نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ۲ حزيران ۲٠١٩
العدد ۲۲
أحد (٥) بعد الفصح (الأعمى)
اللّحن ٥- الإيوثينا ٨
أعياد الأسبوع: *2: نيكيفورس المُعتَرِف رئيس أساقفة القسطنطينيِّة *3: الشَّهيد لوكليانوس، الشَّهيدة باڤلا *4: مطروفانس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، مريم ومرتا أختَيْ لَعازر *5: وَداع الفصح، الشَّهيد دوروثاوس أسقف صور *6: خميس الصُّعود، إيلاريون الجديد رئيس دير الدّلماتن، الشَّهيد غلاسيوس *7: الشَّهيد ثيوذُوتُس أسقف أنقرة، الشَّهيد باييسيوس (كفالونيَّة) *8: نقل عظام القدّيس الشّهيد العَظيم ثيوذورس قائد الجيش، الشَّهيدة كاليوبّي.
كلمة الرّاعي
أن تُبصِر
إنجيل هذا الأحد يتحدَّث عن أعمى وُلِد بلا عينين. كلّ إنسانٍ يولَدُ له حواسٌ مزدوجة: جسديّة وروحيّة. هذا الشّاب الأعمى منذ مولده، وُلد دون عيْنَيْن جسديّتَيْن ولكنّه كان يتمتّع بعَيْنَين في القلب. تقوى الحواس الرّوحيّة حين تضعف الحواس الجسديّة، أي حين لا يركّز الإنسان طاقته الكيانيّة في ما للجسد. يظنّ البشر أنّ إبصارهم يرتبط بالإدراك العقليّ، لكنّ الحقيقة هي أنّ النّور الّذي يكشف جوهر الطّبائع هو بالرّوح القُدُس. حقيقة الوجود لا تتكشّـف للإنسان المُستكبِر بل للمتواضع، ومَن كان ذو قوّةٍ وذكاءٍ وجمالٍ ينخدع إذ يعتقد أنّ هذه هي صورة الكمال.
***
الكتبُ المُقدَّسَة يتجلّى فيها تعليم الكلمة الإلهيّ في الرّوح القُدُس بالأحرف والكلمات. اليهود وكلّ الّذين يتعاطَون الكتابَ بروح النّاموسيّة يموتون عن معاني الرّوح الّتي يبثّها الكلمة الإلهيّ في كلماته. كيف للإنسان أن يُبصرَ الوصيّة الإلهيّة بكلماتٍ مِنْ نور؟!... حين يُدرِكُ عجزَهُ عن عَيْشِ كلمة الرّبّ. مَن يظنّ أنّه يستطيع أن يتمّم الوصيّة بقوّته لا عينَين روحيّتَيْن له. فقط حين يُدرك الإنسان عدم قدرته بإزاءِ الكلمةِ- الوصيّة ويطلب المَعونة الإلهيّة للسّلوكِ في طاعةِ مشيئة الرَّبّ حينها يَكُونُ نورُ النِّعمةِ يفعلُ في قلبه كاشِفًا له أسرار البشريّة السّاقِطة...
***
كلمةُ الله نورٌ للقلب، ومُرشدةٌ وقائدة للإنسان في طريقِ الخَلاص. غايةُ الحياة أن نعرفَ الله بوجهٍ مكشوف (٢ كو ٣: ١٨). فهذا يتطلّبُ خَلعًا مُتواصلًا لطبقات الخطيئة والأهواء عن القلب. الألم أوّلًا مع ضعف هشاشة الإنسان يُحفّزان عمليّة التّنقية الّتي تكون شكًّا لأسيرِ الحرف وعثرةً للمحكوم من العقل. الإيمان يأتي من أعماق الكَيان لأنّ صورةَ الله مَطبوعة في القلب. فقط بالإيمان يُستَعلَن الله للإنسان. مَن يجدِ الله في داخله يُميّز حضورَهُ في كلّ الوجودِ والوجوه. "ما أعظم أعمالكَ يا ربّ كلّها بحكمةٍ صنعت" (مز ١.٤: ٢٤). أعمالُ الله ظاهرة في خليقتهِ. إنّه كُلّيّ القدرة والجلال والجمال، عظيم الرَّحمة ولا حدودٓ لرأفته، حنّانٌ على كلّ خليقته، بارٌّ في كلّ ما يصدر عَنْهُ. لذلك، "الله يَشَاءُ أنّ الكلّ يَخلصون وإلى معرفة الحقّ يُقبِلون" (١ تيمو ٢: ٤). مَن لا يرى هذه الحقائق لا يَملكُ عينين روحيّتين...
