نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 3 آذار 2019
العدد 9
أحد مرفع اللّحم
اللّحن 7 - الإيوثينا 7
أعياد الأسبوع: *3: الشّهداء افتروبيوس وكلاونيكس وباسيليسكس *4: البارّ جراسيموس النّاسك في الأردن *5: الشّهيد قونن، البارّ مرقس النّاسك*6: الإثنان والأربعون شهيدًا الّذين في عموريّة، البارّ أركاديوس *7: الشّهداء أفرام ورفقته أساقفة شرصونة، بولس البسيط *8: ثاوفيلكتوس أسقف نيقوميذية *9: القدّيسون الأربعون المستشهدون في سبسطيّة
كلمة الراعي
أحد الدينونة
رتّبت الكنيسة تحضير المؤمنين للصوم الكبير المقدس عبر هذه الآحاد المتتالية التي تدعونا فيها إلى التواضع بالتوبة وعدم التكبّر بسبب البر الذي نتمِّمه حفظاً للشريعة في مثلَي الفريسي والعشار والإبنين الصغير الخاضع لأهواء الجسد والكبير العبد للبرّ الذاتي. وفي كلا المثلَين الله هو الرؤوف والحنّان على الخاطئ والراغب بتواضع البشر الناموسيين وانفتاحهم على رحمته اللامتناهية.
في إنجيل اليوم، الربّ يكشف عن تماهيه مع المتألمين والمنبوذين والمهمّشين الَّذِين يخجل أو ينفر الناس منهم بسبب وضعهم الاجتماعي المزري. تحدّث الرب في هذا المثل على حالات متعدّدة من الأوضاع التي لا يرغب البشر بأن يختبروها، لا بل هم يتجنّبون التعاطي مع الذين هم تحت وطأتها.
* * *
هذا مثل يكشف حقيقة إلهنا الرحيم الَّذي لا يحنّ على البشر وحسب بل يشاركهم ضعفاتهم. إلهنا ليس بعيدًا ومتعاليًا فلا نستطيع أن نتواصل معه بشكل مباشر، إنّه أقرب إلينا من أنفسنا لأنه اتّخذنا بالكلية ما خلا الخطيئة لمّا تجسّٓد. المسيح "يعرف ما في الإنسان"، لذلك لم يأتمن البشر على ذاته لمّا كان على الأرض معنا، إذ تلميذه أسلمه والذي سمّاه "الصخرة" أنكره وانهار من الخوف عند أول تجربة. هكذا البشر مع بعضهم البعض، للأسف، في أحيان كثيرة لا يمكن ائتمانهم الواحد على الآخَر خاصّة عندما يصير هذا الآخَر تحت الحاجة والعوز والضعف. هذا هو الإنسان في العالم والدنيا، إنّه مهشّم من خطاياه داخليًّا وعبد لأناه تاليًا صعب عليه الامتداد نحو الآخر لا سيّما في أزمنة الضّيق. لكن، متى يُعطى الإنسان أن يعيش إنسانيّته يا ترى؟! أوليس حين يُطلَب منه الحنان والرأفة والرحمة على من لا يستحقونها ربّما!
* * *
أنت لا تستطيع أن تكون إنسانًا، بالمُطلـق، ما لم تتحسّس آلام الناس وتسعى لتقوم بما تستطيعه حيال ذلك. كلّ إنسان مطلوب منه أن يقوم بأعمال تليق بالمحبة الإلهية التي أُحبّه الله بها. الله يرحمك أفما ترحم غيرك، الله يسامحك أفما تسامح غيرك، الله يتحنّن عليك في ضعفاتك وخطاياه وسقطاتك أفما تتحنّن على الضعيف والخاطئ والساقط. لا تظنّن أنك تصنع للآخر شيئا لم يصنعه الله إليك.
