نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 9 نيسان 2023
العدد 15
أحد الشّعانين
أعياد الأسبوع: *9: عيد الموسم المَجيد البَهيّ الَّذي لدخول ربّنا يسوع المسيح إلى أورشليم، تذكار الشَّهيد آفبسيشيوس، القدّيسين رفائيل ونيقولاوس وإيريني (ميتيليني) *10: الإثنين العظيم، تذكار يوسف المغبوط الكلّيّ الحسن مع التّينة الَّتي لم تُثمر، الشُّهداء ترانتيوس وبومبيوس ورفاقهما *11: الثّلاثاء العظيم، تذكار مثل عشر العذارى الوارد في الإنجيل الشّريف، الشَّهيد أنتيباس أسقف برغامس *12: الأربعاء العظيم، تذكار المرأة الزّانية الَّتي دهنت الرَّبّ بطيبٍ، القدّيس باسيليوس المعترف أسقف فارية، البارّ أكاكيوس الآثوسي *13: الخميس العظيم، تذكار الغسل الشّريف والعشاء السّرّيّ، والصَّلاة الباهرة العجيبة وتسليم ربّنا من يهوذا إلى أمّة اليهود، البارّ مرتينوس المعترف بابا رومية *14: الجمعة العظيم، تذكار آلام ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح المقدّسة الخــــلاصــيّة الرّهيبة، الرُّسُل أريسترخس وبوذس وتروفيمس، وهم من الرُّسُل السَّبعين *15: سبت النّور، تذكار دفن الجسم الإلهيّ، وانحدار ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح إلى الجحيم، الرَّسول الشَّهيد كريسكس.
الكلمة الإفتتاحيّة
الدُّخول إلى أورشليم
"ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا"
هذا الأحد هو المدخل إلى آلام المسيح وتمجّده وقيامته، إنَّه الدُّخول إلى أورشليم. إلى المدينة القاتلة للأنبياء "يَا أورشليم، يَا أورشليم! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا..." (مت23: 37). يعرفها جيّدًا ويعرف شعبها وقادتها. لكنّه يأتي إلى ساعته بإرادته، يأتي وهو عارفٌ أنَّه سيُسَلَّـم ويتألّم ويُصلب في أورشليم. هو أتى من أجل هذه السّاعة، ساعة المجد، الَّتي ستمنح كلَّ الجنس البشريّ الخلاص، وإمكانيّة العودة إلى الفردوس.
أتى إلى بيت عنيا قبل الفصح اليهوديّ "بستَّة أيّامٍ"، حيث كان لعازر الَّذي أقامه من بين الأموات بعد أربعة أيّامٍ لموته، ممهِّدًا الرَّبّ بذلك لموته وقيامته. فكانت إقامة لعازر برهانًا على ألوهة المسيح، ممّا دفع الكثيرين ليؤمنوا به، وكانت في الوقت عينه السَّبب الَّذي دفع رؤساء الكهنة لكي يتشاوروا على قتله.
"لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ". هذه الآية هي تردادٌ لنبوءة زخريّا في العهد القديم وتحقيقٌ لها: " اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ." (زخريّا 9: 9). لكن لماذا دخل على حمار؟ في التّراث اليهوديّ كان الملك المُنتصر في الحرب لا يعود إلى مدينته على حصانٍ، بل على حمارٍ رمزًا لأنّه عائدٌ منتصر، وقد أوقف القتال، وحامل معه السَّلام والغلبة (1ملو 1: 37-46). وهنا يسوع هو المخلِّص لشعبه، وهو الملك المنتَظَر، يدخل إلى مدينته أورشليم ملكًا وديعًا، مُبشّرًا بالسَّلام والغلبة على الموت والخطيئة. وأنّه وهو وحده مَنْ سيُقدِّم نَفسه ذبيحةً عن كلّ شعبه المؤمن به.
فرش له الجمع ثيابهم وأغصان الأشجار إشارة لغلبته على الموت ظافرًا؛ ظافرًا بمحبّته ووداعته وسلامه، دخل دخولًا إلهيًّا. لكنّ المفارقة أنّ شعب اليهود أعلنوه ملكًا، بغير إدراكٍ واعٍ منهم، بأنّه هو المُبارك، وهو ملك إسرائيل. والدَّليل على ذلك، أنّهم بعد أيّامٍ قليلةٍ، هم نفسهم سيصرخون "اصلبه اصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا". ما هذا التّناقض المُخيف؟!.
