نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 18 كانون الأوّل 2022
العدد 51
الأحد قبل عيد ميلاد الرّبّ يسوع المسيح بالجسد (أحد النّسبة)
اللّحن 2- الإيوثينا 5
الكلمة الإفتتاحيّة
أحد النِّسبة
قبل تجسُّدِ الرَّبّ كان هناك صدّيقون وأصدقاء للرَّبّ، ويتكلّم العهد القديم كثيرًا عنهم. كانوا يعيشون على رجاء مجيء المخلِّص، ويرغبون لا بل يشتهون حضوره في أيّامهم ليتمتّعوا بالحرّيّة الرّوحيّة ويَرَوْا نور العالم بظهور الله بالجسد، ويهجروا الظِّلَّ والرُّسوم ما داموا يتنعمّون بالحقيقة والجوهر (القدِّيس نيقولا كاباسيلاس).
بين الأحد الماضي أحد أجداد الرَّبّ القدِّيسين وهذا الأحد أحد نسبة يسوع بالجسد، وِحدة تامَّة تربط العهد القديم بالعهد الجديد، مركزها يسوع الآتي إلينا من عند أبيه السَّماويّ، ليولد بشكلٍ يفوق الطَّبيعة أي بلا زرعٍ بشريّ، متَّخذًا صورة آدم الثّاني الجديد ليُوَحِّد طبيعتنا بألوهته.
يبدأ متّى الرَّسول إنجيله هكذا: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داوود ابن ابراهيم" (متّى ١:١). ذلك ليرشد متّى ذاكرة السّامعين إلى الوعود القديمة الَّتي وعدها الله لإبراهيم وداوود أنّ المسيح سيأتي منهما.
سبق الله وأعطى إبراهيم الوعد وقطع معه عهدًا أنْ تتبارك فيه وبنسله جميع قبائل وأمم وشعوب الأرض، وأنَّ الوعد سيستمرّ ويتحقَّق بإسحق ويعقوب ابنَي ابراهيم. كيف لا واسم ابراهيم يعني "أب الأمم"..!! (تك ١٢- ١٧).
كما أعطى اللَّه داوود وعدًا غير مشروط، بأنَّ مملكته ستدوم إلى الأبد، وأنَّ نسله سيحكم إلى الدَّهر. في المسيح تحقَّق هذا الوعد بقول رئيس الملائكة جبرائيل لمريم: "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمّينه يسوع، هذا يكون عظيمًا، وابن العَلِيِّ يُدعى، ويُعطيه الرَّبُّ الإله كرسيَّ داوود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلْكِهِ نهاية" (لو ١: ٣١- ٣٣). ومِن البَديهيّ كتابيًّا أنَّ مملكة يسوع هو الملكوت السَّماويّ.
لا شيء كان يُطمئن المؤمنين من اليهود أكثر مِنْ أنْ يسمعوا أنَّ المسيح ينحدر من نسل ابراهيم وداوود لأنّهم هكذا كانوا ينتظرونه. وهكذا توجّه متّى نحوهم ليؤمنوا بأنّ المَسِّيّا الَّذي ينتظرونه قد جاء.
سلسلة النَسَب المذكورة عند الإنجيليّ متّى، تنحدر من إبراهيم إلى يوسف رجل مريم الَّتي وُلد منها يسوع الَّذي يُدعى المسيح. أمّا عند الإنجيليّ لوقا ترتقي السّلسلة من يسوع فيوسف لتبلغ الإنسان الأوَّل آدم. كان "هدف متّى أن يُبرِزَ اكتمال المواعيد لشعب إسرائيل كما توقَّعوا، بينما هدف لوقا أن يُبرِزَ التَّبنّي الإلهيّ لكلِّ نسل آدم". (الأرشمندريت توما بيطار، كتاب السِّنكسار، الجزء الثّاني، صفحة ١٩٢).
