نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 20 تشرين الثّاني 2022
العدد 47
الأحد (23) بعد العنصرة
اللّحن 6- الإيوثينا 1
أعياد الأسبوع: *20: تقدمة عيد الدُّخول، غريغوريوس البانياسيّ، بروكلس بطريرك القسطنطينيّة *21: عيد دخول سيِّدتنا والدة الإله إلى الهيكل *22: الرُّسُول فيليمن ورفقته، الشَّهيدة كيكيليا ومن معها *23: أمفيلوخيوس أسقف إيقونية، غريغوريوس أسقف أكراغندينون *24: الشّهيدين كليمنضوس بابا رومية وبطرس بطريرك الإسكندريّة *25: وداع عيد الدُّخول، كاترينا عروس المسيح، الشهيد مركوريوس *26: الباران أليبيوس العامودي ونيكن المستتيب، البارّ أكاكيوس، ستيليانوس.
كلمة الراعي
"افعلوا كلّ شيء لمجد الله"
(1 كورنثوس 10: 31)
المُؤمن بالرَّبّ يسوع المَسيح لا يَحيا لنفسه، هو يُدرك بأنّه قد "اشتُرِيَ بثمن" (راجع: 1 كورنثوس 6: 20 و7: 23)، "دم ابن الله" (أنظر 1بطرس 2: 19)، فلا يستطيع بعد أن يكون عبدًا لأحدٍ أو لأيَّةِ شهوةٍ أو حاجة. إنّه يعرف كيانيًّا ويقينيًّا بأنّه في المسيح "يحيا ويتحرّك ويوجد" (أعمال 17: 28). لذلك، حياة المسيحيّ المؤمن تتمحور حول الرَّبّ يسوع المسيح ومشيئته ووصاياه لأنّ المسيح بالنّسبة إليه هو "الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا 14: 6).
* * *
كلّ ما يصنعه الإنسان يهدف إلى تحقيق وجوده. إن أكل أو شرب أو لبس أو عمل أو علّم أو تزوّج أو تبتّل أو صنع الإحسان... الكلّ لأجل أن يكون موجودًا. حتّى الخطيئة الَّتي يصنعها الإنسان أو الشّرّ هما في إطار تحقيقه لذاته. ثمّة طريقان اثنان في الحياة لا ثالث لهما، بهما يصنع الإنسان حياته، هو لا يصنعها من العدم بل ممّا لديه، ما لديه هو من الله. فإذا استغلَّ الإنسان هبات الله له، (ووجوده نفسه هو عَطيّة من الله) في خطّ الوصيّة الإلهيّة انوجد لأنّه يصير مطرح سكنى الله بالنّعمة. وإذا سلك ضد الوصيّة خسـر وجوده لأنّ كيانه يصير عدَمًا.
* * *
"مجد الله أن يحيا الإنسان. وحياة الإنسان أن يرى الله" (ضد الهرطقات 7:20:4) يقول القدّيس إيريناوس اسقف ليون (+ 202 م.). إذًا، يتمجَّد الله متى عاش الإنسان، أي متى تَأَنْسَنَ أي سلك كإنسان، والإنسان الحقيقيّ هو يسوع المسيح وحده فقط!
يقول سِفر الجامعة: "فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ: اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ"
(12: 13). هذا هو يسوع المسيح إنّه كلمة الله المتجسِّد، وما لم يصـر الإنسان كلّه من "الكلمة الإلهيّ" لا تكتمل إنسانيّته. لكن لا يستطيع بشر أن يتمّم الكلمة الإلهيّة بقوّته، فقط بقوّة المسيح يستطيع ذلك، أي متى أدرك لاشيئيّته من دون الله وكمال واكتمال مشيئة الله فيه بالنّعمة الإلهيّة الَّتي تطهّره وتنقّي قلبه وتمنحه القوّة لإتمام إرادة الرَّبّ فيه أي "قداسته".