ألا أعطانا الرَّبُّ المخلِّص أن نُطهّر قلوبنا من كلِّ ظلمةٍ، ونتعلّم كيف نَـبقى أمينين له، فلا نتخلّى عنه عند عرش صليبه، ومذبح قبره. لأنّه لا يسكن إلّا في القلب الطّاهر النّقيّ. لكي نتمكَّن من الدُّخول معه إلى أورشليم العلويّة، فنكون كالأطفال الأبرياء. وإلّا سيكون دخولنا إلى أورشليم الأرضيّة كمثل اليهود، قاتلين للمسيح ورافعينه على الصَّليب بسبب كبريائنا وعجرفتنا وامتلائنا من أنفسنا. بل فلنفرش أمامه سُعُوفَ الفضائل الإلهيّة، والأعمال الصّالحة، والرّحمة. وثياب الطّاعة له، غاسلينها بماء المعموديّة، ودموع التّوبة، ناثرين أفكارنا ونيّاتنا تحت قَدَمَيْ المسيح لكي ينقّيها.
ولنصرخ مع الأطفال " مبارك الآتي باسم الرَّبّ، ملك إسرائيل"، مُقِرّين أنّه هو وحده الملك والسّيّد على حياتنا وقلوبنا، آمين.
* * *
طروباريّة العيد الأولى (باللَّحن الأوّل)
أيُّها المسيحُ الإله، لـمَّا أقَمْتَ لعازَرَ مِنْ بينِ الأمواتِ قبْلَ آلامِك، حَقَّقْتَ القِيامَةَ العامَّة. لذلِكَ، وَنحْنُ كالأطفال، نحمِلُ علاماتِ الغَلبَةِ والظَّفَر، صارِخِينَ نحوكَ يا غالِبَ الموت: أوصَنَّا في الأعالي، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ.
طروباريّة العيد الثّانية (باللَّحن الرابع)
أيُّها المسيح الإله، لـمّا دُفِنّا معك بالمعموديّة، إستأهلنا بقيامتك الحياةَ الخالدة، فنحن نسبّحك قائلين: "أوصنّا في الأعالي، مباركٌ الآتي باسمِ الرَّبّ"!.
قنداق أحد الشّعانين (باللَّحن السّادس)
يا مَنْ هُوَ جالِسٌ على العَرْشِ في السَّماء، وراكِبٌ جَحْشًا على الأرض، تَقَبَّلْ تَسابيحَ الملائِكَةِ وتماجِيدَ الأطفال، هاتِفينَ إليكَ أَيُّها المسيحُ الإله: مبارَكٌ أنتَ الآتي، لِتُعِيدَ آدَمَ ثانِية.
الرّسالة (في 4: 4-9)
مُبارك الآتي باسْمِ الرَّبّ
اعتَرِفوا للرَّبِّ فإنَّه صالِحٌ وإنَّ إلى الأبدِ رَحْمَتهُ
يا إخوة، افرحوا في الرَّبّ كلَّ حينٍ وأقولُ أيضًا افرحوا. وليظهر حِلمكم لجميع النّاسِ فإنَّ الرَّبَّ قريب. لا تهتمّوا البتَّةَ، بل في كلِّ شيءٍ فلتكن طلباتُكم مَعلومةً لدى اللهِ بالصَّلاة والتَّضرُّع مع الشُّكر. ولْيَحْفَظ سلامُ اللهِ الَّذي يفوقُ كلَّ عقلٍ قلوبَكم وبَصائركم في يسوع المسيح. وبعدُ أيُّها الأخوة، مهما يكن من حقٍّ، ومهما يكن من عَفافٍ، ومهما يكن من عَدْلٍ، ومهما يكن من طهارةٍ، ومهما يكن من صفةٍ مُحَبَّبَةٍ، ومهما يكن من حُسْنِ صيتٍ، إن تكن فضيلةٌ، وإن يكن مدحٌ، ففي هذه افتكروا. وما تعلَّمتموه وتسلَّمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيَّ فبهذا اعملوا. وإلهُ السَّلامِ يكونُ معكم.
