نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 5 تشرين الأوّل 2023
العدد 45
الأحد (22) بعد العنصرة
اللّحن 5- الإيوثينا 11
أعياد الأسبوع: *5: الشّهيدين غالكتيون وزوجته أبيستيمي، القدِّيس أرماس ورفقته *6: القدِّيس بولس المُعْتَرِف رئيس أساقفة القسطنطينيّة *7: الشُّهداء الـ 33 المستشهَدين في ملطية، القدِّيس لَعازر العجائبيّ *8: عيد جامع لرئيسَيِ الملائكة ميخائيل وغفرئيل وسائر الطّغمات العادمي *9: القدّيس نكتاريوس أسقف المدن الخمس، القدِّيس يوحنَّا القصير، البارّة ثيوكتيستي، الأجساد، الشّهيدين أونيسيفورس وبورفيريوس، البارَّة مَطرونة *10: الرُّسل كوارتُس وأولمباس ورفقتهما، الشَّهيد أوريستوس، القدّيس أرسانيوس الكبادوكيّ *11: الشّهداء ميناس ورفقته، القدّيسة استِفاني، القدّيس ثيوذورس الإسطوذيتيّ.
كلمة إفتتاحيّة
أعداء الإنسان أهل بيته
العائلة في مفهومنا الإيمانيّ هي كنيسة صغيرة، فيها يتعلَّم الطّفل الإيمان، ويتعرَّف على المسيح. الطّفل فيها يكون كالإسفنجة يتشرّب كلّ شيءٍ يُعطى له ويدور حوله، مِنْ كلامٍ وتصرُّفاتٍ وانفعالاتٍ ورُدود أفعالٍ على أنواعها، حتّى وإن لم تكن موجّهةً إليه مباشرةً. يتأثَّر بكُلِّ ما يدور حوله مِنْ مشاعرٍ وصُوَرٍ وكلامٍ. في العائلة يتعلَّم أوَّلًا الإيمان، إذ بالنِّسبة له أهله يُمثِّلون الله. لأنَّه غيرُ قادِرٍ بعدُ أن يُميِّـز بين الله وأهله، وما هو الإيمان. أهله هم مِثالُه الأعلى، ما يطبعونَه فيه عليه ينمو ويكبر، لهذا إنْ كان هناك خللٌ في تنشئته يصعبُ عليه عندما يكبر أن يرى هذا الخلل أو يصلحه، لأنه مترسِّخٌ فيه، ملتصِقٌ به التِصاق الجِلْدِ بالجسد، لا يعرف أن يُميِّز ما هو صالحٌ فيه وما هو معطوبٌ، ما عليه تغييره وما عليه الاحتفاظ به. هذا يكلّفه عناءً كبيرًا وصراعًا لا يعرفه إلَّا صاحبه.
* * *
مسؤوليّة الأهل كبيرة، إمّا ينقلون لأولادهم المسيح، أو ينقلون لهم روح العالم. وهذا سيُعطون جوابًا عنه أمام الرَّبّ. لأنَّ أولادنا ليسوا ملكًا لنا، هم أمانةٌ ثمينةٌ مِنَ الرَّبِّ عندنا، علينا أن نحافظ عليها، وأنْ نوصلهم إلى الطَّريق الَّتي تؤدِّي بهم إلى الملكوت، وليس إلى الهلاك الأبديّ. كلُّ ما يَعيشه الأولاد في حياتهم، الأهل هم مسؤولون عنه بطريقةٍ أو بأخرى. لأنَّهم إمَّا ساعَدوا أولادَهُم على بناء شخصيَّتِهم بطريقةٍ مُتوازنة ومَتينة، وإمَّا جَعَلوهم مُدَمَّرين أو ضُعفاء الشَّخصيَّة لا يعرفون أنْ يتَّخِذوا القرارات الصّحيحة، أو أقلّه أن يتحمَّلوا نتائج قراراتهم مهما كانت.
