نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 1 آب 2021
العدد 31
الأحد (6) بعد العنصرة
اللّحن 5- الإيوثينا 6
أعياد الأسبوع: *1: بدء صوم السّيّدة، عيد زيّاح الصّليب الكريم المُحيي، وتذكار القدّيسين الفتيان المكابييّن السّبعة الشّهداء وأمّهم صلموني ومعلّمهم لعازر، *2: نقل عظام استفانوس أوّل الشُّهداء ورئيس الشَّمامِسَة *3: الأبرار اسحاقيوس وذَلْمَاتُس وفَفِسْتُس، سالومَة حامِلَة الطِّيب *4: الشُّهداء الفِتْيَة السَّبعة الَّذين في أَفَسُس *5: تقدمة عيد التَّجَلِّي، تذكار الشّهيد الشَّهيد آفْسِغْنِيُوس، نُونَة أمّ القدِّيس غريغوريوس اللَّاهوتيّ *6: تجلِّي ربِّنا وإلهِنا يسوعَ المسيح *7: الشَّهيد في الأبرار دوماتيوس.
كلمة الرّاعي
تَجَلِّينا في الحبّ
يأتينا صوم رقاد والدة الإله وعيد التّجلّي في زمن نعيش في أزمات صعبة جدًّا في هذا البلد. لكن، لا تُلغي الضّيقات احتفالاتنا الرّوحيّة لأنّ لنا بها رجاء خلاص وخبرة فرح تأتينا من فوق من ”عند أبي الأنوار“ (يعقوب 1: 17). الإنسان المؤمن هو ابن الرّجاء ومولود قيامة المسيح، إنّه ”خليقة جديدة“ (2 كورنثوس 5: 7) إذ لبس المسيح واقتنى روحه القدّوس وصار عشير القدّيسين والملائكة في الكنيسة جسد الرَّبّ الَّتي تتجلَّى ملكوتًا لله في كلّ إفخارستيَّا.
المؤمن يحيا في العالم، ولكنّه يأتي من الملكوت من يوم معموديّته. مشكلة معظمنا أنّه إن لم يتربّى على عِشرة الكلمة الإلهيّة يبقى جاهلًا لحقيقته السّرّيّة الّتي وُهِبَت له حين أُتْحِد بالمسيح في المعموديّة، أي حقيقته الجديدة كونه صار إنسانًا متألِّهًا بالنّعمة إذ سكنت فيه قوى الثّالوث القدُّوس...
* * *
حياة الإنسان المؤمن جهاد مستمرّ للتّنقية بالصّلاة والصّوم والخدمة. هذه ركائز الحياة الرّوحيّة الَّتي بدونها لا تستقيم مسيرة الإنسان في سعيه للقداسة. نعم، كلّ مؤمن بيسوع المسيح مدعوّ ليكون قدِّيسًّا، ”تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ الرَّبُّ إِلهُكُمْ“ (لاويين 19: 2). الله اختارنا في المسيح لنكون له شعبًا مقدَّسًا، خاصًّا به لنشهد له أنّه هو القدُّوس الَّذي ليس مثله أحد وسيّد الخليقة ومُبدعها ومخلّصها.
ما الَّذي يطلبه منّا الرَّبّ وماذا أعطانا لنتمِّم مشيئته؟ طلبه منّا واحد بسيط: ”وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا“ (يوحنّا 13: 34). وماذا وهبنا الرّبّ ليكون لنا القدرة على إتمام مشيئته ووصيّته هذه؟ ”نَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ“ (1 كو 2: 12). بنعمة روحه القدّوس نمتلئ من مواهبه الّتي تجعلنا شبيهين به...
