نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 16 كانون الثّاني 2022
العدد 3
الأحد 12 من لوقا (ال10 البرص)
اللّحن 5- الإيوثينا 8
أعياد الأسبوع: *16: تذكار السّجود لسلسلة بطرس المكرّمة، الشّهيد دَمَسكينوس *17: القدّيس أنطونيوس الكبير معلّم البرّيّة، الشَّهيد جاورجيوس الجديد (إيوانينا) *18: أثناسيوس وكيرلّلس رئيسا أساقفة الإسكندريّة *19: البارّ مكاريوس المصريّ، مرقس أسقف أفسس *20: البارّ إفثيميوس الكبير، الشّهيد إفسابيوس *21: البارّ مكسيموس المُعترف، الشّهيد نيوفيطس *22: الرّسول تيموثاوس، الشّهيد أنستاسيوس الفارسيّ.
كلمة الرّاعي
أنطونيوس الكبير ”كوكب البرّيّة“
ومُنير المَسكونة
”يا بنيَّ لا تهملْ ذكرَ الأبديّة؛ قلْ لنفسِك في كلِّ صباحٍ أنَّك ربَّما لا تعيشُ الى المساء، وعند المساءِ أنَّك ربَّما لا ترى نور النَّهار. قاوِمِ التَّجربةَ بشجاعةٍ، إنَّ الشَّيطانَ ضعيفٌ أمامَ الصَّومِ والصَّلاةِ وإشارةِ الصَّليب“.
هذا التّعليم للقدّيس أنطونيوس الكبير يُرينا ببساطة طريق الغلبة على التّجارب ودرب القداسة!... الحياة الرّوحيّة هي للشُّجعان وليست للجبناء. من لا يريد أن يقاوم ويصارع التّجارب لا يستطيع أن يحيا مع الله وله. ”فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ“ (مت 18: 7)، لا مَهْرَب من أن يعثر الإنسان وأن يواجه الضّيقات، ولكنّ التّجربة في عمقها هي حين يُصارِع الإنسان ذاته إذ يتذبذب بين الاتّكال على الله أو الاتّكال على نفسه أو الإنسان، بكلمات أخرى حين يكون عليه أن يختار بين طاعة الله وصنع مشيئته وبين طاعة أفكاره الذّاتيَّة أو مشيئات النَّاس والخضوع الدّاخليّ للظُّروف الخارجيَّة بما يشبه الاستسلام للعالم بإزاء رفض الرّبّ أو الشّعور بالاحباط أو اليأس كوننا لا نشعر به معنا وإلى جانبنا...
* * *
بالرُّغم من انتصارات قدّيسنا على التّجارب، لم يكن الشّيطان لينفكَّ عن الهجوم عليه. في بداية جهاده، انفرد في الصَّحراء ودخل قبرًا قديمًا أقام فيه أشهرًا. وما زال الشّيطان يهاجمه بِهيئةٍ حيوانيَّةٍ مُرعِبَةٍ، حتّى أنّه أخيرًا انهال عليه بالضَّرب جسديًّا حتّى صار بين حيٍّ وميت، لكنّ عزيمته لم تَلِنْ. وفي هذا العراك الهائل أشرق في ذلك القبر نورٌ سماويٌّ وظهر الرَّبُّ يسوع. فصرخ أنطونيوس: "أين كنتَ يا سيِّدي؟" فأجابه الرَّبُّ: "كنتُ هنا، يا أنطونيوس، أشاهد جهادك".
لا ينمو الإنسان بدون تجارب. ليس أنّ الله يجرّبنا، بل الشّرير، أوَّلًا، ونحن ثانيًا حين نتجاوب معه والبشر لاحقًا. غاية الشّرّير من تجاربه أن يوقعنا في الاحباط واليأس من رحمة الله ليقضيَ علينا.