المشكلة الكبيرة أنَّنا نطبع أولادَنا بشخصيّاتنا ومعطوبيّتنا، لا نساعدهم على بناء شخصيّتهم بشكلٍ حُرٍّ وسَليمٍ، لا نعرف أن نكون داعِمين لهم وموجِّهين وناصِحين، نسعى دومًا لأن نُجْبِرَهُم بطريقةٍ أو بأخرى أن يكونوا نُسْخَةً طبق الأصلِ عنّا، وإنْ لم يُحقِّقوا لنا هذا الأمر نتصادَم معهم وندَمِّرهم وندمرّ نموَّ شخصيَّتِهم لنثبّت ونفرض شخصيَّتنا عليهم. وهذا دمار لأطفالنا.
* * *
على الأهل أن يُوازِنوا بين التَّربية والتَّأديب وبين الحرِّيَّة المعطاة للطِّفل لكي تنمو شخصيَّته بطريقةٍ مُتَّزِنَة. المشكلة أنَّه في القديم كان الأهل قُساةً وصارِمين مع أولادهم، أمَّا في هذا العصر فأصبحوا مُتهاوِنين كي لا نقول مُهْمِلين. ليس لديهم الصَّبْر لمتابعة تفاصيل حياة أولادِهم وتربيتهم وسَماع مُشكلاتِهم وتَساؤلاتهم الوجوديَّة والشَّخصيَّة، والسَّبب أنَّهم مُنشَغِلون بأعمالهم، وسهراتهم، ومناسباتهم الاجتماعيّة، وتسلياتهم، وغيرها. أولادهم ليسوا أولويَّة، أنفسهم أصبحت الأولويَّة، شهواتهم أصبحت الأولويَّة، والأولاد متروكون لمصيرهم، وعندم يكبرون يلومون الله على المشاكل والمصائب الَّتي يَعيشها أولادهم، ولا يفطنون بأنَّهم هم المذنبون، لا أولادهم ولا الله، مذنبون في سوء تربيتهم.
المشكلة الكبيرة أنَّ الولد إنْ لم يَحصُل على الحبِّ والحنان بشكلٍ مُتوازِنٍ مِنْ أباه وأمِّه، ستختلُّ شخصيَّتُهُ، وسيشعر بعدم الأمان، أو عدم الثِّقَة بنفسه، سيشعر بنقصٍ ما لكنّه لا يعرف سببه وبالتَّالي لا يعرف كيف يُطفئ هذا العطش أو الاضطراب الَّذي في داخله، وسيلجأ إلى طُرُقٍ خاطِئَةٍ ومدمِّرةٍ لِتَعويض هذا النَّقص، عبر أخذ الحنان والاهتمام من الأشخاص غير المُناسِبين. وهذه هي المصيبة، لأنَّه متى غرق الأولاد في الخطيئة يَصعب استرجاعهم بسهولةٍ. لأنَّه إنْ لم يَعِ المرء واقعه وما الَّذي يدفعه إلى مثل هذه الأنواع من التَّعويض، فلن يُصلِح طريقه، وحتَّى إنْ استطاع أن يدرك واقعه، فهو بحاجَةٍ إلى مَنْ يُساعِدُه، ويرشدُه إلى السَّبيل القويم.
* * *
نُعاني ما نُعانيه، إمَّا الأهل وإمَّا الأولاد، بسببِ غِياب نِعْمَةِ الله عن حياة هذه العائلات، لأنَّ مَنْ كانت فيه روحُ المسيح ونِعْمَتُهُ، يعرف كيف يتعاطى مع كلِّ النَّاس، انطِلاقًا مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ وإلى كلِّ النَّاس الَّذينَ حَوْلَه. يعرف متى يؤدِّب وكيف يؤدِّب أولادَهُ لكي لا يَجرَحهم أو يَكسرهم، ويعرف متى يتعاطى بحنانٍ ولين. يصبح حسَّاسًا لمشاعر أولاده وأفكارهم وتصرُّفاتهم، ولا يقدر أنْ يراهم ذاهبين إلى الهَلاك وهو غير مهتمِّ، لَا بَل يحترق قلبه عليهم لكي يُصْلِحهم ويزرع في حياتهم كلمة المسيح وحياته.
