نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 14 نيسان 2019
العدد 15
أحد مريم المَصريّة
اللّحن 5- الإيوثينا 2
أعياد الأسبوع: *14: (القدّيسة مريم المَصريّة)، أريسترخس وبوذس وتروفيمس وهم من الرُّسل السَّبعين *15: الشَّهيد كريسكس *16: الشَّهيدات أغابي وإيريني وشيونيَّة الأخوات العذارى، القديسة غاليني *17: الشّهيد في الكهنة سمعان الفارسيّ ورفقته *18: البارّ يوحنَّا تلميذ غريغوريوس البانياسيّ *19: الشّهيد في الكهنة بفنوتيوس *20: سبت لعازر، البار ثاوذوروس الشَّعريّ، أنستاسيوس بطريرك أنطاكية المعترف، زكّا العشَّار.
كلمة الراعي
مُعلّمة التّوبة
"اِشْهَدِي عليّ (يا والدة الإله) إنّي لن أنجّس جَسَدي بعد اليوم بِدَنَسِ الدّعارة، بل حالما أسجد لِعُود الصّليب سأنبذ العالم وتجارب العالم وأتوجّه إلى حيث تقوديني (...) سَمِعَتْ صوتًا من السّماء يقول لها إذا عَبَرْتِ الأردن تجدين راحةً مَجيدةً ..." (من سيرة القدّيسة مريم المَصريّة).
مريم المَصريّة فتاةٌ تمثّلُ كلَّ إنسانٍ اغترَّ بجمالِهِ وصِباه، فَصارَ عَبدًا لِمُتعةِ الجسد. مَنْ يقرأ سيرة هذه القدّيسة قد يتعثَّر مِنْ أنَّ الكنيسة قدَّسَتْها إذ تَمادَتْ في فُجورها، لدرجة أنّها قالت في توبتها أنّها كانت "تُدنّس الأرضَ والهواءَ بكَلِماتِها" حين كانت مَقُودَةً مِن انغماسِها في حُبِّ ذاتها بِطَلَبِ اللَّذَّة. لكنَّ رحمة الله تفوق كلّ حدود تصوُّرنا لأنّه أحبّنا حتى الموت ... موت الصّليب ...
* * *
كيف اصطادها الله إلى التّوبة؟!...
الله يتعاطى معنا كأشخاصٍ ويهتمُّ بأمرِ كُلٍّ مِنّا مِنْ أصغرِ التّفاصيل إلى أكبرِها، ويَعرفُ مُيولَنا ونَوايانا وأفكارَنا وما سَتَؤولُ بِنا إليه. يَحترمُ اللهُ حُرّيتَنا وهو حاضِرٌ في حياتِنا لِكَيْما يصطادَنا إلى الخَلاص مِنْ خلال ما نُوقِعْ به أنفسَنا مِنَ الشُّرور لأنّه هو الوَحيد القادر أن "يُشرِقَ مِنَ الظُّلمةِ نورٌ".
عالمنا اليوم، يضع شبابنا أمام السّقوط الكبير الّذي وقعت فيه مريم المَصريّة ومنذ عمر الطّفولة، كما حدث معها تمامًا، وذلك بسبب سهولة الحصول على المعلومات المختلفة من خلال الإنترنت المُتوفّر للكبير والصّغير على هاتفه الجوّال. من أين أتى الشّبق ليستحوذ على مريم المصريّة، لا نعلم، الأسباب مُتعدِّدَة ومُتشعّبَة، لكنّنا نعلم اليوم من أين قد يُستعبَد أبناؤنا لوحش اللّذة البدنيّة المعروض عليهم. لذا، يجب على الأهل اوَّلًا أن ينتبهوا إلى أنفسهم وإلى أولادهم لئلّا يخسروهم ويخسروا ذواتهم في لعبة تسلُّط عالم الاستهلاك على الإنسان في عصرنا هذا. الشَّبَق وهو رَغْبَةٌ جِنْسِيَّةٌ قَوِيَّةٌ للجِماعِ وحالة النّزوع إلى الجنس بصفة عامّة، أو كلّ المشاعر والأحاسيس والتّصوّرات الّتي تمكِّن من ممارسته أو التّحدّث عنه، خطر يُداهِم كلّ إنسان لا سيّما في زمننا هذا ...