الإنجيل (يو 12: 1-18)
قبل الفصح بستَّةِ أيّام أتى يسوع إلى بيتَ عنيا حيثُ كانَ لعازرُ الَّذي ماتَ فأقامهُ يسوعُ من بينِ الأموات. فصنعوا لهُ هناكَ عشاءً، وكانت مرتا تخدمُ وكان لعازرُ أحد المتَّكئينَ معه. أمّا مريمُ فأخذتْ رطلَ طيبٍ من ناردين خالصٍ كثيرِ الثَّمنِ، ودهنَتْ قدمي يسوع ومسحَتْ قدميهِ بشعرِها، فامتَلأَ البيتُ من رائحةِ الطِّيب. فقالَ أحدُ تلاميذِه وهو يهوذا بن سمعان الأسخريوطيُّ الَّذي كانَ مُزمِعًا أن يسلِّمَهُ: لِمَ لَمْ يُبَعْ هذا الطِّيبُ بثلاثِ مئةِ دينار ويُعْطَ للمساكين. وإنَّما قالَ هذا لا اهتمامًا منهُ بالمساكينِ بل لأنَّهُ كانَ سارقًا وكانَ الصّندوقُ عِندَهُ وكانَ يحملُ ما يُلقى فيه. فقالَ يسوعُ: دعها، إنَّما حفظَتْه ليومِ دفني. فإنَّ المساكينَ هم عندكُمْ في كلِّ حين وأمّا أنا فلستُ عندَكم في كلِّ حين.
وعلمَ جمعٌ كثيرٌ من اليهودِ أنَّ يسوعَ هناكَ فجاؤوا، لا من أجلِ يسوع فقط، بل لينظروا أيضًا لعازرَ الَّذي أقامَه من بينِ الأموات. فأْتَمَرَ رؤساءُ الكهنةِ أن يقتلوا لعازرَ أيضًا، لأنَّ كثيرين من اليهودِ كانوا بسبَبِهِ يذهبونَ فيؤمنونَ بيسوع. وفي الغدِ لمّا سمعَ الجمعُ الكثيرُ الَّذينَ جاؤوا إلى العيدِ بأنَّ يسوعَ آتٍ إلى أورشليمَ أخذوا سُعُفَ النَّخلِ وخرجوا للقائِهِ وهم يصرخونَ قائلينَ: "هوشعنا، مباركٌ الآتي باسمِ الرَّبِّ ملكُ إسرائيل". وإنَّ يسوع وجدَ جحشًا فركبَهُ كما هوَ مكتوبٌ: لا تخافي يا ابنةَ صهيون، ها إنَّ ملككِ يأتيكِ راكبًا على جحشٍ ابنِ أتان. وهذه الأشياءُ لم يفهمْها تلاميذُهُ أوَّلًا، ولكن، لمَّا مُجِّدَ يسوعُ حينئذٍ تذكَّروا أنَّ هذهِ إنَّما كُتِبَتْ عنهُ، وأنَّهُمْ عملوها لهُ. وكانَ الجمعُ الَّذينَ كانوا معهُ حين نادى لعازرَ من القبرِ وأقامَهُ من بين الأمواتِ يشهدونَ لهُ. ومن أجلِ هذا استقبلَهُ الجمعُ لأنَّهُم سمعوا بأنَّهُ قد صنعَ هذهِ الآية.