* * *
" من هو الإنسان حتّى تذكره أو ابن الإنسان حتّى تفتقده" يقول كاتب المزامير. لا تظنّن أيها الإنسان أنَّك أفضل من غيرك أو أنَّك لا يمكن أن تعاني ممّا يعاني منه الآخرون بسبب قلة حكمتهم، ربّما، أو بسبب زلاتهم! الإنسان في هذا العالم هو تحت كلّ أنواع الاخطار وليس من حصن أمين له سوى الله وحده، الذي إذا ما أسلمته حياتك كان هو لك المنقذ والمخلص من كل محنة وضيقة.
* * *
الكنيسة تعلّمنا اليوم بأنه لا توبة ولا تواضع حقيقيّـين ما لم تشعر أن الآخٓر هو "لحمك ودمك"، ولا صوم حقيقيّ ما لم تمتدّ نحو المحتاج إليك الذي يضعه الله في طريقك لتكون أنت له الإله المعزّي والمتحنّن وليكون لك هو سيّدك وَرَبَّك الذي تخدمه. بغير هذه الروح لا تستقيم صلاة ولا ينفع صوم ولا تقوم خدمة في الكنيسة ولا تتحقّق إنسانيّة الإنسان. الرب يسوع المسيح هو الإنسان الحق وجهاد صيامنا لنصير بشرًا على صورته لأنَّا حينها نحقِّق مشروع الله فينا ولنا أي أن نتألّه. التألّه هو تحقيق إنسانيّتنا في المسيح لأن المسيح بإنسانيّته وفيها حقّق مشروع الله للإنسان أي أن يصير الإنسان على شبه الله. فكما اتّخذنا المسيح في معطوبيّتنا ليضيفها بالحنان الإلهي فلنتّخذ بَعضُنَا البعض في المسيح لأنّنا هكذا نكمِّل ناموس المسيح فينا ونتمّه...
ومن استطاع أن يقبل فليقبل...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)
حطمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق أحد مرفع اللّحم (باللَّحن الأوّل)
إذا أتيتَ يا اللهُ على الأرضِ بمجدٍ، ترتَعِدُ منكَ البرايَا بأَسْرِهَا، ونهرُ النَّارِ يَجري أمامَ المِنبَر، والكُتُبُ تُفْتَحُ والأَفكَارُ تُشَهَّرُ. فَنَجِّنِي من النَّارِ الَّتي لا تُطْفَأُ، وأَهِّلْنِي للوقوفِ عن يمينِكَ، أَيُّها الدَّيَّانُ العَادِل.
الرّسالة (1 كو 8: 8-13، 9: 1-2 )
قُوَّتِي وتَسْبِحَتِي الرَّبُّ
أَدَباً أَدَّبَنِي الرَّبُّ، وإِلى المَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي
يا إخوةُ، إنَّ الطّعامَ لا يُقَرِّبُنا إلى الله، فإنَّنا إنْ أَكَلْنَا لا نَزِيدُ، وإنْ لم نَأْكُلْ لا نَنْقُصْ. ولكن انْظُرُوا أَنْ لا يكونَ سُلطانُكُم هذا مَعْثَرَةً للضُّعَفَاء. لأنَّهُ إنْ رآكَ أَحَدٌ يا من له العِلمُ مُتَّكِئًا في بيتِ الأوثان، أَفَلا يتقوَّى ضَمِيرُه، وهو ضعيفٌ، على أَكْلِ ذبائِحِ الأوثان، فيَهْلِكَ بسببِ عِلْمِكَ الأَخُ الضَّعيفُ الَّذي ماتَ المسيحُ لأجلِه. وهكذا، إِذْ تُخْطِئُون إلى الإِخْوَةِ وتجرَحُونَ ضمائِرَهُم، وهي ضعيفَة، إِنَّما تُخطِئُون إلى المسيح. فلذلك، إنْ كان الطَّعامُ يُشَكِّكُ أَخِي فلا آكُلُ لحمًا إلى الأبَدِ لِئَلاَّ أُشَكِّكَ أخي. ألستُ أنا رسولًا؟ ألستُ أنا حُرًّا؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربَّنا؟ ألستُم أنتُم عملي في الرَّبِّ؟ وإنْ لم أكُنْ رسولًا إلى الآخَرِين فإِنِّي رسولٌ إِلَيْكُم، لأَنَّ خَاتَمَ رسالَتي هو أَنتم في الرَّبّ.
