في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
القدّيس إشعياء النّبيّ *القدّيس خريستوفوروس حامل المسيح *أبونا الجليل في القدّيسين نيقولاوس، أسقف ميرا ليكيا *القدّيس البارّ شيو (سمعان) مكفيم السّوريّ *الشّهداء نيقولاوس فونين الجديد ورفقته *القدّيس البارّ يوسف أوبتينا.
* * *
✤ القدّيس الشهيد خريستوفوروس حامل المسيح (القرن 3م؟)✤
جلّ ما نعرفه عنه من المصادر القديمة أنه استُشهد في آسيا الصغرى. وهناك كنيسة، بُنيت على اسمه، في بيثينيا، تعود إلى العام 452م. إكرامه شمل الشرق والغرب معاً. ما وصل إلينا اليوم من أخباره يبدو أنه يعود إلى القرن الثامن الميلادي. أخباره، هنا وثمّة، ليست واحدة. أكثر من تقليد، في شأنه، جرى تداوله عبر التاريخ. عُرف، في الغرب، بخاصة، في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا. وهو شفيع المصابين بالأوبئة والأمراض المعدية وكذلك شفيع المسافرين. كما يلجأون إليه في أوقات العواصف والفيضانات.
قيل إنه من البلاد السورية، كما ارتبط اسمه بـ “ليسيا” في آسيا الصغرى، وقيل صار مسيحياً في أنطاكية. تقليد آخر يجعله من قبيلة تُعرف بقبيلة “سينوسيفال” أي ذوات الرؤوس التي تشبه رؤوس الكلاب. هذه القبيلة، كما يبدي الدارسون، استوطنت مقاطعة تساليا.
يقولون إنه استُشهد في زمن الأمبراطور الروماني داكيوس قيصر في أواسط القرن الثالث للميلاد. وقد ذُكر أن اسمه قبل أن يصير مسيحياً كان “Reprobos” ومعناه “عديم القيمة”.
كان عملاقاً، طويلاً، ضخماً. في ملامح وجهه ما يخيف وما هو عنيف. رسّامو الإيقونات المتأخّرون يصوّرونه أحياناً وله وجه كلب لأنهم يأخذون اسم القبيلة التي ظُنّ انه ينتمي إليها بالمعنى الحرفي للكلمة. غير أن رواية أخرى تبدي أنه كان، في الأصل، جميل الطلعة، فلما صار مسيحياً أراد أن يقي نفسه والآخرين شرّ تجربة الجسد فسأل الربّ الإله أن يمنّ عليه بطلعة منفِّرة فصار له وجه كوجه الكلب.
حتى قبل أن يصير مسيحياً كان يتعاطف مع المسيحيّين لأنه كان يمجّ الظلم وكان يراهم مظلومين، يُساقون إلى الذبح ولا يفتحون أفواههم. مرّة دافع عنهم علناً فأغاظ أحد الوثنيّين البارزين وداخله هو روح الاتضاع. فلما لطمه باخوس – وهذا كان اسم الوثني – على وجهه، قابله بانكسار ولم يردّ عليه تشبّهاً بالمسيحيّين ومن أجل المسيح.
وهناك رواية تجعل منه، أول أمره، خادماً للشيطان. ويبدو أن الشيطان كان يتراءى له. وذات مرّة لاحظ خريستوفوروس أن الشيطان يهاب صليب المسيح. فإذ كان خريستوفوروس محبّاً لعشرة الأقوياء، فقد استاقته رغبته إلى التعرف بذاك الذي يرتعد أمامه الشيطان، وهكذا أتى إلى المسيح.
وفي اقتباله الإيمان بيسوع ورد إنه لما كان يبحث عن المسيح اهتدى إلى شيخ قدّيس يعيش في كهف مجهول، في سكون. هذا حدّثه عن الإيمان بالمسيح. دونك ما ورد بشأن صلته بهذا الشيخ القدّيس. قال له الشيخ: إن الملك الذي تريد أن تخدمه يطلب منك الصوم باستمرار. فأجاب: “أُطلب شيئاً آخر لأني لا أستطيع تنفيذ ما تطلبه”. فقال الشيخ: “إذن عليك بالصحو باكراً كل يوم من أجل الصلوات الكثيرة”. فأجاب: “وهذا أيضاً لا أستطيعه”. أخيراً قال له الشيخ: “هل تعرف النهر الفلاني حيث يُبتلع كثير من المسافرين أثناء الفيضان، ولا تستطيع القوارب أن تقاوم تيّاره؟ فأجاب بالإيجاب، فتابع الشيخ كلامه: “بما أن بنيانك قوي فعليك بالسكنى بجوار النهر وأن تحمل كل مَن يريد أن يعبر النهر. وهذا العمل سوف يُرضي الرب يسوع المسيح الذي تريد أن تخدمه. وأرجو أن يأتي اليوم الذي يظهر ذاته فيه لك”. فردّ القدّيس: “بالتأكيد، هذه خدمة يمكنني تنفيذها وأعدُك بذلك”.
