نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 21 تشرين الثّاني 2021
العدد 47
الأحد (22) بعد العنصرة (دخول السّيّدة والدة الإله إلى الهيكل)
اللّحن 5
أعياد الأسبوع: *21: عيد دخول سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة إلى الهيكل *22: الرَّسول فيليمن ورفقته، البارّ يعقوب (آفيا)، الشّهيدة كيكيليا ومن معها *23: أمفيلوخيوس أسقف إيقونية، غريغوريوس أسقف أكراغندينون *24: الشّهيدان كليمنضوس بابا رومية وبطرس بطريرك الإسكندريّة *25: وداع عيد الدّخول، الشّهيدة كاترينا عروس المسيح، الشّهيد مركوريوس *26: البارّان أليبيوس العموديّ ونيكن المُستَتِيب، البارّ أكاكيوس، ستيليانوس *27: الشّهيد يعقوب الفارسيّ المقطّع.
كلمة الرّاعي
عيد دخول والدة الإله إلى الهيكل
ودخولنا إلى الهيكل
”قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ،
مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي“ (خر 13: 2)
حدَّدت شريعة موسى بأنّ كلّ بكر، أكان ذكرًا أم أنثى من بني إسرائيل أم من البهائم، هو مقدَّس أي مفروز للرّبّ. ونقرأ في العهد القديم عن صموئيل النّبيّ الَّذي قدّمته أمّه إلى الرَّبّ في شِيلُوهَ، بعد فطامه، حيث عاش مع عالي الكاهن. هكذا صنع والدا مريم إذ أصعداها إلى هيكل الرَّبّ لتُكرَّس له.
كلّ مسيحيّ يُكرَّس للرَّبّ في المعموديَّة، يصير هو نفسه هيكل الله. والمكرَّس للرَّبّ عليه أن يتمِّم مشيئة السّيّد. ليس الله سيِّدًا بمعنى المتسلِّط أو المستبدّ، بل هو أب. هذا تحقَّق بتجسُّد ابن الله من مريم. كان الإنسان يُقدَّم للهيكل قديمًا ليُقدَّس لله حتّى يتقدَّس أي يتشبَّه بخالقه الَّذي هو قدّوس (لاو 19: 2).
مريم ابنة يواكيم وحنّة المختارة من العَليّ لتكون والدة الابن الوحيد لله الآب أُدخِلت إلى هيكل الرَّبّ لتكون قدوة لنا في تكريس ذواتنا ومَن لنا للرَّبّ، ولنتعلّم ممّا صنع والداها ومن حياتها.
* * *
المؤمن بيسوع المسيح يعرف أنّه يوم ولد من جرن المعموديَّة لم يعد لذاته بل صار للمسيح لأنّه دخل الكنيسة جسد الرّبّ الغالب الموت. كلّ معمّد هو ”خليقة جديدة“ (2 كو 5: 17). لكن، هل يعلم المؤمن أنّه صار مفروزًا لله؟!... أي هو صار له شاهدًا؟!...
لا شكّ أنّ معموديّة الإنسان طفلًا مرتبطة بشكل وثيق بدور عرّابه الَّذي هو مسؤول أمام الله عن تعليمه أسس الإيمان القويم والحياة في المسيح. للعرّاب دور وللأهل دور في النّموّ الرّوحي للطّفل ليصير رجلًا في المسيح.
مريم خلال تربيتها في هيكل الرَّبّ نشأت على عِشرة الكلمة الإلهيّة وصلوات الهيكل. هذا كان لها الغذاء الرّوحيّ الَّذي جعلها مُشبَعة بروح الله، فصار لها دخولها الهيكل دخولًا للهيكل فيها، أي صارت مطرح النُّطقِ بالكلمة الإلهيَّة وحياتها هي العبادة.
نعم، على المؤمن حين يدخل الهيكل أن يُدخِل الهيكل إلى كيانه لتصير حياته ليتورجيا إلهيّة مستمرَّة. من صار هيكلًا لله يُدخِل كلّ آخَر إليه بالمحبّة للرَّبّ الّتي بطاعة الوصيّة فتصير حياته وعلاقاته خبرة ليتورجيّة تقديسيّة.