الإنجيل (مت 25: 31– 46)
قالَ الرَّبُّ: متى جاءَ ابنُ البشرِ في مجدِه وجميعُ الملائكةِ القِدِّيسينَ معه، فحينئذٍ يجلِسُ على عرشِ مجدِه، وتُـجْمَعُ إليهِ كلُّ الأُمَم، فيُمَيِّزُ بعضَهُم من بعضٍ كما يُـمَيِّزُ الرَّاعِي الخرافَ من الجِداء. ويقيمُ الخرافَ عن يمينِه والجِداءَ عن يسارِه. حينئذٍ يقولُ الـمَلِكُ للَّذِين عن يمينِه: تَعَالَوْا يا مُبَارَكِي أَبي، رِثُوا الـمُلْكَ الـمُعَدَّ لكم منذ إنشاءِ العالم، لأَنِّي جُعْتُ فأَطعمتُمُوني، وعطِشْتُ فَسَقَيْتُمُوني، وكنتُ غريباً فآوَيْتُمُوني، وعُريانًا فكَسَوتموني، ومريضاً فعُدْتُموني، ومحبوسًا فأَتَيْتُم إليَّ. فيُجيبُه الصِّدِّيقُون قائِلين: يا رَبُّ، متى رأيناكَ جائِعًا فأَطْعَمنَاكَ أو عطشانًا فسَقَيْنَاك، ومتى رأيناكَ غريباً فآوَيناك أو عُريَانًا فكسَوْنَاك، ومتى رأيناكَ مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيُجيبُ الـمَلِكُ ويقولُ لهم: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم فعلتُم ذلكَ بأَحَدِ إخوتي هؤلاءِ الصِّغار فبي فعلتُمُوه. حينئذٍ يقولُ أيضاً للَّذين عن يسارِه: اذْهَبُوا عنِّي يا ملاعينُ إلى النَّارِ الأبديَّةِ الـمُعَدَّةِ لإبليسَ وملائِكَتِه، لأنِّي جُعْتُ فلم تُطْعِمُوني، وعطِشْتُ فلم تَسْقُوني، وكنتُ غريباً فلم تَأْوُونِي وعُرياناً فلم تَكْسُوُني ومريضاً ومحبوساً فلم تَزُورُوني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضاً قائِلِين: يا رِبُّ متى رأيناكَ جائِعاً أو غريباً أو عُرياناً أو مَريضاً أو مَحبوساً ولم نخدُمْكَ. حينئذٍ يُجيبُهم قائِلاً: الحقَّ أقولُ لكم، بما أَنَّكُم لم تفعَلُوا ذلكَ بأحدِ هؤلاءِ الصِّغار فبي لم تفعَلُوه. فيذهبُ هؤلاءُ إلى العَذابِ الأَبَدِيِّ، والصِّدِّيقونَ إلى الحياةِ الأبديَّة.
حول الإنجيل
"إنّني أرتعد إذا تفطّنتُ في يوم مجيئِكَ المرهوب الّذي لا يُفسَّرُ وأجزعُ إذا ما سبقتُ فتأمَّلتُهُ، الّذي فيه ستجلسُ لتَدينَ الأحياءَ والأمواتَ أيّها الإلهُ القادرُ على كلّ شيءٍ" (تريوديون 23).