من المهمّ أنْ نتوقَّف أيضًا عند يهوذا الابن الرَّابع من أبناء يعقوب الَّذي انحدر المسيح منه، ولا سِيَّما عند هذه النُّبوءة عنه في توزيع يعقوب لميراثه على أبنائه قبل دفنه، والَّتي تُشير إلى المسيح: "لا يزول قضيبٌ مِنْ يَهوذا ومشترع من بين رجليه حتّى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوبٍ" (تك ٤٩: ١٠). كلمة "شيلون" مهمّة جدًّا، فهِم اليهود في كُلِّ عُصورِهِم، قبل المسيح وأثناء وجوده على الأرض بالجسد، وسَجَّلوا ذلك في أهم كتبهم "التّرجوم"، أنَّ " كلمة שִׁילוה العبريّة شيلون أو شيلوه" الَّتي تعني "هو الَّذي له"، أي له الصَّوْلَجان والحُكْم. فهموا أنَّ هذا الإسم هو مصطلح خاصّ بالمسيح (المسيّا) الآتي والمُنْتَظَر. وأنَّ مجيء شيلوه أي المسيّا سيكون قبل زوال الحكم من سبط يهوذا مباشرة. فيهوذا وبالرُّغم من خطاياه، أظهر شخصيَّةً طيِّبة عندما تلمَّس الرَّحمة وقدَّم نفسَهُ بديلًا عن بنيامين (تكوين ١٨:٤٤-٣٤). بالـمُجمَل، هذه البَرَكة الَّتي وُهبت له مجّانًا، بأنْ ينحدر نسل المسيح منه، هي مثالٌ لغنى النِّعمة الإلهيَّة لِمَن لا يستحقُّها. وتنحدر أسباط إسرائيل الإثني عشر من أبناء يعقوب الَّذين يكوّنون أُمة الإسرائيليّين الَّتي منها برز المسيح. وهنا لا يجب أن يغيب عن معلوماتنا الكتابيّة أنَّ هذه الأمَّة هي مختلطة ومُطَعَّمة بنساءٍ من خارج الوسط اليهوديّ، ومِن زيجاتٍ غير شرعيّة. وعلى ما يقول أفتيميوس زيغافينوس: "جاء المسيح لا لتُخفى عنّا عيوبَنا بل ليُظهرها ويتغلَّب عليها بفضائله. جاء كطبيبٍ لا كقاضٍ دَيّان، ليَضَعَ حَدًّا لتَكَبُّر اليهود الَّذين أهملوا الفضيلة وافتخروا بأجدادهم وعظَّمُوهم باطلًا، لأنّ ولادة بعضهم كانت مِنْ زواجٍ غير شرعيّ. هذه اللّائحة من الأجداد، تَدُلُّ على أنَّ النِّساء يَرْمُزْنَ إلى كنيسةِ الأمَم". وبناءً عليه عمل الله لا تَحُدُّهُ سقطات البشر وخطاياهم.
بالعودة إلى ما يَشوبُ السَّرْد في سلسلَتَيْ النَّسَب عند الإنجيليّين متّى ولوقا، مِنْ عَدَم دِقَّة أحيانًا وعدم تطابُقٍ تامّ، ومن نقص بعض الأسماء أحيانًا أخرى، ولا مجال هنا للدُّخول بتفصيل ذلك، لكنَّ هذا لا يُعيب الجوهر. بكلامٍ آخر، المُهمّ في هذه السِّلسلة تأكيد صلة المسيح بداوود، سواءً عبر يوسف والده بمقتضى الشَّرْع اليهوديّ، أو والده بالتّبنّي، أو عبر والدته مريم، وأنّه هو المسيح الَّتي تحدَّثتْ عنه الكتب والأنبياء لنؤمن. إنَّها سلسلة نَسَب شعبٍ بكامله على امتداد أكثر من أَلْفَيْ عام، فلا تُعيبها بعض الأخطاء. وبالتَّالي لم تأتِ سلسلة الأنساب لتُحدِّد نَسَب يسوع بحسب الطَّبيعة البشريّة، بل لتُبَيِّن تحقيق وعود الله عن المسيّا المُنتَظَر لهذه السَّحابَة من أبرار العهد القديم، بإرسال ابنه الوحيد الَّذي اتَّخذ طبيعته البشريّة حَصْرًا مِن العذراء بحلول الرُّوح القدس عليها، دون زرعٍ بشريٍّ، كما كان قد تنبّأ النّبيّ أشعياء: "ها إنّ العَذراء تحمل فتلِدُ ابنًا يسمّونه عِمّانوئيل" (أش ٧: ٤٠). وكرَّر النَّبوءة الإنجيليّ متّى، وِمْن ثَمَّ لاحقًا في رسالة بولس الرَّسول عن تبنّينا الإلهيّ: "لمّا حان مِلْءُ الزَّمان أرسل الله ابْنَه مَوْلودًا من امرأةٍ مَوْلودًا تحت النّاموس لِيَفتَدي الَّذين تحت النَّاموس لِنَنالَ التّبنّي" (غلا ٤: ٤ -٥).
كان قد دعا موسى كتابه الأوَّل كتاب تكوين السَّماء والأرض، بينما لا يتكلَّم عنهما فقط بل عن كلّ الخليقة، لذلك اعتبر القِدِّيس يوحنّا الذّهبيّ الفَم ميلاد المسيح بمثابة الولادة أو التَّكوين الجديد بالمَعْنى الشَّامل.