* * *
المسيح يسوع ابن الله الوحيد هو مصدر حياتنا وغايتها، هو محور وجودنا. ومتى نصنع وصيّته فنحن نحقِّق وجودنا وفرحنا، لأنّ مجده هو أن نكون إيقونات له أي أن نحيا هذا الوجود بكلّ ما فيه في فرح طاعته وصنع إرادته لأنّه هو الوحيد الّذي يعرف طريق غلبتنا على الموت لأنّه هو "الطّريق" إلى الحياة الأبديّة وهو هذه الحياة، والموت هو طريق الإنسان خارجًا عنه. من هنا، من أراد الحياة اختار الموت عن مشيئة الموت أي حبّ الخطيئة وسلك في حبّ الحياة أي يسوع المسيح. كلّ عمل يقوم به الإنسان يأتي من حبّ، إمّا حبّ الذّات في السّقوط أي في محوريّة الأنا أو حبّ الذّات في القيامة أي محوريّة يسوع المسيح. هذه هي المُعادلة، إمّا أكون من ذاتي وأعمالي لمجدي أي للذّاتي الأنانيّة وإمّا أكون من المسيح وأعمالي لمجده أي للذَّتي الوحيدة أي أن أفرغ له كياني بالحبّ لأنّه سبق ان أفرغ ذاته لأجلي. في محوريّة الأنا انغلاق وموت ولذّة عقيمة جحيميّة لا تشبع من استهلاك الذّات والوجود كلّه في سرّ الوِحدة (solitude) والانعزال الكليّ عن الوجود، وفي محوريّة يسوع المسيح انفتاح للكيان على اللّانهائيّ، على الله وفيه على كلّ الخليقة في سرّ الوَحدة (union) الشّركويّة المفتوحة على حياة الدّهر الآتي منذ الآن.
"فافعلوا كلّ شيء لمجد الله" لتحيوا وتفرحوا وتدخلوا سرّ الأبديّة والوجود السّرمديّ منذ الآن...
ومن استطاع أن يقبل فليقبل...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)
إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.
طروباريّة تقدمة دخول السيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)
الآن حنّة تسبق فتخطب للكلِّ فرحًا عِوَضَ الحُزن، بإفراعِها الثَّمَرَةَ، أعني بها الدَّائِمَةَ البتوليَّة وحدَها، الَّتي تُقَدِّمُها إلى هيكل الرَّبِّ بفرحٍ مُتمِّمَةً النُّذور، بما أنَّها بالحقيقة هيكلُ كلِمَةِ الله وأمٌّ نَقِيَّة.
قنداق تقدمة دخول السّيّدة إلى الهيكل(باللّحن الرّابع)
اليومَ المسكونةُ بأسرِها امتلأتْ سرورًا، في عيد والدةِ الإله الحَسَنِ البَهاءِ، هاتِفَةً وقائلةً: هذه هي المَظَلَّةُ السّماويّة.
الرّسالة)أف 2: 4-10(
يا إخوة، إنَّ الله لكونِهِ غنيًّا بالرَّحمةِ ومن أجل كثرةِ محبّتِه الَّتي أحبَّنا بها حينَ كُنَّا أمواتًا بالزَّلَّاتِ، أحيانًا مع المسيح. (فإنَّكم بالنِّعْمَةِ مُخَلَّصون). وأقامَنا معهُ وأجلَسنا معهُ في السّماويَّاتِ في المسيح يسوعَ ليُظهِرَ في الدُّهور المستقبَلَةِ فَرْطَ غِنى نِعمَتِه باللُّطفِ بنا في المسيح يسوع، فإنَّكم بالنِّعمَةِ مُخَلَّصونَ بواسِطةِ الإيمان. وذلك ليسَ منكم إنَّما هُوَ عَطيَّةُ الله، وليسَ من الأعمال لئلَّا يفتخِرَ أحدٌ. لأنَّا نحنُ صُنعُهُ مخلوقينَ في المسيحِ يسوعَ للأعمال الصّالِحَةِ الَّتي سَبَقَ اللهُ فأعَدَّها لنَسْلُكَ فيها.