إذا كان الأَحَدَانِ الأَوَّلانِ ينتميان إلى مرحلةِ التّهيئةِ الرّوحيّةِ، فهذا الأحدُ مع الّذي يَليه ينتميان إلى مرحلة التّهيئة إلى الصّوم. يُسمّى هذا الأحد بأحدِ مرفعِ اللّحمِ، لأنّه آخرُ يومٍ يُسمَحُ فيه بأكل اللّحم، وهو يمتاز بثلاثة أمورٍ؛ أوّلًا: يُكَمِّلُ ذِكْرَ الموتى الّذي بدأَ من نهار السّبت (الّذي يُدعى سبت الموتى)، ثانيًا: مع أنّ ذِكر الدّينونة كثيفٌ، لا يُنسى ذِكر الرّحمة الـمُستمَدّةِ من أحد الإبن الشّاطر، ثالثًا: يفتتح المرحلة الثّانية، وهي مرحلة التّحضّر للصّوم "الخارجيّ". كما نقرأُ في كتاب التّريودي عن أنّ النَّفْسَ الّتي لم تتَّعِظْ من المـَثَلَين السّابقين أي المجاهدة ضدّ الأهواء وخاصّة الكبرياء والتّوبة الصّادقة، فإنّها ستُحاسَب، ذلك لكي لا يستغلّ الإنسان عطف الله ورحمته، لأنّه سيجازي كلَّ واحد ٍحسب أعماله (رومية 6:2-9). فالمثل الواضح أنّه على الإنسان أن يُجاهِدَ في سبيلِ الخير كي لا يُحسَبَ مع الجداء وهذا ما نستشفّهُ من كتاب التّريودي، إذ يدور حول هذا المثل فنقرأُ مثلًا "إِرْثِ لي يا ربُّ إِرْثِ لي أنا عبدك ولا تسلمني أبدًا إلى المعذِّبينَ المـُـرِّينَ والملائكةِ القُساةِ الّذين بواسطتهم لا يوجد هناك راحة".
يعود تاريخ هذا الأحد بحسب ثيوفان (بدايات القرن التّاسع) إلى القرن السّادس، وذلك تلبيةً لطلب الشّعب في القسطنطينيّة من الإمبراطور البيزنطيّ يوستنيانوس، زيادةَ أسبوعٍ قبلَ الصَّومِ الأربعينيّ، يتمُّ فيه الصَّومُ عن اللّحم، ويشير المؤرّخ جان مالالاس (القرن السّادس) إلى أنّ هذا الأحد كان مكان أحد الغفران. أمّا هذا اليوم فقد وُضِعَ ههنا لكي بواسطة ذِكر الموت وتوقُّعِ النّوائب العتيدة، يرهَبُ أولئك الرّاسخين في الإهمال والتّواني وينهضون إلى الفضيلة، فينظرون دائمًا أنّ الله ديّانٌ مُقسِطٌ ويجازي كل ّأحدٍ نظيرَ أعماله وعلى الأخصّ لـمّا تقدَّمَتْ نهارَ السّبتِ (الّذي يدعى سبت الأموات وفيه يذكر جميع الأموات من آدم إلى اليوم) النّفوسُ. وَوُضِعَ أيضًا بحسب كتاب التّريودي لِيُسَكِّنُوا التّنعّم والتّلذّذ والنّهم (مع رفع اللّحم) بخوفِ التّذكار الواردِ في العيد الّذي يدعو إلى الإشفاق على القريب ويذكّر المؤمنين بأنّ التّنعّم في الفردوس أدّى إلى نفي الإنسان وابتعاده عن الله، كما إلى السّقوط تحت الدّينونة.
يوحنّا السّلّميّ وكتاب "السّلّم إلى الله"
تُكرِّم الكنيسة القدّيس يوحنّا السّلّميّ كناسكٍ عظيمٍ وكمؤلفٍ لعملٍ رائعٍ تحت عنوان "سُلّم المراقي الإلهيّة"، ولهذا دُعيَ بالـ "سُلّميّ". من خلال هذا العمل الخالد، نرى كيف أنّ المؤمن، من خلال ثلاثين خطوة، يصعد تدريجيًّا من أسفلٍ إلى علوّ الكمال الرّوحيّ. نرى كيف أنّ الفضيلة تقود إلى الأخرى، فيرتفع الإنسان شيئًا فشيئًا ليصل أخيرًا إلى ذلك العلوّ حيث يُكلَّل بتاج الفضائل الإلهيّ، الّذي هو غاية الجهاد والحياة، الغاية القصوى، أي " الحبّ الإلهيّ". هذه هي غاية كلُّ إنسانٍ مسيحيّ وليس فقط الرّهبان، كلّ مؤمنٍ مدعوٌّ لاكتساب هذه الفضائل في سعيه للدّخول في سِرّ الحياة الآتية.