***
أَيُّهَا الأحبّاء، مَن يميّز انعطاف الرَّبّ الإله عليه، رغم كلّ بشاعةِ نواياه وأفكارِه وأفعالِه، يَكُونُ سالِكًا في الطَّريق إلى الملكوت. من لا يرى في نفسهِ إِلَّا كلّ إتمامٍ للشّريعة ويفحصُ ضعفات الآخرين وخطاياهُم لا قلبَ له.
في إنجيل اليوم، لم يصدّق الفرّيسيّين والكتبة أنّ فاقدَ العينين صارَ مُبصِرًا لأنّ قلوبهم أَقفلت بحرف الشّريعة وخُتمتْ بختم قساوة القلب وأعيُنهم أُظلمتْ بكبرياء بِرّهم وآذانهم أُغلقتْ بضجيج روحِ دَينونتهم...
***
أَيُّهَا الأحبّاء، "لا تٓخافوا من الَّذِين يقتلون الجسد..." (لو ١٢: ٤)، بل بالحَريّ ارهَبوا الله ودَينونته. التّوبةُ بابُ الحياة الأبديّة، والرّحمةُ هي تأشيرةُ الدّخول إلى الملكوت، والمحبّة الَّتِي من فوق هي بُنوّة الله. لا يستطيع أن يتوب مَن يَدينُ الآخَرين ولا يقدرُ أن يرحم من يبرّرُ ذاتَهُ ولا يُمكن أن يصيرَ ابنًا لله من يَعبدُ أناه. هذه هي صفاتُ عبيد حرف النّاموس والوصيّة الَّذِين لم يقبلوا عملَ الله الظّاهر بقوّة في خلقِ عينين للأعمى منذ مَوْلِدِه.
ألا أبعدنا الله عن الاشتراك مع هذه الطّغمة من البشر الّتي تُشابِه المَلائكة السَّاقطين في النّور المُزَيَّف، ونُشابِه التّوّابين الَّذِين ينوحون على خطاياهم ويطلبون البَرءَ مِنْ أهوائهم ولا يَدينون سوى أنفسهم ويطلبون مَشيئة الله ِمْن كلّ كيانهم... لِكَيْما نُبصِر بعَيْنَي القلب عظائم الله ورحمتَهُ وحنانَهُ في كلّ حين.
ومن استطاع أن يقبل فليقبل!
