من الزَّحف فقط وراء المال يدخل في السُّقوط، في عالم الكذب والسَّرقة، ويَصِل للإلحاد فلا يعود للإيمان والأخلاق قيمة لأنّه يُقايض كلّ هذا بالمال، فبُولس الرَّسُول يقول في رسالته إلى تيموثاوس الأولى (٦: ٩ – ١٠): "أمّا الَّذين يُريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربةٍ وفخٍّ وشهواتٍ كثيرة، غبيَّة ومُضِرَّة تغرِّقهم في العطب والهلاك".
الغنى هدفه دفع الغنيّ لخدمة الله والإنسان، وأن لا يكون المال فقط للمعدة بل استثمار مع أخيك الإنسان أمامَ الله. البشريَّة متألِّمَة وليس شيءٌ ملكُ للإنسان بل كلُّ شيءٍ هو ملكُ الله، والإنسان مجرَّد وَكيلٍ لله يُدير شؤونه .
كتب القدِّيس باسيليوس الكبير: "لا نَستطيع أن نَضَع حذاءً كبيرًا في رِجْلَي طفلٍ وننتظر أن يَسير به دون أن يقع".
أيُّها الأخ الحبيب، استعمل غِناكَ كما يَجِب ولا تَدَعه يُسيطر على عقلك وحياتك، لكن اِجعل استعماله وسيلةً للتَّقرُّب من أخيك الإنسان والله.
التّكريس ودخول السّيّدة إلى الهيكل
”إِذَا نَذَرْتَ نَذْرًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ فَلاَ تُؤَخِّرْ وَفَاءَهُ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ يَطْلُبُهُ مِنْكَ فَتَكُونُ عَلَيْكَ خَطِيَّةٌ" (تث 23: 21).
إنَّ الزَّوجَيْن الفاضلَيْن يواكيم وحنّة بعدما كانا عاقرَيْن ومَنَّ الرَّبُّ الإله عليهما بثمرةِ البَطْنِ، مريم، أخذاها إلى الهيكل لتُقيمَ فيه وَفاءً لنَذْرٍ كانا قد قَطعاه على نَفْسَيْهِما. بهذا المَعنى كانت سيِّدتَنا والِدَةَ الإله مُكَرَّسَةً للرَّبِّ منذ طفولتها. ولم يدرِ آنذاك والدَيْها أنَّ هذه الطِّفلة ستُصْبِح نَموذَجًا لكُلِّ بتولٍ بل لكُلِّ إنسانٍ مُكَرَّس للرَّبّ.
إنَّ التَّكريسَ للرَّبِّ في المسيحيَّة لا يعني فقط الرَّهبَنَة. فمُنذ الأيَّام الأولى للطِّفل، يُدخَل إلى الهيكل كعلامةً أولى للتَّكريسِ، وأثناءِ خدمة المعموديَّة المُقدَّسَة يتمُّ قَصُّ شعر رأسه كعلامةٍ أخرى لتكريسه للرَّبّ. إنَّ كلَّ لحظةٍ يعيشها المُؤمِن هي مُكَرَّسَة للرَّبِّ، فنحن نردِّد في القُدّاس الإلهيّ وفي كُلِّ طلبةٍ يتلوها الكاهن "فَلْنُوْدِع ذواتنا وبعضُنا بعضًا وكُلَّ حياتَنا للمسيح الإله". تبقى الرَّهبنة بمَعناها وارتباطِها الكُلّيِّ بالرَّبِّ كقرارٍ ناضجٍ ودعوة مُبارَكة لتَدُلَّ على التَّكريس الكامِل لله قَلْبًا وقالِبًا.