الإنجيل(لو 12: 16-21)(لوقا 10)
قال الرَّبُّ هذا المثل: إنسانٌ غَنيٌّ أخصبَتْ أرضُهُ فَفكَّر في نفْسِه قائلًا: ماذا أصنع؟ فإنَّه ليْسَ لي موضِعٌ أخزنُ فيه أثماري. ثمَّ قال هذا: أصنع هذا، أهدِمُ أهرائي وأبْني أكبَرَ منها، وأجْمَعُ هناكَ كلَّ غلَّاتي وخيْراتي، وأقولُ لِنفسي: يا نْفسُ، إنَّ لكِ خيراتٍ كثيرةً، موضوعةً لسنينَ كثيرةٍ، فاستريحي وكُلي واشْربي وافرحي. فقال له الله: يا جاهِلُ، في هذه اللَّيلةِ تُطلَبُ نَفسُكَ منْكَ، فهذه الَّتي أعدَدْتَها لِمن تَكون؟ فهكذا مَنْ يدَّخِر لنفسِهِ ولا يستغني بالله. ولمَّا قالَ هذا نادى: مَنْ لَهُ أُذنانِ للسَّمْع فَلْيسْمَع.
حول الرّسالة
يبيّن لنا الرَّسُول بولس في هذه الرِّسالة الَّتي كتبها من سجنه في رومية رحمة الله ومحبَّته للبشر، وكيف أنّ الإنسان اختار الخطيئة، ورفض عطايا الله، وصار ميتًا بالذّنوب والخطايا، وأصبح غير مستحقّ للخلاص (أفسس 2 : 1 – 3). لكنّ الله لم يقاصصه إزاء ذلك، ولم يبادله بالمثل، بل لكونه غنيًّا بالرَّحمة ومن أجل كثرة محبّته منحنا الخلاص (أفسس 2 : 4). "فإنّكم بالنِّعمَة مخلَّصون" وقد أكّد الرَّسُول بولس على ذلك بتكراره مرّتين (أفسس 2 : 5 و 8). فالمسيح حاضنٌ لأحبّائه ومُشركهم في موته وقيامته وصعوده إلى السَّماء، وكلّ ذلك نعمةٌ من فوق من لدن الله يعطيها للإنسان، لأنّه يريد الكلّ أن يخلصوا وإلى معرفة الحقّ يُقبِلوا (1 تيمو2 : 4)، لكي لا يعتزّ الإنسان ويفتخر بفضائله وأعماله، فهو لا يدخل الملكوت بجهده لكن برحمة الله. الأعمال الصّالحة الَّتي نقوم بها ليست ضمانة بحدّ ذاتها لنَيْلِ الخلاص. الله أعطى ما أعطاه لنا لِفَيْضِ محبّته. لكن بعد أن ندخل الإيمان يجب أن نعمل أعمالًا صالحة حتّى تستمرّ النِّعمَة مُنْسَكِبَة علينا. أمَّا مَنْ يَحيا في استهتار فهو غير مستحقّ لهذه النِّعمَة المنسكبة عليه. نحن مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ (أفسس 2 : 10) الَّتي أعدّها الله لكي نسلك فيها. الكنيسة ترفض فكرة (أنّ هناك مَن أُعِدَّ للسّماء وهناك مَن أُعِدَّ لجهنّم). هذه الفكرة تُبطل المسؤوليّة الشّخصيّة. الإنسان يخلص لسببين أوّلًا لأنّ الله يُريد أن يُخلّصه بالنِّعمة، وثانيًا لأنّه يقبل هو هذا الخلاص الإلهيّ. الله يقول أنا المخلّص، والإنسان يردّ الله يُخلّصني. وهذا ما نسمّيه المشاركة بين الله والإنسان مع أنّ الله هو المُبادِر بالنِّعمَة. هذا الالتقاء بين النِّعمَة والجهد البشريّ تعليم ساطع لرسالة بولس إلى أهل أفسس، ورفضٌ للجبريّة القائلة بأنّ الله جابرنا على دخول السّماء أو دخول الجحيم. المحبّة لا تريد أحدًا في جهنّم، لكن لنكتسب تلك المحبّة بالطّاعة الدّائمة للآب بيسوع المسيح ربّنا، له المجد إلى الأبد آمين.