الخطر الأعظم والحرب الأكبر، هي عندما يكتشف أحد الأطفال طريق التَّوْبَة والعودة إلى الله ويحاول أنْ يحيا بِوَصِيَّة المسيح فيجد أن أهله يحاربونه لأنَّه يتغيّر. أهله يُعادُونَه، وينتَقِدُونَه، ويَستَهزِؤون به، فقط لأنَّه بدأ يختلف عنهم. يحاول أن ينزع عنه شخصيَّة أهله الدَّهريَّة ويُريد أنْ يلبس حياة المسيح. يُعادونَه لأنَّهم يشعرون أنَّ الأمور بدأت تُفْلِتُ من أيديهم، يتحجَّجون بأنَّهم يخسرونه، لكن في الواقع هم يرفضون تغيُّره، لأنَّ ذلك يفضح في حياتهم ومسلكهم كلّ ما لا يُرضِي الرَّبّ، لكنَّهم لا يُدْرِكُون أنَّه يربح نفسه ويَربَحونه بهذه الطَّريقة. لا يُريدون لأحدٍ أنْ يُذَكِّـرَهم بضعفهم وخطيئتهم، فيكف إنْ كان ابنهم من لحمهم ودمهم، لهذا قال الرَّبُّ: "أعداء الإنسان أهلُ بيته".
* * *
يا إخوة لِنَصحو ونتيقَّظ لحياتنا وحياة أولادِنا، لا نحن ولا هم باقون في هذه الحياة، وكلٌّ مِنَّا سيُعطي جوابًا عن حياته وحياة مَنْ كانوا أمانةً لديه، فلنفكِّر بالجواب مِنَ الآن قبل فَواتِ الأوان حيث ينتهي الكلام عند المحاكمة الأخيرة، آمين.
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرِّسالَة(غلا 6: 11-18)
خلّص يا ربُّ شعبَك وبارك ميراثَك
إليكَ يا ربُّ أَصرخ: إلهي
يا إخوة، أُنظروا ما أعظمَ الكتاباتِ الَّتي كتبتُها إليكم بيدي. إنَّ كُلَّ الَّذينَ يُريدون أن يُرضُوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزمونكم أن تَختَتِنوا، وإنَّما ذلكَ لئلَّا يُضطهَدوا من أجلِ صليبِ المسيح. لأنَّ الَّذينَ يَختَتِنون هُم أنفسُهم لا يحفَظون النَّاموسَ، بل إنّما يُريدون أن تَختتِنوا ليفتَخِروا بأجسادِكم. أمَّا أنا فحاشا لي أن أفتخِرَ إلَّا بصليبِ ربِّنا يسوعَ المسيح، الَّذي بهِ صُلبَ العالمُ لي وأنا صُلبتُ للعالم. لأنَّهُ في المسيح يسوعَ ليسَ الخِتانُ بـــشـــيء ولا القَلَفُ بل الخليقةُ الجديدة. وكلُّ الَّذين يسلُكُون بحسَبِ هذا القانونِ فعليهم سَلامٌ وَرحمةٌ، وعلى إسرائيلِ الله. فلا يجلِبنَّ عليَّ أحدٌ أتعابًا في ما بعدُ، فإنّي حامِلٌ في جسدي سماتِ الرَّبِّ يسوع. نعمةُ ربِّنا يسوعَ المسيحِ معَ روحِكم أيُّها الإخوة. آمين.