وهنا نُشَدِّد في الميلاد على يسوع المُخَلِّص الَّذي يُخَلِّصُ شعبه من خطاياهم، ويَلِدَهُم لحياةٍ جديدة بالاشتراك معه.
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)
عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.
طروباريّة أحد النّسبة(باللحن الثاني)
عظيمةٌ هي أفعالُ الإيمان، لأنَّ الفتيةَ الثَّلاثةَ القدّيسين قد ابتهجوا في يَنبوعِ اللَّهيب كأنّهم على ماءِ الرَّاحة، والنَّبيَّ دانيال ظهر راعيًا للسِّباعِ كأنّها غنم. فبتوسّلاتِهم أيّها المسيحُ الإلهُ خلّصْ نفوسَنا.
قنداق تقدمة الميلاد (باللّحن الثّالث)
اليومَ العذراءُ تأتي إلى المَغارة لِتَلِدَ الكلمةَ الَّذي قبل الدُّهور وِلادةً لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المَسكونةُ إذا سَمِعْتِ، ومَجِّدي مع الملائكةِ والرُّعاة الَّذي سَيَظْهَرُ بمشيئته طفلًا جديدًا، وهو إلهُنا قبلَ الدُّهور.
الرِّسالة(عب 11: 9-10، 32-40)
مباركٌ أنتَ يا ربُّ إلهَ آبائنا
لأنَّكَ عدلٌ في كل ما صنعتَ بنا
يا إخوةُ، بالإيمانِ نَزَل إبراهيمُ في أرضِ الميعاد نزولَهُ في أرضٍ غريبةٍ، وسكَنَ في خيام معَ اِسحقَ ويعقوبَ الوارثَيْن معهُ للموعِدِ بعينهِ، لأنَّهُ انتظرَ المدينةَ ذاتَ الأُسسِ الَّتي اللهُ صانِعُها وبارئُها. وماذا أقول أيضًا. إنَّه يَضيق بيَ الوقت إن أخبرتُ عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء، الذين بالإيمان قهروا الممالِكَ وعملوا البرّ ونالوا المواعد وسَدُّوا أفواه الأسود وأطفأوا حِدَّة النّار ونَجَوْا مِنْ حَدّ السَّيْف وتقوَّوا من ضعف وصاروا أشِدّاء في الحرب وكسروا مُعسكرات الأجانب، وأخذتْ نساء أمواتهنَّ بالقيامة. وعُذِّب آخرون بتوتير الأعضاء والضَّرب، ولم يقبلوا بالنَّجاة ليَحصلوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرون ذاقوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقيود أيضًا والسّجن، ورُجِموا ونُشِروا وامتُحِنوا وماتوا بِحَدِّ السَّيف، وساحوا في جُلُود غَنَمٍ ومَعِز وهم مَعوزون مُضايَقون مجهودون (ولم يكن العالم مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلُّهم مَشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا المواعد، لأنَّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل أن لا يُكملوا بدوننا.
الإنجيل(متّى 1:1-25)
كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ: إِبْراهِيمُ وَلَدَ إِسْحاقَ، وَإِسْحاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ، وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ، وَفَارِصُ وَلَدَ حَصْرُونَ، وَحَصْرُونُ وَلَدَ أَرَامَ، وَأَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ. وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ. وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ، وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ، وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ، وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى، وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ الْمَلِكَ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي لأُورِيَّا، وَسُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحَبْعَامَ. وَرَحَبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا. وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا، وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ، وَيَهُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَامَ، وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا، وَعُزِّيَّا وَلَدَ يُوثَامَ، وَيُوثَامُ وَلَدَ أَحَازَ، وَأَحَازُ وَلَدَ حِزْقِيَّا، وَحِزْقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى، وَمَنَسَّى وَلَدَ آمُونَ، وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا، وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ.
وَبَعْدَ سَبْيِ بَابِلَ يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ، وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ، وَزَرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُودَ، وَأَبِيهُودُ وَلَدَ أَلِيَاقِيمَ، وَأَلِيَاقِيمُ وَلَدَ عَازُورَ، وَعَازُورُ وَلَدَ صَادُوقَ، وَصَادُوقُ وَلَدَ أَخِيمَ، وَأَخِيمُ وَلَدَ أَلِيُودَ، وَأَلِيُودُ وَلَدَ أَلِيعَازَرَ، وَأَلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّانَ، وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. فَجَمِيعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا.
أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا. وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ.
