نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 16 تشرين الأوّل 2022
العدد 42
الأحد (18) بعد العنصرة
اللّحن 1- الإيوثينا 7
كلمة الرّاعي
المجامع المسكونيّة
إنّ مصفَّ الآباء القدِّيسين ... سلّموا إلى البيعة
سرّ التّكلّم باللاهوت (ذكصا الإيوثينا لأحد الآباء)
المجامع المسكونيّة هي السّلطة العليا في الكنيسة قاطبة، لذلك قراراتها ملزمة للكنيسة جمعاء، ولا تُعدّل أو تُلغى إلّا بقرارات أخرى من مجامع مسكونيّة.
عالجت المجامع المسكونيّة، بشكلٍ أساسيّ، المسائل المتعلّقة بصحّة الإيمان والعقيدة بناءً على الكتاب المقدّس وتقليد الكنيسة، كما سنّت قوانين لحسن سير الحياة في الكنيسة وتقويم الإعوجاج بهدف التّوبة والخلاص.
انعقد المجمع المسكونيّ السّابع لغيضاح وتحديد إيمان الكنيسة من مسألة إكرام الإيقونات، بناء على العقائد المنصوص عنها في المجامع المسكونيّة السّابقة وتعليم الآباء القدّيسين.
الجدير ذكره أنّ الاضطهادات لمُكَرّمي الأيقونات بدأ مع الإمبراطور لاون الثّالث الإيصوري عام ٧٢٥م. واستمرّت في عهده إلى العام ٧٤١م. ثمّ في عهد ابنه قسطنطين الخامس الملقّب بالزبلّيّ (٧٤١ – ٧٧٥م). موجات الاضطهاد الّتي دامت حوالى المئة وعشرين سنة استشهد بنتيجتها البعض وعذّب آخرون ونفي الكثيرون.
هذا الأحد نعيّد لإعادة الإيقونات إلى صُلب الحياة الكنسيّة بعدما كان محظور إكرامها وكانت تصادر وتتلف ويلاحق مكرّموها والمدافعون عنها.
* * *
ما أهميّة الأيقونة في إيماننا؟ وهل عدم وجودها يؤثّر على خلاصنا؟
بالنّسبة لآباء المجمع المسكونيّ السّابع لا تنفصل الأيقونة عن العنصر الأوّل أي عن من تمثّل وهي لا تعبِّر عن إيمان الكنيسة أنّ ”الله ظهر في الجسد“ (1 تي 3: 6): "... إنّنا نحافظ على كلّ تقاليد الكنيسة، حتّى يومنا هذا، بلا تغيير أو تبديل. ومن هذه التّقاليد، الصُّوَر الممثِّلة للأشخاص ... وهو تقليد مفيد من عدّة وجوه، ولاسيّما أنّه يُظهر أنّ تجسّد الكلمة إلهنا، هو حقيقة وليس خيالًا أو تصوّرًا. لأنّ الصور عدا ما فيها من إشارات، وايضاحات، تحرك المشاعر الشّريفة".
إذًا، الأيقونة ترتبط باعترافنا بتجسِّد الإله وأنّه صار إنسانًا مثلنا. لذلك، تؤكّد الكنيسة بأنّنا نعبد المسيح ونكرّم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وبالتّالي نحن لا نكرّم المادة (الخشب - الحجارة) بل الكائن المرسوم فيها، أيّ ما تمثّله. وفي هذا الإطار يقول القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ: ”لا يمكن رسم الله الّذي لا يدرك، وغير المحدود، أما الآن وقد ظهر الله بالجسد وعاش بين البشر، فأنا أرسم الله الّذي تراه العين فأنا لا أعبد المادّة بل خالق المادّة الّذي استحال مادّة لأجلي“.
في نفس الخطّ يقول القدّيس ثيودوروس السّتوديتيّ عن الرّبّ يسوع المسيح بأنّه ”من حيث أنّه ولد من الآب غير القابل للوصف، فلا يمكن أن يكون للمسيح صور، أمّا من حيث أنّه ولد من أمٍّ عذراء، قابلة للوصف، فله صور تطابق صورة أمّه قابلة الوصف“.