الإنجيل(لو 16: 19-31)(لوقا 5)
قال الرَّبُّ: كان إنسانٌ غنيٌّ يلبس الأرجوان والبزَّ ويتنعَّم كلَّ يوم تنعُّمًا فاخِرًا. وكان مِسكينٌ اسمه لعازر مَطروحًا عند بابه مُصابًا بالقُروح، وكان يشتهي أن يشبع من الفُتاتِ الَّذي يَسْقُطُ من مائدة الغنيّ، فكانت الكلاب تأتي وتَلْحَسَ قروحَه. ثمّ مات المسكين فنقلته الملائكة إلى حضن إِبراهيم. ومات الغنيّ أيضًا فَدُفِن. فرفع عينيه في الجحيم، وهو في العذاب، فرأى إِبراهيم مِنْ بَعيدٍ ولعازر في حضنه. فنادى قائلًا: يا أبتِ إِبراهيم ارحمني وأَرسِل لعازر ليغمِّس طرَف إصبعه في الماء ويبرِّد لساني لأنّي معذَّب في هذا اللَّهيب. فقال إِبراهيم: تذكَّر يا ابني أنّك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بَلاياه. والآن فهو يتعزّى وأنت تتعذَّب. وعلاوةً على هذا كلِّه فبيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت، حتّى أنَّ الَّذين يريدون أنْ يجتازوا من هنا إليكم لا يستطيعون ولا الَّذين هناك أنْ يعبروا إلينا. فقال: أسألك إذن يا أبتِ أنْ ترسله إلى بيت أبي، فإنَّ لي خمسةَ إخوة، حتّى يشهد لهم لي فلا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا. فقال له إِبراهيم: إنَّ عندهم موسى والأنبياءَ فليسمعوا منهم. قال: لا يا أبتِ إِبراهيم، بل إذا مضى إليهم واحدٌ من الأموات يتوبون. فقال له: إنْ لم يسمعوا من موسى والأنبياء فإنَّهم ولا إنْ قام واحِدٌ من الأموات يُصدّقونه.
حول الإنجيل
الخطر الكبير
يقول القدِّيس باييسيوس الآثوسِيّ أنَّ هنالك مَوْجَةُ جنونٍ تضرب العالم اليوم، لقد تَمَّ تفكيك كلَّ شيء: العائلة، التَّعليم، الخدمات وانتشرَتْ اللّامُبالاة إلى أقصى الحُدود. وإذا ما جرى أمرٌ ما فترى البعض يفغرون أفواههم وبعضهم يتفرّج بفضول وآخرون يمرّون وكأنّ شيئًا لم يحدث. ويسمّي هذه الحالة باللَّامبالاة المُطلقة. ولم يعد للتَّفاني في الخدمة مكان وأصبحتْ تُسَيْطِرُ على النَّاس روحٌ فاترة تجعلهم يفتقرون إلى الرُّجولة. إنَّ جيل اليوم هو جيل اللَّامبالاة. المسيحيُّون الأوَّلون جاهَدوا مِنْ أجل الإيمان وقاوموا الأعداء لئلَّا يرتكبوا أمورًا سيِّئة وتخلو لهم السَّاحَة، مَسيحيُّو اليوم للأسف لا يصلحون لِخَوْض المعارك.
صحيح أنّ السَّنوات الَّتي تمُرُّ علينا صعبة، والمشاكل لا تنتهي والأمور تتعقّد، لكن كيف يستطيع الإنسان مواجهة هذا الأمر الصَّعب إنْ لم يتحلَّ بالمحبَّة والشَّجاعة والتَّفاني في الخدمة.