الصَّليب تعب أو فرح ..!!
ينتصبُ الصَّليبُ في وسط الكنيسة كَبُوصْلة يوجِّه فيها المؤمنين إلى طريق الخلاص. مَنْ يحمل صليبه ويمشي خلف الرَّبّ، ينال حظوة في ملكوت السّماوات، سِيَّما إذا كفر بنفسه وتبع المُخَلّص حيث يشاء. لصّ اليمين عرف خطيئته، فخاطب يسوع قائلًا: "اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (لو 23: 42)، ولذلك جعل الرَّبّ من صليبه، مفتاحًا للملكوت، ووعده بالملكوت.
مشكلة معظم المسيحيّين، أنَّ الصَّليب بالنِّسبَة لهم رمزٌ للعذاب، ولذا نسمعهم يقولون، سِرًا وعَلَنًا، (هيدا صليبنا بدنا نحملو). الصَّليب المُشار إليه، يكمن في المرض، أو في الجوع والعطش، أو في الحزن والألم، أو أيضًا في المشاكل العائليّة والاجتماعيّة. حتّى في الأمور السّياسيّة والأمنيّة والإقتصاديّة، باتت الإشارة إلى كلّ مشكلٍ أو عائق أو تعب وجهد، هو صليب بالنِّسبة لهم. لسنا بِوَارد مناقشة عقول النّاس حول ربط الصَّليب بكلِّ أصناف التَّجارِب. إيماننا وتعاليمنا قائمان على أنّه "بالصَّليب أتى الفرح لكلِّ العالم"، هذا ما نصلّيه ونرتّله في طقوسنا.
المسيحيّ من دون أن يذوق طعم الصَّليب، لا يمكنه أن يعيش معنى الفرح. نحن لا ننشد الألم، إنّما إذا داهمنا فنقبله.
صليب ربِّنا يسوع المسيح قوّة حقيقيّة للخَلاص والنّصرة في الجهاد. وقد سلّمنا بولس الرَّسول هذا الإيمان الحَيّ بقوله: "إنّ كلمة الصَّليب عند الهالكين جهالة وأمّا عندنا نحن المخلَّصين فهي قوّة الله" (1كورنثوس 1: 18). الهالكون لم يصدّقوا قيامته. وأمّا الَّذين يهتمّون بخلاصهم فيجدونه قوة اللَّه.
* * *
الصَّليب للمؤمنين علامة خلاص، هو جسر عبورنا إلى الآب، لأنَّه يجمع بين المحبّة والمُصالَحَة. يربطنا بالله وبالآخر وبذاتنا، مَن يدرك ماهيّة الصَّليب يعيش سلام الله في نفسه ومع الآخرين.
مشيئة الله هي في خلاصنا، في تقديس حياتنا وغفران خطايانا. فكلّ من يسعى للحصول على الخلاص بنعمة الله، وسعى للحياة الأبديّة، عليه بالصَّليب، "شجرة الحياة". الصَّليب مفتاح الملكوت، إذا أتقنت استخدامه وتآلفت معه. فهو فتح لك باب الخلاص، وإذا تعاملت معه كالهالكين، سيبقى باب المراحم موصدًا، لأنَّك لم تعرف استخدام هذا المفتاح.