* * *
ماذا يريد الله من الإنسان؟ ” إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ“ (1 تس 4: 3). كيف يتقدَّس الإنسان؟ ”أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الزِّنَا، أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ، لاَ فِي هَوَى شَهْوَةٍ كَالأُمَمِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ. أَنْ لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ فِي هذَا الأَمْرِ“ (1 تس 4: 3—6). القداسة مُرتبطة بعيش المحبَّة والمحبَّة هي في حفظ طهارة النّفس والفكر والجسد أمام الله وتجاه الآخَرين، وفي البذل والتّواضع وعدم الدّينونة في علاقتنا بالآخَر. هذه الحياة مصدرها كلمة الله المُعاشَة بقوّة روحه القدُّوس. والرُّوح القدس المستقرّ فينا بالمعموديّة نحافظ عليه حين نطيع الكلمة-الإله.
أن نتقدَّس هو أن نحيا وكأنّ العالم كلّه هو هيكل الرَّبّ لتصير حياتنا ليتورجيا مستمرَّة وممتدَّة في ”الآن“ نحو الأبديَّة لتكون الأبديَّة في ”الآن“ الَّذي نعيشه حاضرة من خلال وحدتنا مع المسيح وبه وفيه. مَنْ يحيا في المسيح يدخل هيكل الرّبّ ويصير كَمَرْيَم عَشيرًا للكلمة الإلهيّ بكلمة الكتب المقدَّسة ومغتذيًا بالمَنِّ السّماويّ في الأسرار كما كان الملاك يُحْـضِــــــر الطّعام لمريم في الهيكل، وحافظًا في قلبه عظائم الله في حياته وشاهدًا لها.
كما قدّم يواكيم وحنّة مريم إلى بيت الله علينا نحن أيضًا أن نقدّم ذواتنا وأولادنا ومن لنا ليكونوا مكرَّسين لخدمة بيت الله أي الإنسان الَّذي هو هيكل الله الأوّل، والَّذي أبدعه الباري ليكون له مطرح راحة ومجد بالحبّ الَّذي سكبه علينا بابنه الوحيد الَّذي صارت مريم له هيكلًا وسماءً وعرشًا. وكما تعلَّمت مريم أن تُسلِم حياتها للرّبّ فلنتعلّم منها الثّقة بمُبدعنا وأن نودعه حياتنا وحياة مَن لنا وبعضنا بعضًا، لنصير كلّنا واحدًا فيه وكلّنا هيكله الواحد الَّذي يستريح فيه...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريّة دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)
اليومَ العذراءُ الّتي هِيَ مُقَدِّمَةُ مَسَرَّةِ الله، وَابتِداءُ الكِرازَةِ بِخَلاصِ البَشَر، قد ظَهَرَتْ في هَيكلِ اللهِ علانية، وَسَبَقَتْ مُبَشِّرَةً لِلجَميعِ بالمسيح. فَلْنَهْتِفْ نَحوَها بِصَوتٍ عظيمٍ قائلِين: إفرحي يا كَمالَ تَدبيرِ الخالق.
قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)
إنّ الهيكلَ الكُلّيَّ النَّقاوةِ، هيكلَ المُخلِّص البتولُ الخدرُ الجزيلُ الثّمن. والكنزُ الطّاهرُ لمجد الله. اليوم تَدخُلُ إلى بيتِ الرّبّ. وتُدخِلُ معها النّعمةَ الّتّي بالرّوحِ الإلهيّ. فلتُسبِّحْهَا ملائكةُ الله. لأنّها هي المظلّةُ السّماويّة.