* * *
مريم المصريّة وصلت إلى أسفل دَرَكات الانحطاط الأخلاقيّ، وللأسف هذا يجده اليوم الإنسان على مواقع إلكترونيّة بسهولة حيث يُفسَد الإنسان وتُشوَّه حقيقته. لم تستطع مريم أن تتوب لو لم تُصدَم بحقيقة أنّها لا تستطيع أن تفعل ما يحلو لها وأن كلّ شيء مفتوح أمامها لأنّها تملك سلطة إغراء الآخَر والتّسلُّط عليه بالشّهوة. الرَّبّ أدَّبَها بصمت عزوفه عن السّماح لها بدخول بيته والسّجود لصليبه المُقدَّس. واصطادتها والدة الإله بحنانها الأموميّ الظّاهِر في انشدادها نحو ابنها المحمول على ذراعيها نحو الأبديّة في مشهد حنوّ على كلّ البشريّة في الطّفل الإله-الإنسان وبه ...
* * *
التّوبة، كما تكشَّفَت لنا في مريم المصريّة، هي إدراك كلّيّ لواقع الحقارة والدّناءة الكيانيّة من خلال الألم اللّانهائيّ المتولِّد عن الخطيئة المُسْتَلَذَّة بمذاقها الأوّل، والمُمَرْمِرَة للقلب بسبب الفراغ المتزايد مع اضطراد التّعلُّق باللّذة في مذاقها الأخير. حالةٌ جحيميَّة من التَّلَظِّي الدّاخليّ بنار جوع اللَّذة الّذي لا يَشبَع طلبًا لتعزية للّنفس يرومها الإنسان في الجسد فلا يأخذ منها إلَّا اجتيافًا (نَتَنًا وفَسَادًا) وألمًا متزايدًا بسبب ازدياد الرّغبة. هذا ما يُسمَّى بالهوى النّاتج عن العبوديّة لخطيئة من الخطايا. لكن، المَصدر لهوى الشَّبَق هو الكبرياء والعُجْب (كِبْر وزهو وغرور)، وبالتّالي لا خلاص للإنسان منه إلّا بضربة كبيرة تسلخه عنه سلخًا ... وهذا ما حدث مع مريم المصريّة الّتي استجابت للدّواء المُرّ ولم تعد تنظر إلى الخلف لأنّها لو التفتت التفاتة واحدة إلى الوراء لصارت حالتها أشقى من قبل بما لا يُقاس. وكأنّ التّوبة العميقة الحقيقيّة من هذا الهوى لا تتمّ إلّا دُفعةً واحدة بقوّة ألم الكشف بنور الله لحقيقة الإنسان، وبفيض التّعزية الإلهيّة المُشجِّعة على سلوك درب التّوبة واحتمال أوجاع التّطهُّر المُستَمِرّ بالإرادة والنّعمة ...
ألا وهبنا الرَّبّ أن تكون لدينا شجاعة مواجهة حقيقة أهوائنا والثّبات في التَّطهُّر بطاعة الكلمة والنّعمة لنستحقّ استقبال الرَّبّ يسوع ببراءة الأطفال في الشّعانين ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزليّةِ وعدمِ الابتداء. المولودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجسدِ على الصليب. ويحتمِلَ الموت. ويُنهِضَ الموتى بقيامتِهِ المجيدة.
طروباريّة القدّيسة مريم المصرية (باللَّحن الثّامن)
بكِ حُفظت الصُّورةُ باحتراس وَثيقٍ أَيَّتها الأُمُّ مريم، لأنَّكِ حَمَلْتِ الصَّليبَ وتبِعْتِ المسيح، وعَمِلتِ وعلَّمْتِ أَنْ يُتَغَاضَى عن الجسَدِ لأنَّه يَزول، ويُهْتَمَّ بأمورِ النَّفْسِ غيرِ المائِتَة. لذلكَ تَبْتَهِجُ روحُكِ مع الملائِكَة.
قنداق (باللَّحن الثاني)
يا شفيعَةَ الـمَسِيحييِّن غَيْرَ الخازِيَة، الوَسِيطَةَ لَدَى الخَالِقِ غيْرَ المرْدُودَة، لا تُعْرِضِي عَنْ أصواتِ طَلِبَاتِنَا نَحْنُ الخَطَأَة، بَلْ تَدَارَكِينَا بالْـمَعُــونَةِ بِما أَنَّكِ صَالِحَة، نَحنُ الصَّارِخِينَ إِليكِ بإيمانٍ: بادِرِي إلى الشَّفَاعَةِ، وأَسْرِعِي في الطِّلْبَةِ يا والِدَةَ الإلهِ، الـمُتَشَفِّعَةَ دائِمًا بِـمُكَرِّمِيكِ.
الرّسالة (عب 9: 11– 14)
صَلُّوا وأوفوا الربَّ إلهُنا
اللهُ معْروفٌ في أرضِ يهوذا
يا إِخْوَةُ، إِنَّ المسيحَ إِذْ قَدْ جاءَ رَئيسَ كَهَنَةٍ للخَيْراتِ الـمُسْتَقْبَلَةِ، فَبِمَسْكَنٍ أَعْظَمَ وأَكْمَلَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيْدٍ، أَيْ ليسَ من هذه الخَلِيقَةِ وليسَ بدمِ تُيُوسٍ وعُجُولٍ بَلْ بدمِ نفسِهِ دَخَلَ الأَقْداسَ مرَّةً واحِدَةً فَوَجَدَ فِدَاءً أبَديًّا. لأَنَّهُ إنْ كانَ دَمُ ثيرانٍ وتيوسٍ ورَمادُ عِجْلَةٍ يُرَشُّ على الـمُنَجَّسِينَ فيُقَدِّسُهُمْ لتَطْهِيرِ الجسدِ، فكَمْ بالأَحْرَى دَمُ المسيحِ الَّذي بالرُّوح الأَزَلِيِّ قَرَّبَ نفسَهُ للهِ بلا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُم منَ الأعْمالِ الـمَيِّتَةِ لِتَعْبُدُوا اللهَ الحَيَّ.
الإنجيل )مر 10: 32– 45)
في ذلك الزَّمان، أَخَذَ يسوعُ تلاميذَهُ الاثْنَي عَشَرَ وابْتَدَأ يَقولُ لَهُم ما سيَعْرُضُ لَهُ: هُوذا نَحْنُ صاعِدونَ إلى أورَشليمَ، وابنُ البَشَرِ سَيُسَلَّمُ إلى رؤساءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَةِ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالموْتِ وَيُسَلِّمُونَهُ إلى الأُمَمِ فَيَهْزَأُونَ بِهِ ويَبْصُقُونَ عَلَيْهِ وَيَجْلُدُونَهُ وَيَقْتُلونَهُ وفي اليَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ. فَدَنا إليْهِ يَعْقوبُ ويَوحَنَّا ابنا زَبَدَى قائِلَيْنَ: يا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ لَنا مَهْمَا طَلَبْنَا. فَقالَ لهُما: ماذا تُريدَانِ أَنْ أَصْنَعَ لَكُما. قالا لَهُ: أَعْطِنَا أَنْ يَجْلِسَ أَحَدُنَا عَنْ يميِنِكَ والآخَرُ عَنْ يسارِكَ في مَجدِكَ. فقالَ لَهُما يسوعُ: إنَّكُما لا تَعْلَمان ما تَطْلُبان. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبا الكأسَ الَّتي أَشْرَبُها أَنَا وأَنْ تَصْطَبِغَا بالصِّبْغَةِ الَّتي أَصْطَبِعُ بِها أَنَا. فقالا لَهُ نَسْتَطيع. فقالَ لَهُما يسوعُ: أَمَّا الكأسُ الَّتي أَشْرَبُها فَتَشْرَبانِها وبِالصِّبْغةِ الَّتي أَصْطَبِغُ بِها فَتَصْطَبِغان. أمَّا جُلوسُكُمَا عَنْ يميني وَعَن يَساري فَلَيسَ لي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ. فَلَمَّا سَمِعَ العَشَرَةُ ابْتَدَأوا يَغضَبونَ على يعقوبَ ويوحنَّا. فدَعاهُم يسوعُ وقالَ لَهُم قدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الَّذينَ يُحْسَبُونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهَم وَعُظماءَهُم يَتَسَلَّطُون عَليْهِم وأمَّا أَنْتُمْ فَلا يَكونُ فيكم هكذا، ولكِنْ مَنْ أَرادَ أَنْ يكونَ فيكم كبيراً فليَكُنْ لَكُمْ خادِماً وَمَن أراد أن يكونَ فيكمْ أوَّلَ فَلْيَكُنْ لِلْجَمِيع عَبْداً، فإِنَّ ابنَ البَشَرِ لَمْ يَأتِ ليُخْدَمَ بَل ليَخْدُمَ وليبذُلَ نفسَهُ فِداءً عَنْ كثيرين.
حول الإنجيل
أبرز ما يستوقفنا في إنجيل اليوم هو قول الرَّبّ يسوع لتلميذَيْه يعقوب ويوحنّا: "أَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلَّا لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ" (مر 10: 40) وسوف تتّضح صحّة كلام الرَّبّ فيما نصل الى الأحد الخامس من الصّوم الكبير الّذي رتّبت فيه الكنيسة المقدّسة أن نقيم تذكار قدّيسة عظيمة استحالت شعلة في التّوبة وقدوة في الإيمان والصّوم والتّقشّف هي أمّنا مريم المصريّة.
وُلدت مريم في الإسكندريّة منتصف القرن الخامس وانجرفت في حياة الفسق والإستعطاء إلى أن انضمّت إلى رحلة حج ّإلى أورشليم آملة أن تجد بعض "الزّبائن الـمَيْسورين". هناك، رأت مريم المصريّة النّاس يدخلون كنيسة أورشليم لتكريم الصّليب المحيي، فَهَمَّتْ بالدُّخول معهم لتُفاجأ بقدرة غريبة تمنعها من العبور. إلتفتت حولها فوقع نظرها على إيقونة العذراء على مدخل الكنيسة فسألتها لماذا لم تتمكّن من الدّخول، أجابتها والدة الإله إنّه يجب عليها أوّلًا أن تتوب وتطيعها لتستطيع الولوج داخل الكنيسة.
وللوقت، كانت توبتها فدخلت وسجدت للصّليب الكريم المحيي. إثر توبتها، تناولت مريم جسد ودم ربّنا يسوع المسيح، ثمّ أخذت قرارها النّهائيّ وتركت حياتها السّابقة وهرعت الى الصّحراء بعد أن قالت لها والدة الإله: "إن قطعتِ الأردن، سوف تجدين السّلام الحقيقيّ!" وهكذا كان... ثمانٍ وأربعون سنة قضتها مريم في الصّحراء، بالنّسك والصّلاة والصّوم، تتخبّط في جهادها ضدّ الأفكار الشّريرة والأهواء الـمُعيبة، فحصلت في آخر المطاف على نعمة اجتراح المعجزات فكانت تقطع الأردن كمن يمشي على الأرض، متوغّلة في التّواضع والإمساك والانسحاق، إلى اليوم الّذي صادفها راهب اسمه زوسيماس فجأة، فاستمع إلى سيرة حياتها المميّزة ونقلها إلينا، وكان أن رقدت بالرَّبّ ما أن تناولت القرابين منه بعد كلّ تلك السّنوات...