* * *
أيُّها الأحبّاء، لا يوجد عقيدة في الكنيسة لا تَمَسُّ حياتنا ولا ترتبط بخلاصنا. الخلاص في المسيحيّة ليس مجرَّد أن يحيا الإنسان إلى الأبد، بل هو يتعلَّق بماهيَّة الحياة الأبديَّة، وهنا التّمايز والاختلاف عن باقي ديانات العالم، لأنّ المسيحيّة ليست ديانة بل هي كشف الله الأخير عن ذاته وحقيقته وسرِّه أنّه ”أحبّ خاصّته“ لدرجة أنّه أتى وسكن معها وفيما بينها لا بل أنّه ضمّها إلى أقنومه بتجسُّده حين اتَّخذ طبيعتنا البشريّة وولد كإله متأنس من العذراء مريم.
من هنا، الخلاص هو المسألة الرّئيسيّة الّتي توضحها عقيدة إكرامنا للأيقونات كونها مطرح حضور وتجلِّ لسرّ الله في مَن تُمثِّل. وفي هذا الإطار يصير الإنسان هو الحامل صورة الله وهو أيقونته الحيَّة في هذا العالم. الله يسكن فينا بالنّعمة وكلّ ما له يعطينا إيّاه، إذ هو يعطينا ذاته في المسيح يسوع مأكلًا ومشربًا حقَّانيًّا ...
أن تكون أيقونة الله يعني أن تكون حضوره في العالم الَّذي يُعزّي ويُشدِّد ويشفي ويبهج ويكشف ملكوته منذ الآن وفي هذا العالم.
أنت إن لم تأتِ منه لن تكونه، ولكي تكونه يجب أن تموت عن عتاقتك، وأن تموت عن عتاقتك يعني أن تغيّر ذهنك وفكرك وقلبك وحياتك، أي أن تحيا له وله وحده لأنّه فيه ومنه وبه تعيش وتحبّ وتعطي وتموت وتقوم وتحزن وتفرح إذ يصير هو كلّ شيء لك وفيك...
يا بني إن لم تفرح في الرّبّ فلن تعرف الفرح وإن لم تمت لأجل الرّبّ عن العالم فلن تربح حياتك.
يا بني افتح قلبك بالتّوبة لكلمة الله وروحه لينفتح ذهنك (Νους) على كشفه الإلهيّ بالرّوح القدس الَّذي يضيء كيانك بالنّور غير المخلوق فتصير أنت مصباحه وأيقونة مجده في هذا العالم...
ومن له أ ذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)
إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
طروبارية الآباء (باللَّحن الثّامن)
أنتَ أيّها المَسيحُ إلهُنا الفائقُ التّسبيح، يا مَن أسّستَ آباءَنا القدّيسين على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبِهم هَدَيْتَنا جميعًا إلى الإيمان الحقيقيّ، يا جزيلَ الرّحمةِ المَجْدُ لَك.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (تيطس 3: 8-15)
مباركٌ أنت يا ربُّ إلهَ آبائنا،
لأنَّك عدلٌ في كلِّ ما صنعتَ بنا
يا ولدي تيطُسُ، صادقةٌ هي الكَلِمةُ، وإيَّاها أُريدُ أن تقرِّرَ حتَّى يهتمَّ الَّذين آمنوا باللهِ في القيام بالأعمال الحَسَنَة. فهذه هي الأعمالُ الحَسَنَةُ والنَّافِعَة. أمّا المُباحَثات الهَذَيانيَّةُ والأنسابُ والخُصوُمَاتُ والمُماحكاتُ النَّاموسيَّة فاجتنِبْها، فإنَّها غَيرُ نافعةٍ وباطلةٌ. ورجُلِ البدعَةِ، بعدَ الإنذار مرَّةً وأُخرى، أعرِض عنهُ، عالِمًا أنَّ مَن هو كذلك قدِ انحرفَ، وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أرتمِاسَ أوتِيخيكوسَ فبادِرْ أن تأتيني إلى نيكوبولِس لأنّي قد عَزَمْتُ أن أُشتّيَ هناك. أمّا زيناسُ معلِّمُ النّاموس وأبُلُّوسُ فاجتَهد في تشييعهما متأهّبَيْن لئلّا يُعوزَهما شيءٌ. وليتعلَّم ذوونا أنْ يقوموا بالأعمال الصَّالِحَةِ للحاجاتِ الضَّروريَّة حتَّى لا يكونوا غيرَ مُثمِرين. يسلّمُ عليكَ جميعُ الَّذين معي. سَلِّمْ على الَّذين يُحبُّوننا في الإيمان. النِّعْمَةُ معكم أجمَعين، آمين.
الإنجيل (لو 8: 5-15)(لوقا 4)
قال الرَّبُّ هذا المثَل. خرج الزّارِعُ ليزرعَ زرعَهُ. وفيما هو يزرع سقط بعضٌ على الطَّريق فوُطِئَ وأكلتهُ طيورُ السَّماءِ، والبعض سقط على الصَّخر، فلمَّا نَبَتَ يَبِسَ لأنَّهُ لم تكنْ له رُطوبة. وبعضٌ سقط بين الشَّوْك، فنبت الشَّوْكُ معهُ فخنقهُ. وبعضٌ سقط في الأرضِ الصَّالحة، فلمَّا نبت أثمر مئَةَ ضعفٍ، فسأله تلاميذُهُ: ما عسى أنْ يكونَ هذا المثَل؟ فقال: "لكم قد أٌعطيَ أنْ تعرِفوا أسرارَ ملكوت الله. وأمّا الباقون فبأمثالٍ لكي لا ينظروا وهم ناظِرونَ ولا يفهموا وهم سامعون". وهذا هو المثَل: الزَّرعُ هو كلمةُ الله، والَّذين على الطَّريق هم الَّذين يسمعون، ثمَّ يأتي إبليس وَيَنْزعَ الكلمةَ من قلوبهم لئلَّا يؤمِنوا فيخلُصوا. والَّذين على الصَّخْرِ همُ الَّذين يسمعون الكلمةَ ويقبلونها بفرحٍ، ولكن ليس لهم أصلٌ وإنَّما يؤمِنون إلى حينٍ وفي وقت التَّجربة يرتدُّون. والَّذي سقط في الشَّوْكِ هم الَّذين يسمعون ثمَّ يذهبون فيختنِقون بهمومِ هذه الحياةِ وغناها ومَلذَّاتِها، فلا يأتون بثمرٍ، وأمَّا الَّذي سقط في الأرض الجيّدة فهم الَّذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيّدٍ صالحٍ ويُثمرون بالصَّبْر. ولمّا قال هذا نادى: "مَن لهُ أُذنان للسَّمْعِ فليَسْمَعْ".
حول الإنجيل
"خرج الزَّارع ليزرعَ زرعه" (لو ٨: ٥)، نرى في العالم المحيط بنا أنَّ كلَّ ثمرٍ يتولَّد من جنس البذور المزروعة. فحبَّة الحنطة تعطي الحنطة، وحبَّة الشَّعير شعيرًا وحبَّة العدس عدسًا. "إنّ المولود من الجسد إنّما هو جسد" (يو ٣: ٦) وكلمة الله المزروعة في قلوبنا البشريّة لا يكون ثمرها إلَّا مثلها، لأنّ كلِمَةَ الله بذرة روحيّة صالحة مقدَّسة مُحْيِيَة. ففكِّر أيّها المؤمن في استماعك إلى كلمة الله، هل تراودك أفكار و رغبات روحيّة وسماويّة؟ فإنْ كنتَ لا تشعُر بشيء من ذلك فهذا دليلٌ واضحٌ على أنّ كلمة الله غادرتك. وقد قال السَّيِّد: "مَنْ له أذنان للسَّمْعِ فلْيَسْمَع" (لو ٨: ٨) البذور تُزرَع بطريقةٍ واحدة. لكنّها لا تصادِف تربة واحدة، قد تقع الحبّة على الطّريق فتلتقطها طيور السَّماء، ويكرز بكلمة الله فتصادف قلوبًا بشريّة، تمُرُّ بها الأفكار مُرورَ الكِرام، فتُنتَزَع ولا تُعطي ثَمَرًا. وبعض الحبوب تسقط على الصَّخرة فتنبت، ولكن سرعان ما تذبل فتيبس بتأثير حرارة الشَّمس، لِخُلوِّ الصَّخْرِ من التّربة