الرّسالة (عب 9: 1-7)
تُعظِّمُ نفسي الرَّبَّ
لأنَّه نظرَ إلى تواضُعِ أَمتِه
يا إخوةُ، إنَّ العهدَ الأوَّلَ كانت لهُ أيضًا فرائضُ العِبادَةِ والقُدسُ العالميُّ، لأنَّهُ نُصِبَ المَسكِنُ الأوَّلُ الّذي يُقالُ لهُ القُدسُ وكانت فيهِ المنارَةُ والمائدةُ وخبزُ التَّقَدِمة. وكانَ وراءَ الحجابِ الثّاني المسكِنُ الّذي يُقالُ لهُ قدسُ الأقداس وفيهِ مستوقَدُ البَخّورُ من الذّهبِ وتابوتُ العهدِ المغشَّى بالذّهبِ من كلِّ جهةٍ، فيهِ قسطُ المَنِّ منَ الذّهبِ وعصا هرونَ الّتي أفرَخَت ولَوْحا العَهْد، ومِن فَوْقِهِ كَرُوبا المجدِ المُظَلِّان الغطاءَ. ولَيسَ مَقامُ تَفصِيلِ الكَلامِ في ذلك. وحيث كان ذلكَ مُهيَّأ هكذا فالكهنةُ يدخلُون إلى المَسكِنِ الأوّلِ كلَّ حينٍ فيُتمُّون الخِدمة. وأمَّا الثّاني فإنَّما يدخلُهُ رئيسُ الكهنةِ وحدَهُ مرَّةً في السّنةِ ليسَ بلا دمٍ يقرِّبهُ عن نفسهِ وعن جهالاتِ الشّعب.
الإنجيل (لو 10: 38-42، 11: 27-28)
في ذلك الزّمانِ دخل يسوع قريةً فَقَبلَتْهُ امرأةٌ اسمُها مرتا في بيتها، وكانت لهذهِ أختٌ تٌسمَّى مريم. فجلست هذهِ عند قدمَيْ يسوعَ تسمع كلامهُ. وكانت مرتا مرتبكةً في خدمة كثيرة. فوقَفت وقالت: يا ربُّ أما يَعْنيك أنَّ أختي قد تركتني أخدمُ وَحدْي. فقُلْ لها أن تساعدَني. فأجاب يسوع وقال لها: ”مرتا مرتا أنَّكِ مهتمَّةٌ ومضطربةٌ في أمورٍ كثيرة وإنَّما الحاجةُ إلى واحدٍ“. فاختارتْ مريمُ النَّصيبَ الصّالح الّذي لا يُنزع منها. وفيما هو يتكلَّمُ بهذا رفعتِ امرأةٌ من الجَمْعِ صَوْتَها وقالت لهُ: ”طوبى للبَطنِ الّذي حَمَلَكَ والثّدْيَيْنِ اللذَينِ رضِعْتَهما“. فقال: ”بل طوبى للّذين يسمعونَ كلمة الله ويحفظونها“.
حول الإنجيل
سمعنا في إنجيل العيد عن لقاء الرَّبّ مع مريم ومرثا وكيف استقبلته مرثا بفرحٍ ولهفة، وذهبت لتُعِدَّ الطّعام وتهيّء المنزل للسّيّد والَّذين معه. وبينما كانت مرثا "مرتبكةً في خدمةٍ كثيرة" كانت أختها مريم جالسة عند قدمي يسوع تسمع تعاليمه. تعبت مرثا من عملها لوحدها فعاتبت يسوع كيف تركها تُهيّء كلَّ شيءٍ لوحدها بينما أختها جالسة عند قدميه. أجابها يسوع بما لم ترغب بسماعه إذ قال لها "أنت تهتمّين وتضطربين لأجل أمورٍ كثيرة، ولكنّ الحاجة إلى واحد".
"الحاجة إلى واحد"، أخي القارئ، هي أن نضع قلوبنا وأذهاننا وحواسنا وكلّ ذواتنا عند قدمي يسوع حتّى تُصبح كلمته فينا فنعيشها كلّ يوم وكلّ لحظة، "النَّصيب الصّالح" هو أن نكون ثابتين ومجاهدين في سماع الكلمة.
مشكلة مرثا، الّتي هي مشكلة الإنسانيّة جمعاء اليوم، هي القلق والاضطراب وضعف الإيمان والمعرفة الحقيقيّة، وأمّا المعرفة الحقيقيّة فهي "أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك، ويسوع المسيح الّذي أرسلته" (يو ١٧: ٣).
