نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 20 كانون الثّاني 2019
العدد 3
أحد 12 من لوقا (ال 10 البرص)
اللّحن 1- الإيوثينا 1
أعياد الأسبوع: *20: البار أفثيميوس الكبير، الشّهيد افسابيوس *21: البار مكسيموس المُعترف، الشّهيد ناوفيطس *22: الرّسول تيموثاوس، الشّهيد أنسطاسيوس الفارسيّ *23: اكليمنضوس أسقف أنقرة، الشّهيد أغاثنغلوس *24: البارّة كساني وخادمتها، الشّهيد في الكهنة بابيلا الأنطاكيّ ورفقته *25: غريغوريوس الثّاولوغوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة *26: البار كسينفوندس مع زوجته ماريّا وولداه أركاديوس ويوحنّا.
كلمة الراعي
المرض الرّوحيّ والمرض النّفسيّ
بُعْدُ الإنسان عن الله ومحاولته التّخلُّص من ارتباطه الوجوديّ بالخالق أدَّيا إلى نتائج كارثيّة على صعيد الكيان البشـريّ في الشّخص الواحد والعلاقة بين البشر وعلاقة الإنسان بالخليقة. غياب روح الله المُحيي، أي نعمته، من كيان الإنسان جعل الإنسان ميِّتًا لأنّه خسر أو بالأحرى أطفأ روح الحياة الممنوحة له من الله بمشيئته الحرّة ليصنع إرادته ويحقق وجوده من ذاته بذاته في ذاته. ماذا فعل الإنسان بنفسه؟!... خسرها في سعيه لربحها وأدخل الموت الرّوحيّ عليها...
* * *
الموت الرّوحيّ هو فقدان النّعمة الإلهيّة من الكيان البشـريّ وإظلام العقل والقلب والكيان الدّاخليّ والخارجيّ. حرم الإنسان ذاته الحياة الإلهيّة وهوى إلى ترابيّته والتصق بها. نفسه (soul) دخلت في حالة العطب، وجسده خسر نعمة الخلود. دخل المرض في النّفس وامتدّ إلى الجسد. أمراض الجسد تُداوى إلى مدّة لكن لم يعد من إمكانيّة لخلود الجسد في ما بعد، أمّا أمراض النّفس البشـريّة فبقيت من دون شفاء وازداد الموت الكيانيّ في حياة الإنسان واستولى عليه.
أساس كلّ مرض روحيّ هو الأنا (Ego). وأساس كلّ مرض نفسي هو المرض الرّوحيّ. الأنا أي الوجود الذّاتيّ اختلّ بسبب انحراف مركزه ومحوره إذ صار في الذات نفسها بعد السّقوط. قبل السّقوط كان الأنا مصدره ومحوره وغايته الله لأنّه هو الخالق الَّذي منه أتى ويأتي الإنسان على الدّوام. خطايا الإنسان تولِّد فيه أهواء تصبح بمثابة طبيعة ثانية تستعبده. هذه الأهواء تنتقل من جيل إلى جيل بالوراثة، بالتّربية، بالبيئة الاجتماعيّة... تدخل في اللّاوعي للكيان فَيُمسي الإنسان مَقودًا منها من دون أن يُدرِك. المرض النفسـيّ يصيب الإنسان بهذه الطّريقة وعبر الإنسان الآخَر سواء أكان من الوالدين أو الإخوة أو الأقارب أو المجتمع...
طفولة الإنسان لا بل لحظة الحبل به ونموّه داخل رحم أمّه ولحظة ولادته وما حولها وأيّامه وأشهره وسنوه الأولى كلّها تحدِّد حقيقة شخصيّته بنسبة كبيرة. الصّدمات العاطفيّة في كلّ من هذه المراحل تؤدِّي إلى اختلال في الشّخصيّة. وما لم يكن الأهل أصحّاء الرّوح والنّفس متنبّهين لأولادهم فإنّهم يتسبَّبون إمّا في نشوء عطب نفسـيّ لدى أولادهم أو يكون جهلهم سببًا لتطوّر مرض نفسيّ عندهم.
