نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 29 كانون الثّاني 2023
العدد 5
الأحد (17) من متّى (الكنعانيّة)
اللّحن 8- الإيوثينا 11
كلمة الرّاعي
المؤمن والخروج الدَّائم من العالم
”فلنُطهِّرْ أنفُسنا من كلّ أدناسِ الجسَدِ والرُّوحِ،
ونكمِلِ القداسةَ بمخافَةِ الله“ (2 كو 7: 1)
في هذا الزَّمن الَّذي نعيش فيه، صار التزام الوصايا الإلهيّة أمرًا مُستغربًا عند النَّاس، بعامّة، لأنّ منهج الخطيئة استحكم بعقول البشر. مفهوم ”مخافة الله“ صار يُجَابَهُ، عند بعض الَّذين يتعاطون الإيمان، بالإعلان أنّ الله محبّة وبالتّالي لا خوف منه أو أمامه أو معه. هذا ينعكس في تربية الأولاد وفي العلاقة معهم في المنزل وفي المدارس، من خلال مفهوم ”حرِّيَّة الفرد حقوقه“ والَّذي يمتدّ مع الإنسان في كلّ مراحل حياته، وهذا ما يتمّ استغلاله لضرب الإنسانيّة لأنَّك حين تتعاطى المبادئ الإيمانيّة وانبثاقاتها الأخلاقيَّة بروح عالميَّة ومنطق تحليليّ عقليّ بعيدًا عن سرِّ الله والإيمان تنحرف عن الحقّ وتقع في الفردانيّة والأنانيّة.
إذا نظرنا إلى نتائج هذه المفاهيم على حياة النّاس ورُقِيِّهِم الأخلاقيّ لوجدنا ثمارًا إيجابيّة وأخرى سلبيّة. الايجابيّات ترتبط باحترام الإنسان وكرامته من خلال حقّه بالعيش الكريم والطَّبابة والتّعليم ووجود محاسبة وقانون لإحقاق شيء من العدالة الاجتماعيّة. لكنَّ، السلبيّات الّتي طرأت بسبب هذه المفاهيم تتخطّى كلّ حدود لأنّها تنتهك سرّ كينونة الإنسان وحقيقته الوجوديّة الجوهريّة. لذا، تحت عنوان أنَّ الله محبّة تُنتَهَكُ صورة الله في الإنسان من خلال دفع هذا الأخير إلى العيش ككائن حَيّ يطلب لَذائذ الجسد وإشباع رغائبه ضاربًا بعرض الحائط كلّ نظرة إلى حقيقة ومعنى الإنسانيّة كما تُظهرها الطَّبيعة نفسها وكما تُستَعلن في المسيح الإله المتجسِّد.
* * *
المرأة الكنعانيّة، في إنجيل اليوم، تمثِّل الإنسانيّة الّتي تعبد أهواءها وابنتها المعذّبة هي ثمرة هذه الأهواء في حياتها.
اليوم العالم كلّه تحت سطوة الإعلام الَّذي يريد أن يضع الإنسان تحت قيود عبادة ملذّاته وشهوات جسده الّتي هي الأوثان القديمة معروضة بطرق جديدة وجذّابة أكثر من ذي قبل ومن زاوية أخرى ليست هي الخوف من الإلهة بل بالعكس هي طلب التّنعّم في الحياة وشغف اللَّذَّة وشبقها الّتي قد تتغطَّى أحيانًا بصورة أرقى نسمّيها ”حياة الرَّفاه“.
الرَّبُّ أتى لتكون لنا الحياة ”ولتكون أفضل“ (يو 10: 10)، لكن ما هو الأفضل في عين الله ليس الأفضل في عين العالم والعكس صحيح. لذلك، يدعو الرَّسول بولس المسيحيّين: ”اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ“(2 كو 6: 17—18).
* * *
أيُّها الأحبَّاء، الحياة المسيحيَّة خروج دائم ومستمرّ ومتواصل من العالم. هي حركة انفصال عن العالم المُستعبَد لفرعون أي أسياد المال والسّلطة وعن مصر أي الرَّفاه والملذّات. الرَّاحة، بمعنى طلب الكسل وإشباع الشَّهوات، هي مصدر قلق آنيّ وأبديّ في آن لأنّ الرَّاحة الحقيقيّة وهي السّلام الدّاخليّ يأتي من سُكنى روح الله في الإنسان وليس من محفِّزات خارجيّة جسد-نفسانيَّة (psychosomatique) يزول مفعولها بعد قليل من زوال مسبّباتها.