* * *
”يا إخوةُ، إذ لنا مواهبُ مختلفةٌ باختلافِ النِّعمةِ المُعطاةِ لنا“ (رومية 12: 6) فليعمل كلّ واحد في حقل الرّبّ وفي خدمة الإنسان للخلاص بحسب ما ميَّزه الله به واختاره ليعيش الحبّ من خلاله. كلّ إنسان لديه ما يبرع فيه أكثر من غيره، والنِّعَمُ تزيد مع الجهاد والمثابرة والعطاء. المهمّ في كلّ ما نصنع أن يكون مصدره وغايته محبّة الله ومحبّة القريب. بقدر ما نخدم في سرّ التّواري، ”وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ“ (متّى 6: 3)، بقدر ما نتطهَّر من الكبرياء والأنانيّة وحبّ الظهور، وبالتّالي نتحرَّر من ”شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ“ (1 يو 2: 16)، وهكذا يصير قلبنا نقيًّا ووجداننا طاهرًا وجسدنا مستنيرًا بنور النّعمة الإلهيَّة الَّتي تشعُّ في النَّفس والجسد معًا، كما حصل مع الرّبّ يسوع في جبل ثابور أمام أعين تلاميذه الثّلاثة بطرس ويعقوب ويوحنّا (راجع متى 17: 1—8).
* * *
أيُّها الأحبّاء، ”إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئًا أَفْضَلَ“ (عبرانيين 11: 40)، فلا نضيّعنّ العمر في ما لا ينفع، بل، فلنجتهد لنسير في الطّريق المؤدّي إلى الحياة والمجد الأبديَّين اللَّذَين يريد الله أن يهبهما لنا. طريقنا إلى الحياة الجديدة هو محبّتنا الفاعلة بالخدمة لله في الآخَر، وقوّتنا لإتمام هذه الشّهادة تأتينا من نعمة الرّوح القدس الَّذي فينا بالمعموديّة والأسرار، والَّذي نقتنيه بطاعة الوصيّة الإلهيّة وبالصّلاة والصّوم. لذا، كلّ صلاة وكلّ صوم هما مناسبة لنا وفرصة لطاعة الله، أي للتّطهُّر من تلوّث القلب والفكر وتنقية الجسد، هذا من جهة، وللتّحرُّر الكيانيّ من كلّ عبوديّة لشهوة أو هوًى أو لحاجة أو لإنسان، لأنّ ”الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ“ (لوقا 10: 42).
من صار الله بالنّسبة إليه ”الْكُلَّ فِي الْكُلِّ“ (1 كو 15: 28)، يكون قد غلب العالم أي انتصرت محبّة الله فيه وبالتّالي تحرَّر من كلّ حسد وغيرة سلبيّة وكره أو حقد على الآخَر، لا بل يصير الآخَر له الحياة في المسيح.
لنجاهد هكذا، يا أحبّة، في هذا الصّيام المُقبِل علينا اليوم، ولنَسِر في نسك القلب أي التّعفّف عن كلّ ما يجرح محبّة الله لنا وفينا نحو الآخَر، لنقتبّل نور النّعمة المُشِعّ في يسوع المسيح بتجلّيه فينا على ثابور قلوبنا، لنصير له مطرحًا يفيض منه ضياء نعمته مرشِدًا البشريّة إلى حقّ الرّبّ وساكبًا عليها فينا ومن خلالنا حنانه وتعزياته الّتي تفوق كلّ قول وتصوّر...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريّة الصّليب (باللَّحن الأوّل)
خلِّصْ يا ربُّ شعبَكَ وبارِكْ ميراثَك، وامنَحْ عبيدَكَ المؤمنينَ الغلبَةَ على الشِّرِّير، واحفَظْ بقوَّةٍ صليبِكَ جميعَ المختصِّينَ بك.
قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)
تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا بـﭑختيارِك، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.