اللَّامُبالاة، هي صورة واقعيّة عن موت نفس الإنسان، إنَّها إقرار بنُكران كلّ ما لم يصبّ في خانة الرَّاحة الذّاتيّة لدرجة التَّنازُل عن كلِّ المَبادئ والأسس الإنسانيّة والأخلاقيّة وهذا هو الخطر الكبير. هي إغلاق باب القلب عن كلِّ ما هو خارج "الأنا"، وما يأتي بالفائدة المادِّيَّة أو المَعنوِيَّة فهو فقط ما يَعنيني. وبمِقدار ما يتعاظم "الأنا" بمِقدار ما تزداد قُوَّةُ اللَّامبالاة وتزداد روح التَّشرذُم والانفصال في حياة الجماعة والمجتمع، فلا يعود للحَقِّ من قوَّةٍ للدِّفاع عن الباطل، ولا للعدل سلطة تجاه الظُّلم كما يسود عالمنا اليوم، حتَّى العدالة الدُّوَلِيَّة فيه زالت.
الرَّبّ يسوع في مثله عن الغنيّ ولعازر، يُرينا صورةً عن اللَّامبالاة ونتيجتها. الغنيّ يُطرح على بابه الفقير، أمام عينيه، ومسار قدميه، لكنّ روح اللَّامُبالاة أغْشَتْ عيناه وأماتت حَواسَهُ، فلَمْ يُبادِر ولو بالقليل من الاهتمام أو باليَسير ممّا عنده لتقديمه، لدرجة أوصلته إلى أرض النِّسيان، إلى الجحيم. باللَّامُبالاة خسر الغني خلاصه وذلك بمروره أمام الفقير وكأنَّ أحدًا لم يكن. لعازر قدّم الفرح الأبديّ للغنيّ بوجوده، لكن اللَّامبالي يرى الأمور بمنظارٍ مغلق ومنعزل.
الصَّليب فخرنا، هو رمزٌ للمحبَّة والانفتاح والخدمة هو بذل دمٍ وتضحيةٍ، هو احتضانٌ ورعايةٌ على مثال الَّذي أحبَّنا حتّى الموت، موت الصَّليب، ربَّنا يسوع المسيح له المجد إلى الأبد. آمين.
إهمال الصَّلوات الكنسيَّة
لماذا مُعظَم الشَّعب الأرثوذكسيّ يُهمِل الصَّلوات الجَماعيَّة، خُصوصًا قدّاس يوم الأحد؟
لدى النَّاس تبريرات عديدة، أهمّها أنّهم يتعبون في أعمالهم طيلة أيّام الأسبوع، ويحتاجون إلى الرَّاحة والنَّوْم الإضافيّ أو التَّرفيه يوم الأحد. مِنْ هنا نفهم أنَّ عُمق المشكلة هو أنّ معظم النَّاس لم يَعودوا يعتبرون أنّ راحتهم "في يوم الرَّبّ"، كما علّم كليمنضس الإسكندريّ (215+).
إنّ التَّربية المَسيحيّة الصَّحيحة تحتاج إلى قطبَيْن، أوَّلهما عمل الكهنة، وثانيًا عمل أهل البيت. لا أحد يُنكِر التَّقصير الَّذي أصاب خُدّام الكنيسة هنا أو هناك، ولكن هذا لا يُبرِّر تقصير الأهل أيضًا في التَّربية الكنَسيّة. فإن كان الكاهن لسببٍ ما لا يؤدّي خدمته كاملة، فهل هذا يُعفيكَ مِنَ الاشتراك في جسد المسيح ودمه الإلهيّين اللَّذيْن بدونهما ليس لنا حياة؟!... (يو 53:6). وما يُستَهجن كثيرًا هو أن يطلب والد أو والدة أن يذهب أولادهما إلى الكنيسة من دون أن يكونا موجودَيْن معهم أو قبلهم. فالقُدْوَة لا تكون بالكلام فحسب وإنّما بالتَّصرُّف. ولا يُعذَر