إنَّ سيِّدتَنا والدَةَ الإله في عيدِ دُخولِها للهيكَل وتَكريسِها لله تُؤكِّد لنا أنَّها وَضَعَتْ حياتَها منذ الطُّفوليَّة ولغاية رقادها واِنتقالِها بِيَدِ الرَّبّ إلهها. وما حصَلَتْ عليه مِنْ نِعَمٍ وبَرَكاتٍ هو نتيجة حتميَّة لهذا التَّسليمِ الإلهيّ مِنْ جِهَةٍ، ولجهادِها وصَلاتِها ومَحبَّتِها للاِنصياعِ لِكَلِمَةِ الله مِنْ جِهَةٍ أخرى. فَرَئيس المَلائكة عندما أطلعها بالحَبَلِ بالرَّبِّ يسوع كان ينتظر منها جوابًا إمّا إيجابًا أو سلبًا. وقرارها بالقُبُول لهذه الدَّعوَة لِتَكونَ أمًّا للعَلِّيّ هو نابعٌ مِنْ طاعَتِها وتكريسها بالكامل لله. لذلك نحن مَعْشَرُ المَسيحيِّين مَدعوُّونَ اليوم لِنُكَرِّس ذواتِنا وحياتَنا للمسيح الَّذي أحبَّنا ويَعِدُنا ببركاته ونعمه إنْ اِقتَدَيْنا بسَيِّدتنا والدة الإله، لها كلُّ إكرامٍ وتَسبيحٍ إلى الأبد، آمين.
تأمُّل في دخول السَّيِّدة إلى الهيكل
المطران بولس (بندلي)
في الحادي والعشرون من شهر تشرين الثّاني تُعَيِّد الكنيسة المُقَدَّسة لدُخول العذراء الكلِّيَّة القداسة والدَّائمة البتوليَّة مريم إلى الهيكل. ونتذكَّر كيف أنَّ تلك الفتاة الَّتي سلَّمت حياتها للرَّبِّ خالقها وأكَّدتْ للملاك جبرائيل المُرسّل إليها مِنْ قِبَلِه أنَّها أَمَةٌ له مُكرِّسةً حياتها لكي يَتُمَّ ما قيل لها مِنَ الله، فأصبحتْ هَيْكَلاً للسَّيِّد تحمله في أحشائها بحلول الرُّوح القُدُس عليها، وأضْحَتْ هكذا فردَوْسًا ناطِقًا كما تدعوها صلواتنا.
أيُّها الأحبّاء، إذ نُعَيِّدُ لدُخولِها الهيكل، نحن مدعُوُّون أنْ ندخل معها الهيكلَ الإلهيّ، وفي الهيكلِ المُقدَّس بدم الحَمَل القُدُّوس الإلهيّ الَّذي ارتَضى أنْ يُولَدَ مِنْ أمِّهِ الَّتي اختارَها مِنْ مَصَفِّنا نحن البشر، نتقدَّس بالشَّرِكَة الَّتي تجمعنا بعضنا مع بعض حَوْلَه فنتناول جسده المُقَدَّس ودمه الكريم لغفران خطايانا ولحياةٍ أبَدِيَّةٍ نَحياها به؛ وحينئذٍ يسكن فينا حقيقةً وفي دخولنا الهيكل المُقدَّس نُصبح حاملين القُدُّوس المَوْلُود مِنَ العذراء فنتحوَّل بالنِّعْمَة إلى هياكل لله الحَيْ.
إنَّه لَسِرٌّ عَظيم يتحقَّق، فنحن التُّرابِيُّون نتقدَّس بالنِّعْمَة فنُدْعَى أن نصبح مِظَلَّةً إلهيَّةً لذاك الَّذي لا يَحُدُّه زمانٌ ولا يَسَعْهُ مكان. هذا كلُّه يتحقَّق بالنِّعْمَة الَّتي بها نَخْلُص، نعمة الله الَّذي لا يتركنا أبدًا.
فهلمُّوا ندخل الهيكل مع أمِّنا العذراء الكلِّيَّة القَداسَة ليس كواجِبٍ “دينيِّ” كما نسمِّيه أحيانًا ولكن بدافع الارتِقاء إلى الهيكل السَّماويّ حيثُ الله مع الملائكة والقدِّيسين المُحيطينَ به فنَسْمَع معهم ما لم تَسْمَعه أذن، ونرى معهم ما لم تراه عَيْنٌ، ونشاركهم بفرح لا يخطر على بالِ بَشَرٍ ننقله بأمانةٍ إلى عالمٍ متعطِّشٍ دائمًا إلى رحمةٍ إلهيَّة، ولن تكون حاجته إلَّا إلى الله وحده الَّذي يستطيع أن يعطيه كلَّ نعمة. آمين.