الَّتي تغذّي الجذور. وكلمة الله إذ تقع في القلوب البشريَّة ولا يتفرّع أصلٌ لها تُقبَل بفرح، لكنّها إذ تصادِف تجاربَ مختلفة تبقى بلا ثمر. وبعض الحبوب تسقط بين الشَّوْك فينبت معها و يخنقها. وكلمة الله يسمعها كثيرون و قلوبهم مُحاطَة بالأشواك، أي أحزان هذا العالم وغرور النَّفس فلا تُعطي ثمرًا. وبعض الحَّبّ يسقط في التّربة الصّالحة فيُعطي ثمرًا صالحًا. وهكذا كلمةُ الله تحصل على ثمرها إذ تصادِف قلوبًا صالحة، يجب عليك أيّها المؤمن أن تقرأ كلمة الله، أي الإنجيل والرَّسائل بكلِّ انتباه واجتهاد حتّى لا تختلس الأرواح الشِّريرة منك هذه الكلمة كما التقطت الطُّيور الحبوب الَّتي سقطت على الطَّريق. وإذا سمعت وقرأت كلمة الله دعها تتأصَّل في قلبك كما يقول داوود مُقدِّمًا نفسه مثلًا لنا: "في قلبي صُنْتُ أقوالَكَ لكي لا أخطأ إليك، ما أشَدَّ حبّي لشريعتك، هي تأمُّلي النَّهار كلَّه" (مز ١١٨).
وبما أنّ رغبات هذا العالم كالشَّوْك، فبذور كلمة الله المزروعة في القلوب تُخنَق، وَجَبَ علينا أنْ نستأصل هذه الأشواك المُضِرَّة من القلب حسب كلام الرَّسول: "لا تُحِبُّوا العالم ولا ما في العالم" (١يو ٢: ١٥) فإنْ خالفتَ هذا فلن تعطي كلمة الله ثمرًا فيك. فكلُّ مَنْ يَرْغَبْ أنْ يَخْدم الله و يُقَدِّم له ثمرًا، يتعرَّض لتجارب مختلفة كما كتب: "يا بُنيّ إنْ أقبلتَ على خدمةِ الرَّبّ فاثبت على البِرّ و التَّقوى واعْدِد نَفْسَكَ للتَّجربة" (ابن سيراخ ٢: ١) فيجب أنْ نَتَغَلَّب على التَّجارِبِ بالصَّبْر إذا أردنا أن نتمِّمَ كلام الإنجيل: "هم الَّذين يسمعون الكلمة بقلبٍ جيِّدٍ وصالحٍ ويثمرون بالصَّبر" (لو ٨: ١٥)، اجتهاد البشر لا يبقى بدون مساعدة الله وإذا اتَّحد القلب البشريّ بالبذور السّماويّة لا يعطي ثمرًا من دون مساعدة العامل السَّماويّ الرَّبُّ يسوع المسيح الَّذي قال: "لأنّكم من دوني لا تستطيعون أن تعملوا شيئًا" (يو ١٥: ٥) إن كانت التُّربة جيّدة للزَّرع فالبذور لا تُعطي ثمرًا مِنْ دون تأثير حرارة الشَّمس ونزول المَطَر عليها. هكذا بذور كلمة الله إن سقطت على القلب الجيِّد لا تأتي بأيّ ثمرٍ إذ لم تأثّر فيها حرارة نعمة الله وتُروى بالنَّدى السّماويّ. فنحن بحاجة إلى نعمة الله في كلّ حين لأنّنا بدونها كالأطفال لا نُحْسِن المَشي تارَّةً نقوم و تارَّةً نسقط. فيا أيّها السّيّد، اهدِنا في طريق وصاياك وثبّتنا فيها لنسير بموجبها، آمين .
علم الإيقونة
الإيقونة هي تعبير تصويريّ لمواضيع دينيّة تجسُّد أحداث الكتاب المُقَدَّس بعَهْدَيْه القديم والجديد. إنّها صورة أو شَبَه لشخصيّات هذا الكتاب وأيضًا لِصُوَر الملائكة والقدِّيسين على مُختَلَف أنواعِهِم: أنبياء- رُسُل- رؤساء كهنة- شهداء- رهبان ... الإيقونة نافذة إلى العالم الآخَر (السَّماء) حيث النُّور الإلهيّ الَّذي يطرد كلّ خطيئة وظلمة. تطلَق كلمة أيقونة على الرُّسوم ذات الطَّابع الرُّوحيّ الَّتي تعكس حقيقة إلهيّة. فالكتاب المُقَدَّس نتعرَّف عليه من خلال قراءته بالكلمات والأحرف وأيضًا يمكننا أنْ ننال ذات المعرفة إذا قرأناه من خلال الخطوط والألوان الَّتي تُبرزها الإيقونة. إذن الإيقونة هي الكتاب المُقَدَّس للأمُيّين عادمي القراءة يقرأونه بالخطوط والألوان عوض الكلمات والأحرف. كاتب الإيقونة يُصَلِّي قبل البَدء بكتابتها لكي تُمْسِك يد المعونة الإلهيّة بيده وتقوده وترشده أثناء العمل. مِنْ هنا عمل الإيقونة إلهيّ بَشَرِيّ وهذا ما نراه جَلِيًّا من خلال الخلفيّة الذَّهبيّة لكلِّ الإيقونات الَّتي ترمز للنُّور السّماويّ، لأنّ الإيقونة تطلّ علينا مِنَ السَّماء. تلعب الألوان دورًا أساسيًّا في الإيقونة حيث أنّ اللَّون الأبيض مثلًا يُشيرُ إلى النُّور الإلهيّ والنَّقاوَة والطَّهارة، واللَّوْن الأحمر للدَّم والشَّهادَة ... نحن نكرِّم الإيقونة ولا نعبدها والإكرام لا يعود إلى مادَّة الإيقونة (الخشب والطّلاء وصفار البيض...) بل إلى العنصر الأوّل الَّذي تُشير إليه هذه الإيقونة. وعندما نسجد أمامها، سجودنا يكون سجودًا إكراميًّا لمن تمثِّل لا سُجودًا عباديًّا لأنّ العبادة لا تليق إلّا بالثّالوث الأقدس فقط الآب والابن والرُّوح القدس. تعرَّضتْ الإيقونات لحروب شرسة خلال التّاريخ شَنَّها بعض الأباطرة والهراطقة فكانوا يهاجمون الأديار والكنائس والمنازل ويحرقونها أو يحطِّمونَها وكثيرًا ما كانوا يسرقون الذَّهب إذا كانت مطليّة به. إلى أن انتهت هذه الحرب وتكرَّسَ تكريم الإيقونات واستعمالها في المجمع المسكونيّ السّابع المُنْعَقِد في مدينة نيقية عام ٧٨٧ م.
اهتماماتنا
للمتروبوليت بولس (يازجي)
”فاطلبوا أوّلًا ملكوت الله وبِرِّه وكلّ شيء يُزادُ لَكُم“
هذا هو الصِّراع الأزَلِيّ بين غلبة الرُّوح و غلبة المادَّة! بين الملكوت والأشياء! وتلعب احتياجاتُنا الماديّة الحقيقيّة دورَ أداة كلٍّ من الغَلَبَتَيْن. فنراها حينًا تأسُرُنا ونَصير مَخنوقين في هموم الحياة كما حصل في البِذار الَّذي نَبَتَ بين الأشواك فلم يُثمِر. ونَراها حينًا آخَرَ أداةً ترفع روحانيّتنا وإيماننا، إذا ما تجرّأنا ورتّبنا احتياجاتنا المادِّيّة في الدَّرجة الثّانية بعد اهتمامنا الرُّوحيّ، فالملكوت هو الغاية، والأشياء هي أداة نستخدمها سلبيًّا فتستعبدنا للعالم أو إيجابيًّا فتحرِّرنا نحو الملكوت.