الرّسالة (رو 12: 6– 14)
أنت يا ربُّ تحفظُنا وتستُرُنا من هذا الجيلِ
خلّصني يا ربُّ فإنَّ البارَّ قد فَني
يا إخوةُ، إذ لنا مواهبُ مختلفةٌ باختلافِ النِّعمةِ المُعطاةِ لنا: فَمن وُهِبَ النُبوَّة فليتنبّأ بحسَبِ النِّسبةِ إلى الإيمان، ومَن وُهب الخدمةَ، فليُلازِم الخِدمَةَ والمُعلِّمُ التّعليمَ والواعِظُ الوَعظَ والمتَصَدّقُ البَساطةَ والمدبِّرُ الاجتهادَ والرّاحِمُ البَشَاشَة، ولتكُنِ المحبَّةُ بلا رِياء. كونوا ماقتين للشَرِّ وملتَصِقينَ بالخَير، محبّين بعضُكم بعضًا حُبًّا أخويًّا، مُبادِرين بعضُكم بعضًا بالإكرام، غيرَ متكاسِلين في الاِجتهادِ حارّين بالرُّوح، عابِدين للرَّبّ، فَرحِين في الرَّجاء، صابِرينَ في الضّيقِ، مواظِبين على الصّلاة، مؤاسينَ القدّيسينَ في احتياجاتهم، عاكِفين على ضِيافةِ الغُرباءِ. بارِكوا الّذين يضطَهِدونكم. بارِكوا ولا تلعَنوا.
الإنجيل(متّى 9: 1- 8)(متى 6))
في ذلك الزَّمان دخلَ يسوعُ السّفينةَ واجتاز وجاءَ إلى مدينتهِ. فإذا بِمُخلَّعٍ مُلقىً على سَرير قدَّموهُ إليه: فلمَّا رأى يسوعُ إيمانَهم قال للمخلَّع: ثِق يا بُنيَّ، مغفورةٌ لك خطاياك. فقال قومٌ من الكتبةِ في أنفسهم: هذا يُجَدّف. فعلم يسوع أفكارهم فقال: لماذا تفكّرونَ بالشّرِّ في قلوبكم؟ ما الأيسرُ أن يُقالَ مغفورةٌ لك خطاياك أم أن يُقالَ قُمْ فامشِ؟ ولكن لكي تعلموا أنَّ ابنَ البشرِ لهُ سلطانٌ على الأرض أن يغفِرَ الخطايا. (حينئذ قال للمخلَّع) قُمِ احملْ سريرَك واذهبْ إلى بيتك. فقام ومضى إلى بيته. فلمَّا نظرَ الجموعُ تعجَّبوا ومجدَّوا الله الّذي أعطى النّاسَ سلطانًا كهذا.
حول الرّسالة
الخدمة المَرْضِيَّة لله
في الإصحاح الثّاني عشر يبدأ بولس الرَّسول رسالته إلى أهل رومية بأن يوصي هذه الكنيسة أن لا تأخذ شكل الحياة الدَّهريّة، وإنّما تسير بنهجٍ جديد مبنيّ على معرفة مشيئة الله ومقرونةً باختبار إرادته لتكون الخدمة صالحة ومرضيّةً لله وكاملة.
النِّقاط الأساسيّة الّتي يُمكن التّوقُّف عندها في تعليم بولس الرّسول، حول الخدمة هي:
أوّلًا: الصّفات الثّلاث للخدمة هذه تأتي من النّعمة الإلهيّة حين يسلك المؤمن كعضو حقيقيّ في جسد المسيح الواحد، وساعيًا لتكميل حاجات الآخرين. وإنَّ تفعيل الخدمة بكلِّ أنواعها وتنوّعها ضرورة حتميّة لصحّة الجسد كلِّه لِكَوْن كلّ مؤمن هو عضو في جسدٍ واحدٍ وبالتّالي توقُّفه عن العمل يعطّل قوّة الخدمة فيه، ويؤثّر على فعاليّة سائر الجسد لذا يقول القدّيس موسى الحبشيّ "اعمل لكي تعطي المساكين من عرق جبينك، لأنَّ البطالة موت وهلاك".
ثانيًا، إنّ تمايُز المواهب في الكنيسة، جسد المسيح، عطيّة إلهيّة خاصّة لكلِّ مؤمنٍ، وهي تُعطي أفضل ثمارها في الجماعة حينما تكون متاغمة فيما بينها، في وحدةٍ وتمايز، كأوتار القيثارة المختلفة النَّغَمات والّتي تؤلِّفُ لحنًا شذيًّا بيد الفنّان، كذلك مواهب المؤمنين المتنوِّعة تعطي نتائج باهرة إن وُضعت بيدٍ الله.