* * *
من الأمراض النّفسيّة الأكثر شيوعًا: الشّعور الدّائم بالأرق، الإصابة بوسواس قهريّ، الاكتئاب المُزمِن، الكوابيس المُتكرّرة، التّصرّفات العدوانيّة تجاه الآخرين، الشّعور بالغربة وعدم تقبّل الآخرين، نقص الحنان والحاجة إليه، الفشل في التّعامل مع الآخرين، الشّعور بالنّقص وعدم الثّقة بالنّفس والإصابة بالغرور.
في حال أردنا الرّجوع إلى مصادر هذه الأمراض نجد أنَّ لها مصدرًا أنطولوجيًّا واحدًا هو اختلال المحبّة. فالمحبّة مصدر الحنان والأمان والسّلام والرّضى وتعهُّد الآخَر. هذه الأمراض كلّها تتعلَّق بالشّخص المريض انطلاقًا من موقفه تجاه الآخَر وموقف الآخَر منه. "اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ واللهُ فيه..." (رسالة يوحنّا الرّسول الأولى 4: 16). لا محبّة حقيقيّة شافية سوى المحبّة الإلهيّة ولا صحّة وشفاء للإنسان من دون نعمة الله. لذلك، الأمراض النفسيّة هي الأصعب وعادة ما يبقى معظم المصابين بها مكبَّلين بأغلالها من دون شفاء ما لم يلجأوا إلى الرَّبّ، إلى الكنيسة، إلى الأسرار المقدَّسة، لاسيّما سرّ التّوبة والاعتراف في جهاد الصّلاة والصّوم مع احتضان كبير من الّذين يحبّونهم بصبرٍ كثيرٍ ودموعٍ كثيرة مع توسّلات لأجلهم.
شفاء النّفس البشريّة عمل الرّوح القدس بالتّآزر مع الإنسان المريض الَّذي يجب أن يطلب الشّفاء بمعونة المختَبَرين روحيًّا في طاعةٍ صادقة لكلمة الله وإرشاده المُسلَّم له من أخصّائه.
البشريّة كلّها سقيمة وبائسة من دون الله والمرض النّفسيّ مُستَشري ويتفشّى في الإنسانيّة أكثر فأكثر ويومًا بعد يوم، لأنّ النّاس يبتعدون عن الله ويلحقون شهواتهم السّاقطة الّتي تخرب كيانهم والخليقة باطّراد. لا خلاص للعالم إلَّا بالمسيح الَّذي وحَّد الطّبيعتَين الإلهيّة والإنسانيّة في أقنومه مجدِّدًا خليقتنا بموته على الصّليب ودفنه لخطايا البشريّة وإفنائها في القبر وانبعاث البشريّة الجديدة فيه بالقيامة لينقلنا بصعوده إلى السّماوات ويمنحنا حياة الملكوت بانحدار الرّوح القدس علينا.
"إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ" (لوقا 10: 2). نحن بحاجة إلى فعلة في حقل الرَّبّ يحملون روحه في كيانهم وينقادون إلى كلمته بكلّ جرأة وحنان ليصيروا في المسيح خلاص العالم من أمراضه النّفسيّة والجسديّة المُهلِكة للإنسان ولخلاصه...
أيّها الأحبّاء، الرَّبّ أتى ليمنحنا الحياة الأفضل فلنُقْبِلْ إليه لنجد راحةً وفرحًا فهو يدعونا قائلًا: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ ..." (متى 12: 28-30).
