نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 13 أيلول 2020
العدد 37
الأحد قبل عيد رفع الصّليب
اللّحن 5- الإيوثينا 3
أعياد الأسبوع: *13: تقدمة عيد الصَّليب، الشَّهيد كورنيليوس قائد المئة ورفقته، تجديد هيكل القيامة *14: عيد رفع الصّليب الكريم المُحيي (صوم)، *15: الشَّهيد نيقيطا، سمعان التِّسالونيكيّ، فيلوثيوس الصَّانع العجائب *16: العظيمة في الشَّهيدات آفيميَّة، مرتينوس أسقف رومية *17: الشَّهيدات صوفيَّا وبناتها بيستي وإلبيذي وأغابي *18: أفمانيوس العجائبيّ أسقف غورتيني *19: الشُّهداء تروفيموس وسبَّاتيوس ودوريماذُن.
كلمة الرّاعي
الصّليب فرح كلّ المَسكونة
أداة للموت هو منذ الأزمنة القديمة. صار رمزًا للحياة الفيّاضة بالحبّ الإلهيّ لمّا سُمِّر عليه ابن الله المتجسِّد مَن صار لنا بموته حياة وبآلامه إبادة للآلام.
تضع الكنيسة الصّليب، في هذا اليوم، بين الورود والرَّياحين لأنّه منه يفيض عبق القداسة بدم الَّذي افتدانا عليه. الصَّليب هو في وسط حياتنا، وحياتنا في وسط الأشواك، لكن عندما يكون المسيح على هذا الصّليب تتحوَّل الأشواك إلى خضرة وورود وجمال لأنّ "الله يُشـرق من الظّلمة نور".
أحد السّجود للصَّليب المكرَّم هو ثالث أحد من آحاد الصّوم، رتَّبَتْهُ الكنيسة المقدَّسَة لكي تشدِّدنا في جهادنا ناقلة إيّانا إلى ناجمة الصَّليب بالمسيح يسوع أي القيامة والحياة الأبديّة، فتمدُّنا هكذا نحو غاية جهادنا، صليبنا، ألا وهي الغلبة على الموت والشِّرِّير واقتناء ملكوت السّماوات...
* * *
جهاد الصّوم والصّلاة هو الصَّليب الَّذي "به صُلِب العالم لي وأنا للعالم" (غلاطية 6: 14). الرَّبُّ يسوع هو من علّمنا، أوَّلًا، هذا الأمر في حياته وبذلِه نفسه لأجلنا حاملًا عار خطايانا وهو البريء من العيب، لأنَّ "أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا (...) وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا (...) عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ (...) وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا (...) سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ" (إشعياء 53: 4، 7، 9، 11 و12 ).
كلمة الرَّبّ يسوع لم تكن مرَّة سوى حياته، سوى شخصه منقولًا إلينا بالرّوح القدس. فمن يقتبل كلمة يسوع في قلبه ويتركها تنقّيه يتحوَّل هو إلى هذه الكلمة فيصير الكلمة (Ο Λόγος) فيها حاضرًا وفاعلًا. بكلمات أخرى، بطاعة الوصيّة في المحبّة الإلهيّة تصير شجرة معرفة الخير والشّرّ الصَّليب الَّذي به ينتقل الإنسان، بهذا الجهاد الصّياميّ الرّوحيّ الصّلاتيّ في صَلْبِ المعرفة السَّاقطة بالتّواضع، إلى ترك كلّ ما في العالم من غذاء لطلب ثمرة شجرة الحياة فقط أي "الكلمة الإلهيّ".
آدم الأوّل سقط، بطُعم لذّة الطّعام، في خدعة وهم التّألّه بعود معرفة الخير والشَّرّ، دون الله، من مشـروع ربّه له ولذريّته فأدخَلَ بالمعرفة، الّتي خارج المحبّة والتّسليم لله، الموت والألم والخراب للخليقة بأسرها. آدم الثّاني، الرَّبّ يسوع المسيح، حمل بالطّاعة في الحبّ للآب بجسده من خلال الإمساك ثمرة سقوط آدم مع كلّ نتائجها ليُدخِل الإنسان في نور المعرفة الإلهيّة بواسطة خبرة إماتته للخطيئة على الصّليب وانتصاره عليها مع ما نجم عنها من نتائج على البشريّة والخليقة. بعبارات أخرى "بالصّليب قد أتى الفرح إلى كلّ العالم" لأنَّ الرَّبَّ "بالموت للموت أباد وحطم"، أي أنّ الصَّليب صار مطرح تحقيق وتجلِّي الغلبة الإلهيّة-البشريّة في المسيح يسوع الإله-الإنسان لكلّ الخليقة مع ذرّيَّة آدم الأوّل على سقوطها، وإعادة خلق العالم بدم الحمل الذَّبيح منذ إنشاء العالم.
* * *
أيّها الأحبّاء، ”فَلْنَتَمَسَّكْ بالاعترافِ. لأنْ ليسَ لنا رئيسُ كهنةٍ غيرُ قادرٍ أن يَرثيَ لأوهانِنا، بل مُجَرَّبٌ في كلِّ شيءٍ مِثلَنا ما خَلا الخطيئة" (عبرانيين 4: 14-15). الرَّبُّ شارَكَنا ضعفنا ليمنحنا قوّته. لا بدّ لنا من العبور بضعف الصَّليب أي بأن نقبل الإقرار بعدم قدرتنا على احتمال الصّليب وحدنا دون نعمة الله، لكيما بقوّة صليب المسيح ننتقل بألم الموت عن عتاقتنا إلى فرح الحياة الجديدة بالحبّ الإلهيّ الَّذي يُشرق حياتنا بنور المعرفة الإلهيّة في رحاب بهجة لُقيا المسيح في قلوبنا وفي وجوه الآخَرين الَّذين ما زالوا قابعين في "بقعة ظلال الموت" جاهلين نورانيّة صورة الله فيهم.
نتشدَّد اليوم ونفرح لأنّنا نعلم يقينًا أنّ زمن سؤدد الظّلمة قد باد دون رجعة بصليب المسيح، لأنّ الخطيئة وتاليًا الموت قد غُلِبا في يسوع وفي من هو متَّحد بيسوع. أمّا من يرفض خلاص الله الممدود في العالم من خلال جسد المسيح، أي الكنيسة، بعد يلمس حبّ الله وحنانه يعود إلى سقطة آدم الأوّل وسيبقى في دوامة هذا السُّقوط في ألم الصّليب بعود معرفة الخير والشَّرّ...
فلنصلب عقولنا بالإيمان والاتّكال على الله ليزهر لنا عود الصّليب حياة وغلبة أبديّتان للحبّ والفرح والسّلام...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريَّة تقدمة عيد الصّليب (باللَّحن الثّاني)
أيّها الرّبّ إنّنا نقدّمُ لكَ للاستشفاع صليب صلاحك المُحيي. الّذي وهبتهُ لنا نحن غير المُستحقّين. فخلّص الملوك ومدينتكَ جاعلًا لهم سلامًا لأجل والدة الإله، يا مُحبَّ البشر وحدك.
طروباريَّة للتّجديد (باللَّحن الرَّابِع)
كمثلِ بهاءِ الجَلَد العُلويّ، أظهَرتَ الجمالَ السُّفليّ، لمسكن مجدِكَ الأقدَس يا ربّ، فثبّتهُ إلى دهر الدّاهرين، وتقبَّل طلباتنا المقدَّمَة لك فيهِ بغيرِ فتور، لأجلِ والدةِ الإله، يا حياةَ الكُلّ وقيامتهم.
قنداق للتّجديد (باللَّحن الرَّابِع)
إنّ الكنيسة المقدّسة قد ظهرتْ سماءً كثيرة الأنوار، منيرةً المؤمنين جميعًا، وإذ نحن فيها واقفون نصرخ هاتفين: ثبّت هذا البيت يا ربّ.
الرّسالة (غلا 6: 11– 18)
خَلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَكَ وبَارِكْ مِيرَاثَكَ
إِلَيْكَ يا رَبُّ أَصْرُخُ: إِلهِي
يا إخوةُ، اُنْظُرُوا ما أعظمَ الكتابات الَّتي كتبتُها إليكم بِيَدِي، إنَّ كُلَّ الَّذينَ يُريدونُ أن يُرضُوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزِمُونَكُم أن تَخْتَتِنُوا، وإِنَّمَا ذلكَ لئلَّا يُضْطَهَدُوا من أجلِ صليبِ المسيح، لأنَّ الَّذينَ يَخْتَتِنُونَ هُم أَنفسُهُم لا يَحْفَظُونَ النَّاموسَ، بل إنَّما يُريدونَ أَنْ تَخْتَتِنُوا لِيَفْتَخِرُوا بأجسادِكُم. أَمَّا أنا فحاشا لي أنْ أَفْتَخِرَ إِلَّا بصليبِ ربِّنا يسوعَ المسيح، الَّذي به صُلِبَ العالمُ لي وأنا صُلِبْتُ للعالم. لأنَّهُ في المسيحِ يسوعَ ليسَ الخِتَانُ بشيءٍ ولا القَلَفُ بل الخليقَةُ الجديدة. وكلُّ الَّذين يَسْلُكُونَ بحَسَبِ هذا القانونِ فَعَلَيْهِم سَلامٌ ورَحمةٌ، وعلى إسرائيلِ الله. فلا يَجْلِبَنَّ عَلَيَّ أحدٌ أَتْعَابًا فيما بَعْدُ، فإنِّي حَامِلٌ في جسدِي سِمَاتِ الرَّبِّ يسوع. نعمةُ رَبِّنَا يسوعَ المسيحِ مع روحِكُم أيُّها الإخوةُ. آمين.
الإنجيل (يو 3: 13– 17)
قالَ الرَّبُّ: لمْ يَصْعَدْ أَحَدٌ إلى السَّماءِ إِلَّا الَّذي نَزَلَ من السَّماءِ ابنُ البشر الَّذي هو في السَّماءِ. وكما رفعَ موسى الحيَّةَ في البرِّيَّة، هكذا ينبغي أنْ يُرفَعَ ابْنُ البشرِ لكي لا يَهْلِكَ كلُّ مَن يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّة. هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتّى وهبَ ابنَهُ الوحيد، فلا يَهلِكَ كلُّ مَن يؤمنُ به، بل تكونُ له الحياةُ الأبديّة. فإنَّهُ لم يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ الوحِيدَ إلى العالم ليَدِينَ العالمَ، بَلْ لِيُخَلِّصَ بهِ العالم.
حول الإنجيل
"كَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو 3: 14). لماذا شبّه الرَّبُّ يسوع نفسه بالحيّة، مع أنّنا نعلم أنّ الحيّة هي رمز للشّرّير والخطيئة كما ورد في قصّة الخلق؟ لأنّ الآب "جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ" (2 كور 21:5). فعندما خطئ الإنسان دخل المرض إلى طبيعتنا، وأصبحتْ هذه الطّبيعة عُرضة للخطيئة وطريقًا سهلًا لها. أخذ الرَّبُّ يسوع جسد الخطيئة وقتل الخطيئة الّتي فيه وفتح لنا باب التّألّه بالنّعمة. في العهد القديم تذمّر الشّعب اليهوديّ في البرّيّة على الله وموسى لذلك ظهرت الحيّات وقتلت المتذمّرين والمحرِّضين نكران كلّ ما فعله الله لهم. نتيجةً لهذا الحدث، صنع موسى حيّة نحاسيّة وقال: "كلُّ من لُدغْ ونظرَ إليها يحيا" (عدد 8:21)؛ هذه الحيَّات السّامّة موجودة اليوم في داخلنا، منها: الكبرياء، الغضب، الإدانة، النّميمة، الزِّنى، الحقد، الكره، الحسد، الغيرة، التَّذمُّر، الحشريّة، الكسل، المجد الباطل، حبّ المديح، الأنانيّة، الشّراهة، الاكتئاب، اليأس، محبّة المال...كلُّ من ينظر إلى الرَّبِّ يسوع يُشفى، بمعنى آخر كلُّ من يؤمن بالرَّبِّ يسوع ويسعى لتغيير حيّات، فذاك يُشفى من هذه الحيّات السّامّة لأنّنا بدونه "لا نستطيع شيء". لذلك علينا أن نطلب مساعدة الرَّبِّ يسوع، ضف إلى ذلك الجهاد الشّخصيّ، لنتخلصّ من هذه الحيّات السّامّة وإلّا سوف نموت، روحيًّا، لأنّ "أجرّة الخطيئة الموت" (رو 6: 23) كما يقول بولس الرَّسول.
إذًا يا إخوة مهمّتنا الأساسيّة أن نسمع ما يقوله لنا الرَّبُّ يسوع، وهذا يبدأ، كمرحلة أولى، بقراءتنا للكتاب المقدَّس. والكنيسة موجودة للمساعدة للتَّخلّص من هذه الحيّات السّامّة الموجودة فينا جميعًا، لأنّ الكنيسة كما يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم: هي مستشفى، وليس مكان يلتقي فيه النّاس فقط إنّما هي مستشفى لمساعدة النّاس لكي يتخلّصوا من أمراضهم الدّاخليّة والخارجيّة. آمين
رفع الصّليب
سمِعنا في قراءات غروب عيد رفع الصَّليب، وفي تراتيل السَّحَر، إشاراتٍ إلى حوادث في العهد القديم مثَّلت رمزًا للصّليب المُقَدَّس. أوّلها الكلام عن يونان النّبيّ حين بسط يديه في جوف الحوت البحريّ بشكلِ صليب فرَسَم الآلام الخلاصيّة بوضوح، ولمَّا خرج من جوفه في اليوم الثّالث مثَّل القيامة بعد ثلاثة الأيّام. كما أشارت التّراتيل إلى موسى لمَّا ضرب بالعصا مُستَوِيَة ثمَّ مخالفةً فرسم بها الصّليب وشقَّ البحر الأحمر وأجاز فيه إسرائيل ماشيًا. وأيضًا إلى تلك العصا الّتي ضرب بها الماء المرّ في مارة فحوَّله إلى ماءٍ عذبٍ للشّعب العطشان. لكنّ أوضح وأجمل صورة هي تلك، عندما رفع موسى الحَيَّة النُّحاسيّة في البرّيّة ليُشفى بها كلّ من ينظر إليها من لَدْغِ الأفاعي آنذاك.
هذه الحيّة ترمز للمسيح المصلوب الّذي حمل شكل بشرتنا لكنّه كان خاليًا من الخطيئة كما الحيّة النُّحاسيّة كانت خالية من السّمّ.
***
كان رسم إشارة الصّليب في العهد القديم يسبق حدثًا خلاصيًّا يتدخّل بعده الله بشكل جذريّ في حياة النّاس. لذلك نرسم إشارة الصّليب عندما نشكر، على عبارة المجد للآب والابن والرّوح القدس. عندما نأكل وعندما نشبع، بعد الاستيقاظ وقبل النّوم، عند الخروج من المنـزل وعند الدّخول إليه. قبل الدّرس وبعده… وقد تترافق إشارة الصّليب في حياتنا اليوميّة مع أغلب التّصرّفات، والحركات، والكلمات، وليتها ترافقها كلّها، فتباركها وتنقّيها وتصفّيها. ونرسم إشارة الصّليب في الخِدَم اللّيتورجيّة، باختصار هي نداء لاستدرار النّعمة الإلهيّة.
لهذا إنّ عيد رفع الصّليب طعنة موجَّهة إلى إنساننا القديم، ونفخةُ حياةٍ لقيامةِ إنسانِنا الجديد بالمسيح. الصَّليب انقلابٌ تحقّقه النِّعمة الإلهيّة الّتي طلبناها حين نرسم إشارة الظّفر إنباءً بها.
"فلصليبك يا سيّدنا نسجد ولقيامتك المقدَّسة نسبّح ونمجّد".
بالصّليب أتى الفرح لكلّ العالم!.
تواضع اللّص
عانت فتاةٌ بشكلٍ متكرّرٍ من إزعاجات شيطانيّة. فمضى بها والداها البائسان من راهبٍ إلى أخر ملتمسين صلوات الرّهبان ولكنّها لم تُشفَ. وفي نهاية المطاف، قال لهما أحد الرّهبان وكان والداها يحبّانه كثيرًا: ”إذا كنتما تريدان شفاء ابنتكما فاذهبا إلى الصّحراء. ستجدون هناك رهبانًا قدّيسين وأؤمن أنّهم سيشفونها بصلواتهم“.
لذلك، أخذ الوالدان وجهة الصّحراء وساروا. وهناك صادف أنّ راهبًا جديدًا كان نازلًا إلى العالم. وحالما شاهداه قادمًا من بعيد غمَرَهما الفرح. وقالا: إنّ الله أشفق علينا وأرسلَ لنا هذا الرّاهب القدّيس كيلا نتعذّب وسط الصّحراء اللّامتناهيّة.
وحالما اقترب ذاك سقط الوالدان على قدميه مع ابنتهما متضرّعين:
- يا أخي، إنّ ابنتنا تتعذّب من شيطان. لأجل محبّة المسيح صلِّ كي تتحرّر منه.
- أنا لستُ من هؤلاء الرّهبان القدّيسين الّذين يستطيعون أن يشفوا. أنا خاطئ وغير مستحقّ.
- لأجل اللّه أظهر لنا محبّة. أشفق علينا وصلِّ لأجلها.
فأصرّ ذاك بالقول:
- قُلتُ لكما أنا خاطئ وغير مستحقّ.
اعتقد الوالدان بأنّ الرّاهب كان يتحدّث هكذا بسبب التّواضع واستمرّا في التوسّل إليه ولكنّ الرّاهب كان يتفوّه بالأقوال ذاتها. وفي نهاية الأمر، لدى مشاهدته دموعهما تأثّر. فأخرج من حقيبته كتابًا صغيرًا وقال لهما: صدّقاني هذا الكتاب سرقتُه من هناك ولهذا رحلتُ عن المكان. وحالما تفوّه بهذا القول خرج الشّيطان من المريضة. لم يحتمل لا تواضع الرّاهب ولا إيمان الوالدَين.