ثالثًا: ينبّه الرَّسول بولس أنّه يُمكن أن يتعرَّض خادم المسيح إلى فخاخٍ كثيرة في مجال خدمته، أكان من خلال عمله ضمن مؤسّسات أو جمعيّات خيريّة كنسيّة أو مدنيّة، أو حتّى لو كان عملٌ على الصّعيد الفرديّ أو الشّخصيّ حيث يكون الخطر أكبر. فالخادم يعمل ضمن جماعةٍ، ينتمي إليها ويخدم فيها ولها، وينمو ضمنها ويتعلّم منها وينمو فيها بقدر انصياعه للرّأس، الّذي هو مصدر التّعقُّل، وبهذا يكون عضوٌ قائمٌ مع الآخَرين وللآخَرين وللجميع في المسيح يسوع.
العنصر الأساسيّ لصلاح الخدمة أو عدمها ليس بعمل الصّلاح وحده وإنّما بجوهر العمل ولبّه وكذلك الهدف المرجوّ منه. فبولس يقول "لو أسلمتُ جسدي ليُحرَق ولم تكن فيَّ المحبّة فلا أنتفع شيئًا". المحبّة الحقيقيّة هي ما تجعل المُعطي يُعطي بسخاء، والرّاحم بسرور. المحبّة تجعل أجسادنا كلَّها ذبيحةً حيّةً مقدسةً مرضيّةً عند الله. المحبّة هي الضَّمان لكلٍ خدمةٍ بأن تكون بحسب قلب الله وللرَّبِّ أن يكمّلها.
الملاك الحارس، من هو؟
في المعموديّة، يوم نولد في المسيح، يرفع الكاهن الصّلاة إلى الرَّبِّ الإله ويقول: "أقرن حياته (أي حياة المتقدّم للاستنارة) بملاكٍ مُنيرٍ..." ومن تلك اللّحظة، نؤمن أنّ ملاكًا حارسًا يلازم حياة المسيحيّ ويستحيل ما قد يسمّيه البعض "صوت الضّمير" الّذي ينبّه ويشدّد ويحذّر المؤمن، وتزداد قوّة ذلك "الصّوت" كلّما صبرنا في جهادنا وتقدّمنا في حياتنا الرّوحيّة، وحتّى آخر نسمة من حياتنا. يقول القدّيس باسيليوس الكبير: "إنّ الملاك [الحارس] لن يفارقنا أبدًا، إلّا إذا طردناه نحن بعيدًا بسبب أفعالنا الشّرّيرة. فكما يطرد الدُّخان النّحل، والرّائحة النّتنة الحمام، فإنّ خطايانا الكريهة تُبعد عنا الملاك الّذي يحمي حياتنا".
يعمل الملاك الحارس على حماية الفرد جسديًّا وخاصّة روحيًّا، وهذا ما يؤكّده الكتاب المقدّس بِعَهْدَيْه القديم والجديد فنقرأ في سفر المزامير: "لأنّه يوصي ملائكتَهُ بكَ لكي يحفظوكَ في كلِّ طرقِكَ" (مز 91: 11). كما يتوسّع نطاق حماية الملائكة لتشمل الجماعة بأكملها، فنسمع في سفر الرّؤيا عن أساقفة الكنائس السَّبع في آسيا الّذين يعملون كملائكة وكأوصياء عليها (راجع رؤ 3: 1-22). أمّا تجلّي عمل الملاك الحارس فيظهر في الأطفال إذ قال ربّ المجد: "انظروا، لا تحتقروا أحدَ هؤلاءِ الصّغار، لأنّي أقولُ لكم: إنَّ ملائكتَهم في السّماواتِ كلَّ حينٍ ينظرونَ وجهَ أبي الّذي في السّماوات" (متّى 18: 10)، وذلك بفضل طهارتهم وبراءتهم وحسن سيرتهم.