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)
وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرّسالة (أع 16: 16– 34)
أنتَ يا ربُّ تَحْفَظُنا وَتَسْتُرُنا في هذا الجيل
خَلِّصْنِي يا ربُّ فإنَّ البَارَّ قَدْ فَنِي
في تلك الأيّام، فيما نحن الرُّسُّلَ مُنْطَلِقُونَ إلى الصَّلاةِ، ٱسْتَقْبَلَتْنَا جاريةٌ بها روحُ عِرافَةٍ، وكانت تُكْسِبُ موالِيَهَا كسبًا جزيلًا بعرافتها. فطفقت تمشي في إِثْرِ بولسَ وإِثْرِنَا وتصيحُ قائلة: هؤلاء الرِّجال هم عبيدُ الله العَلِيِّ وهم يُبَشِّرونَكُم بطريق الخلاص. وصنعَتْ ذلك أيَّامًا كثيرة، فتضجَّرَ بولسُ والتَفَتَ إلى الرُّوح وقال: إنِّي آمُرُكَ باسم يسوعَ المسيح أن تخرجَ منها، فخرج في تلك السَّاعة. فلمَّا رأى مَوالِيَهَا أنَّه قد خرج رجاءُ مَكْسَبِهِم قبضوا على بولسَ وسيلا وجرُّوهُما إلى السُّوق عند الحُكَّام، وقدّموهما إلى الوُلاةِ قائِلِين: إنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يُبَلْبِلانِ مدينَتَنا وهما يهودِيَّان، وينادِيَان بعادَاتٍ لا يجوزُ لنا قَبُولُهَا ولا العملُ بها إذ نحن رومانيُّون. فقام عليهما الجمعُ معًا، ومزَّق الوُلاةُ ثيابَهُمَا وأمروا أن يُضْرَبا بالعِصِيِّ. ولـمَّا أَثْخَنُوهُما بالجراح أَلقَوهُمَا في السِّجن وأَوْصَوا السَّجَّانَ بأن يحرُسَهُما بِضَبْطٍ. وهو، إذ أُوصِيَ بمثل تلك الوصيَّة، أَلقاهُما في السِّجن الدَّاخليِّ وضَبَطَ أرجُلَهُمَا في الـمِقْطَرَة. وعند نصف الليل كان بولسُ وسيلا يصلِّيَان ويسبِّحان اللهَ والمحبوسون يسمعونَهُما. فحدثَ بغتَةً زلزلةٌ عظيمةٌ حتَّى تزعزعتْ أُسُسُ السِّجن، فٱنْفَتَحَتْ في الحال الأبوابُ كلُّها وانْفَكَّتْ قيودُ الجميع. فلمَّا ٱسْتَيْقَظَ السَّجَّان ورأى أبوابَ السِّجْنِ أَنَّهَا مفتوحةٌ، اسْتَلَّ السَّيفَ وهَمَّ أن يقتُلَ نفسَهُ لِظَنِّهِ أَنَّ المحبوسِينَ قد هَرَبُوا. فناداهُ بولسُ بصوتٍ عَالٍ قائِلًا: لا تعمَلْ بنفسِكَ سُوءًا، فإِنَّا جميعَنَا هَهُنَا. فطلبَ مصباحًا ووثَبَ إلى داخلٍ وخَرَّ لبولسَ وسيلا وهو مُرْتَعِدٌ، ثمَّ خرجَ بهما وقالَ: يا سَيِّدَيَّ، ماذا ينبغي لي أَنْ أَصْنَعَ لكي أَخْلُصَ؟ فقالا: آمِنْ بالرَّبِّ يسوعَ المسيحِ فَتَخْلُصَ أنتَ وأهلُ بيتِك. وكلَّمَاهُ هو وجميعَ مَنْ في بيتِهِ بكلمةِ الرَّبِّ، فَأَخَذَهُمَا في تلكَ السَّاعةِ من اللَّيْلِ وغسلَ جراحَهُمَا وٱعْتَمَدَ من وقتِهِ هو وذووهُ أَجْمَعُون. ثمَّ أَصْعَدَهُمَا إلى بيتِه وقدَّم لهما مائدةً وابْتَهَجَ مع جميعِ أهلِ بيتِه إذ كانَ قد آمَنَ بالله.
الإنجيل )يو 9: 1– 38)
في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مُجْتَازٌ رأى إنسانًا أَعْمَى منذ مَوْلِدِه، فسألَهُ تلاميذُه قائِلِين: يا رَبُّ، مَن أَخْطَأَ أهذا أَمْ أبواهُ حتَّى وُلِدَ أعمَى؟ أجاب يسوعُ: لا هذا أخطأَ ولا أبواه، لكن لتظهَرَ أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أنْ أعملَ أعمالَ الَّذي أرسلَنِي ما دامَ نهارٌ، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دُمْتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَم. قالَ هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع من تَفْلَتِهِ طِينًا وطَلَى بالطِّين عَيْنَيِ الأعمى وقال له: ٱذْهَبْ وٱغْتَسِلْ في بِرْكَةِ سِلْوَام (الَّذي تفسيرُهُ الـمُرْسَلُ)، فمضى وٱغْتَسَلَ وعَادَ بَصِيرًا. فٱلجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرَوْنَهُ من قَبْلُ أنَّه أعمى قالوا: أليسَ هذا هو الَّذي كان يجلِسُ ويَسْتَعْطِي؟ فقالَ بعضُهُم: هذا هو، وآخَرونَ قالوا: إنَّه يُشْبِهُهُ. وأمَّا هو فكان يقول: إِنِّي أنا هو. فقالوا له: كيف ٱنْفَتَحَتْ عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيَّ وقال لي ٱذْهَبْ إلى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وٱغْتَسِلْ، فمضيتُ وٱغْتَسَلْتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلاً أعمى، إلى الفَرِّيسيِّين. وكان حين صنعَ يسوعُ الطِّينَ وفتح عينَيْهِ يومُ سبت. فسأَلَهُ الفَرِّيسيُّون أيضًا كيف أَبْصَرَ، فقال لهم: جعلَ على عينَـيَّ طينًا ثمَّ ٱغتسَلْتُ فأنا الآن أُبْصِر. فقال قومٌ من الفَرِّيسيِّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنَّه لا يحفَظُ السَّبت. آخَرون قالوا: كيف يقدِرُ إنسانٌ خاطِىءٌ أن يعملَ مثلَ هذه الآيات؟ فوقعَ بينهم شِقَاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيثُ إِنَّه فتحَ عينَيْكَ؟ فقال: إِنَّه نبيٌّ. ولم يصدِّقِ اليهودُ عنه أنَّه كان أعمَى فأبصَرَ حتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذي أبصرَ وسأَلُوهُما قائِلِينَ: أهذا هو ٱبنُكُمَا الَّذي تقولان إنَّه وُلِدَ أَعْمَى، فكيف أبصرَ الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلمُ أنَّ هذا وَلَدُنا وأنَّه وُلِدَ أعمَى، وأمَّا كيف أبصرَ الآن فلا نَعْلَمُ، أو مَنْ فتحَ عينَيْه فنحن لا نعلَمُ، هو كامِلُ السِّنِّ فٱسْأَلُوهُ فهو يتكلَّمُ عن نفسه. قالَ أبواه هذا لأنَّهُمَا كانا يخافان من ٱليهود لأنَّ اليهودَ كانوا قد تعاهَدُوا أنَّهُ إِنِ ٱعتَرَفَ أحَدٌ بأنَّهُ المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامِلُ السِّنِّ فٱسألوه. فدعَوا ثانِيَةً الإنسانَ الَّذي كان أعمَى وقالوا له: أَعْطِ مجدًا لله فإنَّا نعلَمُ أنَّ هذا الانسانَ خاطِئ. فأجابَ ذلك وقال: أَخَاطِئٌ هو لا أعلم، إنَّما أعلم شيئًا واحِدًا، أَنِّي كنتُ أعمَى والآن أنا أُبْصِرُ. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أَخْبَرْتُكُم فلم تسمَعُوا، فماذا تريدون أن تسمَعُوا أيضًا؟ أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا تريدونَ أن تصيروا له تلاميذَ؟ فَشَتَمُوهُ وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمَّا نحن فإِنَّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنَّ اللهَ قد كلَّمَ موسى. فأمَّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجابَ الرَّجلُ وقال لهم: إنَّ في هذا عَجَبًا أَنَّكُم ما تعلَمُونَ من أين هو وقد فتح عينَيَّ، ونحن نعلمُ أنَّ اللهَ لا يسمَعُ للخَطَأَة، ولكنْ إذا أَحَدٌ ٱتَّقَى اللهَ وعَمِلَ مشيئَتَهُ فله يستجيب. منذ الدَّهرِ لم يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فتحَ عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يَكُنْ هذا من الله لم يَقْدِرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إِنَّكَ في الخطايا قد وُلِدْتَ بجُملَتِكَ، أَفَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا؟ فأَخْرَجُوهُ خارِجًا. وسَمِعَ يسوعُ أَنَّهُم أَخْرَجُوهُ خارِجًا، فَوَجَدَهُ وقال له: أَتُؤْمِنُ أَنْتَ بابْنِ الله؟ فأجابَ ذاك وقالَ: فَمَنْ هو يا سَيِّدُ لأُؤْمِنَ به؟ فقال له يسوعُ: قد رَأَيْتَهُ، والَّذي يتكلَّمُ معكَ هوَ هُو. فقال: قد آمَنْتُ يا رَبُّ وسَجَدَ له.