حول الإنجيل
هذا الأحد تُعَيِّد الكنيسة فيه دخول يسوع إلى أورشليم، هنا سيُدفن يسوع كما أعلن سابقًا: "دعها! فقد حفظته (الطّيب) إلى يوم دَفني" (يوحنّا ١٢: ٧)، فيسوع يدخل أورشليم مُتَمِّمًا رحلة أخيرة بدأها حين قال: "هيّا نرجع إلى اليهوديّة" (يوحنّا ١١: ٧)، أي حيث سَيُلاقي حتفه. كان دخوله إلى أورشليم قبل خمسة أيّام من الفصح لأنّ دَهن قدميه قد جرى في بيت عنيا قبل الفصح بستَّة أيّام (يوحنّا ١٢: ١). وكان هناك جمعٌ كثيرٌ أتى إلى عيد الفصح في أورشليم (يوحنّا ١١: ٥٥). وبين الجمع كثيرون كانوا يؤمنون بأنّ يسوع هو المسيح، فحملوا سعف النَّخْل، كما يروي (١مكابيّون ١٣: ٥١) عن استعادة قلعة أورشليم وتطهيرها مِنَ النَّجاسات، فدخلها اليهود بالحَمد والسّعف والكنّارات والصُّنوج والعيدان والتّسابيح والأناشيد. أمّا النَّخل، فتؤكِّد وثائق يهوديّة أنّه يُعتبر علامة للانتصار على المستوى الوطنيّ، وتحقّق هذا الانتصار بالآيات الَّتي صنعها يسوع وخصوصًا آية قيامة لعازر. وترافق سعفُ النَّخل عيدَ الأكواخ الَّذي يذكّر الشَّعب بالخروج من أرض مصر والسَّكن في أكواخ (أخبار ٢٣: ٤۰). ونرى تكريم يسوع – الحمل بسعف النَّخل في (رؤيا ٧: ٩) من جهتها، الجموع خرجت من المدينة لملاقاة يسوع في طابع احتفاليّ، ويذكّر هذا الاحتفال بخروج الجموع من المدينة لاستقبال الملوك الظّافرين الدّاخلين إليها، وفق الحضارة الرُّومانيّة. هتفت الجموع: "هوشعنا! مبارك الآتي باسم الرَّبّ، ملك إسرائيل" (يوحنّا ١٢: ١٣) هوشعنا- خلّص، وهنا أصبحت عبارة للهتاف والتَّسبيح كما جاء في (مزمور ١١٨: ٢٥) فالهتاف والتَّسبيح كان يرافق الآتين إلى الهيكل، في عيد الأكواخ أو عيد الفصح. الجموع تهتف ليسوع وهي ترى فيه ملكًا مخلّصًا، آتٍ باسم الرَّبّ لأنَّه المبارك ملك إسرائيل، أي آتٍ باسم الرَّبّ كملك إسرائيل المخلّص. هنا تظهر هويّة يسوع المسيحانيّة والنَّبويّة والإلهيّة: يسوع هو ملك إسرائيل، من سلالة داود، وهذا اللَّقب "ملك" هو مسيحانيّ وهو أيضًا إلهيّ لأنَّ الرَّبّ يهوه – الله هو ملك إسرائيل، النّبيّ، الآتي إلى العالم في شخص يسوع (يوحنّا ٦: ٤). لكنّ صراخ الجمع يقابله صراخ الأحبار والحرس واليهود مطالبين بصلبه (يوحنّا ١٨: ٤۰) فقصّة الدُّخول إلى أورشليم تقارِب بينها وبين حدث الصَّلب والموت، هذا الدُّخول يذكّر بنبؤة زكريّا ٩: ١۰، وفيها دعوة إلى بنت صهيون وبنت أورشليم للابتهاج والهتاف لأنّ ملكها آتيًا إليها بارًّا مخلّصًا وضيعًا راكبًا على حمار وعلى جحش ابن أتان.
إذًا يسوع آتٍ بسلام لشعب الله – ابنة صهيون وابنة أورشليم. إنَّه يسوع، المسيح وابن الله. وبدخوله إلى أورشليم، حقَّق يسوع نبؤة زكريّا المسيحانيّة، والتّلاميذ تذكّروا هذه النُّبؤة ما بعد القيامة، لا بل، إَّن الجمع الكثير بمن فيهم التَّلاميذ، قد حقَّقوا بدورهم النّبؤة، لأنّهم صنعوا ذلك ليسوع. ويسوع هذا، ها هو العالم قد ذهب وراءه، أي تبعه أي أصبح له تلميذًا.
في أحد الشَّعانين، فرحة فريدة للأطفال، لا بل فرحة الكبار بالأطفال. صراخهم البريء يصبح ممزوجًا بليتورجيا التّسبيح لله، لأنّ "لأمثال هؤلاء ملكوت السَّماوات". والآن، فلنتبع يسوع في دخوله أورشليم، مكان العبادة الحقيقيّة، ولنعلم أنّها طريق توصل إلى المجد، مجد القيامة.