إنّ كلمة الرَّبّ “لا تهتمُّوا قائلين ماذا نأكل وماذا نشرب وماذا نلبس”، تبدو بالفعل للوهلة الأولى قاسية أو غريبة. ونحن نعرف ونؤمن أنّ الرَّبّ يسوع والكتاب كلّه لا يوصيان بعدم الاكتراث بالأمور. على العكس، الوصيّة هي أن نهتمّ بكلّ الأمور الاهتمام الكافي، لكي نتمّم كلّ شيء بدقّة ونجاح. إنّ الوصيّة لا تعني الكسل وعدم الاهتمام، وإنّما ألّا “نقلق” تجاه هذه الأمور في الحياة. لأنّ الرَّبّ يسوع أردف هذه العبارة بـ”إنّ أباكم السَّماويّ يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذا كلّه”، وهو يُقيت طيور السَّماء ويُلْبِس زنابق الحقل أجمل ممّا لبسه سليمان في مجده.
إذًا المَسيحيّ “يهتمّ”! لكنّ السُّؤال العميق هو “بماذا يهتمّ”؟ لا بُدَّ من تركيز اهتماماتنا على الأهمّ لكي لا نضيع وسط كلّ انشغالات الحياة. يهتمّ المسيحيّ أوّلًا بمسائل “ملكوت الله وبرّه”. يهتمّ بالكلمة الإلهيّة ويُعطي الصَّلاة حقّها من يومه. يهتمّ أيضًا بأخيه الإنسان ويقدّم له ما يكفي من الوقت والمساعدات. يهتمّ المسيحيّ بالبشارة ولا ينسى أنّه سفير يسوع في العالم. لذلك إنّ جُلَّ اهتمامه هو تأدية سفارته ورسالته ولا يعطي لسكناه في هذه البلد الغريبة أكثر ما تستحقّه من الاهتمام. إنّ “همّ” المسيحيّ الوحيد هو “الأوّل” أي ملكوت الله وبِرِّه.
ولا تأخذ الاهتمامات الأخرى أهمّية أكثر من حقيقتها. كلّ ما نصادفه من مسائل في الحياة، لا يظهر لنا أبدًا كـ”هُموم” شخصيّة، فهي مسائل في قبضة الله الرَّاعي الصَّالح، لكنّها هنا تمتحن إيماننا، بحيث تكشف إذا ما كنا “سنتّكل على الإنسان” وهذا بحسب المزامير”باطل”؛ أم إنْ كنا نتّكل على الله “فلا نخزى”!
لهذا يحيا المسيحيّ ضمن كلّ متطلِّبات الحياة في “يقظة”، إذ هو يدرك أنّ الصِّعاب ستجد حلّها لأنّ يد الرَّبّ ترعانا، وهو “يقودُنا إلى مراعي الرَّاحة والسُّهول الخضراء”. فلا نبدو وكأنّه قد “ثقلتْ قلوبنا في خمارٍ وسُكْرٍ وهمومِ الحياة” فيصادفنا ذلك اليوم بغتة” (لو 16، 13(.
تشكّل الرَّهبَنَة الصُّورَة الأوضح عن هذه “اليقظة” المُقَدَّسَة، وعن تَغَلُّبِ الرُّوح على المادّة، حتّى حدود تظهر فيها أنَّ أيّ إهمال مفروض بسبب “ضيق الأيّام” يمكن أن يصير في حقّ الحاجات اليوميّة وليس على حساب حياتنا الرّوحيّة.
ونحن، مَنْ يَحيا وسط مغامرات وأمواج الحياة المدنيّة، يجب ألَّا نكون أقلّ جرأة من الرُّهبان! “فلنطرحْ عنا كلّ اهتمامٍ دنيويّ” بجرأة الإيمان، ولنوجّه نظرنا إلى “الواحد الَّذي الحاجة إليه”، وهو سيتدبّر أمورنا حين ننساها من أجله، كما تدَبَّر سابقًا إطعام آلاف وسِواهُم من الجموع حين تبعوه يسمعون الكلمة ناسين حاجاتهم (متى 16، 5-12(.
مقصدنا هو الملكوت، لذلك فرحنا هو أن نحقّق رسالتنا كسفراء ليسوع يقظين في العالم نحيا بِرَّ الله وسلامه. نستقبل أيّة تجربة أو حاجة وكأنّها إيقاظ للاتّكال على الله الكامن في عمق إيماننا. بركة الله هي سلامنا وبِرّه. هو حاجتنا الأولى، وكلّ شيء ضروريّ يُزاد منه لنا. نحيا في غلبة الرُّوح دوْمًا، آميـن.
(من كتاب سفر الكلمة-الجزء الثّاني)