حول الإنجيل
"فسأله تلاميذه قائلين يا ربّ من أخطأ أهذا أم أبواه حتّى ولد أعمى؟"
توجَّه التّلاميذ بهذا السّؤال إلى يسوع. والسّؤال مطروح كلّ يوم، لماذا يولد هذا أعمى أو ذاك مشلولًا…؟ وحالات كهذه هي أكثر مِن أن تُحصى. طرح التّلاميذ هذا السّؤال على الخالق عينه! لماذا يتعذَّب الإنسان بآلامٍ كثيرة؟ في الخلق الأوّل وُلِد آدم خالدًا بالنّعمة ولا يعرف الألم؛ لا بالطّبيعة ولكن بالنّعمة. أُعطيَ إذن آدمُ الأوّل قيامة الجسد، أي عدم موت الجسد، وطُلبَ منه في هذا الخلود المَشروط آنذاك أن يَكمُلَ بالرُّوح ومعرفةِ الله، أي قيامةَ الحياة.
لكنّ سقوط الإنسان أظهر بوضوح أنَّ الآدميّين لم يكونوا أهلًا لكمال الجسد المَوْهوب لهم. إنَّ غاية كمال الجسد وخلوده هي كمالُ الحياة أي قيامتنا الرّوحيّة. لماذا وُلد إذن هذا الإنسان أعمى؟ ليتمجَّد اسم الله. ولماذا الألم في العالم؟ إنَّ الألم دعوةٌ ونداءٌ بأنّنا سنأخذ جسدًا لا آلام فيه، ولكن الألم الحقيقيّ هو أن نكون في ذلك الجسد دون حياة بالمسيح، وهذا الأخير هو الجحيم.
قيامة يسوع المسيح تحلُّ لنا مشكلة الألم في العالم. إنَّ الآلام ليست مصائب. إنّها دعوة للتّوبة وتجديد الحياة الرّوحيّة. الألم دعوة للتّوبة. إنّه طريق للحياة الرّوحيّة. يذكِّرنا الألم أوّلًا بآدم الأوّل الّذي كان بريئًا منه، وثانيًا بالجسد الخالد، الّذي ينتظرنا. ويذكّرنا الألم بعودتنا كي نكون على ملء قامة المسيح وفي مثل جسده النّورانيّ.
بالقيامة أعاد الرَّبّ يسوع تجديد خلقنا، ومفاعيل القيامة على الطّبيعة الإنسانيّة تتجلّى في إنجيل اليوم، حيث فتح الرَّبّ يسوع عَيْنَي الأعمى عندما تَفَلَ على التّراب فصنع طينًا طلى بها عينيه وأرسله ليغتسل في بركة سلوام، إنّه مشهد عناصره مُتواجدة في كتاب التّكوين عندما خلق الله الإنسان حيث: "جبل ترابًا من الأرض ونفخ فيه نسمة حياة، فصار الإنسان نفسًا حيّة" (تك 7:2). أمّا الاغتسال في بركة سلوام فيشير إلى رسم المعموديّة في الرَّبّ يسوع والّتي هي عربون الولادة الرّوحيّة الجديدة. إذًا، لقد تجدّدت طبيعتنا الإنسانيّة بالرَّبّ يسوع، وعبره أصبح الملكوت السّماويّ مؤكّدًا بعدما أقصينا عنه بسبب خطيئة الجَدَّيْن الأوّلَيْن.