الحياة درب طويل مليء بالحزن والألم، رغم النّجاحات الَّتي قد يحقُّقها الإنسان في حياته. الحياة درب طويلة مليئة بالمتناقِضاتِ، وهذه الحياة تشبه درب الصَّليب، الَّذي مشاه الرَّبّ يسوع بكافّة مراحله. قد يأتيك الرَّبّ بسمعانٍ قيرواني يسندك ويحمل معك هذا الصَّليب، لكن على قدر ما نسلك الدَّرب بأمانة وإخلاص، دون تأفُّف أو تذمّر، نستحقّ عندها الحياة الأبديّة، فنقف أمام منبره العادل، وبكلّ فخر واعتزاز، لا من أجل مجدٍ نلناه، أو مركزٍ حزناه، أو مالٍ كسبناه. لا لأجل شهادات وإنجازات، إنّما لأجل أنّنا حملنا الصَّليب بفرح وتواضع وإيمان ورجاء وتسامح ومحبة ومصالحة. عندها تعب صليب الحياة يؤول إلى فرح، فنصرخ كلصِّ اليَمين: "اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ" (لوقا 23: 42).
الاتّضاع
المتروبوليت أفرام (كرياكوس)
اخترتُ عن قصد كلمة اتّضاع بدل كلمة تواضع لأُظهِرَ أنَّ مثل هذه الفضيلة تتطلّب غَصْبًا للنَّفْس في البداية، كما تتطلّب تدرُّبًا وصبرًا طويلَيْن قبل أن تُقتنى بشكلٍ ثابت.
إضافةً إلى هذا الجهد الشّخصيّ، لا يستطيع أحدٌ أن يقتني تواضعًا حقيقيًّا بدون قوّة الله، هذا بسبب محبّته الطّبيعيّة لنفسه.
يقول القدّيس دوروثاوس أسقف غزّه إنَّ التّواضع مثل الطّين مصنوع من تراب يدوسه الجميع. فضيلة بدون تواضع ليست فضيلة.
سقف البيت هو المحبَّة الَّتي هي كمال الفضائل. ويُضيف بعد السَّقف يأتي سور السًّطح. لقد كُتِب: "إذا بنيت بيتًا جديدًا فاصنع سورًا لسطحك لئلّا يسقط أحدٌ من أولادك الصِّغار" (تث22: 8)، السُّور هو التَّواضع حافظ الفضائل كلّها. يُريد القدِّيس دوروثاوس أن يُظهِر أنَّه لا محبّة، لا صدقة ولا أيّة فضيلة أخرى يمكن أن تكون من دون تواضع.
* * *
في مثل الفرّيسي والعشّار صلّى العشّار دون أن يرفع عينيه نحو السَّماء: "اللّهم ارحمني أنا الخاطئ". هذا يعني أنَّ التَّواضع مرتبطٌ بالتَّوبة، أي أن يرى الإنسان أنّه ضعيف، خاطئ وبحاجة إلى رحمة الله.
يقول الرَّبّ يسوع نفسه: "تعلّموا منِّي أنا الوديع والمتواضع القلب تجدوا راحة لنفوسكم" (متى 11: 29). ويُظهِرُ تواضعَه أيضًا حين غسل أرجل تلاميذه قائلاً لهم: "إني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعتُ أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا" (يوحنا 13: 15).
* * *
- التّواضع المقدّس كتابةٌ سماويّة لا يفهمها ولا يدركها إلّا الَّذين ذاقوا شيئًا من حلاوتها.
- إنَّ مكانًا واحدًا في الخليقة كلّها شاهدَ الشّمسَ مرّةً واحدة (قعر البحر الأحمر) وفكرًا كثيرًا ما ولَّدَ تواضعًا (فكر الموت أو الدّينونة).
- المحبّة والتَّواضع زوجٌ واحدٌ. لأنَّ الأولى ترفع أمّا الثّاني فيحفظ الَّذين ارتفعوا ولا يدعهم يومًا يسقطون.
- التَّواضع علمٌ روحيّ يعلّمه المسيح للَّذين يُؤهَّلون له. التّواضع غير البساطة.
سؤال: هل يستطيع المتكبّر أن يصبح متواضعًا؟ نعم، بالقوّة الَّتي ينالها من العلاء، الَّتي هي المعزِّي، الرُّوح القدس.
- الأسرارُ الإلهيَّة تُعلَن للمتواضعين. (يوحنّا السلّمي).