* * *
الإنسان قد يظنُّ ذاته مؤمنًا، لكن لكي يعرف حقيقته عليه أن ينظر إلى هدف حياته. لماذا هو يعيش؟ ماذا يريد أن يحقِّق؟ ما الَّذي يطلبه في هذه الدّنيا؟... إذا لم يكن الجواب مرتبطًا بسرّ الإنسان في علاقته بالله وطلبه للملكوت السَّماويّ، فالإنسان ما زال يضرب ضرب عشواء في بحثه عن معنى لحياته.
سرّ الإنسان أنّه على صورة الله، وصورة الله هو يسوع المسيح ابن الله المتجسِّد، الَّذي ”هُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ أُقْنُومِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ“ (عب 1: 3). غاية حياتنا أن نتشبَّه بيسوع عبر اقتنائنا لنعمة الرّوح القدس. جهادنا الرّوحيّ هذه غايته، لأنّ يسوع هو ملكوت الله، والكنيسة جسده هي تجلِّي هذه الحياة الأبديّة في الأسرار، لا سيّما القدّاس الإلهيّ.
ليس تحصيلًا حاصِلًا أنّنا حين نعتمد على اسم الثّالوث نصير أبناء الله ومُخَلَّصين. الحُبّ لا يصنعُ وحدةً بين المتمايزَين حين يكون من طرفٍ واحد. يوجدُ محبٌّ ويوجدُ محبوبٌ، وما لم يصر المحبوب مُحبًّا والمُحبُّ محبوبًا لا تقوم العلاقة بين المختلفَين ولا تتحقَّق وَحدة.
إنّ الجهاد الرّوحيّ، أي هذا السّعي لمعرفة النّفس من خلال طاعة الكلمة الإلهيّة هو السّبيل لمعرفة الله الّتي هي الحياة الأبديَّة (راجع يو 17: 3).
* * *
أيُّها الأحبّاء، بدون تعبٍ وكدٍّ لا يربح الإنسان فضيلة ولا يقتني نعمةً، من يطلب الرّاحة في هذا العالم يحصدُ عذابًا أبديًّا، ومن يطلب التّعب في البِرّ الَّذي هو حمل صليب طاعة وصيّة المسيح يقتني منذ الآن نعمة الرُّوح الموآزِرَة له في جهاده والمانحة له التّعزيات الّتي لا توصف والقوّة للغلبة على الشّرّير والدّخول إلى الرّاحة الأبديّة.
يقول القدّيس أنطونيوس:”يا بنيّ لا تتشبّه بالَّذين يُداومون على الرّاحة في هذا العالم، لأنّهم لا يتقدّمون أبدًا، بل تشبّه بالَّذين عاشوا تائهين في الجبال والبراري من أجل الله، لكي تأتي إليك القوّة من العُلا ويَطيب قلبُك في كلّ شيء تصنعه بحسب مشيئة الله. لا ترجع إلى ورائك في شيء من هذه الوصايا الإلهيّة، والرَّبُّ يسوع المسيح يريحُك فتُكمِّل كلَّ ما ابتدأتَ به من الأعمال الصّالحة بسلامة، لأنَّ آباءنا الكاملين ومَنْ ماثَلَهُم بهذه قد كَمُلُوا“.
من يقتدي بالقدّيسين يطيع المسيح لأنّه قد نظرَ عاقبةَ اِسلامِ الحياةِ له، ومن تبع أهل العالم في مسيرتهم يبقى تائهًا لا سندَ له ولا راحة...
ومن استطاع أن يَقْبَلْ فَلْيَقْبَلْ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريّة الرّسول بطرس (باللَّحن الثّاني)
لقد حضرتَ إلينا أيّها المتقدّم على كراسي الرُّسُل، ولم تترك أهل رومية الّذين منهم لبستَ السّلاسل المُكرَّمة، الّتي إذ نسجد لها يإيمانٍ، نطلب إليكَ أن تمنحنا بشفاعاتكَ إلى الله الرَّحمَة العُظمى.
قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)
يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، للمُستَوْدَع البَتوليّ قدَّسْتَ. ولِيَدَيّْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. ولنا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.
الرّسالة (كول 3: 4-11)
ما أعظم أعمالَكَ يا ربُّ، كلّها بحكمةٍ صَنَعْت
باركي يا نفسي الرَّبَّ
يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيحُ الّذي هو حياتُنا فأنتم أيضًا تُظهَرون حينئذٍ معهُ في المجد. فأمِيتوا أعضاءَكم الّتي على الأرضِ، الزِّنى والنَّجاسةَ والهوى والشَّهوةَ الرَّديئَة والطَّمَعَ الّذي هو عبادةُ وَثَن، لأنَّهُ لأجلِ هذه يأتي غضبُ الله على أبناءِ العِصيان وفي هذه أنتم أيضًا سلكُتم حينًا إذ كنتُم عائشينَ فيها. أمَّا الآن فأنتم أيضًا اطرحوا الكلَّ، الغضبَ والسُّخطَ والخُبثَ والتَّجديفَ والكلام القبيحَ من أفواهِكم، ولا يكذِبَنَّ بعضُكم بعضًا بل اخلعوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعمالِه والبَسُوا الإنسان الجديد الّذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورةِ خالقهِ، حيثُ ليس يونانيٌّ ولا يهوديٌّ، لا ختانٌ ولا قَلَفٌ، لا بربريٌّ ولا اسكِيثيٌّ، لا عبدٌ ولا حرٌّ، بلِ المسيحُ هو كلُّ شيء وفي الجميع.
الإنجيل (لو 17: 12-19)(لوقا 12)
في ذلك الزّمان، فيما يسوع داخلٌ إلى قريةٍ، استقبلهُ عشرةَ رجال بُرصٍ، ووقفوا من بعيدٍ ورفعوا أصواتَهمْ قائلين: يا يسوع المعلّم ارحمنا. فلمَّا رآهم قال لهم: امضوا وأَرُوا الكهنةَ أنفسَكم. وفيما هم منطلقون طَهُروا. وإنَّ واحدًا منهم لمَّا رأى أنَّهُ قد بَرِئَ رَجَع يمجّد الله بصوتٍ عظيم، وخرَّ على وجهه عند قَدَميه شاكرًا لهُ، وكان سامريًّا. فأجاب يسوع وقال: أليس العَشرة قد طهروا فأين التِّسعة. ألم يوجَد مَن يرجعُ ليمجّد الله إلا هذا الأجنبيّ! وقال له: قُمْ وامضِ، إيمانك قد خلَّصك.
حول الرّسالة
اِلبسوا الإنسان الجديد
يتوجّه كاتب الرِّسالة إلى أهل كولوسي بالدَّعوة أن يخلعوا الإنسان العتيق ويلبسوا الإنسان الجديد الّذي يتجدَّد للمعرفة على صورة خالقه. فرادة هذه الرِّسالة أنّه يُخاطب المسيحيّين المتأثّرين بالفكر الفلسفيّ الغنوصيّ الّذي يعتقد أنّ الخلاص إنّما يأتي بالمعرفة والتّدرُّج بها إلى مستوى التَّخلّي عن الجسد لِكَوْن الجسد هو دلالة على أقصى انحدار للخليقة، وبالتّالي السُّموّ والخلاص يأتيان من التَّحرُّر من الجسد بالمعرفة، لذا الملائكة والرِّئاسات والرُّبوبيّات هم مخلِّصون وبالتّالي الغنوصيّة هي الاتّجاه المعاكس للدّيانات الأسراريّة السّرِّيّة آنذاك.
لذا نرى أنّ كاتب هذه الرِّسالة يوضح أنَّ الخلاص يأتي من الإنسان الجديد "يسوع المسيح الّذي أتى بالجسد"، والتَّجدُّد إنّما يأتي بأن يلبس المسيحيّ "جسدًا" على صورة "جسد المسيح" أو بالأحرى أن يلبس المسيح نفسه "أنتم الَّذين بالمسيح اعتمدتم ...المسيح قد لبستم".
وكذلك يدعو الكاتب القرّاء إلى إماتة أعضائهم الّتي على الأرض، مُذَكِّرًا بنماذج من الأهواء الّتي تجعل من الإنسان محورًا لذاته "كعابدٍ لوثنٍ" ومؤكِّدًا لهم أنّ عمليّة الخلاص لا تأتي من المعرفة والتَّدرُّج بها إلى معرفة الله وإنّما بالسّلوك أيضًا بحسب مشيئة الله، ويشدِّد على أنَّ الكيان البشري موحَّد، "اخلعوا الإنسان العتيق مع أعماله"، أي أنّ أعمال الجسد أيضًا تحدِّدُ مصير خلاص الإنسان أو تأتي بدل ذلك بغضب الله على أبناء العصيان.
وهذا الخلاص لا يناله المرء بحسب المعرفة العقليّة أو بالفلسفة والمنطق وإنّما بحسب مسيرته وجهاده في تنقيّة نفسه من الأهواء والتَّخلِّي عن ذاته وبمقدار التصاقِه بالمسيح، لدرجة أنّه يحيا ويتحرّك به.
في كولوسي فهم بعض النّاس أنّ البشارة بيسوع كمخلّص تعني أنّ الرُّسُل يبشّرون به كمتدّرج قد نال الخلاص ممّن هم أسمى منه وهو يقدِّم بالتّالي الخلاص لمن هم أدنى منه أي النّاس. لذا يأتي التّعبير الّذي استُعمل في الرِّسالة تفنيدًا لهذا الفكر وتأكيدًا بأنّ المسيح هو المخلّص الأوحد وهو كلّ شيء وفي الجميع، وحين يأتي الرَّبُّ بمجده حينئذٍ يظهر المؤمنون، والمقتدون به، في المجد. آمين.
أخلاقيّات المسيحيّ وحرّيّته
كلّ مجتمع بشريّ يضع لذاته قواعد أخلاقيّة تحكم سلوكيّات أفراده بغية تنظيم العلاقات في ما بينها وتحصينه وتجنيبه الأزمات والفوضى والبلوغ به إلى هدفٍ يُحدَّد انطلاقًا من قناعات دينيّة أو فلسفيّة أو سياسيّة – اجتماعيّة. كما تترجَم هذه القواعد الأخلاقيّة قوانين وضعيّة ذا طابع إلزاميّ وجزائيّ. لذا لا تقوم المجتمعات دون قواعد أخلاقيّة. من هنا نفهم ما قاله أحمد شوقي:
”إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقُهم ذهبوا“
هذه القواعد الأخلاقيّة تتحوّل غالبًا إلى قيود تستعبد الإنسان وتكبّله لتحوّله إلى وقود لآلة تسحق كلّ الأبعاد الإنسانيّة للأخلاق وقوانينِها. هذا ما يحصل غالبًا في المجتمعات الّتي تبتر من أخلاقيّاتها البعد الإلهيّ الأصيل. هذا ما واجهه المسيح ورسله، وبالأخصّ بولس الرُّسول، في المجتمع اليهوديّ وشريعته وتقاليده وأخلاقيّته.
المقصود بالبُعد الإلهيّ الأصيل، بالنّسبة للمسيحيّين، هو الله الثّالوث، الله المحبّة الّتي لا تطلب لذاتها. عندما نفصل أخلاقيّاتنا عن الله تتحوّل الأولى إلى نواميس بشريّة تسحق الإنسان وتستعبده ويتحوّل الأخير إلى غطاء لفساد الإنسان الأخلاقيّ.
ليس صدفة أن لا نلحظ في مجمل الأدب المسيحيّ الآبائيّ أيَّ مدوَّنٍ رسميّ يحمل عنوان "الأخلاق المسيحيّة" يعالج هذا الموضوع منهجيًّا وتتابعيًّا. كما أنّ المسيح لم يسلّم تلاميذه تعليمًا أخلاقيًّا مفصّلًا، بل سلّمهم جسده وحياته وروحه القدّوس فاعلًا في الكنيسة.