أهمّ ما يمكن أن نتعلّمه من شعلة التّوبة هذه هو ألّا نحكم مُسبقًا على أحد، ولا نعتقد أنّه لا أحد سوانا يستحقّ الملكوت. لا يمكن لأحد منّا أن يدين إخوته بسبب أفعالهم الحاضرة أو خطاياهم الآنيّة، بل يجب علينا أن نتوب نحن ونصلّي من أجل إخوتنا ليتوبوا هم أيضًا. بالتّوبة استطاع اللّصّ أن يختلس الفردوس، وبالتّوبة استطاع العشّار أن يعود مبرَّرًا، وبالتّوبة تحوّلت مريم المصريّة من غانية مستغنية عن الله، الى مجاهدةٍ مستغنية بالله القادر على كلّ شيء، فجسّدتْ بالفِعل قول الرَّبّ في إنجيل اليوم واستحقّت أن تجلس عن يمينه، فبشفاعاتها أللّهمّ ارحمنا وخلّصنا، آمين!
قانون اندراوس
هذا القانون الّذي هو أعظم جميع القوانين بالحقيقة، قد أحكم نَظَمَهُ وأتقن تأليفه أبونا الجليل في القدّيسين أندرواس رئيس أساقفة قريطش المُسمّى الأورشليميّ الّذي كان نشأته في دمشق وفي السّنة الرّابعة عشرة من سنّه دُفع إلى مدرسة العلوم والآداب. فبعد أن أتقن دائرة العلوم المقتضية أتى إلى أورشليم واقتبل سيرة التّوحُّد فَعاش بِبِرٍّ وحُسْنِ إرضاء الله مُستسيرًا بسيرة هادئة وعديمة الإضطراب. وترك لكنيسة الله مؤلفات كثيرة نافعة مع أقوال وقوانين وظهر أشدّ بلاغة في الأقوال التّقريظيّة. ثم إنّه ألّف مع قوانين أُخَر كثيرة هذا القانون العظيم الحاوي خشوعًا عظيمًا لأنّه اقتطف جامعًا كلّ تواريخ العهد القديم والجديد فَنَظَم هذا التّسبيح وذلك من آدم حتّى إلى صعود المسيح وكرازة رسله فيحثُّ إذًا بواسطته كلّ نفسٍ أن تُغاير وتُضاهي كلّ ما ورد صالحًا في التّاريخ ما استطاعت، وتهرب من كلّ ما ورد رديًّا وتسارع نحو الله دائمًا بواسطة التّوبة والدّموع والإعتراف وكلّ نوع آخر من حسن الإرضاء. فهو بهذا المقدار محكّم وبليغ، حتّى إنّه كفوءٌ لأن يليّن النّفس الأشّد قساوة أيضًا ويُنهضها لإتمام الصّلاح إن تُلي فقط بقلب مُنسحِقٍ وإصغاءٍ واجبٍ.
ثم إنّه صَنعه حينما صفرونيوس العظيم بطريرك أورشليم جمع وكتب سيرة القدّيسة مريم المصريّة لأن وهذه السّيرة أيضًا قد تسبّب خشوعًا عظيمًا وتمنح السّاقطين والخطأة تعزية عظيمة إن أرادوا فقط أن يبتعدوا عن المساوئ ثمّ إنّهما رُتّبا أن يرتّلا ويُتليا في هذا النّهار للسّبب الآتي وهو أنّه بحيث أنّ الأربعين المُقدّسة قد قاربت لنهاية فلئلّا يغدو النّاس مُتهاونين ومتكاسلين نحو الجهادات الرّوحيّة ويبتعدوا بالكليّة عن تعنيف الجميع. أمّا أندراوس العظيم فككاهن وممرّن في الميدان يشجّع الّذين قد كلّوا ويقويّهم على التّقدّم ببسالة بواسطة أخمار القانون الكبير إذ يقدّم فضيلة الرّجال العظماء وإحادة الأردياء ورذيلتهم. فبغاية الواجب واللّياقة إذًا قد رتّب هذا القانون العظيم والحاوي خشوعًا عظيمًا في أكبر الصّيامات المُقدّسة.