في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
شهداء نيقوميذية الّذين أُحرِقوا أحياء *الشّهداء الّذي قضوا في نيقوميذية خارج المحرقة *القدّيسة الشّهيدة دُمنة النيقوميذيّة *الشّهيد سكوندوس *القدّيس البارّ بابيلا الطّرسوسيّ *القدّيس البارّ سمعان الـمُفيض الطّيب مؤسّس دير سيمونوس بتراس في جبل آثوس *الشّهيد في الكهنة نيقوديموس الرّوسيّ، أسقف بلغورود.
* * *
✤ القدّيس البارّ سمعان المفيض الطّيب مؤسّس دير سيمونوس بتراس في جبل آثوس (القرن الثالث عشر)✤
عاش في القرن الثالث عشر. هجر أباطيل العالم ولجأ إلى الجبل المقدس، آثوس، طلباً لخلاص نفسه. انضم إلى أب شيخ كان متمرِّساً بالنسك صارماً متطلباً فخضع له بالتمام والكمال كما لله نفسه. أبدى من الطاعة والتواضع والمحبة والصبر ما رفعه إلى درجة عالية من الفضيلة. بات محطّ إعجاب رهبان آثوس واحترام الشيخ أبيه حتى كفّ الشيخ، أخيراً، عن اعتباره تلميذاً له وصار يعامله كرفيق في الجهاد. لم تحلّ هذه الكرامات له فاستأذن الشيخ وخرج ليعيش وحيداً. بعدما بحث طويلاً عن مكان يناسبه اهتدى إلى مغارة ضيقة رطبة على المنحدر الغربي من آثوس، على علو ثلاثمائة متر عن البحر. فأقام هناك، ليل نهار، عرضة لهجمات الشيطان المتواصلة ليس له ما يدافع به عن نفسه غير الإيمان والرجاء بالله ودعاء الاسم الحسن لربنا يسوع المسيح.
وحدث لسمعان ذات ليلة، قبل أيام من عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح، أن رأى نجماً يهبط فجأة من السماء ليستقر فوق صخرة مقابل المغارة التي كان مقيماً فيها. وإذ خشي أن يكون ذلك فخاً من فخاخ الخبيث الذي كثيراً ما يظهر بمظهر ملاك من نور، لم يولِ المنظر اهتماماً بل انصرف عنه إلى صلاته وسجداته. لكن المنظر تكرّر على سمعان بضع ليال متتالية. وما أن حلّت ليلة الميلاد حتى انحدر النجم فوق الصخرة كما لو كان نجم بيت لحم وخرج صوت من السماء، كان صوت والدة الإله، يقول: “لا تخف يا سمعان، الخادم الأمين لابني! انظر هذه العلامة ولا تغادر المكان فتجد لنفسك خلوة أكبر كما تشتهي لأني أريدك هنا أن تنشئ ديراً لخلاص كثيرين”. فلما سمع سمعان صوت والدة الإله اطمأن قلبه وغمرته النشوة فألفى نفسه محمولاً إلى بيت لحم، أفي الجسد أم خارج الجسد؟ الله يعلم. وقف مذهولاً أمام الطفل يسوع مع الملائكة والرعاة! وإذ عاد إلى نفسه باشر للحال ما دعته والدة الإله إليه.
وما هي إلا فترة قصيرة حتى جاء إلى سمعان ثلاثة إخوة من عائلة تسالونيكية غنية، سمعوا عنه وعن فضيلته، فألقوا بغناهم عند رجليه، على نحو ما فعل المجوس قديماً أمام طفل المغارة، وسألوه أن يقبلهم تلاميذ له. وجيء ببنّائين، فلما عاينوا الموضع ولاحظوا وعورته وخطورة العمل فيه امتنعوا واتهموا القدّيس بالجنون. في تلك الساعة جاء أحد الإخوة الثلاثة ليُقدِّم للبنّائين النبيذ ضيافة، وكان الموضع الذي جلسوا فيه مشرفاً على هوة، فزلقت رجل الأخ وسقط من علو، فظنّوه قد مات وتيّقنوا من أن ما قالوه عن استحالة العمل في المكان كان صحيحاً. فجأة، وبفعل صلاة قديس الله، رأوا الراهب يصعد من الهوّة سالماً معافى وإبريق الخمر في يده والكأس في اليد الأخرى ممتلئة وكأنه على وشك تقديمها لهم. إذ ذاك تعجّبوا ومجّدوا الله وترهّبوا. ولما بدأوا بالعمل تعرّضوا لحوادث عدة، لكن، بنعمة الله، لم يصبهم أي أذى.
من أحد الحوادث التي حصلت خلال العمل كانت عند وضع الأساسات ووفقًا لتعليمات القديس ، كان عليهم استخدام حجر بحجم هائل. أمرهم بنقلها ، لكنهم نسيوا معجزة النيذ وكانوا مقتنعين بأنهم لن يستطيعوا تحريك هذا الحجر. وقفوا هناك في حيرة من أمرهم ، ولم يكن لديهم أدنى فكرة عما يجب عليهم فعله. عند رؤية هذا ، اقترب القديس منهم ، ورسم إشارة الصليب الواهب للحياة على الحجر ، ورفعها بمفرده على كتفه وحملها إلى الموقع المحدد. وبهذه الطريقة أظهر حقيقة الكلمة التي قالها الرب للرسل: “الحق أقول لكم ، إذا كان لديكم إيمان مثل حبة الخردل ، فستقولون لهذا الجبل ، انتقلوا من هنا إلى هناك.” .
إن مثل هذا الرجل ، الذي أضعف جسده الصوم والعمل المضني كيف يمكن أن يرفع وزنًا يفوق بكثير القدرة البشرية ، وهذا الأمرهو بمثابة شهادة على قوة الله القديرة واستعداده على مساعدة الذين يلجؤون إليه بإيمان.
واكتمل البناء وأخذت أعداد من طلاب الرهبنة تنضمّ إليه. ووصل، ذات يوم، إلى المكان قراصنة من العرب. فجاء القديس سمعان إليهم بهدايا آملاً أن يصرفهم عن نهب الدير، فلم يرضوا وهجموا عليه يرومون الفتك به، فإذا بهم يعمون وتيبس يد أحدهم إذ حاول أن يضرب القديس بالسيف. ولكن، صلّى القديس وشفاهم بنعمة الله فتابوا واقتبلوا المعمودية المقدّسة وصاروا رهباناً.
عاش سمعان سنين طويلة أنعم الله خلالها عليه بمواهب جمّة كصنع العجائب والنبوءة والتعليم. ولما حضرته ساعة مفارقته، جمع تلاميذه وزوّدهم بإرشاداته ثم رقد بسلام. وقد تبيّن، فيما بعد، أن ضريح القدّيس كان يسيل منه الطيب كينبوع ماء حي، وكانت لهذا الطيب صفات عجائبية. لكن الخراب الذي حلّ بالدير، مرّات عديدة، محا كل أثر لمقبرته ورفاته. على أن هذا لم يحل دون رعاية القديس لديره سنين طويلة صوناً للطائعين وتقريعاً وتأديباً للآثمين المتهاونين. وقد كان بعض الرهبان يرى، في يوم ذكراه، نوراً يخرج من مغارته ليغطي إيقونته في الكنيسة. ثم إنه بعد رقاده بقرن من الزمن خرج، بشفاعته، روح خبيث من ابنة سيّد مقدونية الصربي، المدعو يوحنا أوغلش. ولكي يعبّر هذا الأخير عن امتنانه وهب الدير أملاكاً جزيلة.