تضع لنا الكنيسة في هذا الأحد القدّيس يوحنّا السّلّميّ كصورة ومعلّمٍ لنا للتّوبة والجهاد، ففي أتعابه النّسكيّة لم يكن يتخطّى حدود التّدبير أو الطّاعة ليقوم بأعمال نسكيّة إضافيّة من إرادته الخاصّة، بل حافظ على التّمييز واليقظة، ومن خلال تواضعه هذا وصل لأن يُطوّع جسده ويضبط أهواءه ويشتعل بنار المحبّة الإلهيّة.
مَسيرة هذا السّلّم الإلهيّ بسيطة، تعتمد على منطق القلب أكثر من منطق العقل، فقدّيسنا يقدّم النّصيحة العمليّة المبنيّة على خبرته الطّويلة ومعرفته العميقة والدّقيقة للنّفس البشريّة. ففي أوقات التّجربة يُعطينا تفسيرًا لسبب هذا الصّراع، وما هو مخفيٌّ وراءه، وكيف يتطوّر، وكيف هو مرتبط مع ضعفات أو أهواء أخرى، وكيف ينمو ويتسلسل، ثمّ يُعطي حُلولًا عمليّة لمواجهة كلّ هوى وكلّ ميلٍ، بناءً على تمرّسه الطّويل والعَميق في الجهاد ضدّ الأهواء.
وللإضاءة على فضيلته نورد هذه الحادثة. عندما اتُّهم مرّةً، بدافع الغيرة، بحبّه للكلام والثّرثرة وأنَّ هذا كلّه بسبب تكبّره، لم يجاوب القدّيس أو يبرّر نفسه، لا بل أخذ على نفسه نذر الصّمت وذلك كي لا يزعج أحدًا بسبب كلامه، وبقى على هذه الحال مدّة عام كامل. ولكن لاحقًا أدرك الّذين أدانوه وحكموا عليه بأنّهم أخطأوا بحقّ هذا النّاسك، فتوسّلوا إليه كي يسامحهم ولا يحرمهم بعدُ من إرشاداته النّافِعَة.
يُعطي أهميّة للطّاعة النّابعة من حرّيّة الإنسان ومحبّته واختياره، فهذا الخضوع الإراديّ يساعدنا على عدم الحكم على أبينا الرّوحيّ، بل سماع إرشاده بروحٍ متواضعة، وكأنّ هذا الإرشاد نازل مباشرةً من فم الله نفسه. والله أمينٌ إلى النّهاية ويرى تواضع الأبناء وطاعتهم، فيمنحهم الصّفح ويفيض عليهم من روحه القُدّوس.
لا فرق عند القدّيس بين الرّاهب والعلمانيّ، فالمسيحيّ بالمُطلَق، هو الّذي يقتدي بالمسيح بالقَوْل والفِعل والفِكر، قدر استطاعته، ويكون أمينًا للإيمان القَويم الّذي تسلّمه. إذًا فالرّاهب هو المسيحيّ، وحتّى المتزوّجين يمكنهم أن يسلكوا طريق الرُّهبان في حياتهم الزّوجيّة، وذلك عبر أمانتهم لبعضهم البعض، وصلواتهم المُشترَكة والتزامهم في حياة الكنيسة والجَماعة، وعملهم الصّالحات والإحسان للفقير والمُحتاج، وصِدقهم في معاملتهم مع الجميع، ومحبّتهم الصّادِقَة لبعضهم ولمن هم حولهم، وهكذا لن يكون أحدٌ بعيدًا عن الملكوت، لا الرّاهب الّذي يعيش في ديره، ولا المتزوّجون المُلتزمون في عائلاتهم.