طريق السَّلام الدَّاخليّ والاستقرار والفرح هو محبّة الله الّتي تجعل الإنسان يسعى إلى الطّهارة في النّفس والجسد، وهذا المسعى إلى طهارة القلب هو الخروج المطلوب من العالم رغم وجودنا في العالم، كما قال الرَّبُّ لتلاميذه: ”لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ“ (يو 15: 19).
أن نخرج من العالم لا يعني الامتناع عن حياة العالم، فحسب، بل هو السّلوك في ”القداسة بمخافة الله“(2 كو 7: 1) ...
ومن استطاع أن يقبل فليقبل!...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انْحَدَرْتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريّة الشَّهيد في الكهنة إغناطيوس المتوشّح بالله (باللَّحن الرَّابع)
صِرتَ مُشابِهًا للرُّسلِ في أحوالِهم، وخليفةً في كراسيهم، فوجدتَ بالعمل المِرقاة إلى الثّاوريّا، أيّها اللّاهج بالله. لأجل ذلك تتبّعتَ كلمة الحَقِّ باستقامةٍ، وجاهدتَ عن الإيمان حتّى الدَّم، أيّها الشّهيد في الكهنة إغناطيوس. فتشفّع إلى المسيح الإله أن يُخلِّصَ نفوسَنا.
قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)
يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، للمُستَوْدَعَ البَتوليّ قدَّسْتَ. ولِيَدَيّْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. ولنا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.
الرّسالة(2 كو 6: 15-18، 7: 1)
صلُّوا وأوْفُوا الرَّبَّ إِلهَنا
أَلله معروفٌ في أرضِ يهوذا
يا إخوةُ، أنتمُ هيكَلُ اللهِ الحَيّ، كما قالَ الله: إنّي سأسكُنُ فيهم، وأسيرُ في ما بينَهم، وأكونُ لهم إلهًا وهم يكونونَ لي شعبًا. فلذلك اخرُجوا من بينِهم واعتزِلوا يقولُ الرَّبُّ، ولا تَمَسُّوا نجسًا فأقبلَكم وأكونَ لكم أبًا وتكونوا أنتمُ لي بنينَ وبناتٍ يقولُ الرَّبُّ القدير. وإذ لنا هذه المواعِدُ أيُّها الأحبَّاءُ، فلنُطهِّرْ أنفُسنا من كلّ أدناسِ الجسَدِ والرُّوحِ، ونكمِلِ القداسةَ بمخافَةِ الله.
الإنجيل(متى 15: 21-28)
في ذلك الزَّمان خرج يسوع إلى نواحي صورَ وصيدا، وإذا بامرأةٍ كنعانيَّة قد خرجت من تلك التُّخومِ وصرخت إليهِ قائلةً: ارحمني يا ربُّ يا ابنَ داود. فانَّ ابنتي بها شيطانٌ يعذِّبها جدًّا، فلم يُجبِها بكلمةٍ. فدَنا تلاميذهُ وسألوهُ قائلين: اصرِفْها، فإنَّها تصيحُ في إثرِنا. فأجاب وقال لهم: لم اُرسَلْ إلّا إلى الخرافِ الضّالَّةِ من بيتِ إسرائيل. فأتتْ وسجدتْ لهُ قائلةً: اغِثْني يا ربُّ. فأجابَ قائلًا: ليس حسنًا أن يُؤخَذَ خبزُ البنينَ ويُلقى للكلاب. فقالتْ: نعم يا ربُّ، فانَّ الكلابَ أيضًا تأكلُ مِنَ الفُتاتِ الّذي يسقط من موائد أربابها. حينئذٍ أجابَ يسوع وقال لها: يا إمراةُ، عظيمٌ ايمانُكِ، فليكُنْ لكِ كما أردتِ. فشُفيتِ إبنتُها من تلك السَّاعة.