والد أبدًا أن يرغب بأنْ يعرف أولاده الدُّنيا وفنونها، وأحيانًا أن ينغمسوا فيها مِنْ دون حكمةٍ أو تمييز، ولا يوجِّهَهم إلى الحَقّ أو يَردعهم عن ارتكاب الإثم. مَن يحبُّ الله، ونفسه، وأولاده، لا يفضِّل شيئًا على الرَّبّ والاتِّحاد به. الرَّبّ، وحبّه والاتّحاد به هو الحياة وموضوعها، وهو إرثُ المؤمنين والقيمة الحقيقيَّة. أنْ تترُك لأولادِكَ – إن كنتَ قادِرًا – مالًا ومُمتَلكات … ولا تورثهم محبَّة يسوع وطاعته، ولا تحثُّهم على أن يكونوا أعضاءً فاعلين في كنيسته، فأنت تترك لهم ما هو زائل وما لا قيمة حقيقيّة له. ولذلك إن كانت هناك مشكلة فهي في كلّ إهمال وتبرير. ولا يُعذَر مَن يَرى تبريرًا لإهماله في سلوك غيره … المشاركة في الصَّلوات الكَنَسيَّة أمر لا يُخالفه مَن وَعى أنّه انتسب في معموديَّته إلى الله، وباتَ ابنًا له. والمحبَّة لا تَكْمُل بالتَّخلُّف، لا بل تضعف وتجفّ. ولذلك كلّ عذر يتذرّع به البعض بقولهم إنّهم يُصَلُّون في منازلهم، وحجّتهم أنّ الله موجود في كلِّ مكان، هو عذرٌ لا يُفيد أحدًا، سوى أنّه يؤكّد أنَّ الشِّرّير ما زال يَصول ويَجول ويُوحي ويَقتنص ويُسقِط مَن ظنّوا أنّهم أقوياء مِنْ دونِ الله. ما يؤسَف عليه كثيرًا هو أنْ يفتِّش البعض عن أعذارٍ لمَواقِفهم الخاطئة ولا يعترفون بتشويههم الحَقّ. وكلُّ خطأ أكبيرًا كان أم صغيرًا لا يُصَحَّح من دون توبة. وأمّا المحبّة، الَّتي هي الحقيقة الكبرى، فتنمو وتزيد في الانفتاح على الله والمشاركة، بفهمٍ، في حياة الكنيسة الَّتي هي مرتع الحياة الأبديّة. من يتخلّف عن المشاركة في أسرار الكنيسة وصلواتها، هو، في النِّهاية، لا يرفض لقاء الجماعة فحسب، وإنّما يرفض الحياة الأبديَّة.
مِنْ أقوال الأب إيسيذوروس قسّ الإسقيط
من كتاب بستان الرُّهبان
+ قيل عن الأب الكبير إيسيذوروس قسّ الإسقيط: إنَّ كلّ مَن كان عنده أخ صغير النَّفْس أو شتَّامًا أو عَلِيلًا فيطرده من عنده، كان القسّ إيسيذوروس يأخذه إلى عنده ويُطيل روحه عليه، ويُخلِّص نفسه.
+ سأله الإخوة مَرَّةً قائلين: ”لماذا تفزع منك الشَّياطين؟“. فقال لهم: ”لأنّي منذ أنْ صُرْتُ راهبًا حتّى الآن، لم أَدَعْ الغَضَب يَجوز حَلقي إلى فوق“.
+ وقال أيضًا: ”إنَّ السِّيرَة الصَّالحة بدون كلام نافعة، أمّا الكلام بغير عَمَلٍ فهو باطِلٌ. لأنّ أحدهما بسكوته ينفع، والآخر بكثرة كلامه يُقلِق الآخَرين. فإذا استقام القَوْل مع العمل، كملت فلسفته“.
+ وقال أيضًا: ”إنَّ شرف التَّواضُع عظيمٌ، وسقوطُ المُتعاظِم فظيعٌ جدًّا، وإنّي أُشير عليكم بأنْ تَلْزَموا التَّواضع فلن تسقطوا أبدًا“.