لا تخافوا!...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)
إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
طروباريّة البارّ أفثيميوس الكبير (باللَّحن الرّابع)
إفرحي أيّتها البرّيّة الّتي لم تَلد، إطربي يا من لم تُمارس طلْقًا، لأنّ رجل رغائب الرّوح قد كثَّر أولادكِ، إذ قد غرسهم بحُسنِ العِبادَة، وعالَهم بالإمساك لكمال الفضائل. فبتوسُّلاته أيّها المسيح الإله خلِّص نفوسنا.
قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)
يا مَن بمولدِكَ ايّها المسيحُ الإله للمُستودع البتوليِّ قدَّستَ، ولِيَدَيْ سمعانَ كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآن أدركتَ وخلَّصتَ، احفظ رعيتَّكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنين الّذين أحبَبْتَهم، بما انّك وحدَكَ محبٌّ للبشر.
الرّسالة (2 كو 4: 6– 15 )
يفتخر الأبرار بالمجد
رنِّموا للرَّبِّ ترنيمةً جديدة
يا إخوةُ، إنَّ اللهَ الّذي أمرَ أن يُشرِقَ من ظُلمةٍ نُورٌ هو الّذي أشرقَ في قلوبِنا لإنارةِ معرفةِ مجدِ اللهِ في وجهِ يسوعَ المسيح. ولنا هذا الكنزُ في آنيةٍ خَزَفيَّة ليكونَ فضلُ القوَّةِ لله لا مِنَّا. مُتضايِقينَ في كُلِ شَيءِ ولكن غيرَ مُنحصرين. ومُتحيِّرينَ ولكن غيرَ يائسين. ومُضطهَدين ولكن غيرَ مَخذولين. ومَطروحين ولكن غيرَ هالِكين. حامِلينَ في الجَسَدِ كُلَّ حين إماتَةَ الرَّبِّ يسوع، لتظهرَ حياةُ يسوعَ أيضًا في أجسادِنا.
لأنَّا نحنُ الأحياءَ نُسلَّمُ دائمًا إلى الموتِ من أجلِ يسوعَ لتظهرَ حياةُ المسيحِ أيضًا في أجسادِنا المائِتةَ. فالموتُ اذَنْ يُجرَى فينا والحياةُ فيكم. فإذ فينا روحُ الإيمانِ بِعينِه على حسَبِ ما كُتبَ إنّي آمنتُ ولذلكَ تكلَّمتُ، فَنحنُ أيضًا نؤمِنُ ولذلك تتَكلَّم، عالمينَ أنَّ الّذي أقام الرَّبَّ يسوعَ سيُقيمُنا نحنُ ايضًا بيسوعَ فننتصِبُ مَعَكم. لأنَّ كلَّ شيءٍ هو من أجلِكم، لكي تتكاثَرَ النّعمةُ بشُكرِ الأكثرينَ فتزدادَ لمجدِ الله.
الإنجيل )لو 17: 12– 19)
في ذلك الزّمان، فيما يسوعُ داخلٌ إلى قريةٍ استقبلهُ عشرةُ رجالٍ بُرصٍ، ووقفوا من بعيدٍ ورَفَعوا أصواتَهم قائلين: يا يسوعُ المُعلّم ارحمنا. فلمَّا رآهم قال لهم: امضوا وأَرُوا الكهنةَ أنفسَكم. وفيما هم منطلِقون طَهُروا. وإنَّ واحداً منهم لمَّا رأى أنَّه قد بَرِئ رَجَعَ يمجِّد الله بصوتٍ عظيم وخرَّ على وجههِ عند قَدَميه شاكرًا لهُ، وكان سامريًّا. فأجاب يسوع وقال: أليس العشرةُ قد طَهُروا، فأين التِّسعة؟ ألم يوجَدْ مَن يرجِعُ ليمجِّدَ اللهَ إلَّا هذا الأجنبيَّ؟ وقال لهُ: قُمْ وامضِ، إيمانُك قد خلَّصك.