حول الإنجيل
في إنجيل اليوم نحن أمام معجزة حصلت لسَّيّدة وثنيّة، غير يهوديّة. نحن أمام حوار نوعًا ما قاسي اللَّهجة من الرَّبّ تُجاه سيّدة ابنتها مريضة تستجدي منه الشَّفاء. لنتأمَّل يا أحِبَّة بأقوال الرَّبّ يسوع لهذه المرأة الكنعانيّة وكيف كانت لهجته معها؟
أوّلًا، عندما قالت له: "ارحمني، يا سَيِّد، يا ابن داود ابنتي مجنونة جدًّا"، ما كان ردُّه؟ كان الرَّدّ بالصَّمت "فَلَمْ يُجِبْها بكلِمَةٍ". ولكن هل سألنا أنفسنا كيف عرفت هذه السَّيِّدة الوثنيَّة أنَّ الَّذي أمامها هو ابن داوود، هو المخلِّص المَوْعُود به!!
وثانيًا، عندما تَقَدَّم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: "اصرفها، لأنَّها تصيح وراءنا"، ما كان ردُّه؟ كان جوابه أصعب من المرَّة الأولى وأقسى من الصَّمت قال: "لم أُرْسَل إلّا إلى خراف بيت إسرائيل الضَّالّة". أحقًّا الرَّبّ يسوع لم يُرسَل سوى لبـــني إسرائيل؟ أليس هو الَّذي أتى ليخَلِّص العالم بأسره؟ ألم يَقُلْ "لأنَّه هكذا أحَبَّ الله العالم حتَّى بذل ابنه الوحيد..." (يو ٣: ١٨). إذًا لماذا كان ردُّ يسوع هكذا؟ وثالثًا، عندما أتت وسجدت له قائلةً "يا سيِّد، أعِنّي". أجابها وقال: "ليس حسنًا أن يُؤخَذَ خبز البَنين ويُطرَحَ للكلاب". ما سِرُّ هذه الأجوبة المتدرِّجة بالقساوة إلى درجة الإهانة؟ هل يوجد وراءَ هذا النَّوْع مِنَ الرَّدّ هدف؟
يا أحبَّة إلهنا إلهٌ رحومٌ وكُلّيّ المعرفة، وهو يعرف منجم الذَّهَب الَّذي داخل هذه السَّيِّدة الوثنيَّة. فكلَّما تقاسى معها في الكلام، كلَّما ازدادت تواضعًا وبانَ جوهرها النَّفيس. فالتَّلاميذ واليهود المحيطون بالرَّبّ ما كان بمقدورهم احتمال هذه اللَّهجة مِنْ كلام الرَّبّ لو كان هذا الكلام مُوَجَّه إليهم. ولكنَّ الرَّبّ أظهر لهم أنَّ إيمان هذه السَّيِّدة كان مَخفيًّا عنهم وأنّ أجوبة الرَّبّ لها كانت تُرضيهم وتعبِّر عن اعتزازهم بأنفسهم، ولكن رغم ذلك واحدٌ منهم لم يسمع تطويب الرَّبّ على إيمانه. فقد سمعوا جميعًا الرَّبّ يقول لهذه السَّيِّدة الوثنيَّة ما لم يسمعوه هم "يا امرأة، عظيمٌ إيمانُكِ لِيَكُن لكِ كما تريدين".
يا أحبَّة لا يظنَّنَ أحدٌ منّا أنَّ صَمْتَ الرَّبِّ في بعض الأحيان عند مُناجاتنا له إزدراءٌ أو إهمال، وأنّ ما يظهر من قساوة تجاهنا هو عدم محبَّة منه... بل، لِيَكُن في معلومنا أنَّ الله يبحث عن كنزنا الدَّفِين في أعماقنا، يبحث عن شعْلَةِ الإيمان الَّتي أطفأتها مشاغل وملذَّات الحياة. الرَّبُّ يريد أنْ يبان جوهر كلٌ منّا فالذَّهب لا يُمَحَّص إلَّا بالنَّار. فلتكن ثقتنا بمحبّة الله لنا كبيرة ولنعرف أنَّه نبع الرَّحمة والرَّأفة ويعرف ما نريده قبل أن نطلبه، ولكن أيضًا يعرف أنَّنا إنْ لم نَذُق طعْمَ النَّار والقسوة ستبقى شعلة الإيمان الدَّفين في قلوبُنا منطفئة. فهو يريد أن يتمجَّد اسمه القُدُّوس فينا، عندها ننال سؤلنا ويستجيب لطلباتنا، آمين.