هذا يعبّر عن حقيقة أساسيّة، هي أنّ المسيحيّة لا تحدّ حياة الإنسان في شريعة وأخلاق مغلقة وجامدة بل تقدّم له الأُسُسَ الضّروريّة لحياةٍ جديدة والأطر العامّة الّتي يجب أن يُظهر الإنسان، ضمنها، هذه الحياة الجديدة في العالم. محور الأخلاقيّات المسيحيّة هو الله المحبّة من جهة، والإنسان الّذي يشارك حياة الله بواسطة المحبّة والحرّيّة من جهة أخرى.
لا يمكننا فصل محبّة الله عن حرّيّته. فالله محبّة لأنّه حرّ. الله حرّ ليس في أفعاله فحسب، بل حرّ من أيّ حاجة، لا يطلب لذاته لأنّه غير خاضع لحاجة. هو مكتمل بذاته وغير مقيّد بحاجة فلا شيئ يُزاد عليه ولا شيئ يُنقِصه. هو في محبّته الفاعلة والخالقة يعبّر عن حياة إلهيّة حرّة ويدعو الإنسان ومجمل خليقته إلى مشاركته في هذه الحياة. هنا يكمن جوهر أخلاقيّات المسيحيّ. إن أراد المسيحيّ أن يكون ذا خُلُق مسيحيّ عليه أن يتمثّل بمحبّة الله وحرّيّته.
تتشكّل محبّة الله في الإنسان بقدر ما يتحرّر هذا الأخير من أناه وحاجيّاته لتغدوَ محبّته غيرَ طالبة لذاتها منفعةً فتكون على صورة محبّة الله. هذا لا يتحقّق إلّا بالنُّسك المسيحيّ. هذا النُّسك هو خاصيّة مسيحيّة شاملة وليس خاصيّة النُّسّاك والرُّهبان والمتوحّدين فحسب. يمكن أن تتباين درجاتُ النُّسك وأشكالُه بين المسيحيّين حسب مواهبهم وتقبّلهم لنعمة الله ولكن لا يجوز أن يُمحى النُّسكُ من حياة المسيحيّ لأنّه أداة الأخلاق المسيحيّة ودرب حرّيّته ومطهّر محبّته من الأنانيّة والكبرياء.
جُدّة أخلاق المسيحيّ لا تكمن في قوانين وأوامر وممنوعات ومسموحات بل في حياة جديدة تشمل وتغطّي مجمل أطر الحياة الإنسانيّة ومظاهرِها. المسيحيّ لا يسعى إلى أخلاق بل إلى خليقةٍ جديدة وإنسانٍ جديد. هذا الإنسان يُظهِر بالطَّبع خُلُقًا جديدًا يعبَّر عنه بأشكال وصياغات جديدة.
أخلاقيّة المسيحيّ هي أخلاقيّة الإنسان الّذي ينتمي إلى جسد المسيح. هي أخلاقيّة الصَّليب والإيمان بالقيامة. هدفها أن تُظهر الحياة في المسيح وتساعد الإنسان كي لا يتشبّه بهذا العالم بل يثبت في محبّة الله الّتي دونها لا تقوم شريعة ولا أخلاق ولا وصايا "فيتبدّل بتجدّد عقله ليميّز ما هي مشيئة الله وما هو صالح وما هو مرضيّ وما هو كامل" (روم 12 : 2).
أقوال للقدّيس أنطونيوس الكبير
+ لا تُزَكِّ نفسك عند النّاس، بل كُنْ في ذاتِكَ حكيمًا وَديعًا، طويلَ الرُّوح، كثيرَ الأناة، مُجتهدًا، مُحِبًّا للبشر.
+ اطرَحْ عنكَ العَيْنَ الخبيثة واتَّخِذ لك عينًا بسيطة.
+ اصبر في كلِّ ما تُريد أن تصنَعَهُ، فإذا صبرتَ يُعضدك اللهُ في كلِّ ما تُريد أن تصنعه الآن وفيما يأتي.
+ لا تُكْثِر الكلام الباطِل، فتُبِعدَ روحَ الله منك.