حول الإنجيل
عجائب الرَّبّ يسوع تثبّت أنّه ابن الله كما قال الملاك للعذراء وليوسف في البشارة. وهي علامات لمجد المسيح، ولا أحد يستطيع أن يأتي أو أتى بمثلها.
إنّ المرض والموت وكذلك فساد المُحيط، ناتج عن الخطيئة الّتي هي حالة يعيشُها الإنسان السّاقط. لذلك اقتضى التّدبير الإلهيّ أن يتنازل ابن الله، ليُصبِحَ إنسانًا كي يحرّر الإنسان من الخطيئة، فعمل على تجديد العالم وعلى سعي الإنسان ليولد من فوق، كما قال الرَّبّ لنيقوديمس. هكذا ينتفي المرض والموت.
كان يُنظَر إلى مرض البرص أنّه عقاب لخطيئة كبيرة مرتكبة خاصّة النّميمة أو التّكبّر. وكان مُنتشرًا في ذاك العصر وتلك النّاحية. ميّزه الرّبانيّون اليهود في نوعين: 1) بسيط وظاهر بصورة جروح وقروح، 2) البرص العصبيّ الّذي يبتدئ بآلام حادّة، ثم بفقدان الحسّ وسقوط الشّعر وشلل الأعضاء. كان الكهنة اليَهود يُعالِجون ما هو بسيط منه لأنّهم كانوا ملمّين ببعض المعلومات الطبيّة. ولكن عندما أرسل الرَّبّ يسوع البُرص ليُروا أنفسهم للكهنة، إذ بحسب سفر اللّاويّين كان الكهنة أوّلًا يتحقّقون من الشّفاء، ويطلبون منهم ثانيًا التّطهير عن طريق الذّبائح.
حصل الشّفاء على حدود الجليل مع السّامرة أو جنوبًا قرب أورشليم عند نزول يسوع إلى أورشليم حيث خشبة الخلاص. يقول الإنجيل "وقف البُرص بعيدًا"، ذلك لأنّ من واجب البُرص تطبيق الأوامر النّاموسيّة (النّاموس الموسوي) وعادات المُجتمع، بعدم الإختلاط مع بقيّة النّاس. "ورفعوا صوتًا قائلين يا يسوع يا معلّم ارحمنا". وتُحقِّق هذه الآية لنا اعتراف البرص: أ- بسلطة يسوع وسلطانه، ب- بصفته المسيانيّة، ج- بألوهته.
لم يستجب الرَّبّ يسوع طلبهم مباشرةً، بل امتحن صدق إيمانهم وأرسلهم إلى الكهنة للسّبب الّذي يتعلّق بالكهنة أعلاه. في الطّريق شعروا بشفائهم من مرضهم وأصبحوا طاهرين أي مقبولين لدى شعب الله. "فعاد أحدهم يمجّد الله بصوتٍ عظيمٍ وخَرّ على وجهه عند رجلَيْ يسوع شاكرًا له، وكان سامريًّا". إذن يعود واحدٌ ليشكر يسوع، أمّا التّسعة الآخرين لا يعودوا. كما في تاريخ الكتاب المُقدّس إنّ البَقيّة الباقية عددها قليل جدًّا يُرمَز إليها "بواحد"، أي "لا يوجد أو يبقى إلّا البقيّة المؤمنة".