الجهاد من أجل الخلاص
للقدّيس يوحنّا الذَّهبيّ الفم
إنَّه لأمرٌ مستغربٌ حقًّا أن يَسعى الرَّبُّ إلى صداقتِنا بكلّ طريقة، ونقابلَهُ بانعدامِ الغيرةِ لاقتناء صداقتِه؛ وأن يدعوَنا لنَرثَ خيراتِه، ونقابلَه بالتّهاوُنِ واللّامبالاة. يا إلهي! أتدعونا نحنُ التّافهين والضّعفاء والخطأة أصدقاءَك، أنتَ العظيمَ والكلّيَّ القدرةِ والإلهَ المعصومَ عن الخطأ وخالقَ الكونِ وسيّدَه؟!
إذًا، أَيُّ جهادٍ علينا خَوضُه لأجلِ صداقةٍ كهذه؟ وأيّةَ صعوباتٍ علينا أن نحتمل، نحن الَّذينَ نُخاطرُ بحياتِنا مرّاتٍ كثيرة لأجل صداقةٍ إنسانيّة؟! لكنّنا في الواقع لا نحتملُ شيئًا ولا نجاهدُ أبدًا ولا نتمّمُ أيًّا مِن وصايا المسيح. يجب أن نبكيَ فعلًا ونحزنَ على ما وصلت إليه حالُنا. لقد دعانا الله إلى السّماء ونحن فضَّلنا الجحيم. لقد سمحنا للشَّيطان أن يجرّدنا من كلّ العطايا الإلهيّة، وبهذه الطَّريقة بِتنا لا نختلفُ في شيءٍ عن أعداءِ الله الَّذين يسخرون من عظَمتِه ويخالفون ناموسَه. إنّني أصرخ مع النّبيّ: "ويلٌ لي فقد بادَ التّقيُّ من الأرض وليس مستقيمٌ بين النّاس".
قد يقولُ بعضُكم بتأفُّفٍ: "يكلّمنا دائمًا عن الدّموع والبكاء. كلّ شيءٍ يراه أسودَ وحزينًا". كيف لا أبكي ونحن نستحقُّ البكاء؟ وكيف لا أنوح وأعمالُنا تستحقّ النّوح؟ لماذا يزعجكم بُكائي ولا تزعجكُم خطاياكم؟ لماذا تستهجنون نَوْحي ولا تستهجنون سلوكَكم العاصي؟ كُفُّوا عن الانحدارِ نحو الجحيم، وامتَنِعوا عن الموتِ الرُّوحيّ، أَكفُفْ أنا عن البُكاءِ والنَّوح. ولكن، عندما أراكُم تهلكون كيف لا أحزن، أنا أباكُم الرّوحيّ الّذي يُحِبُّكم؟! أما سمعتُم قَولَ بولس: "يا أولادي الّذين أتمخَّضُ بكم أيضًا إلى أن يتصوّر المسيحُ فيكم".
إِنَّني أُعاني لأنَّكم لا تتقدّمونَ روحيًّا. أُعاني لأنَّ حياتكم مليئةُ كَذِبًا وَوِشاياتٍ ونزاعاتٍ وكراهيةً وَظُلمًا وَسَرقاتٍ وبَغاءً وأعمالاً مُشينةً وقَتلًا. أُعاني لأنَّ مَن لا يقترفُ مثلَ هذه الخطايا منكم يقعُ يوميًّا في إدانةِ الآخَرينَ والنّميمة.
يا ليتَ كُلَّ ما أقولُه يكونُ كذبًا. إنّي لأُفضّلُ أن يُعلَنَ في يومِ الدّينونةِ أنّني افترَيتُ عليكم على أن تُحاكَمُوا أنتم على أعمالِكم الشرّيرة. لذلك أدعوكُم وأرجو منكم أن تتوبوا وتجاهدوا من أجل خلاصكم. لِيَكُن لديكم محبّة وصلاح، لِتُسامحوا كلَّ الذين يسبّبون لكم الأذى أو يُسيئون إليكم بالكلام، وتساعدوا من هم بحاجة. كونوا متواضعين. تطهّروا دائمًا من أدران الخطيئة بالاعتراف. هكذا ستخلّصون نفوسكم وستربحون ملكوت السّماوات بنعمة الرّبّ.