مضى خريستوفوروس – وهذا صار اسمه بعدما اقتبل المسيح. واسمه معناه الحامل المسيح – أقول مضى إلى ذاك المكان، بجوار النهر، وبنى لنفسه كوخاً من الحجارة وغطّاه بأغصان الشجر ليسكن فيه. كما أحضر عصا كبيرة يمسكها بيده لتساعده على حفظ توازنه في الماء. وأخذ يجلس عند الشاطئ يساعد عابري النهر. وقد استمرّ على هذه الخدمة ردحاً من الزمن. وفي إحدى الليالي كان الجو عاصفاً والأمطار شديدة، فسمع صوت طفل يناديه من الخارج: خريستوفوروس، هلمّ خارجاً واحملني عبر النهر. عاد إليه الصوت ثلاث مرّات. أخيراً خرج يبحث عن مصدر الصوت فوجد طفلاً على الشاطئ يطلب منه أن يحمله ويعبر به. فحمله بشجاعة ونزل في الماء البارد، وسط التيّار الجارف معرِّضاً حياته للخطر. سار به لكن بدأ ثقل الطفل يزداد عليه جداً وسط هذا الجو الخطير. وبالجهد عبر وبلغ الضفّة الأخرى. فلما وصل قفز الطفل من على كتفيه وأعلن عن نفسه أنه الرب يسوع نفسه الذي رغب هو في خدمته، وقال له: سيكون اسمك من الآن خريستوفوروس لأنك حملت المسيح! وقيل أعطاه الرب الإله علامة أن يغرس عصاه بجانب الكوخ وسيرى، في الغد، أنها ستُخرج زهوراً وثماراً، ثم اختفى عنه. وبالفعل ما إن لاح صباح اليوم التالي حتى وجد خريستوفوروس العصا مثل النخلة وتحمل زهوراً وأوراق بلح.
أنّى يكن من أمر فقد جرى القبض على خريستوفوروس لإيمانه بالمسيح. أرسل داكيوس مئتي عسكري لجلبه. في الطريق أعطى الربّ الإله أن تجري على يد عبده أعجوبة كأعجوبة تكثير الخبز فأكل الجنود وشبعوا. بنتيجة ذلك صاروا مسيحيّين، ولاقوا حتفهم قَطعاً للأعناق وحرقاً إثر دراية داكيوس بأمرهم.
أُوقف خريستوفوروس أمام القيصر فأُعجب به وأراد أن يضمّه إليه بالحيلة. فسجنه وأرسل إليه، في السجن، امرأتين من العاهرات يغويانه ويحملانه على الخضوع للأوثان. فأتت النتيجة عكسية إذ اهتدت المرأتان، واسماهما كلّينيكا وأكلّينا. هاتان، أيضاً، قضى عليهما داكيوس، لإيمانهما، بميتة صعبة فضُمَّتا إلى ركب الشهداء. أما خريستوفوروس فبعد سلسلة من عمليات التعذيب أخضعوه لها جرى قطع رأسه.
من الذين شهدوا لعجائب القدّيس خريستوفوروس القدّيس أمبروسيوس، أسقف ميلان. القدّيس غريغوريوس الكبير (القرن 6م) ذكر ديراً في صقلّية يحمل اسم خريستوفوروس.
بشأن رفاته يبدو أن قسماً كبيراً منها جرى نقله إلى توليدو الاسبانية، وهي موجودة اليوم في دير القدّيس ديونيسيوس في فرنسا. أما عندنا، في الشرق، فجمجمته موجودة في دير كاركالو في جبل آثوس. وهناك أجزاء منه في أماكن أخرى بينها دير ديونيسيو ودير القدّيس يوحنا الحبيب في باتموس.
يذكر أن الكنيسة اللاتينية جعلت إكرام القدّيس خريستوفوروس ذا صفة محلية، نازعةً عنه صفته الجامعة وذلك ابتداء من العام 1969. هذا الموقف أثار ردود فعل حادّة عليه في العديد من بلدان الغرب، لا سيما في إيطاليا.