في مَجْدِ الصُّعود
"وأَخرجَهم خارجًا إلى بيتِ عنيا، ورفعَ يديه وباركَهم. وفيما هو يباركُهم، انفردَ عنهم وأُصعِدَ إلى السّماء. فسَجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرحٍ عظيمٍ" (لو ۲٤: ٥٠- ٥۲). هكذا انتهت مَسيرة ربّنا يسوع المسيح الزَّمنيّة على الأرض!
تألّم كثيرًا، ومُجِّد كثيرًا. لم يُكابِد أحدٌ الآلام الّتي كابَدَها، ولم يَنَلْ أحدٌ المَجد الّذي ناله. "وإذْ وُجِدَ في الهيئةِ كإنسانٍ، وضعَ نفسَهُ وأطاعَ حتّى المَوْت مَوْت الصّليب. لذلك رفَّعَهُ اللهُ أيضًا، وأعطاه اسمًا فوقَ كلِّ اسم لكي تجثو باسمِ يسوعَ كلُّ ركبةٍ ممَّن في السَّماء ومَن على الأرضِ ومَن تحت الأرض، ويعترف كلُّ لسانٍ أنَّ يسوعَ المسيحَ هو ربٌّ لمجدِ اللهِ الآب (فيليبي ۲: ٨- ١١).
ونحن الّذين آمَنّا به، هل سنعرف يومًا المجد الّذي أُعطي له؟ بالطّبع سنفعل، فالرَّبّ يسوع المسيح بنفسه قال: "أيّها الآبُ أريدُ أنَّ هؤلاء الّذينَ أعطيتني يكونون معي حيثُ أكونُ أنا، لينظروا مَجدي الّذي أعطيتَني، لأنّكَ أحببْتَني قبل إنشاءِ العالم (يو ١٧: ۲٤). لن ننظر ذلك المجد فحسب، بل سنشترك به، فقط إن كنّا مستحقّين لذلك، وهذا هو ما شهد به بولس الرَّسول بقوله: "ثمَّ نحنُ الأحياءَ الباقينَ سنُخطَفُ جميعًا معهم في السُّحُبِ لملاقاةِ الرَّبِّ في الهواء، وهكذا نكونُ كلَّ حينٍ مع الرَّبّ (١ تسا ٤: ١٧) أي أنّ المؤمنين المُستحقّين سوف يختبرون ما حصل مع السَّيِّد على جبل الزَّيتون.
ولكن كيف لنا أن نبلغ تلك الخبرة؟ لا بُدَّ مِنَ المُرور بالصّليب، درب التَّطهُّر والاستنارة، درب إنكار الذّات والتّضحية القُصوى، درب المَحَبَّة الحَقَّة، على مِثال المُعلِّم! يجب على طريق السَّيِّد أن تكون طريق كلُّ واحدٍ مِنّا، فقد تألّم يسوع مِن أجل الجميع سواسية، وقد فُتِحَت أبواب الفردوس للجميع سواسية، لكلّ واحد منّا، حتّى لي أنا الخاطئ غير المُستحقّ، فيا لَفَرحي!
لذلك توبي يا نفسي وتنقّي، حاملةً صليبك بثباتٍ وإيمان ورجاء، صالبةً أهوائك وخطاياك، لتموتي عن إنسانك العتيق وتقومي مع المسيح القائم من بيت الأموات، وتستحقّي أن تُصعَدي معه وتعاينيه بمجده العظيم، متنعّمة بالخيرات الّتي لا تفنى، وصارخةً بفرحٍ عظيم ترنيمة الظّفر قائلةً: "المسيح قام... حقًّا قام!".