من تعليمنا الأرثوذكسيّ
الأقمار الثَّلاثة
- التّلميذ: من هم الأقمار الثَّلاثة؟
- المُرشِد: الأقمار الثَّلاثة هم القدِّيسون باسيليوس الكبير (330-379) وغريغوريوس اللّاهوتيّ (330-382) ويوحنّا الذّهبيّ الفم (344-407)، ثلاثة من آباء الكنيسة العظام الَّذين عاشوا في القرن الرَّابع.
- التّلميذ: لماذا نسمِّيهم أقمارًا؟
- المُرشِد: لأنّ نور تعليمهم الإيمان الحقيقيّ يُضيء كما نرتّل في عيدهم: "لنمدح بأصواتٍ متَّفقةٍ الكواكبَ العظيمةَ الباعثة الضِّياء". نجد اسمهم باليونانيّة أحيانًا "الشُّموس الثّلاث"؛ يفسّر البعض أنَّهم أقمار لأنَّهم يستمدُّون نورهم من المسيح الشَّمس وينيرون العالم.
- التّلميذ: لماذا نعيّد لهم معًا في 30 كانون الثّاني؟
- المُرشِد: يعود تاريخ هذا العيد إلى القرن الثّاني عشر. ففي تلك الأيّام برز خلاف حادّ في القسطنطينيّة بين 3 فرق حول أيّ مِنَ القدِّيسين الثَّلاثة باسيليوس وغريغوريوس ويوحنّا هو أفضل من الآخَر. ولِفَضِّ الخلاف، رأى الأسقف يوحنّا، متروبوليت أوخاييطا، أن يعيّن للقدِّيسين الثَّلاثة عيدًا واحدًا جامعًا في 30 كانون الثّاني.
- التّلميذ: لماذا دُعي هؤلاء أقمارًا دون غيرهم من آباء الكنيسة؟
- المُرشِد: لا نعرف بالضَّبط، ربَّما لأنَّ تعليمهم وحياتهم تشكِّلُ قواعد أكيدة للأرثوذكسيّة تعليمًا وسلوكًا. تكرّم الكنيسة كلّ واحدٍ منهم لأسبابٍ مختلفة: باسيليوس مطران قيصريَّة لأنَّه الأسقف المثاليّ، حامي الضُّعفاء ومنظّم الخدمة الإلهيَّة، واضع قوانين الرَّهبنَة، المُدافِع عن ألوهة الابن والرُّوح القدس ضدَّ الهراطقة. صنع كلّ ذلك بمحبّةٍ ورأفةٍ بالكلّ إلى جانب مواقف إيمانيّة راسخة. منه نتعلّم العطاء ومحبّة الفقراء. أمّا غريغوريوس الشَّاعر، الواعظ، الخطيب، ذو الحسّ المرهَف، اللّاهوتيّ كما سمّته الكنيسة، فهو المُدافِع بشِدَّةٍ عن عقيدة الثَّالوث، بطريرك القسطنطينيّة الَّذي ترأَّس جلسات المجمع المسكونيّ الثّاني (381). ويوحنَّا الذَّهبيّ الفم معلّم الكلمة وراعي النُّفوس الَّذي عرف كيف يكلّم الشَّعب ويُواجِه العظماء كان شاهدًا للمسيح لمّا كان كاهنًا في أنطاكية وبطريركًا في القسطنطينيّة ومنفيًّا من قِبَل السُّلُطات. منه نتعلّم أن نتعلّق بالكتاب المُقدَّس وأنْ نسلك في حياتنا حسب الإنجيل.
- التّلميذ: لذلك نسَمِّيهم آباء الكنيسة؟
- المُرشِد: نعم، تذكّر أيضًا أن آباء الكنيسة يبقون آباءنا اليوم، آباء مُحبِّين يهتمُّون بخلاص أبنائهم. في عيدهم نقرأ في صلاة السَّحر إنجيل الرَّاعي الصّالح (يوحنّا 10: 9-16)، وفي القدّاس من الرِّسالة إلى العبرانيّين 13 :17-21 الَّتي تتكلَّم عن رعاة الكنيسة: "أذكروا مدبريكم الَّذين كلَّمُوكم بكلمة الله"
(نقلًا عن نشرة رعيّتي- جبل لبنان)