حول الرّسالة
ابراهيم أبو الآباء وهو النَّموذج الأفضل المثاليّ للمؤمن الحقيقيّ تميّزت حياته بالغربة والتَّغرُّب عن هذا العالم. وكأنّي به سبق وجسّد في حياته ما نادى به الرَّبُّ يسوع بعد ذلك بأجيال: "اِبن الإنسان ليس له أين يسند رأسه". وهذه دعوةٌ لكلٍّ منّا أنْ يَحيا حياة الغربة عن العالم. نحيا في الجسد على الأرض لكنّ أرواحَنا منطلقة من الأرضيّات تنشد الخالق وعالم السَّماويّات.
يُعلن الرَّسول بولس أنَّ الإيمان كان الأساس في حياة كلّ رجالات العهد القديم وقدّيسيه وبهذا الإيمان تشدَّدوا وتحمَّلوا سائر الاضطهادات على مختلف أشكالها والَّذي سيُعدّد بعضًا منها. من أمثلتهم جدعون الَّذي أنقذ الشَّعب من المديانيّين (قض ١١:٦) وباراق الَّذي خلَّصَهم مِنْ سيسَرا رئيس جيش الكنعانيّين (قض ٦:٤) وشمشون هازم جيوش الفلسطينيّين (قض ٢٤:١٣) ويفتاح منقذ الشَّعب مِنْ بَني عمُّون (قض ١:١١)، وداوود الملك مرنِّم اسرائيل (١صم ١٣:١٦)، وصموئيل الَّذي جابه شعب اسرائيل كلَّه عندما أرادوا تعيين ملك أرضيّ وعارضهم في ذلك رغبةً منه في آنٍ يبقى الله الوحيد السّائد على حياتهم (١صم ٦:٨)، وبقيّة الأنبياء الَّذين تنبَّأوا بالإيمان دومًا. ثمّ يذكر بولس أعمال الإيمان: قهروا ممالك كَشمشون (قض ١٥:١٥)، صنعوا برًّا كَداوود النّبيّ، نالوا مواعيد كَجدعون (قض ١١:٨) ، سَدُّوا أفواه الأسود كدانيال (دا ٢٢:٦)، أطفأوا قوَّة النّار كالفتية الثّلاثة (دا ٣)، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْف مثل أستير ومردخاي (أس ٨)... أخذت نساء أمواتَهُنَّ بالقيامة كما حدث في إقامة النّبيّ إيليا لابن أرملة صرفة صيدا من الموت... رَجَموا مثلما أمر الملك يؤاش بِرَجْمِ زكريّا الكاهن ابن يهوياداع لأنَّه وبّخ الشَّعب على خطاياهم ليرجعوا إلى الله وكما فعل آخاب الملك بنابوت اليزرعيلي زمن إيليّا النّبيّ (١مل١٣:٢١). نشروا كما نشر إشعياء النّبيّ، وجرَّبوا كامتحان ابراهيم بتقدمة ابنه إسحق ذبيحة (تك٢٢).
احتمال رجالات الله لكلِّ ما ذكرنا من اضطهادات وعذابات لم يكن ضعفًا منهم بل لأنَّهم كانوا ينشدون الانطلاق ونَيْل الموعد الإلهيّ بالحياة الدّائمة معه والَّذي لم يتحقَّق إلّا بعد عمل الفداء الَّذي أتمَّه الرَّبُّ يسوع على الصَّليب في العهد الجديد كي يلتقوا مع رجالات وقدِّيسي هذا العهد في الحياة الأبديّة الخالدة
استعدّ يا قلبي
"استعدّي يا بيتَ لحمُ، فقد فُتِحتْ عَدْنُ للجميع. تهيّئي يا إفراثا لأنَّ عُودَ الحياةِ قد أزهر في المغارةِ من البَتول. فإنَّ بطنها قد ظهر فردوسًا عقليًّا، فيه الغرس الإلهيّ، الَّذي إذ نأكل منه نحيا ولا نموت مثل آدم. المسيحُ يولد مُنهِضًا الصُّورة الَّتي سقَطَتْ منذ القديم".
بعد أيّام قليلة يطلّ علينا عيد كبير يحتفل به مجمل العالم المسيحيّ. ستضع الكنيسة مجدّدًا أمام ألحاظنا الحسّيّة والرّوحيّة حدث ولادة الرَّبّ بالجسد من العذراء مريم وستدعونا للسُّجود مع الرُّعاة والمجوس للملك المولود في مِزود في مغارة البهائم، وللتَّرنيم مع القوّات الملائكيّة السَّماويّة لتأنّس إله السَّلام والمحبّة. ستصدح كنائسنا بالنَّشيد الملائكيّ "المجد لله في العُلى وعلى الأرض السَّلام وللنَّاس المَسرّة". سنُعاين في هذا الطّفل المولود جديدًا ولادة خلاصنا، ولادة الإله المتجسّد. فيه سنُلاقي عتقنا الَّذي "أرسله الرَّبّ لشعبه" (مز 110 ، 9). ففي جسد هذا الطّفل لا يستتر الله فحسب بل اكتمالُ خلاصنا وتجديدُ طبيعتنا المفسَدة وتألّهُها. تولد مع جسد هذا الطّفل الخليقةُ الجديدة بمجملها.
بسبب أهميّة هذا العيد اللّاهوتيّة، شكّل الأخير مع عيد الفصح القطبَين الكبيرَين اللَّذَيْن تدور في فلكَيهما السّنة الطّقسيّة. فالفصح هو إكليل الأعياد المتحرّكة والميلاد إكليل الأعياد الثّابتة. وقد سمّى القدّيس الذّهبيّ الفم العيد الأخير "بعاصمة" metropolis الأعياد (إلى المغبوط فيلوغونيوس3)، لأنّ حدث هذا العيد هو الحدث الأمّ لمجمل محطّات خلاصنا. فيه اَتّحدت الطّبيعة البشريّة والطّبيعة الإلهيّة في شخص المسيح الواحد. شكّل يسوع المسيح الطّفلُ الإلهُ والإنسانُ الصُّورةَ الحيّة لإعادة تكوين الجميع وضمانَها.
يتهيّأ لنا ممّا قلنا أنّ عيد الميلاد هو الأقدم، زمنيًّا، في الكنيسة. في حين أنّ عيد الفصح هو الأقدم. الظّهور الأوّل لعيد الميلاد كان في القرن الثّاني حين بدأت بعض فرق البدعة الغنوسيّة الاحتفال به يوم 6 كانون الثّاني مقرونًا بعيد عماد الرَّبّ تحت عنوان عيد الظّهور الإلهيّ وهكذا كان يعيَّد له في الشّرق حتّى القرن الرّابع. حوالي العام 330 دخل هذا العيد إلى روما منفصلًا عن عيد الظّهور الإلهيّ وحُدّد يوم 25 كاون الأوّل تاريخًا له وانتشر في مجمل الغرب المسيحيّ. حوالي 376 نصادفه في أنطاكيا وقيصريّة كبادوكيا وحوالي العام 431 في أورشليم وتدريجيًّا في مجمل كنائس الشَّرق المسيحيّ ما عدا أرمينيا.
وتأثّر التّشكّل اللّيتورجيّ لهذا العيد بعيد لفصح. فعلى مثال الاحتفال بعيد الفصح كان يقام في القرن الرَّابع في كنيسة أورشليم قدّاسًا ليليًّا يترأّسه أسقف أورشليم في كنيسة المهد في بيت لحم (نواة ما سمِّي فيما بعد البرمون). ثمّ يتوجّه الجميع بزيّاحٍ ضخمٍ إلى كنيسة القيامة مرتّلين: "مبارك الآتي باسم الرَّبّ"، حيث يُقام، بعد فترة استراحة قصيرة، قدّاسًا ثانيّا.
وتوسّع هذا التّأثّر شيئًا فشيئًا إلى أن بلغ الشّكل الحاليّ عبر خدمة البارَمون في السّاعات الكبرى وصلاة الغروب وقدّاس باسيليوس. وكذلك تمّ تحديد فترة استعداد شبيهة بمثيلتها لعيد الفصح عبر فرز أحدَيْن مخصّصَيْن لأجداد الرَّبّ بحسب الجسد ولكلّ أبرار العهد القديم وهما أحد الأجداد وأحد النّسبة. أمّا بالنّسبة للصَّوْم، فكان هناك صوم لعدّة أيّام تسبق العيد. ثمّ توسّع هذا الصَّوْم في القرن السَّابع ليشابه الصَّوْم الأربعينيّ المقدّس قبل أسبوع الآلام وصار أربعين يومًا.
أيًّا كان تاريخ نشأة هذا العيد، المهمّ أن نعترف أنّ الله تجسّد وتنازل من أجلنا. سبيلنا أن نهيّأ له موضعًا في قلب كلّ منّا. مضمون هذه التَّهيئة هو أن نقرّ بمحبّة الله لنا وأن نقابل محبّته بمحبّة بعضنا البعض وبمحبّتنا له عبر سعيٍ صادقٍ ومستمرّ للطُّهر والفضيلة والقداسة. الله لم يتجسّد إلَّا ليهبنا هذه كلَّها فلا نكفر بالنِّعمة ولا نُخفي الإحسان.