ميزة أخرى عند الّذي عاد إلى يسوع أنّه "كان سامريًّا" أي غريبًا، كما في مثل السّامريّ الرّحيم الّذي قدّم عمل الرّحمة والمُساعَدَة لغريبٍ عنه في الجنس وهو الّذي وقع بين اللّصوص، بينما أبناء جنسه أهملوه (لوقا 10). ويهتمّ يسوع بأمر الّذي عاد لا من حيث أنّه سامريّ فقط بل من حيث أنّه عاد يمجّد الله. وقد ارتقى هذا الأبرص السّامريّ من مرحلة الطّلب والشّكر لله إلى تمجيد الله كقول المَلائِكة: "ألمجد لله في العُلى..." ألفرح بالشّفاء أنسى التّسعة سبب شفائهم. كما يحصل مع كلّ واحد منّا في حياتنا اليوميّة نركض إلى الله في وَجَعِنا وعندما يزول ألمنا أو نحصل على مبتغانا ننسى أن نمجّد الرَّبّ المُعطي كلّ شفاءٍ وصلاح. عودة السّامريّ بِمَثابة تنبيه للمؤمنين كي لا ينسوا مجد الله وتمجيده. لا توجد ضمانة للإنسان الّذي لا يمجّد الله. لا تكتمل الصّلاة في الطّلبات والشّكر بل في التّمجيد. لا تفيدنا الإحسانات الإلهيّة عندما ننسى بعدها الله.
"ثم قال قم وامضِ إيمانك خلّصك". عبارة مُلازِمَة للعديد من الشّفاءات، تأتي قبل الشّفاء كشرطٍ له وتأتي بعد الشّفاء كما في إنجيل اليوم. تدلّ هذه الآية على أنّ الشّفاء العجائبيّ يكمن في إيمان الإنسان الدّاخليّ، والإيمان في المسيح يسوع ربًّا ومخلّصًا هو وحده يستطيع أن يخلّص الإنسان. لم يقل يسوع "إيمانك خلّصك" سوى للإنسان الّذي عاد، وهذه ميزة روحيّة من الرَّبّ له، تفوق فيها على التّسعة الباقين. لذلك أنت وأنا ونحن، نُحافظ على إيماننا حتّى بعد حصولنا على مبتغانا من الرَّبّ، ويظهر استمرار المُحافظة هذه في تمجيد الله.
الشّفاعة
الشّفاعَة: هي التّوسّل والطّلب أو الصّلاة من أجل الآخرين.
ثمّة نَوْعان اثنان من الشّفاعَة: الشّفاعَة الكفّاريّة والشّفاعة التّوسليّة. الشّفاعة الكفّاريّة قام بها السّيّد المسيح لوحده: "قد دُستُ المعصرة وحدي ومن الشّعوب لم يكن معي أحد" (أشعياء 3:63). وهي من اختصاصه وحده: "يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار. وهو كفّارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كلّ العالم أيضًا"(1 يوحنّا 2: 2-1). "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والنّاس الإنسان يسوع المسيح" (1 تيموثاوس 5:2). المسيح هو الوحيد الّذي صُلب عن البشر ومات عن خطاياهم وقدّم الشّفاعة الكفّاريّة. أمّا الشّفاعة التّوسليّة فهي شفاعة والدة الإله والملائكة والقدّيسين بالبشر. وقد يأتيك من يعترض على هذا بحجّة أنّ هؤلاء القدّيسين قد ماتوا، لكنّ هذا الرّأي مُخالف تمامًا للعقيدة الأرثوذكسيّة الّتي تؤكّد أنّهم رَقَدوا وانتقلوا ولم تنتهِ حياتهم بموت الجسد: "أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب، ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (متى 32:22). وهذه الشّفاعة التّوسليّة واضحة في الكتاب المُقدّس في أكثر من موضع . على سبيل المثال: "صلّوا بعضكم من أجل بعض" (يعقوب 16:5). والقدّيسون أنفسهم كانوا يطلبون صلوات النّاس لهم: "صلّوا لأجلنا" (2 تسالونيكي 1:3). فإن كان القدّيسون يطلبون صلواتنا أفلا نطلب نحن صلواتهم؟ الله استجاب لشفاعة والدته في عرس قانا الجليل رغم أنّ ساعته لم تكن قد جاءت بعد (يوحنّا 2). وقد تشفّع إبراهيم في العهد القديم بسادوم (تكوين 18). والله أقام ميتًا بمجرّد لمس جثّته لعظام أليشع النّبيّ (2 ملوك 20:13).