إنّ الله يُوصي ملائكته بحراسة الإنسان في كلّ حينٍ، ولكن يبقى على المؤمن أن يقبل بهذه الوصاية ويُصلّي لملاكه المنير والحارس نفسه وجسده ليلازمه ويقوّيه أكثر فأكثر، من هنا وضعت الكنيسة المقدّسة صلاةً جميلة جدًّا تختصر علاقتنا بملاكنا الحارس، وتصف دوره في حياتنا فتقول: "أيّها الملاك الملازِم نفسي الشَّقيّة وحياتي الذَّليلة لا تُهملْني أنا الخاطئ، ولا تبتعدْ عنّي بسبب إسرافي وتبذّخي، ولا تُعطِ مجالًا للشَّيطان الشّرّير، لأن يسود على جسدي هذا المائت، بل أمسك بيدي الشّقيّة المسترخية واهدني إلى طريق الخلاص. نَعَم يا ملاك الله القدّيس الحارس والسّاتِر نفسي الشّقيّة وجسدي، سامحني بكلّ ما أحزنتك به جميع أيّام حياتي، وإن كُنتُ قد أخطأتُ في نهاري اليوم، فكُنْ أنت ساترًا لي في هذه اللّيلة، واحفظني من جميع حِيَل الـمُعانِد لكي لا أُسخِطَ الله بخطيئة من الخطايا، وتشفّع من أجلي إلى الرَّبّ، ليثبّتَني في مخافته ويُظهرني لصلاحه عبدًا مُستحقًّا. آمين".
القداسة
المتروبوليت أفرام (كرياكوس)
القدّيس هو المخصَّص لله، الّذي يعيش حياته، من كلّ جوانبها، لمجد الله. يسوع المسيح الإله- الإنسان هو القدّيس وحده وينبوع القداسة. المفروز للمسيح، القدّيس في العالم، هو الّذي يعكس في حياته قداسة المسيح. يتشفّع بالآخرين بمعنى أنَّه ينقل من خلاله نعمة المسيح وقوّة الرّوح القدس الّتي فيه إليهم. هي طاقة حراريّة إلهيّة تخترق الحواجز والمسافات وتذهب أبعد من القبر.
الرّوح القدس، روح الله الساكن في المسيح، هو مُنشِئُ القداسة في العالم. يكفي لنا أن نحيا بموجب وصايا الله وأن نجاهد من أجل ذلك عن طريق قراءة الإنجيل والصّلاة والعمل حتّى تفعل فينا نعمة الرّوح وتقدِّسنا.
القدّيسون أناس غير كاملين على الأرض. قال الرَّبُّ: "كونوا كاملين كما أنِّي أنا كامل". وقال القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ: "الكمال هو أن نسعى إلى الكمال".
القدّيس هو الّذي يعيش في هذا العالم وعيناه متَّجهتان إلى فوق. يحيا في وطنه الأرضيّ بإخلاص له، بصبر، بألم، لكن، أيضًا، بفرح لأنَّه يتوقَّع على الدّوام الالتحاق بموطنه الحقيقيّ الّذي في السّماوات مع الرَّبِّ يسوع (فيلبي 20:3 ).
يحيا القديس في هذه الدنيا بروح الله وليس بروح هذا العالم الفاسد. يتحمّل المشقّات، لكنَّ الرّوح القدس الّذي فيه يشفع به "بأنَّاتٍ لا توصَف" مشكِّلًا في ذاته عربونًا للحياة الأبديّة. الحياة الأرضيَّة هي له مجرّد مقدِّمَة للحياة الحقيقيَّة الأبديَّة الّتي يعيشها مسبَقًا هنا على الأرض عبر معرفة الرَّبّ يسوع والجهاد في اتِّباع وصاياه.
الكنيسة نشأت ونمت وازدهرت بفضل الشُّهداء القدِّيسين. فلا تخافوا أيُّها الأحبّاء المؤمنون، "أيُّها القطيع الصّغير"، مهما أصابكم من مِحَنٍ وحتّى من اضطهادات. يكفي أن تظلّوا ملتَصِقين بالرَّبِّ يسوع وبكنيسته، عاشقين له، فهو قادر عن طريق قدّيسيه أن يخلّصكم ويخلّص العالم أجمع. آمين.