دخول السّيّد على جحش ابن أتان
"ابتهجي جدًّا يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليكِ، هو عادلٌ ومنصور، وديعٌ وراكب على حمارٍ وعلى جحشٍ ابن أتان" (زكريّا 9: 9). هذا ما تنبّأ به النّبيّ زكريّا في العهد القديم عن دخول المسيح يومًا ما إلى أورشليم. إنّ دِقَّةَ الوصف الَّتي نلاحظها في هذه النّبوءة تستحيل أنْ تأتي من إنسانٍ عاديّ، والمعلوم أنَّ النّبي زكريّا كان قد سبق المسيح بخمسمائة سنة. فهو يصف دخول الرَّبّ إلى المدينة على حمارٍ وعلى جحشٍ! أي أنّ الرَّبَّ سوف يركب على الحمار ردهةً مِنَ الزَّمَن - لِنَقُل نصف الطَّريق- ثمّ يعود ليركب على الجحش المسافة المتبقيّة. إنّ هذا الوصف المُوحى به من الله كان ليكشف كم كان الرَّبّ يسوع وديعٌ ورقيق (متّى 11: 29)، فهو لم يُرد أن يُرهق أيًّا مِن الحمار أو الجحش، خلال تلك المسيرة. إنّ هذا الكلام ليس بعيدًا عن العناية الَّتي يُوليها الله لخليقته، حتّى للحيوانات منها حيث يقول: "انظروا طيور السَّماء... وأبوكم السَّماويّ يُقيتها" (متّى 6: 26).
ولكن ما المعنى اللّاهوتيّ وراء دخول الرَّبّ إلى أورشليم وبخاصّةٍ على جحشٍ وأتان؟
لقد شبّه بعض الآباء هذا الدُّخول بالدُّخول الأخير إلى السَّماء! فالمساكين المحيطين بالرَّبّ يسوع في دخولهم إلى المدينة هم الَّذين يدخلون معه إلى أورشليم السّماويّة.
أمّا بالنِّسبَة للحيوانين، فابن الأتان أو الجحش لم يجلس عليه أحد من النّاس (مرقس 11: 2)، لذلك اعتبره الآباء رمزًا للأمم، أي غير اليهود، الَّذين لم يعرفوا الله. والحمار، كان رمزًا للشَّعب اليهوديّ، الَّذي اختاره الله من بين الأمم لكي يكون شعبه المختار: "الحمار يعرف معلف صاحبه، وأمّا إسرائيل فلا يعرفني" (إش 1: 3). فالإثنين - الشَّعب اليهوديّ والأمم- لم يعرفا الله، ولكن كان من المفروض على الشَّعب اليَهوديّ أن يعرف يسوع أنّه الله المتجسّد لأنّه كان إلههم عبر التَّاريخ الطَّويل، ومع ذلك لم يعرفه إلّا المساكين الَّذين شعروا أنّه الملك المنتظر ابن داوود. لذلك أتى يسوع ليُلغي العهد القديم ويُقيم عهدًا جديدًا، ليس فقط لليهود، بل أيضًا مع كلّ الأمم الَّذين يؤمنون باسمه. لذلك يكمّل النّبيّ بقوله: "وأقطع المركبة من أفرايم والفرس من أورشليم... ويتكلّم بالسَّلام للأمم، وسلطانه من البحر إلى البحر ومن النّهر إلى أقصى الأرض" (زك 9: 10).
سبت لعازر وأحد الشّعانين
هذان اليومان، سبت لعازر وأحد الشّعانين، يقعان ما بين الصَّوم الكبير والأسبوع العظيم، كأنَّهما استراحة صغيرة. ولكنَّهما بالحقيقة تذوُّق مسبَق لما سوف يلي في الأسبوع العظيم وعلى رأسه أحد القيامة.
هما تذوُّق مسبق للقيامة والحياة الجديدة.
فإقامة لعازر هي إعلان موت الموت وانطلاق الحياة الجديدة بإقامة الرَّبّ لكلِّ واحدٍ منّا، فكما أتى الرَّبُّ إلى قبر لعازر وأقامه وكان قد أنتن هكذا سيأتي إلى قبر خطايانا ويُقيمنا من فسادنا ويعبر بنا إلى أورشليم السّماويّة مدينة السَّلام العُلْويّ الأبديّ إذا نحن حقًّا صرخنا بصدقٍ ”هوشعنا“ أي يا الله خلّصنا، وقبلنا أن نصلب معه.