بحسب تعاليم آبائنا القدّيسين كِلاهما، العمل والإيمان، مُهميّن حتّى ننال الخلاص، يقول القدّيس كيرلُّس الأورشليميّ، وهو من القرن الرّابع، في عظته الرّابعة "ما الفائدة أن تعرف صحّة العقائد الخاصّة بالله، إن كنت تعيش في الدَّعارة؟ وما الفائدة أن تكون معتدلًا نبيل الطّبع، إن كنت مجدِّفًا جاحدًا؟" دعوته هذه أن ندمج العمل والصّلاة كمؤمنين حقيقيّين، أن نحمل فكر مريم من خلال سماعنا الدّائم لكلمة يسوع وعيشها، وأن نكون ممتلئين غيرة للعمل مثل مرثا. وهذا يعني أن نكون مثل والدة الإله، الّتي نُعَيِّد لدخولها إلى الهيكل اليوم، وهي أفضل مَن دمج الإيمان بالعمل، إذ حافظت على جلوسها الدّائم عند قَدَمَيْ يسوع، تسمع لتعاليمه "وتحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها" (لو ٢: ١٩). وفي الوقت ذاته بشّرت العالم كلّه بقيامة ابنها ومخلّصنا من بين الأموات حتّى أنّها أصبحت هي الهيكل وخيمة الاجتماع.
الحاجةُ، يا إخوة، أن نمتلك "النّصيب الصّالح الّذي لا يُنتزع"، علينا أن نتشبّه بمرثا ونقتدي بمريم قدر المستطاع، فعندما يمتلك المرء الصّلاة لا يضيع منه شيءٌ صالح، هذا هو الهدف: أن نعاين الله، أن نصبح آلهة بالنّعمة.
القداسة وشفاء العالم
"بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لَا يُخْزِي." يضعنا الكتاب المقدَّس في هذه الرِّسالة إلى رومية من الرّسول بولس، أمام ختوم أساسيّة في التزامنا شؤون الأرض عملًا في الكنيسة، وهم المستضعفون والمقهورون والمعذّبون الّذين هم ختم في قلوب كلّ ملتزم للكتاب قولًا وعملًا في الكنيسة، فحيث هم كان الرَّبُّ معزّيًا وعاضدًا ومقدّسًا. مرارًا وتكرارًا، مهما كان إيمانُنا قويًّا في الأوقات الّتي لا نواجه فيها أيّة تحدّيات، إلّا أنّنا في أوقات الألم والخوف والشِّدّة نطلب الشِّفاء. وفي فتراتٍ مماثلةٍ، يفيدُنا أن نتذكّرَ كيف أنّ آخرين واجهوا تحدّياتهم، تقدّسوا وشفوا.
على سبيل الدَّلالة. المثل الأوّلُ هو مثلُ صبيٍّ كان في نحو العاشرة من العمر يشارف على الموت في مستشفى جرّاءَ مرضٍ مؤلمٍ جدًّا. سأله أحدُهم: ”كيف يمكنك، على الرُّغم من الألم الكبير الّذي تشعر به، أن تكون دائمًا صبورًا وحتّى مرِحًا؟“. أجابه طفلُ العاشرة: ”لقد تألّمْتُ كثيرًا ولمدّةٍ طويلةٍ فتعلّمْتُ ألّا أتذكّرَ بعد الآن الوجعَ الماضي وألّا أستبقَ الوجعَ المقبل، بل أن أتغلّبَ فقط على الألم الحاضر“.
المثل الثّاني هو مثل أبٍ روسيٍّ قال لأحدهم مرّةً، وعيناه تلمعان بالامتنان والعجب: ”لا يمكنك أن تتصوّر كم كان الرَّبُّ محسنًا إليّ! في أيّام الثّورة، عندما كان محظورًا على الكهنة دخول أيّ سجنٍ أو أيّ مخيّمٍ، اختارني الرَّبُّ، أنا الكاهن غير المستحقّ وعديم الخبرة، وأرسلني لأكون كاهنًا حيث الحاجة كانت الأكبر. تمّ توقيفي، أمضيْتُ سنةً في السّجن، والسّنوات السّتّ والعشرين اللّاحقة في معسكر اعتقالٍ، بين أناسٍ كانوا بحاجةٍ إليَّ، بحاجةٍ إلى الرَّبِّ، بحاجةٍ إلى كاهن“. وكلّ ما قاله عن هذه المحنة كان شكرًا لا متناهٍ للرَّبّ الّذي اختاره ليُصلب عسى الآخرين يعيشون. ”لأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ ذَاتِي“ (يو 17: 19).
”قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ“ (1 كور 23:7)، أن نبقى بالأمانة وأن نسلك في القداسة وجهان لكي نستقيم لمحبّتنا الأولى، لنعاين القدّيسين بيننا. ما يشفي العالم اليوم جموع تحرّكوا ووجدوا في المسيح وله شهودًا وأمناء لكنيسته الجامعة المقدّسة. نقرأ الكتاب المقدّس لنصيره، نعيّد للقدّيسين لنقتدي بهم، القداسة شفاء للعالم، وخاصّة اليوم.
الخصائص العامّة والمشتركة في إيقونات والدة الإله
تُعَرَّف والدة الإله في الإيقونة بهذه الأحرف اليونانيّة MP ΘY وهي تلخيص عبارة Mήτηρ Θεού أي والدة الإله. ولها اسم آخر هو Θεομήτωρ.
- الجمال:
ليس في الأيقونة جمال أرضي بل جمال إلهيّ، وهو بعيد كل البعد عن مقاييس الجمال البشريّ، إذ هو جمال النور والنعمة الإلهيّتين المنسكبين على القدّيس، فكم بالأحرى والدة الإله الممتلئة نعمة.
- الألوان في إيقونة والدة الإله:
غالبًا ما نرى والدة الإله ترتدي اللون الخمريّ مِن الخارج والأزرق مِن الداخل. الخمريّ يرمز إلى المجد الإلهيّ والأزرق إلى الخلق، بينما الرب يسوع يرتدي العكس كونه إلهًا وتجسّد ولبس الطبيعة البشرية. هذه الأَلوانُ تُتَرجِمُ التَّدبيرَ الخَلاصِيَّ الّذي أَعَدَّهُ اللهُ للإِنسانِ، ودعوته لنا للتألّه. وهذا ما أَدركَتهُ الكَنيسَةُ مُنذُ البَدءِ وأعَلَنَهُ الآباءُ القِدِيسونَ بوضوحٍ تام. فَنقرأُ مثلًا ما قالِهُ القِدّيس ديديمس الضرير:”اللهُ أَصبَحَ إِنساناً لِيُصبِحَ الانسانُ إِلهًا“.
هذه هي غايَةُ التَّجَسُّدِ الإِلهِيِّ، أن نصبح آلهة بالنّعمة.
وبِمُجَرَّد النَّظَرِ إلى أَيقونَتَيِ السَّيِّدِ والسَّيِّدَةِ نُدرِكُ ما نَحنُ مَدعُوّون إليه، فَنَشدو عِندَئِذٍ مَع بولُسَ الرَّسولِ مُرَنِّمينَ: ”لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ“. (غلاطية ٢٧:٣).
- اللّباس:
تتوشّح والدة الإله بالمنديل الطويل المسمّى مافوريون Maphorion الذي يغطّي رأسها وكتفَيها، وهو مقصَّب بالذهب بحسب المزمور القائل: "منسوجة بذهب ملابسها" (مز١٣:٤٥).
فالإيقونة لا تصوّر هنا لباسها الحقيقيّ الذي كان بسيطًا جدًّا، بل فيها دلالة كتابيّة مسيانيّة تشير إلى تحقيق النّبوءات فيها.
- النّجوم:
النّجوم الثّلاث تشير إلى بتوليّة مريم العذراء قَبل الولادة وأثناءها وبعدها.
وكانت هذه النجوم قديمًا في تاريخ الفن التصويريّ تَرمز عند الملوك والحكّام إلى السمو وأنّهم أبناء العلّيّ وأصحاب القوّة والسيادة.
إلاّ أنّ هذه الصفات كلّها أخذت معنى آخر جديدًا في العذراء مريم. فمع أنَّها أضحت والدة الإله، بَقيت مِثال التواضع وإفراغ الذات والوداعة والخِدمة، وهنا بالتّحديد تَكمن قداستها.
- الهالَة:
رأس والدة الإله محاط دائمًا بهالة، وهي هالة القداسة التي نراها عند كل القديسين. وكلّ إنسان مدعو إلى هذه القداسة مثلها. مع التذكير أن والدة الإله "أقدس من كلّ القديسين". لهذا ندعوها "فائقة القداسة" Παναγια Panaghia
- الوجه:
نلاحظ دائمًا أن الفم صغير ومغلق لأنّ الله هو الذي يتكلّم. الأنف طويل لأنه يتنشّق رائحة الملكوت والعينان تبحران في الصلاة والتأمّل في كلام الله.
(نقلًا عن موقع بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس).